حسام عثمان محجوب
24 يناير 2025
خسر الديمقراطيون انتخابات 2024 بأكثر مما كسبها الجمهوريون. فقد حصلت كملا هاريس على 75.0 مليون صوت مقابل 81.3 مليون حصل عليها جو بايدن في انتخابات 2020. بينما ارتفعت أصوات دونالد ترمب في 2024 إلى 77.3 مليون مقارنة بـ 74.2 مليون في 2020. أي أن الديمقراطيين خسروا 6.3 ملايين صوت، بينما كسب الجمهوريون 3.
كشفت خسارة الديمقراطيين عن اغتراب مؤسسة الحزب عن الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي، وفقدانها القدرة على فهم ناخبيها والتواصل معهم. أساءت المؤسسة تفسير فوز بايدن في 2020، الذي تم تقديمه كمرشح آمن على حساب بيرني ساندرز بعد سنوات من الذعر الناجم عن رئاسة ترمب الأولى. لم يكن التصويت حينها تأييداً لبايدن بقدر ما كان تصويتاً ضد ترمب. لكن بايدن لم يستثمر التفويض الذي حصل عليه بالكامل، فعلى الرغم من بعض الإصلاحات الداخلية التي قام بها، فشل في مواجهة إرث ترمب الشمولي، الذي تحول إلى تيار عميق يهدد الديمقراطية ويدفع البلاد نحو الفاشية.
فشلت إدارة بايدن في محاكمة ترمب قانونياً وتحميله المسؤولية السياسية عن خروقاته الكبيرة لمبادئ الديمقراطية الأمريكية (على علاتها). فلم يتم تقديمه للمحاكمة على جرائم مثل استغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية له ولأسرته وتربحهم من دول وأفراد، أو تقويض النظام الانتخابي، أو تشجيع العنف السياسي. كما لم يحاسب سياسياً على تسييس الخدمة المدنية والمؤسسات الحكومية، أو شيطنة الإعلام، أو تطبيع الممارسات العنصرية.
لم يتخذ بايدن خطوات جادة لإصلاح المحكمة العليا، أو تعديل النظم الانتخابية وقواعد التصويت في مجلس الشيوخ، كما تجاهل مواجهة نفوذ المال والشركات الكبرى، مثل المجمع التكنولوجي وأثريائه الذين يتمتعون بنفوذ متزايد يهدد الديمقراطية.
كما فشلت مؤسسة الحزب في إقناع بايدن بالتراجع عن طموحه غير المبرر للترشح لولاية ثانية في وقت مناسب يسمح للحزب باختيار مرشح/ة قادر/ة على مواجهة ترمب وحركته المتطرفة التي أصبحت أشبه بطائفة (cult). وعجز الحزب عن مواجهة خطابات الهوية الشعبوية التي أتقنها الجمهوريون، حيث تمكنوا من حشد جماهير غفيرة حول قضايا متعددة، فضفاضة وغير مترابطة، لكنها تولد لديهم شعوراً بالانتماء ككتلة متجانسة ومستضعفة تواجه خطر الإقصاء والتهميش من قبل "المؤسسة" أو "المستنقع"، التي تضم "الآخرين" من النخب السياسية والاقتصادية.
ركزت حملات الجمهوريين على قضايا مثل ارتفاع تكلفة المعيشة، والتخويف من المهاجرين، وقضايا الهوية الجنسية، والتشكيك في التطعيمات وتغير المناخ، معتمدين على التضليل والمعلومات المغلوطة. كذلك صورت حملاتهم ترمب وفريقه كشخصيات قريبة من غمار الناس، يشبهون الأمريكان "العاديين" في عفويتهم وبساطتهم وتدينهم وحتى أخطائهم، بينما ظهر في خطاب الديمقراطيين استعلاء تجاه جماهير الحزب الجمهوري، واعتبارهم عنصريين وجهلة وحثالة، حتى كادوا أن يستعيروا من الممارسة السياسية السودانية المعاصرة ألفاظاً مثل العلف والبهائم والسواقة.
في المقابل، ارتبكت حملات الديمقراطيين التي ركزت على التحذير من نزعات ترمب الفاشية والشمولية، دون التطرق لقضايا جوهرية تهم الناخبين مثل غلاء المعيشة. واقتربت مواقفهم في قضايا الهجرة من مواقف الجمهوريين بدلاً من التصدي بحزم لدعاياتهم المضللة.
وبالإضافة إلى إهمال الحزب لبعض الولايات والفئات الناخبة التي اعتبرها مضمونة، كرر أخطاء هيلاري كلينتون في انتخابات 2016. فتوجه لناخبي "وسط" آيديولوجي متوهم (بما فيه أنصار تقليديون للحزب الجمهوري)، بينما تجاهل ناخبين "يساريين"، وصمهم بالتطرف، خصوصاً من المعارضين لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ومشاركة بايدن وحكومته فيها.
وفر استبدال بايدن بكملا فرصةً نادرةً لتجاوز الضرر الكبير الذي خلفه موقفه من الحرب والحملة العنيفة داخل الولايات المتحدة ضد معارضيها. ومع ذلك، لم تقدم كملا خطاباً مختلفاً أو تتخذ مواقف مغايرةً، وافترضت أن الخسائر الانتخابية ستقتصر على الناخبين العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان، معتقدةً أنها تستطيع الاستغناء عن أصواتهم. كما غفلت مؤسسة الحزب عن التكلفة الأخلاقية للمشاركة في جريمة إنسانية بحجم الإبادة الجماعية، وما يعنيه ذلك لأعداد مؤثرة من الناخبين، لا سيما بين الشباب.
وفشل الديمقراطيون في استيعاب أن كثيراً من المهاجرين من مختلف الدول والثقافات محافظون تقليديون، ينظرون بريبة لقضايا مثل مجتمع الميم (LGBTQ)، ويتبنون نظرات استعلائية على المهاجرين "غير الشرعيين." كما لا يمكن إغفال أثر العنصرية والتحيز الجنسي في المجتمع الأمريكي على قرار الكثيرين بعدم التصويت لامرأة سوداء.
في خطابه الأخير، حذر بايدن الشعب الأمريكي من تشكل أوليغاركية تجمع المال والقوة والنفوذ وتهدد الديمقراطية. لكن الحقيقة أن بايدن وكملا ومؤسسة الحزب مكنوا لهذه الأوليغاركية واستفادوا منها. فقد ساهم ما لا يقل عن 83 مليارديراً في حملتهم، وتجاهلوا الأصوات المحذرة من داخل الحزب، مثل ساندرز، الذي لطالما حذر من هيمنة رأس المال منذ عام 1993.
فشل الديمقراطيون في فهم الشعب الأمريكي، واستمروا في احتقار فئات منه، فكان عقابهم انتخاب ترمب مرة أخرى. ولو كان النظام السياسي الأمريكي أكثر انفتاحاً مثل بعض الدول الأوروبية، لكان مصير الحزب الديمقراطي التلاشي والنسيان. وأوجه الشبه بينه والقوى السياسية السودانية متروكة لفطنتكم/ن.
husamom@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أسوشيتد برس: العملية الأميركية ضد الحوثيين في عهد ترمب أكثر شمولا
ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن العملية الأميركية الجديدة ضد جماعة أنصار الله "الحوثيين" باليمن في عهد الرئيس دونالد ترمب تبدو "أكثر شمولاً" من تلك التي كانت في عهد سلفه جو بايدن.
وأضافت الوكالة أن واشنطن انتقلت من استهداف مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة فقط إلى استهداف كبار المسؤولين وإسقاط القنابل في المدن.
وذكرت أسوشيتد برس أن الجيش الأميركي نقل ما لا يقل عن أربع قاذفات بعيدة المدى إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي فيما تتجنب استخدام قواعد حلفائها في الشرق الأوسط.
وأوضحت الوكالة أن صور أقمار صناعية أظهرت مهبط طائرات قبالة سواحل جزيرة ميون وسط باب المندب يبدو جاهزًا لاستقبال الطائرات.
هجمات مكثفة
وأكدت القيادة الوسطى الأميركية أمس الجمعة أن قواتها هاجمت مواقع لأنصار الله في اليمن، في حين ذكرت وسائل إعلام تابعة للجماعة أن الولايات المتحدة شنت 72 غارة على صنعاء ومدن يمنية أخرى خلال 24 ساعة.
ومنذ نحو أسبوعين، تشنّ الولايات المتحدة، ضربات جوية كثيفة ضد الحوثيين استكمالا لحملة أطلقتها العام الماضي تستهدف الجماعة اليمنية ردا على هجماتها على إسرائيل وسفن تابعة لها في البحر الأحمر.
وأعلنت واشنطن في 15 مارس/آذار الجاري عن عملية عسكرية ضد الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، الممر البحري الحيوي للتجارة العالمية.
إعلانوأفادت واشنطن أنها قتلت عددا من كبار المسؤولين الحوثيين، بينما أعلنت الجماعة أن الغارات الأميركية أودت بحياة عشرات المدنيين.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 15 مارس/آذار الجاري أنه أمر جيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد جماعة الحوثي في اليمن، قبل أن يهدد بـ"القضاء على الحوثيين تماما".
بينما ردت الجماعة بتأكيد أن تهديد ترامب "لن يثنيها عن مواصلة مناصرة غزة"، حيث استأنفت منذ أيام قصف مواقع داخل إسرائيل وسفن في البحر الأحمر متوجهة إليها بالتزامن مع استئناف تل أبيب منذ 18 مارس/آذار الجاري حرب الإبادة على القطاع.