«عُمان ضيف شرف معرض الكتاب» الثقافة العمانية تثير الأسئلة في القاهرة وتفتح باب الحوار
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
لا يمكن تصوُّر الحضور الثقافي العماني في القاهرة هذه الأيام، حيث تحل سلطنة عُمان ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب، أنه يأتي في سياق التعريف بالثقافة العمانية فقط، كان هذا الأمر يمكن فهمه في ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، ولكن اليوم أصبحت عُمان وثقافتها في طليعة الثقافة العربية بل إن الأدب العماني تجاوز الحضور العربي والإقليمي إلى الحضور العالمي.
ورغم أن الكثير من زوار جناح سلطنة عُمان في معرض القاهرة للكتاب يسألون عن الكثير من التفاصيل التي تخص عُمان سواء ما كان منها سياسي أو اقتصادي وبشكل أكبر الثقافي إلا أن النخب المثقفة في مصر كانت تسأل عن الكتاب العمانيين شعراء وروائيين وصحفيين بالاسم، وتبحث عن أعمالهم وإن كان ثمة إصدارات جديدة في طريقها للمعرض.
بهذا المعنى كان جناح سلطنة عُمان في المعرض محطة مهمة لإدارة حوارات عميقة حول الثقافة والفكر والتاريخ والصحافة تجاوز حوار المجاملات إلى حوار الأفكار، مما يعني مبدئيا أن المشاركة العمانية في معرض لم يكن هدفها التعريف بمفردات الثقافة العمانية، رغم أهمية هذا الهدف وحضوره في بعض الأحيان، ولكن الهدف الأكبر والأسمى في هذه المرحلة هو أن تأخذ التجربة العمانية مكانتها التي تليق بها وأن تنعكس هذه التجربة على العالم العربي.
إن هذه المرحلة التي وصلت لها عُمان هي نتاج سنوات طويلة من العمل في مختلف المجالات السياسية والثقافية والأكاديمية وهي اليوم تبسط حضورها القوي وأثرها ليس فقط على المشهد الثقافي الخليجي ولكن على المشهد العربي والإقليمي.
ومن حضر ندوة العلاقات العمانية المصرية في افتتاح البرنامج الثقافي المصاحب لمشاركة عُمان في المعرض يستطيع أن يعرف كيف أن الشعوب العربية باتت تنظر إلى السياسية العمانية في تعاملها مع القضايا العربية وفي قدرته على بناء مجتمع عماني قوي قادر على الصمود في وجه التحديات العالمية دون أن يفقد بوصلته الأخلاقية والقيمية أو يخرج من ذاته.
وليس مبالغة أن الكثير من العرب يتمنون تبني النموذج العماني المتزن الذي يتكئ على ميراث حضاري عريق وفكر سياسي وتاريخي يعني التاريخي ويفهم مآلات الأحداث الجارية اليوم.
ورغم أن حضور الفعاليات الثقافية في الكثير من المعارض العربية دون طموحات المنظمين، والأمر نفسه في معرض القاهرة رغم الكثافة السكانية، إلا أن الحضور النوعي من المصريين والعرب كشف عن احتفاء وتقدير منهم بالمنجز الحضاري العمانية وبالجهود الثقافية التي تبذلها سلطنة عمان في تمكين الثقافة العمانية الأمر الذي جعل الصوت الثقافي العماني عاليا إلى جوار الصوت السياسي الذي كسب احترام العالم منذ فترة مبكرة نتيجة السياسية الخارجية العمانية.
وشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب حضورا جماهيريا كثيفا منذ اليوم الأول لافتتاحه، والمعرض الذي يزوره سنويا قرابة ٤.٥ مليون زائر سنويا يشهد مشاركة أكثر من ٨٠ دولة وهو ثاني أكثر معرض في العالم بعد معرض فرانكفورت ويتحول المعرض إلى تظاهرة ثقافية كبرى يأمها المثقفون من مختلف دول العالم وتناقش فيها قضايا الثقافة والفكر وتحديات النشر في العالم العربي خصوصا وفي العالم عموما.
وتشارك في المعرض ٢٢ دار نشر ومكتبة عمانية بحضور حوالي ٥ آلاف عنوان عماني في مختلف فنون الثقافة والفكر والمعرفة.
إضافة إلى عرض مخطوطات تاريخية قديمة جدا ووثائق تكشف أصالة الحضارة العمانية.
كما تشهد المشاركة العماني تقديم برنامج ثقافي ثري يتضمن محاضرات تاريخية وأدبية وسينمائية وتناقش تجارب مثقفين عمانيين في مختلف فنون المعرفة إضافة إلى حفلات توقيع لكتب عمانية صدرت في دور نشر عربية مختلفة.
وإذا كانت الفعاليات الثقافية المصاحبة لمشاركة سلطنة عُمان نوعية وثرية إلا أن حضور الكتاب العماني، أيضا، كان ملفتا في المعرض، فإضافة إلى آلاف الإصدارات العمانية الصادرة في دور نشر عربية مختلفة من الخليج إلى المحيط دعمت وزارة الثقافة والرياضة والشباب دور نشر ومكتبات عمانية للمشاركة في المعرض وتسجيل حضورها وسط دور النشر العربية إضافة إلى مشاركات وزارة الثقافة والرياضة والشباب نفسها بإصدارات متميزة كشفت عن ثراء المنجز الثقافي العماني وكذلك إصدارات وزارة الإعلام ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية والنادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء التي حضرت بمئات العناوين التي تمثل الجيل الجديد من الكتابات العمانية والتي تتنوع بين الأدب والفكر والفلسفة والدراسات التاريخية والعلمية. ومن بين المشاركات المهمة في المعرض أيضا ركن ذاكرة عمان وركن دور نشر معنية بأدب الطفل والتي لاقت إقبالا جيدا رغم حداثة تجربتها على المستوى العربي.
ولذلك يمكن النظر إلى الحضور العماني الكثيف في معرض القاهرة الدولي للكتاب عبر مسارين: المسار الأول مسار الاحتفاء المصري والعربي بالمنجز الثقافي العماني، والمسار الثاني يتجسد في تعميق الروابط بين عمان ومصر والعالم العربي عبر مسار الثقافة، وتعزيز الحضور الثقافي العُماني، وإبراز الدور التاريخي للسلطنة عُمان في إثراء الحضارة العربية والإسلامية، وأبرزها العمق التاريخي والثقافي الذي تتمتع به عُمان، والذي يمتد عبر قرون من التفاعل الحضاري والتجاري والمعرفي.
ورغم أن الحضور الثقافي العماني استطاع فعلا أن يجد له مكانة مهمة في المشهد الثقافي العربي إلا أن وجوده في معرض القاهرة للكتاب وسط الحضور العربي الكثيف والحضور الإعلامي يوفر فرصة لتعزيز حضور الأدب العُماني بمختلف أشكاله، من الرواية والشعر إلى الدراسات التاريخية والفكرية، كما يتيح الفرصة لتعريف الجمهور العربي بأبرز الكتاب والمفكرين العُمانيين الذين لم يتعرف عليهم من قبل خاصة وأن البعض رغم مكانتهم إلا أنهم بقوا بعيدا عن الأضواء العربية، مما يعزز انتشار الإنتاج الأدبي والفكري العُماني في المنطقة.
ومن بين أهم المكاسب التي يمكن الحديث عنها في مشاركة عُمان ضيف شرف في معرض القاهرة تتمثل في فتح منصة مهمة لدور النشر العُمانية لعرض أعمالها على جمهور واسع، مما قد يسهم في فتح أسواق جديدة للكتاب العُماني، ويعزز من حضور الناشرين العُمانيين في المعارض العربية والدولية.
لكن هناك أسباب كثيرة تجعل مشاركة سلطنة عمان في المعرض والاحتفاء بها بوصفها «ضيف شرف المعرض» وهذا تقليد عريق في مختلف معارض الكتب في العالم بعض ظاهر الآن وبعضها ستظهر نتائجه في المرحلة القادمة كنتيجة لهذه المشاركة وهذا الاحتفاء العربي.. والمشاركة في المجمل استثمار استراتيجي في تعزيز الحضور العُماني على الساحة الثقافية العربية والدولية. وإبراز الهوية الثقافية الغنية، وتعزيز التواصل العماني مع المثقفين العرب، وفتح آفاق جديدة للتعاون الثقافي والإبداعي.. وكل هذا يمكن أن يختزل في عبارة واحدة هي حضور القوة العمانية الناعمة في العالم العربي وهي القوة التي تسهم في تعزيز العلاقات بين الشعوب وبناء مستقبل أكثر إشراقا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثقافة العمانیة الثقافی العمانی فی معرض القاهرة العالم العربی الثقافی الع الکثیر من فی المعرض فی العالم الع مانی فی مختلف ع مان فی ضیف شرف دور نشر إلا أن
إقرأ أيضاً:
عن الوثيقة في كتب التراث العماني
كان للتأليف عند العمانيين في العصر الإسلامي وما تلاه مناهج وطرائق، ولهم في استمداد المعارف مسالك ومشارب، ومع أن التراث العماني لم يخرج جلُّه عن قالب علوم الشريعة الإسلامية التي يتصدّرها الفقه، لكنْ لم يَحُل ذلك دون تعدد مصادر التأليف التي اتكأ عليها المصنِّفون وأخذوا منها. والحق أن المكتوب من المصادر كان موازيًا للمروِيّ، لكن المصادر المكتوبة كانت الغالب مما اعتمده أرباب التأليف لا سيما أولئك الذين صنّفوا الكتب المطوّلة في الفقه وعلم الكلام. ومن تلك المصادر المكتوبة ما يمكن أن نطلق عليه اليوم مصطلح "الوثائق"، وهي بمفهومها البسيط أوعية عليها كتابة لإثبات حق، أو نقل خبر، أو بيان حال، أو ما شابه ذلك مما يقتضي التوثيق لمن يقع المكتوب في يده في الحال أو المستقبل، وهذا بطبيعة الحال ليس تعريفًا اصطلاحيًا بقدر ما هو تفسير بلغة خاصة. وقد عُرِف اصطلاح الوثيقة في التراث العُماني منذ زمن بعيد، ومما دلَّ على ذلك نقل أبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي (ق5هـ) في كتاب الضياء أن أهل الجاهلية كانوا يكتبون الوثائق.
على أنه قد يكون المراد بالوثائق فيما ذكره العوتبي ليس مطابقًا للتعريفات المعاصرة، لكن الاصطلاح اليوم ينطبق إلى حد بعيد على المكاتبات أو المراسلات، والحجج الشرعية نحو الأحكام والصكوك والوصايا وما في حكمها. وهذه الأصناف من الوثائق رغم أن الحال يقتضي أن تبقى في أيدي أصحاب العلاقة ثم من يأتي بعدهم، نُقِل بعض منها في كتب الفقه في سياقات متعددة أبرزها النوازل والجوابات الفقهية، أو سياق الاستدلال الفقهي، أو مما زاده المطالِعون والنُّسّاخ والمعلقون. وبالمثل انتشر نقل الوثائق التي يدخل بعضها في مفهوم (السِّيَر) مثل عهود الحكّام إلى ولاتهم وعمّالهم، أو رسائل العلماء إلى بعضهم، وكل ذلك داخل أيضًا في باب ما يُعرَف بالسياسة الشرعية.
على أن الكثير من الوثائق بكل أشكالها نُقِلَتْ في المخطوطات ضمن ما يُعرَف بـ "خوارج النص"، سواء بخطوط النسّاخ أو بأيدي من جاء بعدهم، فأصبح بعضها في حكم النصوص المستقلة ضمن مجموع، ولها أمثلة كثيرة فيما وصلنا من مخطوطات، وقد تعرَّضت لهذا المبحث في كتاب (المخطوط العماني – التاريخ والتقاليد).
أما عن قيمة المنقول من الوثائق في كتب التراث العماني فحسبنا إن علمنا أن تلك الكتب غدت مصادر وحيدة لتلك الوثائق التي يرجع بعضها إلى أزمنة لم تصلنا منها أصول وثائقية قَطّ، أو بقي قليل نادر يرجع إلى عصور لاحقة.
وليس بعجيب أن يشتغل الدارسون برصد واستقراء الوثائق المنقولة في كتب التراث الإسلامي عامة، فهناك عشرات الدراسات التي عُنِيت بالوثائق التفتت إلى ما نُقِل في الكتب المصنَّفَة من وثائق، ولعل من أبرز أمثلتها دراسة محمد حميد الله (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة) التي يقول في مقدمتها: "وإذا كانت أصول الوثائق قد ضاعت فقد حفظ لنا رواة الحديث والمؤرخون جملة صالحة منها كما يظهر ذلك في تذكرة المصادر التي ألحقناها بهذا الكتاب".
وفي هذه السلسلة نود أن نتعرّض لأمثلة من الوثائق التي تحفل بها الكتب العمانية، مع محاولة اكتناه ما تتضمنه من دلالات تاريخية حضارية، واستقراء ما تدور حوله من قضايا، وما وردت فيه من سياقات. ونكاد نزعم أنه لو جُمِع شتات تلك الوثائق لتشكّلت موسوعة وثائقية كبيرة، ولغدت مرتعًا لدراسات التاريخ والحضارة وفروع أخرى من العلوم الإنسانية.