الإشكالية الطائفية في الخريطة السياسية السورية!
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
تعد سوريا من الدول المتنوعة طائفياً والمتعددة عرقياً، وهذا يعود إلى كونها - على مدار التاريخ - قد احتضنت العديد من الحضارات العريقة، وشهدت نواحيها ديانات عديدة، وعبرت أراضيها المئات من الهجرات البشرية، كما تتميز بموقع استراتيجي جعل منها ركيزة أساسية في النظام الإقليمي، ورقماً صعباً في المعادلة الدولية، خصوصاً أنها تُجاور إسرائيل التي تتلقى كل الدعم والحماية من قبل العالم الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي.
الموقع الاستراتيجي والتنوع الطائفي كانا عاملين رئيسين في تشكيل الحياة السياسية السورية الحديثة.
وبعيداً عن أهمية موقع سوريا الاستراتيجي الذي يفسره تكالب الدول عليها في العصر الحديث بدايةً بالحكم العثماني، ثم المستعمر الفرنسي. فإن التنوع الطائفي يُشكل إشكالية سياسية على الخريطة السورية، قياساً بمعايير الدولة الحديثة. لهذا فالإدارة الجديدة في سوريا أمام تحدي الأمر الواقع المرتبط بالتنوع الطائفي، والمحكوم بخلفيات تاريخية عميقة بين تلك الطوائف، هذا التحدي يتمثل في بناء نظام سوري موحد، يُعبّر عن الطوائف كافة. هذه الإشكالية السياسية (التحدي القائم) أوجدت رأيين سياسيين مختلفين في المشهد السوري بشأن الرؤية المستقبلية لبناء وحدة وطنية حقيقية، ولكي نفهم وجهة نظر كل رأي، لا بد من التعرف على التوزيع الفعلي للطوائف السورية، ونسبتها من المجموع السكاني الذي يصل إلى 23 مليون نسمة تقريباً.
تقديرات المصادر الدولية تكاد تكون متقاربة بشأن نسبة كل طائفة، وهي بلا شك متفاوتة فيما بينها، فالسنّة - وهم الأغلبية - يُشكلون ما بين (74 - 76%) بما فيهم سنة الأكراد والشركس والتركمان، وهم موجودون بكل أرجاء سوريا، لكنهم يتركزون في دمشق، وحمص، وحماة، وحلب، ودرعا، والبوكمال، والساحل، ومناطق (الرقة، والحسكة، والقامشلي) بالنسبة للأكراد. العلويون يُشكلون ما بين (10 - 12%) وهم موجودون في كثير من المدن السورية الرئيسة لكنهم يتركزون بشكل كبير في الساحل وبالذات اللاذقية وطرطوس. المسيحيون تراوح نسبتهم ما بين (8 - 10%)، مع ذلك هناك من يرى أن نسبتهم تراجعت بشكل كبير بعد الثورة بسبب الهجرة، وهم موجودون تقريباً بكل سوريا، ولكن يتركزون في المدن الكبرى مثل حلب ودمشق وحمص وغيرها. الدروز تراوح نسبتهم ما بين (2 - 3%) ويتركزون في السويداء. أما الطوائف الأخرى من شيعة أمامية وإسماعيلية، وغيرها فلا تتجاوز نسبتهم (1%). من واقع هذه النسب يمكن فهم سبب تعارض الرأيين السياسيين، فالرأي الأبرز هو الذي يدعو إلى وجوب إشراك جميع الطوائف بالعملية السياسية برمتها، وهذا ما عبّرت عنه الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي عندما ربطت تخفيف العقوبات على سوريا بتحقيق تقدم ملموس لعملية الانتقال السياسي التي تعكس سوريا بكل تنوعها. أي طائفياً وعرقياً. وما تحدثت عنه المسؤولة الأوروبية يكاد يكون موقفاً غربياً واحداً من أية حكومة أو نظام قادم في سوريا. وتبرير ذلك أن سيطرة أية طائفة قد تخلق نظاما استبدادياً جديداً يُقصي الطوائف الأخرى كما حدث من قبل نظام الأسد، الذي سيطر على سوريا بقبضته الأمنية، وحكمها بنفسه الطائفي لمدة تربو على 60 عاماً.
في المقابل؛ هناك رأي مخالف لهذا التوجه مفاده أن طبيعة الأنظمة السياسية تُعطي حق التمثيل السياسي الرئيس للمكون الأكبر في التركيبة السكانية للدولة، ولكن هذا لا يعني إقصاء المكونات الأخرى سواءً طائفية أو عرقية، إنما إشراكها بالعملية السياسية يكون وفقاً لحجم وجودها الفعلي في تلك التركيبة، وهذا متعارف عليه بجميع دول العالم التي تضم طوائف دينية، أو أقليات عرقية، أو جاليات مهاجرة، بما فيها دول عربية أو غربية، بل من يتمعن بالخريطة السياسية الداخلية لكثير من الدول الأوروبية يجدها لا تكترث سياسياً للعرقيات أو الجاليات، التي هي جزء من شعبها، كما أن من يقرأ التاريخ الأمريكي وبالذات فترة وضع الدستور وتشكيل مجلسي الشيوخ والنواب يجد أن الأمريكان قضوا وقتا طويلا حتى توصلوا إلى اتفاق دستوري ينص على أن عدد ممثلي كل ولاية في مجلس النواب يكون وفقا لعدد سكانها، فعلى سبيل المثال: ولاية كاليفورنيا يمثلها 52 نائباً بينما ولاية فيرمنت نائباً واحداً. أما مجلس الشيوخ فكل ولاية لها ممثلان اثنان، ومن خلال هذا التوازن بين تشكيل المجلسين استطاع الأمريكان المحافظة على حقوق الولايات الصغرى مقابل الولايات الكبرى في جميع مؤسسات الاتحاد الفيدرالي الأمريكي. إذا سوريا الجديدة بإدارتها المؤقتة هي اليوم أمام تحد كبير ومعضلة سياسية قائمة، لذا عليها أن تُحقق وحدة وطنية تُرضي الجميع وتعبّر عن المكونات السورية وفق المنطق السياسي العادل، ولعلها تستلهم التجربة الأمريكية، بحيث توازن بين حقوق الطوائف أو المكونات الصغرى بالشعب السوري مقابل المكون الرئيس ذي الأغلبية السنية، سواءً كانوا عرباً أو أكراداً أو تركماناً أو شركساً. خاصةً أن العالم ينظر إلى هذه الإدارة بشيء من الترقب والقلق قياساً بتجارب مماثلة في عالمنا العربي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد ما بین
إقرأ أيضاً:
الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح
البلاد – بغداد
تستعد الساحة السياسية العراقية لخوض واحدة من أكثر الانتخابات تعقيدًا في تاريخها المعاصر، مع عودة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق بقوة بعد تبرئته من جميع التهم الموجهة إليه، في وقت يواصل فيه التيار الصدري مقاطعته للعملية الانتخابية، مما يفتح الباب أمام تحولات كبيرة في خارطة القوى. فيما يظل غياب تطبيق بنود قانون الأحزاب السياسية، ولا سيما المتعلقة بحظر التمويل الخارجي وامتلاك الأحزاب لتشكيلات مسلحة، عائقًا رئيسيًا أمام بناء عملية سياسية عادلة وشفافة في العراق.
أحدث فصول المشهد العراقي تمثل في إعلان حزب “تقدم”، عن تبرئة القضاء العراقي لزعيمه محمد الحلبوسي من كافة التهم، مما يتيح له قانونيًا العودة إلى رئاسة مجلس النواب، رغم أن القرار النهائي بهذا الشأن لا يزال رهنًا بإرادته. وأكد القيادي في الحزب عمار الجميلي، أمس الاثنين، أن الحلبوسي سيكون المرشح الأول عن كتلة تقدم في بغداد خلال الانتخابات المقبلة، مشيرًا إلى أن منصب رئاسة المجلس سيُحسم لصالحه في الدورة البرلمانية القادمة. الحلبوسي نفسه علّق على القرار بتغريدة عبر منصة (اكس) قال فيها: “حين سكت أهل الحق عن الباطل توهّم أهل الباطل أنهم على حق”، مؤكدًا أن “الحق يعلو ولا يُعلى عليه”.
يأتي هذا بعدما حدد مجلس الوزراء العراقي موعد الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعد تحديث سجلات الناخبين، حيث بات نحو 30 مليون عراقي مؤهلين للإدلاء بأصواتهم. ويرى مراقبون أن غياب التيار الصدري، الذي يشكل ثقلاً نوعيًا داخل البرلمان وله حضور شعبي واسع، سيعيد تشكيل المشهد السياسي بشكل جذري، مع منح الإطار التنسيقي وقوى أخرى الفرصة لسد الفراغ الذي سيخلفه الصدر.
ورغم تعهد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالالتزام بالمعايير القانونية، إلا أن المخاوف تتزايد حيال جدية الرقابة على تمويل الأحزاب وعلاقاتها بالفصائل المسلحة. إذ تؤكد المادة التاسعة من الدستور العراقي على حصر السلاح بيد الدولة، وتمنع المادة السابعة مشاركة الكيانات التي تتبنى العنف أو الطائفية. ومع ذلك، يشير خبراء إلى أن ضعف تطبيق هذه النصوص أفسح المجال أمام بعض الأحزاب ذات الأذرع المسلحة لخوض الانتخابات عبر واجهات مدنية.
ويرى مراقبون أن الخلل الهيكلي في النظام السياسي العراقي يتمثل بغياب التطبيق الصارم لقانون الأحزاب، مما يمنح الفرصة لأطراف غير مؤهلة دستوريًا بالمشاركة. حتى أن بعض الفصائل المسلحة أنشأت واجهات سياسية ظاهرها مدني، لكنها في جوهرها امتداد لتلك التنظيمات، في ظل محدودية تأثير النواب المستقلين وضعف قدرتهم على فرض الرقابة الفاعلة، معتمدين بذلك على مفوضية الانتخابات لضبط مسار الانتخابات.
وبالإضافة إلى تحدي السلاح، يبرز التمويل السياسي كإحدى أخطر مظاهر الخلل الانتخابي، حيث تثير الشبهات المتكررة بشأن استغلال بعض الأحزاب لموارد الدولة أو تلقي دعم مالي غير معلن، واستمرار ظاهرة سوء استخدام المال السياسي مع ضعف الرقابة يفتح الباب أمام تحايلات متعددة، ما يضعف من عدالة ونزاهة المنافسة الانتخابية، ويهدد بإفراغ العملية الديمقراطية من مضمونها الحقيقي.
رغم هذه التحديات، تبدو الاستعدادات جارية على قدم وساق لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، إلا أن كثيرين يحذرون من أن غياب معايير الشفافية وتطبيق القانون سيجعل من النتائج القادمة محل نزاع سياسي حاد.