هل تخدم السلطة الفلسطينية خطط نتنياهو؟
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
لا يمكن النظر إلى حدث اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية مراسل قناة "الجزيرة" محمد الأطرش وإحالته إلى محكمة الخليل، بعيدًا عن السياق السياسي الذي تعمل في إطاره هذه السلطة. والمتراوح بين تقاسم الوظائف مع الاحتلال الإسرائيلي، والتحايل عليه أملًا في تجنب الأذى أو لكسب بعض الوقت في مواجهة حكومة إسرائيلية يمينية تريد التوسع في الاستيطان بالضفة الغربية، بل تطرح أحيانًا مسألة تهجير سكان الضفة قسريًا.
تتعدد صور وأشكال مجاراة السلطة الفلسطينية لحكومة بنيامين نتنياهو من خلال اعتقال نشطاء ومقاومين في مختلف مدن الضفة وبلداتها ومخيماتها، وغلق طرق مؤدية إلى مخيمات فلسطينية تقاوم، والمساهمة في القدح بالمقاومة والحط من شأنها، ووصف ما تقوم به بالعمل الأخرق، وذلك ضمن تداعيات الانقسام الفلسطيني الذي تعمق منذ عام 2005، وفي ظل التنافس على تمثيل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة تمثيلًا حقيقيًا وليس شكليًا.
ثم جاءت خدمة الاحتلال بالتعتيم على ما يرتكبه ضد فلسطينيي الضفة، وهو التوجه الذي قاد في مطلع يناير/كانون الثاني الجاري إلى قرار السلطة الفلسطينية بوقف بث قناة الجزيرة وتجميد مجمل نشاطاتها واتهامها بـ "التحريض على التمرّد".
إعلانلم يختلف ما أقدمت عليه السلطة، بخصوص الإعلام، عما سبق لإسرائيل أن قررته في 22 سبتمبر/أيلول الماضي من إغلاق مكتبي قناتي الجزيرة (العربية والإنجليزية) الإخباريتين في رام الله إثر اقتحامهما ومصادرة محتوياتهما ومنع موظفيهما من العمل، بعد حملة تحريض واسعة، فيما كانت قد أغلقت مكتب القناة بمدينة القدس بعد إقدامها على اغتيال مراسليها في قطاع غزة.
يطرح كل هذا سؤالًا جوهريًا عن الدوافع والأهداف التي ترمي إليها السلطة الفلسطينية من وراء موقفها الراهن، الذي يلقى نقدًا لاذعًا واعتراضًا من مختلف قوى المقاومة، ومن نشطاء سياسيين لا تروق لهم قيادة محمود عباس (أبو مازن)، ومن مثقفين فلسطينيين مستقلين أو مناهضين للاحتلال وداعمين لمشروع المقاومة.
وأخذًا في الاعتبار موقف مختلف الأطراف، وطبيعة الظروف القائمة، يمكن شرح هذه الأسباب والدوافع والأهداف في النقاط التالية:
1- انخراط، بل تورط، السلطة الفلسطينية تدريجيًا في نمط من "تقاسم الوظائف" مع الاحتلال الإسرائيلي تغذيه منافع اقتصادية عبر شبكات من أصحاب المصالح في صفوف الفلسطينيين تقوم على تجارة السلع والخدمات وتلقي الإعانات الخارجية التي تمكن هذه السلطة من دفع رواتب موظفيها ورجال أمنها.
كما تغذي هذا الوضع تصورات سياسية تقوم على أن التفاوض، ورغم تعثره مرات وفقدانه جدواه بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي إلى بعض المكاسب، اتكاء على ما رتبه اتفاق أوسلو 1993 الذي رفضت إسرائيل تنفيذ مرحلته الأخيرة حول السيادة والمياه ووضع القدس، بل عملت على تفريغ ما ناله الفلسطينيون بمقتضى هذا الاتفاق من خلال الضغط المتواصل، والتضييق المستمر، والتنكر الدائم، والاعتداء المتكرر على سكان الضفة الغربية، والاستمرار في الاستيطان، واقتطاع أموال بشكل متتابع من مخصصات السلطة الفلسطينية، أو رهن دفعها بشروط قاسية، طالما خصمت تباعًا من قدرة وهيبة ووظيفة وفائدة هذه السلطة.
2- ربما تُقدّر السلطة الفلسطينية الخلل الدائم والمزمن في ميزان القوة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، بما يبرر لها القبول بالأمر الواقع، والصبر على المكاره، وتضفي على هذا غطاء مفاده أنها تستجيب لمطلب قطاع من الفلسطينيين في الضفة الغربية يتخوفون من الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، قد تؤدي إلى تعميق الأذى الذي يلحق بهم ليبلغ حد "الإبادة الجماعية" على غرار ما جرى في قطاع غزة.
إعلان3- تنظر السلطة الفلسطينية إلى حركة المقاومة في الضفة الغربية بعين الريبة، وتحيلها، في الغالب الأعم، إلى الارتباط بحركتي حماس والجهاد أو تقدر، على الأقل، مدى تأثرها بالاتجاه الذي سلكته الحركتان، وما معهما من فصائل المقاومة الفلسطينية، والذي ينحاز إلى الكفاح المسلح باعتباره السبيل الناجع لنيل الحقوق الفلسطينية المهضومة والمؤجلة.
فمثل هذا الارتباط أو حتى التأثر معناه ببساطة سحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية، ومن ثم تجد هذا السلطة في إسرائيل سندًا لها، كي تحافظ على مواقعها ومنافعها، مع أن تل أبيب تريد في حقيقة الأمر إنهاء وجود هذه السلطة من الأساس.
4ـ تعتبر السلطة الفلسطينية أنها لا تملك القدرة على إدارة ظهرها لالتزامات تُقيدها بوصفها الطرف الذي صنعته اتفاقات مع إسرائيل تمت برعاية دولية، ومباركة إقليمية رسمية، وبالتالي فهي المسؤولة أمام المجتمع الدولي عن تمثيل الفلسطينيين والسيطرة عليهم، إن كانت تريد لإسرائيل، والعالم الخارجي، أن يتعامل معها، ويتركها قائمة حتى في ظل ضعفها وعجزها عن حماية الشعب الفلسطيني.
5- تفتقد السلطة الفلسطينية إلى أي طموح يؤهلها لمنازعة إسرائيل أو منازلتها، لا سيما في ظل شيخوختها المزمنة، وبذا تعمل دومًا على تجنب كل ما يثير غضب تل أبيب، وما من شأنه أن يُسهم في تحقيق رغبة بعيدة المدى مستقرة في العقيدة الدينية ـ السياسية الإسرائيلية، يجعلها تنظر إلى الضفة الغربية بعين طامعة أكثر من نظرها إلى قطاع غزة.
لكن هذه الرؤية التي تتبناها السلطة الفلسطينية تبدو قاصرة إلى حد بعيد، فسعي هذه السلطة إلى المسالمة والسكينة لم يجعل إسرائيل تتعامل مع سكان الضفة الغربية بطريقة مختلفة عن الغزاويين، فقبل اندلاع "طوفان الأقصى" وقبله، لم يمر أسبوع واحد إلا وألحق جيش إسرائيل وشرطتها وأجهزة أمنها أذى بأهل الضفة، بما في ذلك داخل رام الله (مقر السلطة الفلسطينية)، من قتل واعتقالات وهدم منازل وتجريف أراضٍ زراعية أو قضمها لحساب بناء مستوطنات على أنقاضها.
إعلانما يزيد الطين بلة أن التصرفات الأمنية الأخيرة للسلطة الفلسطينية التي تتوزع على اعتقال نشطاء ومقاومين وإعلاميين، تأتي في وقت تستعد فيه إسرائيل بفرقة عسكرية كاملة لاجتياح جنين ومخيمها.
وما جعل السلطة الفلسطينية تبدو متماهية أكثر مع نوايا الاحتلال ومراميه، تلك الاشتباكات المتواصلة التي تجري منذ أسابيع بين قوات الأمن التابعة لهذه السلطة ومسلحين في جنين ينتمي معظمهم إلى حركتي الجهاد وحماس، وفي الوقت نفسه تعمل على كتم الحقيقة وكبتها، وذلك "في وقت أحوج ما يكون فيه الشعب الفلسطيني لصوت مسموع يوصل معاناته للعالم"، حسب البيان الذي أصدرته حركة الجهاد الإسلامي.
إن نتنياهو الذي أُجبر على هدنة في غزة لم يتنازل بعد عن أهمية استمرار الحرب بالنسبة له شخصيًا لينجو من عقاب ينتظره، وأهميتها أيضًا لتحالفه اليميني، الذي لم يكن بعض رموزه يريدون وقفها في قطاع غزة، وبذا سيعمل على توسيع نطاق القتال في الضفة، ليس في جنين وحدها، إنما في مناطق أخرى، ووقتها قد يدرك من كتم صوت الفلسطينيين الذي يصل إلى العالم عبر الإعلام، ومن شارك في مطاردة مقاومي الضفة، أنه قد ارتكب خطأ جسيمًا في حق الشعب الفلسطيني وقضيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السلطة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی الضفة الغربیة هذه السلطة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
ما الذي حققه نتنياهو من تعطيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين؟
بعد تعطيله عملية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين السبت الماضي، يطرح محللون ومراقبون تساؤلات حول الهدف الذي يكون قد حققه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من وراء هذه المناورة، خاصة أن الإدارة الأميركية يبدو أنها تدفع باتجاه الذهاب إلى المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ورغم وفاء المقاومة الفلسطينية بالتزامها والإفراج عن 6 أسرى إسرائيليين السبت الماضي، فإن نتنياهو عرقل عملية إطلاق سراح نحو 620 أسيرا فلسطينيا كان من المقرر الإفراج عنهم في اليوم نفسه ضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى للاتفاق.
وحسب ما تم كشفه، فقد تم التوصل لاتفاق بجهود الوسطاء لحل أزمة عدم إفراج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين في الدفعة الماضية.
وحول ما حققه نتنياهو من تأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، يستشهد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية محمود يزبك بما كتبه أحد الكتاب الإسرائيليين صباح اليوم الأربعاء من أن "نتنياهو وقع في الحفرة التي حفرها بنفسه"، بمعنى أنه لم يحقق أي شيء من مناورته، بل أخفق إخفاقا كبيرا.
وربط يزبك بين موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي وموقف المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، الذي يرى محللون أنه بات أكثر تشددا حيال إسرائيل، لأنه رجل أعمال ويحترم ما يوقع عليه من اتفاقات، كما يقول يزبك.
إعلانكما أن تأجيل ويتكوف زيارته التي كانت مقررة للمنطقة هو التعبير الأفضل من موقفه المتشدد ضد سياسة نتنياهو، ويلفت يزبك في السياق نفسه إلى أن عرقلة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين أدت إلى غضب الأميركيين وأيضا غضب عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، فضلا عن غضب الرأي العام العالمي.
وخلص الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن "نتنياهو خسر خسارة كبيرة وخسر نقاطا بدل أن يربحها"، مشيرا إلى أنه لم يستمع لنصيحة الجيش والمسؤولين عن المفاوضات، بل استمع لنصيحة القيادة اليمينية الرافضة للانخراط في المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى.
وتدرك المقاومة الفلسطينية في غزة من جهتها، حسب الكاتب والمحلل السياسي محمد الأخرس، أنها تحارب على طاولة المفاوضات، لأن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يحقق على الطاولة ما لم يحققه على الأرض.
إستراتيجية المقاومةولأنها تدرك طبيعة التهديدات وطبيعة التوازنات الإقليمية وتلك التي تحكم المشهد الداخلي الإسرائيلي، تتحرك المقاومة في ضوء كل ذلك، وتتمسك بالإطار التفاوضي الذي يرفضه نتنياهو، لأنه السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام ووقف الحرب على قطاع غزة.
وسترتكز الإستراتيجية التفاوضية للمقاومة -يضيف الأخرس- على ضرورة الالتزام والحفاظ على الاتفاق، رغم محاولات الطرف الإسرائيلي لتخريبه ومحاولة استدراج الإدارة الأميركية لدعم موقفه.
وشكك الأخرس في ما يتداوله الإعلام الإسرائيلي من أن نتنياهو يكون قد أقنع الإدارة الأميركية بأن تكون هناك صيغ أخرى للاتفاق، مبرزا أنه لا يوجد على طاولة المفاوضات سوى الاتفاق الحالي، وأن ما يطرحه نتنياهو بشأن تمديد الاتفاق هو محاولة للهرب من استحقاقاته، وحينما تدرك الإدارة الأميركية أنه لا مسار آخر لإنهاء الحرب ستذهب للضغط على جميع الأطراف للاستمرار في ما جرى البدء فيه، حسب الأخرس.
إعلانويفترض أن يُفرَج غدا الخميس عن جثث 4 أسرى إسرائيليين من غزة، مما يشكل نهاية رسمية للمرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، التي تتضمن 3 مراحل تمتد كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل استكمال المرحلة الجارية.