لا يمكن تصوُّر الحضور الثقافي العماني في القاهرة هذه الأيام، حيث تحل سلطنة عُمان ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب، أنه يأتي في سياق التعريف بالثقافة العمانية فقط، كان هذا الأمر يمكن فهمه في ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، ولكن اليوم أصبحت عُمان وثقافتها في طليعة الثقافة العربية بل إن الأدب العماني تجاوز الحضور العربي والإقليمي إلى الحضور العالمي.

ولذلك فإن حضور عُمان في معرض القاهرة هو تكريم لمسيرة الثقافة العمانية ومنجزها الحضاري طوال القرون الماضية، وبعد كل هذه السنوات من الحضور والتميز والقدرة على الإضافة للحضارة الإنسانية كان هذا الاحتفاء المصري بهذه الثقافة وبمنجزها.. وفي الحقيقة فإن الاحتفاء المصري بأي منجز عربي أو إنساني هو احتفاء عربي نظرا لمركزية مصر في العالم العربي.. وشعر من حضر للقاهرة من العمانيين أن ثقافتهم كانت محط احتفاء عربي وليس مصريا فقط.

ورغم أن الكثير من زوار جناح سلطنة عُمان في معرض القاهرة للكتاب يسألون عن الكثير من التفاصيل التي تخص عُمان سواء ما كان منها سياسي أو اقتصادي وبشكل أكبر الثقافي إلا أن النخب المثقفة في مصر كانت تسأل عن الكتاب العمانيين شعراء وروائيين وصحفيين بالاسم، وتبحث عن أعمالهم وإن كان ثمة إصدارات جديدة في طريقها للمعرض.

بهذا المعنى كان جناح سلطنة عُمان في المعرض محطة مهمة لإدارة حوارات عميقة حول الثقافة والفكر والتاريخ والصحافة تجاوز حوار المجاملات إلى حوار الأفكار، مما يعني مبدئيا أن المشاركة العمانية في معرض لم يكن هدفها التعريف بمفردات الثقافة العمانية، رغم أهمية هذا الهدف وحضوره في بعض الأحيان، ولكن الهدف الأكبر والأسمى في هذه المرحلة هو أن تأخذ التجربة العمانية مكانتها التي تليق بها وأن تنعكس هذه التجربة على العالم العربي.

إن هذه المرحلة التي وصلت لها عُمان هي نتاج سنوات طويلة من العمل في مختلف المجالات السياسية والثقافية والأكاديمية وهي اليوم تبسط حضورها القوي وأثرها ليس فقط على المشهد الثقافي الخليجي ولكن على المشهد العربي والإقليمي.

ومن حضر ندوة العلاقات العمانية المصرية في افتتاح البرنامج الثقافي المصاحب لمشاركة عُمان في المعرض يستطيع أن يعرف كيف أن الشعوب العربية باتت تنظر إلى السياسية العمانية في تعاملها مع القضايا العربية وفي قدرته على بناء مجتمع عماني قوي قادر على الصمود في وجه التحديات العالمية دون أن يفقد بوصلته الأخلاقية والقيمية أو يخرج من ذاته.

وليس مبالغة أن الكثير من العرب يتمنون تبني النموذج العماني المتزن الذي يتكئ على ميراث حضاري عريق وفكر سياسي وتاريخي يعني التاريخي ويفهم مآلات الأحداث الجارية اليوم.

ورغم أن حضور الفعاليات الثقافية في الكثير من المعارض العربية دون طموحات المنظمين، والأمر نفسه في معرض القاهرة رغم الكثافة السكانية، إلا أن الحضور النوعي من المصريين والعرب كشف عن احتفاء وتقدير منهم بالمنجز الحضاري العمانية وبالجهود الثقافية التي تبذلها سلطنة عمان في تمكين الثقافة العمانية الأمر الذي جعل الصوت الثقافي العماني عاليا إلى جوار الصوت السياسي الذي كسب احترام العالم منذ فترة مبكرة نتيجة السياسية الخارجية العمانية.

وشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب حضورا جماهيريا كثيفا منذ اليوم الأول لافتتاحه، والمعرض الذي يزوره سنويا قرابة ٤.٥ مليون زائر سنويا يشهد مشاركة أكثر من ٨٠ دولة وهو ثاني أكثر معرض في العالم بعد معرض فرانكفورت ويتحول المعرض إلى تظاهرة ثقافية كبرى يأمها المثقفون من مختلف دول العالم وتناقش فيها قضايا الثقافة والفكر وتحديات النشر في العالم العربي خصوصا وفي العالم عموما.

وتشارك في المعرض ٢٢ دار نشر ومكتبة عمانية بحضور حوالي ٥ آلاف عنوان عماني في مختلف فنون الثقافة والفكر والمعرفة.

إضافة إلى عرض مخطوطات تاريخية قديمة جدا ووثائق تكشف أصالة الحضارة العمانية.

كما تشهد المشاركة العماني تقديم برنامج ثقافي ثري يتضمن محاضرات تاريخية وأدبية وسينمائية وتناقش تجارب مثقفين عمانيين في مختلف فنون المعرفة إضافة إلى حفلات توقيع لكتب عمانية صدرت في دور نشر عربية مختلفة.

وإذا كانت الفعاليات الثقافية المصاحبة لمشاركة سلطنة عُمان نوعية وثرية إلا أن حضور الكتاب العماني، أيضا، كان ملفتا في المعرض، فإضافة إلى آلاف الإصدارات العمانية الصادرة في دور نشر عربية مختلفة من الخليج إلى المحيط دعمت وزارة الثقافة والرياضة والشباب دور نشر ومكتبات عمانية للمشاركة في المعرض وتسجيل حضورها وسط دور النشر العربية إضافة إلى مشاركات وزارة الثقافة والرياضة والشباب نفسها بإصدارات متميزة كشفت عن ثراء المنجز الثقافي العماني وكذلك إصدارات وزارة الإعلام ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية والنادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء التي حضرت بمئات العناوين التي تمثل الجيل الجديد من الكتابات العمانية والتي تتنوع بين الأدب والفكر والفلسفة والدراسات التاريخية والعلمية. ومن بين المشاركات المهمة في المعرض أيضا ركن ذاكرة عمان وركن دور نشر معنية بأدب الطفل والتي لاقت إقبالا جيدا رغم حداثة تجربتها على المستوى العربي.

ولذلك يمكن النظر إلى الحضور العماني الكثيف في معرض القاهرة الدولي للكتاب عبر مسارين: المسار الأول مسار الاحتفاء المصري والعربي بالمنجز الثقافي العماني، والمسار الثاني يتجسد في تعميق الروابط بين عمان ومصر والعالم العربي عبر مسار الثقافة، وتعزيز الحضور الثقافي العُماني، وإبراز الدور التاريخي للسلطنة عُمان في إثراء الحضارة العربية والإسلامية، وأبرزها العمق التاريخي والثقافي الذي تتمتع به عُمان، والذي يمتد عبر قرون من التفاعل الحضاري والتجاري والمعرفي.

ورغم أن الحضور الثقافي العماني استطاع فعلا أن يجد له مكانة مهمة في المشهد الثقافي العربي إلا أن وجوده في معرض القاهرة للكتاب وسط الحضور العربي الكثيف والحضور الإعلامي يوفر فرصة لتعزيز حضور الأدب العُماني بمختلف أشكاله، من الرواية والشعر إلى الدراسات التاريخية والفكرية، كما يتيح الفرصة لتعريف الجمهور العربي بأبرز الكتاب والمفكرين العُمانيين الذين لم يتعرف عليهم من قبل خاصة وأن البعض رغم مكانتهم إلا أنهم بقوا بعيدا عن الأضواء العربية، مما يعزز انتشار الإنتاج الأدبي والفكري العُماني في المنطقة.

ومن بين أهم المكاسب التي يمكن الحديث عنها في مشاركة عُمان ضيف شرف في معرض القاهرة تتمثل في فتح منصة مهمة لدور النشر العُمانية لعرض أعمالها على جمهور واسع، مما قد يسهم في فتح أسواق جديدة للكتاب العُماني، ويعزز من حضور الناشرين العُمانيين في المعارض العربية والدولية.

لكن هناك أسباب كثيرة تجعل مشاركة سلطنة عمان في المعرض والاحتفاء بها بوصفها «ضيف شرف المعرض» وهذا تقليد عريق في مختلف معارض الكتب في العالم بعض ظاهر الآن وبعضها ستظهر نتائجه في المرحلة القادمة كنتيجة لهذه المشاركة وهذا الاحتفاء العربي.. والمشاركة في المجمل استثمار استراتيجي في تعزيز الحضور العُماني على الساحة الثقافية العربية والدولية. وإبراز الهوية الثقافية الغنية، وتعزيز التواصل العماني مع المثقفين العرب، وفتح آفاق جديدة للتعاون الثقافي والإبداعي.. وكل هذا يمكن أن يختزل في عبارة واحدة هي حضور القوة العمانية الناعمة في العالم العربي وهي القوة التي تسهم في تعزيز العلاقات بين الشعوب وبناء مستقبل أكثر إشراقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة العمانیة الثقافی العمانی فی معرض القاهرة العالم العربی الثقافی الع الکثیر من فی المعرض فی العالم الع مانی فی مختلف ع مان فی ضیف شرف دور نشر إلا أن

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب.. 15 عملا إبداعيا ونقديا في سلسلة "الفائزين" ضمن إصدارات قصور الثقافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تقدم الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، 15 عملا إبداعيا ونقديا وكذلك أدب الطفل، ضمن سلسلة الفائزين بمسابقة الهيئة الأدبية المركزية، وذلك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته السادسة والخمسين، المقامة حتى 5 فبراير، بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، تحت شعار "اقرأ.. في البدء كان الكلمة".

الأعمال هي: روايات "جفنة الدم" جعفر حمدان مرعي، "شارميست" وليد النحاس الهواري، ودواوين: "ربع آدم" محمد رؤوف، "شوارع دايخة ع العمدان" هناء الوصيف، "موسيقى الحجر" محمود جريو، "قبيل ارتطام الوعل الساقط من أعلى الجبل" طارق صقر، "وردة علمتنا التنقيب" زين الرزيقي، "لدي طلب أخير" محمد فرحات، وقصص: "شهوة الغرق" هويدا أبو سمك، "نسيت نهاية القصة" محمد أحمد فؤاد، وفي النقد الأدبي: "جماليات القصة القصيرة" رامي هلال، "جدل الأمكنة وصراع الهويات" د. محمود ذكري، "تشظيات القلق وسؤال الحرية" د. رشا الفوال. ومن أدب الطفل: "حلم سعيد" أحمد أبو دياب، "همام ومغارة الأحلام" محمود عقاب

يشرف على إصدارات الهيئة في المعرض الإدارة المركزية للشئون الثقافية، برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، والإدارة العامة للنشر الثقافي، برئاسة الكاتب الحسيني عمران، والإدارة العامة للتسويق والمبيعات، برئاسة تغريد كامل، وصمم أغلفة السلسلة: عماد عبد الغني، وسام سامي، محمد بحيري، نسرين محمود، سمر أرز، ريهام خيري.

وتشارك هيئة قصور الثقافة في دورة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام بأكثر من 165 عنوانا جديدا تم اختيارها بعناية وصدرت ضمن سلاسل الهيئة وأخرى تم إصدارها بمناسبة المعرض، وتقدمها بأسعار مخفضة للجمهور.

وتتنوع موضوعات الكتب لتشمل التاريخ والتراث والأدب الشعبي والتراجم العالمية وكتب أعلام الفكر بالإضافة إلى إصدارات متنوعة في سلاسل: السينما، السير الذاتية، أدب الرحلات، الفلسفة، والدراسات الشعبية، الفن التشكيلي، النقد الأدبي، المسرح، والموسيقى، والعبور، وكذا الأعمال الإبداعية في القصة والشعر والرواية، بجانب الركن الخاص بكتب الأطفال وركن في جناح الهيئة للكتب المخفضة.

ويشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب 80 دولة و1300 دار نشر و6 آلاف عارض، وتحل عليه سلطنة عمان ضيف شرف هذه الدورة، وتم اختيار اسم الدكتور الراحل أحمد مستجير، شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل.

مقالات مشابهة

  • خبراء يناقشون بمعرض الكتاب الدور العماني والمصري في دعم الثقافة والإنتاج الفكري
  • "تاريخ ووصف الجامع الطولوني".. جديد قصور الثقافة بمعرض الكتاب
  • خبراء يناقشون الدور العماني والمصري في دعم الثقافة والإنتاج الفكري بمعرض الكتاب
  • الثقافة العمانية سؤال معرض القاهرة الأبرز.. و«تاريخ الحضارتين» يكشف سر التقارب الأزلي
  • معرض الكتاب.. 15 عملا إبداعيا ونقديا في سلسلة "الفائزين" ضمن إصدارات قصور الثقافة
  • معرض الكتاب 2025.. "هرمن ودروتيه" ليوهان جوته ضمن إصدارات قصور الثقافة
  • "هرمن ودروتيه" ليوهان جوته ضمن إصدارات قصور الثقافة بمعرض الكتاب
  • سعيد بن سلطان: المشاركة في "معرض القاهرة للكتاب" فرصة للتعريف بالتنوع الثقافي العماني
  • السفير الأردني: معرض القاهرة الدولي للكتاب منصة متميزة لتعزيز التنوع الثقافي