فلسطين… الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
تلاحق الصراعات والأزمات الكثيرة بلاد العرب، وتزيد من وطأتها التغيرات المتسارعة التي تتعرض لها السياسة العالمية بفعل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والواجهة الصراعية التي تحيط بعلاقات الولايات المتحدة مع القوى الكبرى وخلافات التجارة والحرب والسيادة التي باتت الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية الجديدة ومن ثم للحكومات الصينية والروسية وحكومات الدول الأوروبية.
وفيما خص فلسطين، يعني ذلك المزيد من تمكين حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف من ممارسة التمييز العنصري والتهجير القسري والاحتلال الاستيطاني والحصار غير الإنساني والاعتداءات المتكررة، أبارتايد متكامل باختصار.
قانونيا وسياسيا، تميز حكومة بنيامين نتنياهو ضد فلسطينيي 1948 الحاملين لجنسية الدولة العبرية. في القدس الشرقية والضفة الغربية، يتواصل اضطهاد الشعب الفلسطيني تهجيرا متصاعدا، واستيطانا مستمرا، وعنفا من قبل آلة الحرب الإسرائيلية ومن قبل المستوطنين المسلحين، وقيودا على حركة الناس، وإهانات ممنهجة للمعتقدات الدينية (الاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى) وضغوطا مالية وأمنية على السلطة الفلسطينية.
أما غزة، فيتعامل معها نتنياهو وحلفاؤه الأشد تطرفا وبعد الحرب المدمرة منذ خريف العام قبل الماضي كفناء خلفي مستباح، إنسانيا وسياسيا بخلق أوضاع معيشية مأساوية لا تصلح لحياة الناس وعسكريا باعتداءات متكررة توقفت اليوم بفعل وقف إطلاق النار غير أن احتمالية تجددها تظل قائمة.
غير أن الجديد في شأن فلسطين هو، من جهة، التلاحم المتزايد على أرضية الهوية الوطنية المشتركة بين فلسطينيي 1948 وفلسطينيي الأراضي المحتلة منذ 1967 في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة. وقد عبر هذا التلاحم عن نفسه من خلال ممارسات تضامنية كثيرة تجاوزت الخطوط الفاصلة بين 1948 و1967 وأعادت التأكيد على أن إنهاء الأبارتايد الإسرائيلي وانتزاع حق تقرير المصير يظل هو القضية المركزية للشعب الفلسطيني دون تمييز بين من هم في «الداخل» ومن هم في «الأراضي المحتلة».
الجديد، من جهة ثانية، هو أن إسرائيل تمر بأزمة وجودية حادة جوهرها هو التنازع حول العلاقة بين يهودية الدولة وبين الطبيعة الديمقراطية لمؤسساتها الدستورية والقانونية والسياسية وتلك الفاعلة في مجال الهوية والتنشئة الاجتماعية.
وبينما يشغل اليمين المتطرف بأطيافه المختلفة مواقع الانتصار ليهودية الدولة على حساب مكوناتها الديمقراطية (القضاء المستقل مثالا) تقف القوى العلمانية والحداثية في خانات الدفاع عن الحقوق والحريات بمضامينها الليبرالية وترفض «تهويد» مؤسسات الدولة والحياة السياسية والفضاء العام.
وفي هذا السياق، يعيد التقدميون في إسرائيل اكتشاف التناقضات الجوهرية بين يهودية الدولة وبين ديمقراطية مؤسساتها والنواقص العديدة التي ترد على الأخيرة طالما تواصلت سياسات وممارسات الأبارتايد تجاه الشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من أن التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الكبرى كتل أبيب وحيفا وغيرهما خلال الأسابيع الماضية احتجاجا على «الإصلاح القضائي» الذي أرادت به حكومة نتنياهو «القضاء على استقلال القضاء» لم تحمل بها يافطات تطالب بإنهاء الاستيطان والاحتلال ولم تخرج عنها مقولات علنية تربط بين الدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل وبين تقرير الفلسطينيين لمصيرهم، إلا أن ثمة شواهد متواترة على إدراك القوى العلمانية لحتمية الربط بين الأمرين ولاستحالة تجزئة الحقوق والحريات في الساحات بالغة التداخل والتعقد في إسرائيل وفلسطين.
الجديد، من جهة ثالثة، هو أن المواقف الإقليمية، خاصة الموقف المصري والأردني، صارت وبعد حرب غزة المدمرة قاطعة في رفضها لكافة خطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وعازمة على إحياء حل الدولتين الذي غيب بفعل سياسات وممارسات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
الجديد، من جهة رابعة، هو أن النظرة العالمية لفلسطين تتغير جذريا على نحو يقر بكون سياسات وممارسات حكومات إسرائيل المتعاقبة تمثل أبارتايد متكامل يندى لاضطهاده وتمييزه العنصري ولتهجيره واستيطانه واعتداءاته جبين الإنسانية، ويطالب بخطوات دولية، حكومية وشعبية، حقيقية لكي توضع له نهاية قريبة.
في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يعد مستهجنا في بعض الدوائر السياسية (يسار الحزب الديمقراطي) والإعلامية (وسائل الإعلام القريبة من اليسار) والأكاديمية (عديد الجامعات والمراكز البحثية) أن يوصف ما يعاني منه الشعب الفلسطيني بالفصل العنصري، وأن تعقد مقارنات بين السياسات والممارسات الحالية في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وبين ماضي جنوب إفريقيا قبل 1990.
أمريكيا أيضا، يتراجع تدريجيا خوف بعض رموز الحياة العامة من التعبير عن مواقف ناقدة لحكومات إسرائيل ومتضامنة مع حقوق الفلسطينيين لكيلا يطالهم هجوم أنصار الاستيطان والاحتلال الموظف دوما لمقولات العداء للسامية. وقد دللت تصريحات متتالية لسياسيين وإعلاميين وأكاديميين أمريكيين (خاصة حين جاءت من أصحاب البشرة البيضاء والأسماء الأنكلو- ساكسونية وفي بعض الحالات الانتماء الديني اليهودي) على الانهيار التدريجي لأسوار الخوف من الاقتراب من انتقاد إسرائيل والمطالبة بمحاسبتها على الجرائم والانتهاكات المتكررة لحقوق الفلسطينيين ومقاطعتها أكاديميا والدعوة إلى إنهاء الأبارتايد الوحيد في عالمنا المعاصر.
بالقطع، لا يمر ذلك دون مقاومة سياسية وإعلامية وأكاديمية لا تعدم لا المؤيدين لأسباب متفاوتة (ينتمي أغلبهم إلى اليمين الأمريكي) ولا الأموال (تدفع بها جماعات الضغط والمصالح الكثيرة القريبة من إسرائيل). غير أن التغير الجذري الذي يطرأ على النظرة لفلسطين في الولايات المتحدة يستحيل إنكاره مثلما يستحيل تجاهل تداعياته السياسية التدريجية.
والحقيقة أن ما يرى في الولايات المتحدة يحدث أيضا في بعض الدول الأوروبية الغربية التي صارت بها أحزاب اليسار ومنظمات المجتمع المدني التقدمية توصف سياسات وممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين باستخدام مفردات الفصل والتمييز العنصري والاضطهاد والعنف وغيرها وتضغط على حكوماتها لإعادة النظر في مواقفها المنحازة وتنجح في دفع بعض الحكومات للاعتراف بالدولة الفلسطينية (تمثل ألمانيا لظروفها التاريخية الخاصة الاستثناء الأبرز في هذا الصدد).
والحقيقة أيضا أن حكومات قوى دولية أخرى، كالصين التي اتخذت موقفا مناصرا للقضية الفلسطينية منذ النصف الثاني من القرن العشرين ويتسع اليوم دورها الدولي وبتصاعد نفوذها السياسي والدبلوماسي مع تطورها الاقتصادي والتكنولوجي المذهلين وروسيا التي تعيد راهنا اكتشاف أهمية بلاد العرب التي اتخذت موقفا محايدا بشأن الصراع الروسي-الأوكراني ورفضت المشاركة في العقوبات الغربية، أصبحت تتجه إلى الاهتمام الجاد بالبحث عن سبل لحل الصراع الأقدم في الشرق الأوسط وفقا لقرارات الشرعية الدولية أي بالضغط لتطبيق حل الدولتين.
هذا الجديد، إن بالتضامن الفلسطيني العابر لحدود 1948 و1967 إزاء الأبارتايد الإسرائيلي أو بالصراع الوجودي حول يهودية دولة إسرائيل في مقابل ديمقراطيتها أو بتغير النظرة العالمية وعودة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني إلى الواجهة، يعطينا كعرب، حكومات ومجتمعات مدنية وقوى شعبية وعلى الرغم من المكاسب الكثيرة التي حققتها آلة الحرب الإسرائيلية خلال الشهور الماضية وبغض النظر عن التفاوت بين من لهم علاقات مع إسرائيل ومن ليس لهم ودون إدانة لهذا الموقف أو ذاك، يعطينا فرصة مواتية للغاية للضغط من أجل تفعيل حل الدولتين قبل أن تتجاوزه بالكامل وقائع التهجير والاستيطان والعنف المستمر للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة التظاهرات تظاهرات غزة الاحتلال المجتمع الدولي العدوان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی من جهة
إقرأ أيضاً:
فلسطين: إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في غزة
غزة – أكدت فلسطين، امس الجمعة، إن إسرائيل تواصل استخدام أسلحة فتاكة ومتفجرة في قطاع غزة، فيما وسعت هجماتها على بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
جاء ذلك في 3 رسائل متطابقة بعث بها المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن لشهر مارس/آذار الجاري سفيرة الدنمارك كريستينا ماركوس لاسين، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيليمون يانغ.
الرسائل المتطابقة كانت بشأن “استمرار إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني”، وفق وكالة الأنباء الرسمية “وفا”.
وأضاف منصور أن إسرائيل تواصل “استخدام جميع أشكال الأسلحة الفتاكة والمتفجرة في أنحاء القطاع المكتظ بالسكان، دون أي اعتبار لحياة المدنيين”.
ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس الجاري، قتلت إسرائيل 896 فلسطينيا وأصابت 1984 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وفق بيان صادر عن وزارة الصحة بالقطاع صباح الجمعة.
ولفت منصور إلى استمرار إسرائيل في منع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة لثلاثة أسابيع متتالية، “والتي تشكل أطول فترة انقطاع للمساعدات الإنسانية منذ بدء الحصار”.
وعبر منصور عن القلق من قرار الأمم المتحدة تقليص وجودها في غزة “في ظل الكارثة الإنسانية غير المسبوقة وتزايد الاحتياجات الأساسية”.
وشدد على “ضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلزام إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على رفع حصارها، ووقف عقابها الجماعي، ومحاولاتها لتجويع شعبنا وتدميره وتهجيره القسري من أرضه”.
وفي رسائله، سلط منصور الضوء على الخسائر الفادحة التي يتكبدها العاملون في المجال الإنساني والصحفيون.
وأكد “استشهاد 8 عاملين في المجال الإنساني، بمن فيهم موظف الأمم المتحدة خلال الغارة الإسرائيلية على مقر الأمم المتحدة في 19 من الشهر الجاري”.
كما أشار إلى “استشهاد 399 عاملا في المجال الإنساني في غزة، بمن فيهم 289 موظفا من الأمم المتحدة، معظمهم من موظفي الأونروا، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
وتطرق إلى “استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 24 مارس الجاري، واغتيال الصحفيين الفلسطينيين حسام شبات ومحمد منصور، إلى جانب استشهاد ما يقرب من 200 صحفي فلسطيني، من بينهم 27 صحفية، على يد إسرائيل خلال الأشهر السبعة عشر الماضية”.
وبشأن مواصلة الهجمات الإسرائيلية على بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، قال منصور إنها “أسفرت عن استشهاد 99 فلسطينيا، من بينهم أطفال، منذ بداية العام (2025)”.
بالإضافة إلى استيلاء إسرائيل على الممتلكات، وهدم المنازل، وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين بشكل قسري والاعتداء على الأماكن المقدسة والمصلين في شهر رمضان المبارك، واستمرار قوات الاحتلال في الاعتقالات اليومية، ما يزيد من أعداد المدنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بمن فيهم الأطفال المحتجزون دون تهمة، حسب البيان نفسه.
وشدد على أن “المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، ملزم قانونا بوقف هجوم إسرائيل وحماية شعبنا، الأمر الذي يتطلب استعادة وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وغير المشروط ودون عوائق”.
وحث “جميع الدول والمنظمات المعنية، بما فيها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي، على بذل كافة الجهود الممكنة لاستعادة وقف إطلاق النار، وضمان تنفيذ جميع مراحله، وفقا للقرار 2735، وتوسيع نطاقه ليشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بهدف ضمان وقف دائم لإطلاق النار، وفتح الطريق أمام تحقيق سلام عادل قائم على حل الدولتين”.
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية المغتربين الفلسطينية “الاعتداءات شبه اليومية لعناصر المستعمرين (المستوطنين) المسلحة على أبناء شعبنا في مَسافِر يطا (جنوبي الضفة) بحماية وإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي”.
وأضافت أن هذه الاعتداءات “تهدف إلى تهجير وإفراغ المسافر برمتها من الفلسطينيين، في أبشع أشكال جريمة التطهير العرقي ضد الوجود الفلسطيني في عموم المناطق المسماة “ج” التي تشكّل غالبية مساحة الضفة، على طريق ضمها كمخزون إستراتيجي لتوسع الاستيطان الاستعماري، وضرب فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض”.
وطالبت مجلس الأمن الدولي “بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية واتخاذ ما يلزم من إجراءات لإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف عدوانها فوراً وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، بما فيها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية”.
وفي وقت سابق الجمعة، هاجم مستوطنون قرية جنبا جنوب مدينة الخليل واعتدوا بالضرب على فلسطينيين ما أدى لإصابة عدد منهم بجروح ورضوض، وفق شهود عيان.
الأناضول