تثير التسريبات الأخيرة عن التفاهمات بين الإسلاميين السودانيين وقطر موجة من القلق بين أوساط القوى المدنية، لا سيما في ظل الوضع الراهن الذي يشهد أزمة سياسية معقدة وحربًا دموية متواصلة. هذه المخاوف تعكس تخوفًا حقيقيًا من إعادة تشكيل القيادة العسكرية في السودان بما يخدم أجندات أيديولوجية قد تعيد البلاد إلى مربع الاستبداد الذي ثارت ضده الجماهير في ديسمبر 2018.


رهان البرهان والخطر المؤجل
من الواضح أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان يواجه عزلة سياسية متزايدة، مما دفعه إلى التحالف مع الحركة الإسلامية، التي كانت ذات يوم الخصم الرئيسي لثورة الشعب السوداني. ومع ذلك، فإن هذا التحالف يبدو محفوفًا بالمخاطر، حيث ينظر الإسلاميون إلى البرهان كوسيلة لتحقيق أهدافهم وليس شريكًا موثوقًا.
التحالف بين البرهان والإسلاميين يعزز مخاوف القوى المدنية من أن هذه التفاهمات لن تسهم إلا في تعميق الأزمة السياسية، وربما تمهد الطريق لتحالفات إقليمية ودولية تكرّس عسكرة الدولة وتعرقل أي أفق للتحول الديمقراطي.
التسريب المثير للجدل
أثار حديث عبد الحي يوسف، أحد أبرز رموز الإسلاميين في السودان، جدلاً واسعًا بعد تسريب تسجيل له في ندوة بتركيا، حيث وصف البرهان بصفات تشير إلى عدم ثقة الحركة الإسلامية به. هذا التسريب يعكس انقسامات داخلية في صفوف الإسلاميين ومحاولتهم استغلال البرهان كمرحلة مؤقتة قبل الإطاحة به لصالح قيادات أكثر ولاءً.
هذا التسريب كشف عن خطط الإسلاميين لاستبدال البرهان، وهو ما يزيد من قلق القوى المدنية، التي ترى أن أي إعادة تشكيل للقيادة العسكرية بعيدًا عن مسار التحول المدني سيعني استمرار النزيف السياسي والاقتصادي.
الدور القطري وتعزيز النفوذ
يشكل الدور القطري في هذه التحولات عنصرًا محوريًا، حيث أظهرت التسريبات دعم قطر لعناصر داخل الجيش السوداني، بما في ذلك تمويل صفقات أسلحة ودفع رواتب القوات الموالية للإسلاميين. هذا الدعم يثير تساؤلات حول مدى تأثير التدخلات الإقليمية في الشأن السوداني، خاصة في ظل ضعف القوى المدنية وعدم قدرتها على خلق تحالفات مشابهة.
القوى المدنية بين الخطر والخيارات
تواجه القوى المدنية السودانية تحديات غير مسبوقة في ظل هذه التفاهمات التي تهدد بتقويض أي فرصة للتحول الديمقراطي. الخطر الأكبر يكمن في أن هذه القوى قد تجد نفسها أمام معادلة جديدة تُفرض من قِبل التحالفات العسكرية والإسلامية، ما يضعها في موقف الدفاع عن مكتسبات الثورة في ظروف تفتقر إلى توازن القوى.
لذلك، تُطرح تساؤلات حيوية حول كيفية استجابة القوى المدنية لهذه المخاطر، وهل يمكنها إعادة بناء نفسها ككتلة موحدة قادرة على مواجهة هذه التحديات؟ أم أن الخلافات الداخلية والضغوط الخارجية ستبقيها عاجزة عن استثمار الفرص السياسية لتصحيح مسار الثورة؟
خلاصة القول
إن التسريبات الأخيرة والتفاهمات بين الإسلاميين وقطر تعيد رسم المشهد السياسي في السودان بطريقة تزيد من تعقيد الأزمة. القوى المدنية بحاجة إلى نهج جديد واستراتيجية موحدة لمواجهة هذه التحولات وحماية مسار التحول الديمقراطي، وإلا فإن السودان قد ينزلق إلى دائرة جديدة من الاستبداد والعنف.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

أجواء تشاؤلية تسيطر.. الحكومة رهينة التسريبات والتجاذبات!

لعلّ عبارة "تشاؤلية"، التي تخلط مفهومي "التشاؤم" و"التفاؤل"، تنطبق بقوة على الأجواء المرتبطة بعملية تأليف الحكومة، التي تتفاوت المعطيات بشأنها، بين من يعتبر أنّها "سالكة"، بل يجزم أنّها ستبصر النور قبل نهاية الأسبوع، ومن يرى أنّها "مجمّدة"، وأنّ أحداث الأيام الأخيرة "فرملتها"، خصوصًا بعد مسيرات الدراجات النارية الليلية وما انطوت عليه من رسائل، أعادت التجاذبات إلى "حدّة" اعتقد كثيرون أنّ مفعولها انتهى.

تسري العبارة نفسها على التسريبات المرتبطة بعملية التأليف، فالمتفائلون يستندون إلى معطيات تقول بأنّ الكثير من التفاصيل قد حُسِمت، بما في ذلك وزارة المالية المصنّفة على أنّها "عقدة العقد"، فيما يجزم المتشائمون بأنّ الأمور عادت إلى "نقطة الصفر"، بنتيجة التجاذبات الحاصلة على أكثر من خط، بل يعتبرون أنّ الكثير من التفاهمات التي يفترض أنها أبرِمت منذ الأيام الأولى للتكليف، قد "نُسِفت"، وبالتالي لم تعد "ملزمة" للرئيس المكلّف.

وبين هؤلاء وأولئك، ثمّة من يرى أنّ الأسبوع الحالي يفترض أن يكون مفصليًا وحاسمًا، فإما أن تبصر الحكومة النور، ولو لم تُرضِ جميع الأفرقاء والقوى الطامحة للتوزير، وإما يقع المحظور، فيعتذر الرئيس المكلّف، وهو الذي يشعر أنه بدأ يفقد الزخم الذي ناله عند التكليف، علمًا أنّ البيان الذي أصدره في الساعات الماضية، يؤكد "صعوبة" المهمّة الملقاة على عاتقه، خصوصًا بالنظر إلى المعايير والمبادئ التي أعلنها سابقًا، ويرفض التراجع عنها، تحت أيّ ظرف..

حقيبة المال حُسِمت؟!
ليس سرًا أنّ حقيبة المال تستحوذ منذ اليوم الأول للتكليف على "حصّة الأسد" من التسريبات الصحافية المرتبطة بعملية التأليف، على الرغم من أنّ "الثنائي الشيعي" المعنيّ بها، يتصرّف كما لو أنّها محسومة ومبتوتة، ولا نقاش فيها، بدليل ما قاله الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم عن أنّ العقدة في مكانٍ آخر، وما يُنسَب إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لجهة "حسم" هوية الوزير الذي سيتسلّمها، بمعزل عن كلّ ما يثار هنا أو هناك. 

لكن في مقابل "الثقة" التي يعكسها "الثنائي الشيعي" عبر الإعلام، ثمّة من يتحدّث عن "ضغوط" يتعرّض لها الرئيس المكلف نواف سلام، على خلفية ما يُحكى عن تفاهمات أبرمها بشأن هذه الحقيبة بالتحديد، خصوصًا ممّن سمّوه ودعموه، وممّن يعتبرون أنّ تسليم هذه الحقيبة للثنائي، وتحديدًا لمن يحاول "فرضه" وزيرًا، من دون أي نقاش، لا يعكس "الروحية" التي أتى بها الرجل، ولا يعبّر عن "نَفَس" التغيير الذي حكم تسميته رئيسًا للحكومة.

وإذا كان الرئيس المكلّف يعبّر أمام الكثيرين عن استياء نتيجة هذا التصادم، بين رؤيتين متناقضتين ربما لناحية البراغماتية والواقعية السياسية، فإنّ بعض داعميه يتحدّثون صراحة عن أنّ "استياءه" هو من الطرفين اللذين لا يسهّلان عمله، فهو كان يتوقع تفهّمًا من قبل الكتل المؤيدة له، والتي تدرك أنّ تجاوز "الثنائي" غير واقعي في هذه المرحلة، تمامًا كما كان يعتبر أنّ سياسة "الثنائي" يفترض أن تكون "استيعابية"، وهو ما لم تعبّر عنه المسيرات الليلية الشهيرة.

عُقَدٌ لم تُحَلّ بعد..
بين المقرّبين من الرئيس المكلّف نواف سلام، من يعتبر أنّ الأخير شعر أنّه "مُستهدَف" بشكل مباشر من مسيرات الدراجات النارية، وكأنّ هناك من أراد أن يوجّه له الرسائل "النارية"، تحت عنوان "ممنوع تجاوزنا"، وهو يرى أنّ هذه المسيرات لعبت دورًا سلبيًا في عملية التأليف، خصوصًا أنّ الأمور كانت "شبه سالكة"، لتأتي التحركات العفوية وتشوّش على ما تمّ إنجازه، ولا سيما أن هناك من قارنها بمآثر سابقة، من أحداث 7 أيار، إلى القمصان السود.

وربطًا بهذه النقطة تحديدًا، ثمّة من يشير إلى أنّ "العقدة الفعلية" الأساسية التي تؤخر الولادة الحكومية، تكمن في مبدأ "وحدة المعايير"، التي بدأ الكثير من خصوم "حزب الله" يشكون منها، بما في ذلك الكتل الأساسية الداعمة لسلام، على غرار "القوات اللبنانية"، التي تحدّثت أوساطها صراحة عن ضرورة معاملة الرئيس المكلف لجميع القوى بالمثل، فإذا سمح لطرف باختيار حقائبه وتسمية وزرائه، يجب أن يضمن هذا الحق للآخرين أيضًا، عملاً بالمساواة.

لا يعني ذلك أنّ "العُقَد" تقتصر على هذا المبدأ، إذ ثمّة عقد لم تُحَلّ بعد أيضًا وفق العارفين، ومنها التمثيل المسيحي، في ظلّ التجاذب المستمرّ بين مختلف الكتل، ولا سيما "القوات" و"التيار" الذي خرج منه من يقول إنه يطالب بحصة "موازية" لحصة "القوات"، من دون أن ننسى التمثيل السنّي، وقد كان لافتًا في الساعات الأخيرة رفع تكتل "الاعتدال" لسقف اعتراضه على أداء الرئيس المكلف، خصوصًا في ضوء ما صدر عن النائب وليد البعريني.

بعيدًا عن التسريبات والتسريبات المضادة التي لا تنتهي فصولاً، لا شيء يوحي بأنّ عملية تأليف الحكومة تتقدّم فعلاً، أو بأنّ "الدخان الأبيض" يتصاعد. صحيح أنّ كلّ القوى تقول إنّها تسهّل عمل الرئيس المكلف، لكنّ الصحيح أيضًا أنّها كلّها أيضًا ترمي الكرة في ملعب الخصوم، لتقول إنّهم من يشوّشون ويعرقلون. فهل يضع الرئيس المكلف حدًا لكلّ ذلك، أم أنّ الأمر سيحتاج إلى تدخل "سعاة الخير"، كما حصل في استحقاقات أخرى؟!  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مكتب الشؤون الإفريقية التابع للخارجية الأميركية: المدنيون السودانيون عانوا الأمرّين خلال هذه الحرب
  • أجواء تشاؤلية تسيطر.. الحكومة رهينة التسريبات والتجاذبات!
  • القوى المدنية ودورها في صنع طريق السلام في السودان
  • منظمة أممية: الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع تسببت بنزوح الآلاف في شمال دارفور  
  • فرنسا..ارتفاع هجرة المتطرفين الإسلاميين إلى الدول المسلمة
  • الألم والوجع الذي احسه السودانيون بسقوط مدني فاق اي احساس آخر طيلة فترة الحرب
  • تهديد القوى المدنية بالتعذيب بعد دخول الجيش موقف شندي
  • منظمات دولية تدعو لوقف استهداف المرافق المدنية الحيوية في السودان
  • السودان- بين حكمة السلام وجنون الصراع – تأملات في معضلة وطن ممزق