الروائي السوداني طارق الطيب: «القاهرة للكتاب» الأضخم في الشرق الأوسط.. ويعتبر عيدا ثقافيا نحتفي به كل عام
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
الدكتور طارق الطيب، ابن النيلين، وُلد في القاهرة لأسرة سودانية مصرية، فجمع في روحه بين دفء الجنوب وعبق الشمال، شاعرٌ وروائي وأستاذ جامعي، عبر بجسور الكلمة إلى القارة العجوز وحط رحاله في فيينا، حيث تتناغم الثقافات في كتاباته بين مصر والسودان والنمسا، ينسج بحرفية قصص الهجرة والانتماء، متنقلًا بين الحنين إلى الجذور والانفتاح على العالم الجديد.
ماذا تمثل لك المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
معرض القاهرة الدولي للكتاب فرصة رائعة لالتقاء الكُتّاب والناشرين، سواء لعرض إصدارات جديدة أو إعادة تقديم الكتب القديمة، يتميز المعرض بأجوائه الثقافية الثرية التي تتيح تبادل الأفكار والآراء بين مختلف الفئات، ربما يختلف عن غيره في نقطة معينة، وهي القدرة الشرائية للزوار، إذ قد يجد البعض صعوبة في شراء كل ما يرغبون فيه بسبب الظروف الاقتصادية، رغم أن أسعار الكتب تعد طبيعية إلى حد كبير.
ومع ذلك، تبقى القدرة الشرائية التحدي الأكبر، ما يجعلني أتمنى أن يتم تقديم دعم مادي لدور النشر، بحيث تتمكن من تخفيض أسعار الكتب وإتاحتها بشكل أكبر للجمهور.من الأمور التي أرى أنها تحتاج إلى تطوير، ضرورة وجود برامج واضحة ومتاحة يمكن للزائر الاطلاع عليها بسهولة لمعرفة مواعيد وأماكن الندوات والفعاليات بدقة، فغياب هذه التفاصيل قد يسبب بعض الإرباك للزوار، قد تبدو هذه ملاحظات صغيرة، لكنها في الواقع تؤثر بشكل كبير على تجربة الزائر وتجعل المعرض أكثر تنظيمًا وسلاسة.
ومع ذلك، يظل معرض القاهرة الدولي للكتاب حدثا ثقافيا نفخر به جميعا، فهو واحد من أكبر المعارض على مستوى العالم، ويُعد الأضخم في الشرق الأوسط، إنه ليس مجرد معرض، بل مناسبة ثقافية كبرى نشارك فيها بالكتابة والنشر، ولقاء الأصدقاء والقراء في أجواء حميمية رائعة، المعرض بالنسبة لنا يُمثل عيدا ثقافيا نحتفي به كل عام.
- كيف ترى الأدب السوداني في ظل ترديد البعض بأنه توقف عند الطيب صالح
تحدثتُ في إحدى المناسبات عن موضوع «تصنيم» الطيب صالح، أي جعله أيقونة أدبية مقدسة، الأمر الذي أثار استياء البعض، لكنني أوضحت أن الطيب صالح بلا شك يُعد أحد عمالقة الرواية العربية وكاتبًا عظيمًا ورائعًا، إلا أنه من الضروري أن نتجاوز إرثه، ونبحث عما بعده وعمن بعده، من المهم أن نرى ونقيّم من جاء بعد الطيب صالح في الساحة الأدبية السودانية.
المشكلة التي تواجه الأدب السوداني، هي أن أي تناول له يبدأ وينتهي عند الطيب صالح، وكأن لا أحد بعده، على عكس الأدب المصري، حيث نجد العديد من الروافد الأدبية، فعلى سبيل المثال، بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، كان هناك ميل في البداية لربط كثير من الأعمال الأدبية بكتابات محفوظ، لكن هناك تنوع في الارتباط عند التيارات الجديدة في القصة نمر من يوسف إدريس إلى محمد المخزنجي، ونمر من محفوظ إلى جمال الغيطاني، ومن نوال السعداوي إلى سلوى بكر، وهكذا، وهي محطات متتالية لكتاب استطاعوا أن يُشكلوا محطات أدبية بارزة تضيف إلى المشهد الأدبي المصري، بينما في السودان نجد أن المحطة الكبرى الوحيدة تظل الطيب صالح ويدور النقاد دوما حول مقامه فقط.
- برأيك.. ما أبرز التحديات التي تواجه الأدب السوداني؟
من التحديات التي تواجه الأدب السوداني عدم وجود مركزية واضحة لدعمه، فالكتاب السودانيون منتشرون في مختلف أنحاء العالم، أنا لا أفضل استخدام مصطلح «المنفى»، لكن الحقيقة أن الكثير من الأدباء السودانيين يعيشون خارج السودان لأسباب عديدة منها قلة الدعم الأدبي والمعنوي داخل البلاد، هذا التوزع الجغرافي للأدباء يجعل من الصعب جمع هذه المواهب في مشهد أدبي موحد يتسم بالتماسك والوضوح.
أتمنى أن تعود الأحوال إلى السودان كما كانت في الماضي، وأن تتمكن المؤسسات الثقافية من دعمهم، كما أتمنى أن تهتم المجلات والدوريات العربية بإدراج الكتاب السودانيين ضمن المحتوى الأدبي دون تمييز، فمن المؤسف أن نجد اسم الكاتب السوداني غالبا ما يُدرج في نهاية الفهرس، وكأن هناك ترتيبًا غير معلن يجعلهم في المؤخرة.
كما أن الأمر لا يقتصر فقط على السودان، ففي مصر مثلًا هناك مفهوم «أدب الأقاليم»، حيث يتم الاعتراف بكتاب المحافظات المختلفة مثل الأقصر وأسوان وغيرها، ويُمنحون مكانتهم المستحقة إلى جانب كتاب العاصمة، وهذا أمر يجب أن يمتد إلى رؤية الأدب السوداني، ليُنظر إليه باعتباره جزءًا لا يتجزأ من المشهد الأدبي العربي ككل.
السودان قدم العديد من الكتاب والكاتبات الرائعين، الذين نجح بعضهم في تحقيق الانتشار العالمي بعد خروجهم من البلاد، بينما لا يزال من بقي داخل السودان يواجه صعوبات كبيرة في النشر وإيصال صوته إلى العالم، ومع ذلك، عندما أقرأ الأدب السوداني الحديد، أشعر بإعجاب وانبهار كبيرين لما يحتويه من إبداع حقيقي يستحق الاهتمام والتقدير.
- كيف استخدمت «ثنائية الحياة والموت» كأداة لاستكشاف المعاني الفلسفية في رواية «رأيت ما لا يجوز لك»؟
دائما نكتب عن الحياة، نكتب عن وقائعها، ونكتب عن الموت الذي لا نعرفه، وفي رواية «رأيت ما لا يجوز لك»، نجد حديثا طويلًا عن شخص أُصيب بمرض ألزهايمر، ذلك المرض الذي يُعد حالةً بين الموت والحياة، تحكي الرواية قصة بلال، وكيف أنه، في لحظةٍ ما، نزل تحت الأرض في ظروفٍ غامضة ليكون مع الموتى، ولكن ليس ليكون ميتا مثلهم، لقد وجدهم أحياء، يجلسون في قاعة كبيرة ويتحدثون.
وكان الشرط الوحيد في هذا المكان أن لا أحد يكذب أبدا؛ بل يكتفي كل شخص بأن يحكي حياته بصدقٍ تام، ويجيب على الأسئلة بكل طواعية، والكل يستجيب لهذه الحالة العامة في البوح الصادق وبلا إجبار، مسألة الثنائية بين الحياة والموت تأخذ بُعدًا مختلفًا في هذه الرواية، حيث يصبح الموت هنا حالة غامضة، وبلال نفسه لا يعرف هل هو حيّ أم ميت داخل هذا المكان.
- إلى أي مدى وظفت السرد غير التقليدي لإشراك القارئ في رحلة بلال النفسية والفكرية؟
في هذه الرواية، يلعب السرد والحوار دورا محوريا، حيث يظهر أحد الشخصيات وهو الذي سحب بلال إلى هذا البرزخ ليكون من بين الموتى، وهو شخصية تُدعى «سريد»، دعاه إلى هذا المكان الغامض، مكان يقع تحت الأرض، أو في السماء، أو ربما في فضاء ما.. لا نعرف تحديدا، ودارت بين بلال وسريد حوارات مكثفة، ما خلق حالة من التفاعل الفريد بين شخص حيّ وآخر يُعتبر ميتًا، أو ربما بين شخصين أحياء، أو حتى بين شخصين ميتين.
وهنا تكمن المفارقة في الأسئلة العديدة التي تُطرح ضمن هذه الحوارات المتعددة بين بلال وسريد، ما يعكس عمق الرحلة الفكرية والنفسية التي يخوضها بلال، ويُشرك القارئ في رحلة من التأمل والتساؤل حول الحياة والموت.
- ما التقنيات السردية التي استخدمتها لتعزيز عنصريْ الغموض والتشويق في الرواية؟
لا أعتمد على تقنية سردية محددة، لكن في بعض أعمالي تظهر ملامح سردية معينة، على سبيل المثال، في رواية بيت النخيل، لجأت إلى توظيف الأحلام كوسيلة لسرد أمور لا يمكن التعبير عنها بشكل مباشر، استخدمت الحلم لنقل تفاصيل معقدة لا يمكن كتابتها في صفحات عديدة، بحيث يرتبط الحلم ارتباطا وثيقا بالأحداث السابقة واللاحقة، ما يجعله جزءا أصيلا من السياق السردي وليس عنصرا منفصلا عنه.أما في رواية لهو الإله الصغير، فقد اعتمدت على تعدد الأصوات، حيث استخدمت ثلاثة أصوات مختلفة تُمثَّل بثلاثة حروف متمايزة هي: شمس والعارف والكاشف، ليتمكن القارئ من التمييز بين المتحدثين أثناء القراءة، كان هدفي هو إيصال صوت معين للقارئ بشكل واضح ومميز، ما يجعله يدرك التنوع السردي ويمنح النص تمازجًا وتناغمًا خاصًا.
الكتابة عن الموت مثل الكتابة عن الحياة، وربما تتجاوزها عمقًا، فالكتابة عن الموت تفتح آفاقًا واسعة للإبداع والتخيل، حيث يمكن ابتكار أحداث خارقة مثل قدرة بشري على الطيران بنفسه أو عودة ميت إلى الحياة، وهي أمور قد يصعب تقبّلها في الواقع، لكنها تُصبح ممكنة داخل فضاء الرواية.
في (رأيت ما لا يجوز لك)، تجد عناصر من هذا النوع، حيث تتشابك الغرائبية مع الواقع، مما يخلق جوًا من التشويق والغموض، هناك سرٌّ ما في الرواية لن أكشف عنه، ليظل القارئ متشوقًا لاكتشافه بنفسه أثناء القراءة.
- أنت كاتب «سوداني.. مصري.. نمساوي» الجنسية.. ما تأثير نشأتك في القاهرة على كتاباتك مقارنة بتجربتك في المهجر؟
نشأتي في القاهرة تركت بصمة عميقة على كتاباتي، في طفولتي، كنت أقضي وقتي بين بيت جدتي في الحسينية، حيث الحياة أكثر تقليدية، وبين بيت أسرتي في عين شمس، ومدرستي كانت تقع على أطراف بدايات الدلتا الخضراء، ما سمح لي بالتفاعل مع الطبيعة بشكل مباشر، هذه التداخلات البيئية أثرت بشكل كبير على وعيي وتفكيري، خاصة خلال فترة الستينيات التي كانت غنية بالتحولات الاجتماعية في مصر.
مع انتقالي إلى أوروبا، واجهت طفرة كبيرة في الثقافة والحياة اليومية، كان الأمر أشبه بالانتقال عبر قرون، وليس مجرد مكان أو زمن آخر، وجرى اختياري سفيرا لتمثيل النمسا ثقافيا في كثير من المحافل الدولية، هناك، وجدت عالما مختلفا تماما، لكنه كان ثابتا نسبيا مقارنة بالتحولات التي شهدتها مصر عبر السنين، العودة إلى القاهرة، لاحقا، كانت بمنزلة رحلة إلى الجذور، لكني وجدت أن ملامح الحياة قد تغيّرت، سواء على صعيد الطقوس أو العادات أو بنية البيئة الاجتماعية.
- ماذا تمثل لك الهوية؟
فكرة الهوية لديّ هي أنها كائن حي ديناميكي، وليست حالة جامدة أو مغلقة، البعض يعتقد أن الهوية يجب أن تكون ثابتة ومحصّنة، لكن هذا مفهوم خاطئ، الهوية، بالنسبة لي، هي كائن حي مفتوح وقابل للتغيير. كلما تعلمت شيئا جديدا أو اكتسبت خبرة ما، فإن هويتك تتغير، على سبيل المثال، تعلم لغة جديدة، مثل الألمانية في حالتي، أضاف لي الكثير ولم يُفقدني أصل لغتي العربية، على العكس، اللغة الجديدة وقفت بجوار لغتي الأم وأثرتها، ولم تُزحها أو تُقلل من شأنها.
من يرى أن تعلم لغة جديدة أو تبني ثقافة مختلفة يعني تغرّبًا أو فقدانًا للهوية يخطئ تمامًا، الهوية الحقيقية تنمو وتتسع لتستوعب كل ما هو جديد، وتظل دائمًا متحركة وحية، الهوية الجامدة، في رأيي، هي هوية ميتة ومآلها الاندثار، لذلك، أرى أن الهجرة والانتقال بين الثقافات لم تُضع هويتي، بل أضافت إليها وأثرتها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: معرض القاهرة للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض الكتاب معرض القاهرة الدولی للکتاب الأدب السودانی الطیب صالح فی روایة التی ت
إقرأ أيضاً:
26 فبراير … إعلان المشروع الأمريكي!
يمانيون../
يقوم على أساس إعادة صياغة جيوسياسية لبلدان المنطقة تعتمد على تفكيك وإعادة بنائه على أسس قبلية وطائفية مع تكفل العناصر القائمة بفرض التوازنات المطلوب بين الكيانات السياسية الجديدة .
إن عملية التغيير الإقليمي هو المطلب الذى سعى ويسعى إليه العدو الصهيوني منذ وجوده , والتغيير من وجهة نظره يعني قبوله مع تحقيق كامل أهدافه في التوسع والسيطرة ليصبح القوة الإقليمية الأكبر , مع استثمار علاقاته الخاصة بالقوة العظمي ليكون مركز انطلاقها في المنطقة ولتهيمن باسمه على مقدرات وثروات شعوبها .
النظريات الثلاث
إن عملية تغيير المنطقة العربية بما سميت بالشرق الأوسط أصبحت مطلبا أمريكيا وخاصة بعد نجاح غزوها للعراق في مطلع عام 2003م , وفي نفس الوقت مغنما صهيونيا على ضوء الروابط الاستراتيجية والمصالح مع الولايات المتحدة وطرحت عدة نظريات منها :
– موازين القوى : وهذه النظرية المتبناة من مراكز بحثية أمريكية وصهيونية متعددة , تقوم على أساس إعادة صياغة جيوسياسية لبلدان الشرق الأوسط تعتمد على تفكيك وإعادة بنائه على أسس قبلية وطائفية مع تكفل العناصر القائمة بفرض التوازنات المطلوب بين الكيانات السياسية الجديدة . فهذا هو مطلب العدو الصهيوني وعلى الرغم من تعثر الموقف الأمريكي في العراق , فإن العدو الصهيوني يرتاح كثيرا للمتناقضات الحادثة هناك . والتي يرى خبراؤه الاستراتيجيون أنه مع بقائها واستفحالها سوف تؤدى إلى تقسيم العراق وتفتته .
– الأمن الإقليمي : هذه النظرية التي تقوم على ما يعرف بالأمن الإقليمي أو تحالفات الدول ذات النسق السياسي والاقتصادي المتوافق . ومن الدول المرشحة لذك العدو الصهيوني والأر دن وتركيا وينتظر أن يكون العراق معهم بعد احتلالها من امريكا في إبريل 2003م , وهذا يذكر بما عُرف من الأربعينيات من القرن المنصرم بمشروع الهلال الخصيب – بدون سوريا- أو بحلف بغداد 1955م , مع اعتبار ترشيح ” تل أبيب ” كمركز للتحالف الإقليمي .
– تكريس الحرية : وهذه النظرية الثالثة والمعروفة بنظرية ” تكريس الحرية ” والتي أشارت إليها جريدة ” يدعوت احرونوت ” الصهيونية وتتخلص في تأكيد الإدارة الأمريكية على مبدأ الحرية في الشرق الأوسط كبديل عن مبدأ ” الاحتواء ” إبان فترة الحرب الباردة( 1945- 1991م ) , حيث تهدف هذه النظرية إلى توسيع نطاق الحريات الفردية في الشرق الأوسط فيما يخص الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية , مع الاستعداد لإزالة أي معوقات على أي مستوى حتى لو كانت أنظمة .
كذلك تهدف إلى الاستعداد لتدمير العدو , وهو بنظرها عدو أيديولوجي – محاربة الإرهاب – يتمثل في الأصولية الإسلامية وليس الإسلام ! ثم البناء والذي يتم من خلال نشر ما تسميها الديمقراطية وما يحتاجه ذلك من تغيير لبعض النظم القائمة وهذا التغيير لا يتم بالقوة إلا في حالة الضرورة القصوى وخاصة على ضوء معاناة القوات الأمريكية في العراق
إعلان المشروع
بعد دمج هذه النظريات الثلاث برز المشروع الأمريكي لتخرج امريكا بمشروع الشرق الأوسط الكبير , والذى يقف العدو الصهيوني على رأسه . وقد عرض الرئيس الأمريكي ” بوش الأبن 2001- 2009م ” أما مؤسسة ” أمريكان انتربرايز ” والمعروف عنها انحيازها الكامل للعدو الصهيوني .
وقد أفصح الرئيس بوش الابن بمشروعه الشرق الأوسط الجديد عن ضرورة إعادة تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط والعمل على نشر الديمقراطية في المنطقة , والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة .
في حين أكدت ” كونداليزا رايس ” مستشارة الأمن القومي الأمريكي في شهر أغسطس 2003م , في مقال صحفي , على ضرورة تغيير الشرق الأوسط مثلما تم تغيير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية , وأن العراق الجديد بعد الغزو سيكون نموذجا وعنصرا أساسيا في بناء شرق أوسط مبنى على نبذ الكراهية !.
وفي شهر فبراير2004م , نشرت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع ما اسمته ” الشرق الأوسط الكبير ” وقررت عرضه على دول مجموعة الثماني في قمتها في ” سيتى أيلاند ” بولاية جورجيا الأمريكية في يونيو 2004م . وفي مقدمة المشروع حددت الولايات المتحدة هدفها بأنه لحماية مصالحها الوطنية ومصالح حلفائها .
وذلك عبر الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتشجيع الديمقراطية والحكم الصالح , وتغيير سياسي على المدى الطويل . وبتعريف المشروع الأمريكي – الصهيوني لحدود ما سمى بالشرق الأوسط الكبير أنه المنطقة الممتدة من المغرب والمحيط الأطلسي غربا إلى أفغانستان و باكستان شرقا وأيضا تركيا وإيران والعدو الصهيوني .- فجميع بلدان هذه المنطقة هم دول عربية إسلامية فيما عدا العدو الصهيوني فهذا التعريف الجغرافي للشرق الأوسط الكبير يتوافق مع تعريف العدو الصهيوني .
تغيير الخريطة
وفي توجيه انتقادات لهذا المشروع الأمريكي – الصهيوني المسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير والذي إعلانه الرئيس الأمريكي بوش الأبن في 26 فبراير 2003م بعد احتلال العراق . يوضح ” محمود عبد الطاهر ” في مقال له تحت عنوان ” إسرائيل وإعادة خريطة المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ” والمنشور في مجلة رسالة المشرق 2004م , التابعة لمركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة . بقوله : ( إن المشروع قد أغفل تماما الإشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والصراع العربي – الإسرائيلي , والذي أشار إليهما في الأصل تقريري الأمم المتحدة – عام 2002, 2003 , لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة بشأن العالم العربي – حيث كانت الأولويات تحتم تأجيل أي عمليات تطوير اعتمادا على أولوية المعركة التي يعلو صوتها فوق أي صوت آخر …. وليس بمستغرب من تهميش للصراع العربي – الإسرائيلي كسبب من أسبا التوتر في المنطقة وازدواجية المعايير في التعامل الأمريكي فيما يخص إسرائيل .
وهو الأمر الذي يبرز الدور المنوط بإسرائيل في قيادة المنطقة وخاصة على ضوء تصنيفها أمريكيا في ورقة المشروع بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الإقليم )
ويضيف : ( عدم استشارة دول المنطقة في أعداد هذه المشروع أو استشراف رأى أي نخب سياسية أو حتى فيما يسمى جماعات المجتمع المدني في المنطقة . وأن هذا المشروع ينظر لكل دول المنطقة على أنها متماثلة وأن الإصلاح يمكن أن يطبق عليها بشكل واحد في حين أن لكل من هذه الدول التي يجمع بينها الإسلام فيما عدا إسرائيل خصوصيات تميزها بعضها عن بعض ….. تتجنب ورقة المشروع ذكر أهم وأخطر المشاكل في الشرق الأوسط والمنطقة وهو الاحتلال للصهيوني للأراضي العربية والصراع العربي مع العدو الصهيوني .
ولذا فإن نظريات الإصلاح التي طرحها المشروع توضح إلى حد بعيد الرؤية الأمريكية التي تريد أن توجد نمطا سياسيا متجانسا يحقق مصالح الولايات المتحدة وحلفائها , ويقضى على انماط سياسة عدتها الاستراتيجية الأمريكية أنها من بقايا مرحلة الحرب الباردة والتي لم تعد تتواءم مع معطيات المرحلة ومتغيراتها ) ! .
استراتيجية الفوضى
إن الخضوع للمتغيرات التي جاء بها مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد هو المدخل الرئيسي للفوضى في المنطقة لأنه عند أول إمكانية للتمرد على هذه المتغيرات سيكون الانفلات والصراعات والفوضى والتي يمكن في هذه الحالة أن تولد حالة لا يمكن السيطرة عليها . أما بخصوص الديمقراطية تعلم الولايات المتحدة قبل غيرها أن الديمقراطية مطلب لشعوب المنطقة التي هي عطشى لها ولكن في نفس الوقت فإنها تدرك جيدا أن قوى الحكم في المنطقة مدعوم أكثرها من الجانب الأمريكي وهي في الأساس نظم استبدادية. فالتغيير الذي هو نابع من المتغيرات يأتي لتثبيت المصالح الأمريكية ولحلفائها وعلى رأسهم إسرائيل , أي أن هذه المتغيرات هي وسيلة وليست غاية استراتيجية أمريكية . ولعل أمريكا ما تريده من خلال مشروعها الشرق الأوسط الكبير او الجديد هو اتباع سياسة استراتيجية الفوضى ليتمكن لها من استنزاف خيرات وثروات الشعوب في ظل عدم وجود دولة مركزية قوية بل دول هشة تمزقها الحروب والصراعات والاقتتال الداخلي والتدخلات الإقليمية والخارجية وهذا ما نشاهده اليوم وكل ذلك خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة .
26 سبتمبر – علي الشراعي