د. الشفيع خضر سعيد
من الطبيعي والمنطقي أن تعم الفرحة جموع الشعب السوداني كلما استعادت القوات المسلحة السودانية هذه المنطقة أو تلك من قبضة قوات الدعم السريع التي ظلت تسوم الناس خَسْفاً وسوء العذاب، ومارست بحقهم التشريد القسري نزوحا ولجوءا، ولم تسلم بنية البلاد التحتية ومواردها من هجماتها البربرية التدميرية.
وقلنا في ذاك المقال، إذا كان السودانيون لا يتوقعون ولا ينتظرون سوى الانتهاكات الجسيمة التي تطال أمنهم وكرامتهم مع سيطرة قوات الدعم السريع على مناطقهم، فإنهم ظلوا يرومون التخلص من هذا الكابوس المرعب، وينشدون الأمن والأمان مع استعادة سيطرة القوات المسلحة السودانية على هذه المناطق، لا أن تتواصل الانتهاكات على مرأى ومسمع من قيادات هذه القوات، مهما كانت التهم الموجهة إلى من تم ذبحهم ذبح الشاة أو ألقي بهم في النهر لتلتهمهم التماسيح. فأخذ القانون باليد والانتهاكات التي تطال المدنيين وترتكب خارج قواعد الاشتباك، إضافة إلى كونها جرائم تستوجب العقاب قانونا، فإنها تعمق شروخ مجتمعنا الذي أحوج ما يكون إلى الوحدة والتماسك. والتغاضي عنها والإفلات من العقاب سيزيد من اشتعال نيران الحرب ويدفعها نحو صراعات جهوية وإثنية من شأنها تمزيق البلاد. وقلنا أيضا، إذا كان معروفا أن أحاديث قيادات قوات الدعم السريع حول محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وهي تنسبها إلى إلى مجموعات متفلتة، هي مجرد فقاعات هوائية، فإن الانتهاكات التي تتم بعد استعادة القوات المسلحة السودانية سيطرتها على هذه المنطقة أو تلك، هي جرائم لا يمكن السكوت عليها، وتستوجب أن تتحمل قيادة القوات المسلحة السودانية المسؤولية القانونية والأخلاقية حيالها، وأن المطلب الرئيسي هو المحاسبة العاجلة والعادلة، وبشكل شفاف ومعلن، لكل المتورطين فيها.
الموقف الثاني، هو محاولة إكساب هذه الفرحة طابعا آيديولوجيا وكأنها تعبر عن الرغبة في عودة المؤتمر الوطني وتياره الإسلامي إلى السلطة. بل وأخذ بعض من أنصار هذا التيار يلوحون بعودة مراكز التعذيب، بيوت الأشباح، تهديدا لخصومهم السياسيين!. كون أن مجموعات من الإسلاميين ساندت القوات
المسلحة في عملياتها العسكرية، فهذه حقيقة، ولكن الفرحة غير معنية بذلك بقدر ما هي معنية فقط بالتخلص من شرور جحافل الدعم السريع.
الموقف الثالث، هو انبعاث صوت نشاز وسط هذا الفرح، عندما تجرأ نفر من لواء البراء بن مالك المساند للقوات المسلحة على الاستهزاء بثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وبشهدائها العظماء، لتنبري لهم لجان مقاومة كرري ببيان بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني الجاري يقول ملخصه إن هذا الاستهزاء لن يمس من عظمة الثورة ولن يغير من حقائق التاريخ، ولكنه يعكس الحقد والتربص بالثورة وشبابها الذين أطاحوا بقادة هولاء النفر.
أن الثورة يا من تجرأ على الاستخفاف بها، هي إرادة شعب كسر قيود الاستبداد، وواجه كل أدوات القمع، بما فيها قوات الدعم السريع الذين كنتم تعدونهم حليفًا مؤقتًا لإخماد الثورة. أنتم سبب هذا المرض الذي أنهك الوطن، والشعب السوداني اليوم يحصد نتائج إجرام أسيادكم الذين شاركتموهم في صناعة الجنجويد واستخدامهم كأداة للقمع. والثورة التي استمرت في المناداة بحل الدعم السريع رغم كل التحديات، كانت تدرك جيدًا طبيعة هذا الخطر الذي اخترتم تجاهله والتواطؤ معه، وستحاسبون أولاً علي التدمير الممنهج لقوات شعبنا المسلحة، وثانياً على صناعة هذه الميليشيا.
والثورة وشبابها اختاروا أن يغضوا النظر عنكم وعن تفاهاتكم احترامًا للخطر الوجودي الذي يواجه السودان. إن ذكرى شهداء الثورة الذين واجهوا الجنجويد بصدور عارية ستظل وصمة عار في جبين كل من تواطأ مع المجرمين أو ساندهم، سواء بالقول أو الفعل، لقتل الثوار ووأد الثورة. وأبطال الثورة الذين وصفتموهم بالأطفال هم أكبر منكم بمبادئهم، وأصدق منكم بمواقفهم. واختتمت لجان مقاومة كرري بيانها قائلة:»إن هذه الأرض التي ارتوت بدماء شهدائنا لن تقبل الهوان أو الذل. وسنظل نحن أبناء الثورة، أوفياء للعهد، متمسكين بالمبادئ التي خطتها، ولن نحيد عن طريق النضال حتى تحقيق الحرية والسلام والعدالة».
الموقف الرابع سيزداد وضوحا كلما انسحبت قوات الدعم السريع غربا وأعادت تمركزها في دارفور، لأنه يرتبط بسؤال خبيث لا علاقة له بالبراءة إلا في مظهره فقط، طُرح مع احتدام المعارك، يقول: هل هذه الحرب المدمرة هي مقدمة لانفصال دارفور ومواصلة استكمال تقسيم السودان حسب الخريطة المشهورة والتي تقسم السودان إلى عدة دويلات؟ كما يرتبط بالإجابات عليه من نوع «نعم إن انفصال دارفور قادم لا محالة» و«لا قدرة لنا على مقاومة الاستراتيجية العالمية التي تسعى إلى تقسيم السودان» و«أساسا إثنيات السودان لا يمكن أن تتعايش في دولة واحدة» و«يبدو أن الحرب لن تتوقف إلا بانفصال دارفور» وصولا إلى القول «فلتذهب دارفور حتى نرتاح» على شاكلة ذات الطرح الذي كان يدعو لفصل جنوب السودان، وذبح الثور الأبيض. إن الدعوة لفصل دارفور، هي مؤامرة خطيرة، ولكن الأخطر منها هو الاستسلام وسلب إرادتنا في المقاومة. والمدخل العملي لإخراس هذه المؤامرة هو وقف الحرب وفق رؤية يكون جوهرها إعادة بناء الدولة السودانية وفق مشروع وطني يحتفي بحقوق مكونات البلاد المتعددة والمتنوعة، ويقضي على جذور التهميش ومسببات الحرب والأزمة التي ظلت تمسك بخناق البلاد منذ فجر استقلالها.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
منظمة أممية: الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع تسببت بنزوح الآلاف في شمال دارفور
الخرطوم - في خلال يومين، فرّت آلاف العائلات من منازلها في ولاية شمال دارفور السودانية، بحسب ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة، في ظلّ تكثيف قوّات الدعم السريع هجماتها في المنطقة.
وجاء في بيان صادر عن المنظمة الأممية "بين 25 و27 كانون الثاني/يناير 2025، نزح ما يقدّر بحوالى 3960 أسرة من بلدات مختلفة في منطقة الفاشر".
واستولت قوّات الدعم السريع التي تتواجه مع الجيش السوداني منذ نيسان/أبريل 2023 على كلّ حاضرة في منطقة دارفور الشاسعة في غرب السودان، ما عدا الفاشر عاصمة شمال دارفور المحاصرة منذ أيّار/مايو.
وفي مسعى جديد إلى الاستيلاء على الفاشر، أصدرت قوّات الدعم السريع تحذيرا الأسبوع الماضي تطالب فيه الجيش والقوى المتحالفة معه بمغادرة المدينة.
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة الثلاثاء بأن هذا النزوح الواسع أتى نتيجة الهجمات الأخيرة لقوّات الدعم السريع التي قامت أيضا على "النهب وإحراق أملاك خاصة" بحسب ما أُبلغ عنه.
وقد تصدّت القوّات العسكرية والمجموعات المتحالفة معها مرارا لهجمات قوّات الدعم السريع التي شنّت قصفا مدفعيا ثقيلا على أحياء سكنية في محيط مدينة الفاشر، بحسب ما أفاد ناشطون محلّيون الثلاثاء.
والجمعة، استهدف هجوم بمسيّرة المستشفى الوحيد الذي بقي قيد الخدمة في الفاشر، نسبه مراقبون محلّيون إلى قوّات الدعم السريع وأودى بحياة 70 شخصا، مثيرا استنكار الأمم المتحدة.
وفي ولاية شمال دارفور وحدها، نزح 1,7 مليون شخص بحسب الأمم المتحدة ويقدّر أن نحو مليوني شخص يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي و320 ألفا من المجاعة.
وفي المنطقة المحيطة بالفاشر، تسود المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين هي زمزم وأبو شوك والسلام. ويتوقع أن تتوسّع رقعة المجاعة لتشمل خمس مناطق أخرى بما فيها المدينة نفسها بحلول أيّار/مايو، بحسب تقييم مدعوم من الأمم المتحدة.
يشهد السودان منذ نيسان/أبريل 2023 نزاعا داميا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب ولا سيما استهداف المدنيين وشنّ قصف عشوائي على منازل وأسواق ومستشفيات، وعرقلة دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية.
وأدّى النزاع في السودان إلى كارثة إنسانية هائلة مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص فيما الملايين على حافة المجاعة.
Your browser does not support the video tag.