بعد عامين من خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، وسيطرة طالبان على مقاليد الحكم، تواجه الحركة ومعها الشعب الأفغاني تحديات صعبة، وبخاصة بعد أن صادرت الولايات المتحدة الأميركية احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الأفغاني والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار.

وتبين قاعدة بيانات البنك الدولي أن أداء الواردات السلعية لأفغانستان بلغ 5.

63 مليار دولار في عام 2022، بعد أن كان 5.55 مليار دولار في عام 2021، وعلى الرغم من هذا التحسن الطفيف، فإن معدل الواردات السلعية لم يصل إلى ما كان عليه قبل مجيئ طالبان، فقد بلغ في عام 2020 نحو 6.54 مليار دولار.

أما عن الصادرات السلعية، فيعد عام 2021 هو الأفضل، حيث بلغت فيه الصادرات الأفغانية 1.04 مليار دولار بينما كانت في عام 2020 بحدود 777 مليون دولار، وفي عام 2022 بلغت الصادرات 883 مليون دولار.

وعلى مستوى التضخم، فإن تقريرا للبنك الدولي صادر في أبريل/نيسان الماضي يذهب إلى أن معدل التضخم في ديسمبر/كانون الأول بأفغانستان بلغ 5.3%، وثمة حالة من الاستقرار في سعر صرف العملة المحلية، ولكن قد يعود هذا الاستقرار في سعر الصرف إلى محدودية التعاملات على النقد الأجنبي، وسيطرة الدولة على كافة المعاملات الخارجية، وبالتالي فنحن لسنا أمام أداء طبيعي للعرض والطلب على النقد الأجنبي.

تفاقم التحديات

بعد مرور عامين، لا تزال حكومة طالبان لا تحظى بالاعتراف الدولي من قبل أي دولة على مستوى العالم، وبلا شك فإن ذلك يحرمها العديد من المزايا المتعلقة بتلقي المساعدات، والمشاركة في مشروعات البنية الأساسية وغيرها من أبواب الاستثمار.

وفي محاولة لطالبان للالتفاف على نقص مواردها المالية، وتغطية رواتب موظفيها، لجأت إلى سداد الرواتب أو جزء منها من خلال سلع عينية، مما يعيد البلاد لعصر المقايضة، وهي آلية لا تناسب طبيعة التزامات الأفراد في العصر الحديث.

وعلى صعيد المساعدات الخارجية، التي تعتبر شريان النقد الأجنبي للاقتصاد الأفغاني، أشارت دراسة للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن المساعدات الخارجية لأفغانستان بلغت 3.7 مليار دولار في عام 2022 واستفاد منها 26.1 مليون أفغاني، وأكدت أن تلك المساعدات منعت الانهيار الكامل للبلاد، وأسهمت في تحسين مؤشرات استقرار سعر الصرف، وانخفاض التضخم.

وتتوقع الدراسة أن تعمل المساعدات الخارجية لأفغانستان على رفع معدل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% خلال عام 2023، إذا ما استقرت تلك المساعدات عند مستوى 3.7 مليار دولار.

ولكن يلاحظ أن بعض برامج المساعدات الخارجية توقف بالفعل، فهيئة الصليب الأحمر أعلنت مؤخرا وقف المساعدات لـ 25 مستشفى بأفغانستان بنهاية 2023، بسبب نقص التمويل.

أما الفقر، فقد زادت معدلاته بشكل كبير، حيث بلغ عدد الفقراء 34 مليون فرد في عام 2022 بنسبة 83.9% من سكان البلاد الذي يتجاوز عددهم 41 مليون نسمة، وبزيادة بنسبة 79% مقارنة بعام 2020 حين سجلت البلاد نحو 19 مليون شخص في مستوى الفقر.

إضعاف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي

كان من أسرع القرارات التي اتخذتها حكومة طالبان بعد استلامها للسلطة، أنها منعت تعليم البنات، ثم منعت عمل النساء في الوظائف الحكومية أو المنظمات المعنية بالمساعدات الخارجية، وبلا شك أن هذا الأمر له دلالاته السلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

فعلى الصعيد الاقتصادي، يتم تعطيل جزء كبير من قوة العمل بالمجتمع، ويحرم البلاد من وجود المرأة المتعلمة، كما أن منع المرأة من العمل، في مجتمع لديه هذه النسبة الكبيرة من الفقر، يمنع الأسرة من دخل إضافي ويعمق من تلك الآفة.

وحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، يبلغ عدد الأفغانيات 20.3 مليون نسمة، أي نحو 50% من السكان، ومن المناسب جدا، لتلافي هذه الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، أن تعدل حكومة طالبان عن قراراتها وتوجهاتها في هذا الخصوص، بل قد يكون أمر العدول عن قرارات المنع بابا للحصول على المزيد من المساعدات الخاصة بتعليم البنات، أو التعليم بشكل عام، وكذلك عمل المرأة.

ختاما، تحتاج حكومة طالبان على وجه السرعة لأمرين مهمين، الأول رفع الحصار عن نظامها المالي، حتى تستطيع تسيير أمورها المالية على مستوى الحكومة، فضلا عن توفير خدمات مالية لمجتمع الأعمال، كما أن طالبان بحاجة ماسة لاسترداد أموال البنك المركزي الأفغاني، التي يمكن من خلالها تأمين النظام النقدي للبلاد بشكل كبير، مع إمكانية توظيف جزء من تلك الأموال في مشروعات بنية أساسية تحتاجها البلاد.

أما الاحتياج الأكبر، فهو أن تتحرك الأمور على الصعيد السياسي الدولي للحصول على اعتراف دولي بحكومتها، وتفعيل حضورها في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، وتسهيل عمليات التجارة الدولية، فغالبية التجارة الخارجية لأفغانستان في ظل حكومة طالبان، تتم من خلال المعاملات المباشرة عبر الحدود مع باكستان وإيران.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المساعدات الخارجیة النقد الأجنبی حکومة طالبان ملیار دولار فی عام 2022

إقرأ أيضاً:

مدير إدارة الشرق الأوسط في «النقد الدولي» لـ«الاتحاد»: اقتصاد الإمارات يحافظ على زخم النمو رغم التحديات العالمية

مصطفى عبد العظيم (دبي)
أكد جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قدرة اقتصاد دولة الإمارات على مواصلة زخم النمو بعيداً عن حالة الترقب التي يشهدها العالم فيما يتعلق بالتجارة والأوضاع الجيوسياسية التي يتوقع أن يكون لها تأثير على الاقتصاد العالمي وكذلك اقتصادات المنطقة.
وقال أزعور لـ«الاتحاد»، على هامش فعاليات القمة العالمية للحكومات، إن قوة الأداء الاقتصادي لدولة الإمارات مكنته في السنوات الماضية في التصدي بجدارة للتحديات العالمية وأن يحافظ على مستويات جيدة من نمو القطاع غير النفطي، في ظل هذه التحولات التي يشهدها العالم.
وأضاف أن التنويع الاقتصادي الواسع في دولة الإمارات مساهم فاعل في تعزيز النمو خاصة مع التركيز اليوم على القطاعات الواعدة والتي تتمتع بقدرة عالية على النمو خاصة قطاع الخدمات.
وأوضح أن القطاع غير النفطي في دولة الإمارات حقق أداء جيداً، وكان داعماً رئيساً للأداء الاقتصادي القوي خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أن استراتيجية التنوع الاقتصادي في الدولة تسهم بشكل كبير في رفع كفاءة القطاع الخاص.

أخبار ذات صلة كندة إبراهيم المدير الإقليمي للمنصة لـ«الاتحاد»: «تيك توك» ترفيه وتعليم وتثقيف زيادة أرباح الشركات في الإمارات باستخدام الـ AI القمة العالمية للحكومات 2025 تابع التغطية كاملة

وأشار إلى أن العلاقات الاقتصادية القوية لدولة الإمارات مع دول العالم والتوسع في توقيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة تسهم بشكل كبير في ترسيخ مكانة الإمارات في صدارة مراكز استقطاب المستثمرين ورؤوس الأموال من كل أنحاء العالم.
وعلى صعيد مشاركة صندوق النقد الدولي في القمة العالمية للحكومات، أكد أزعور أن العالم حالياً بحاجة إلى التلاقي وإلى الحوار، حول الملفات الأساسية والتحديات الأساسية التي يواجهها العالم، لهذا أصبحت القمة العالمية للحكومات إحدى المحطات السنوية الرئيسة للقاء بين المسؤولين، صناع القرار وقادة الأعمال والاختصاصيين الأكاديميين في التشاور حول هذه المواضيع الأساسية.
وتوقع أن عام 2025 سيكون في وضع أفضل مقارنة بعام 2004 من حيث النمو الاقتصادي، إذ من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي إلى نحو 4% في المتوسط، مقارنة بـ2% في عام 2004، كما أن معدلات التضخم، باستثناء بعض الحالات القليلة، ستظل في خانة الأرقام الفردية، مقتربة من 3%.
وأوضح أنه في حين يظل المشهد الاقتصادي العالمي عاملاً مؤثراً على اقتصاد المنطقة، فإن هناك بعض النقاط المضيئة هذا العام، فبالنسبة للدول المصدرة للنفط، كان القطاع غير النفطي هو المحرك الرئيسي للنمو على مدار السنوات الثلاث الماضية، وعلى الرغم من تمديد اتفاقية «أوبك+» التي تحافظ على مستويات إنتاج منخفضة للنفط، لا يزال النمو محدوداً، لكن هذا الواقع يفتح آفاقاً جديدة للفرص، من خلال تسريع وتيرة التحول الاقتصادي، بدءاً بدول مجلس التعاون الخليجي عبر تعزيز التكامل الاقتصادي. 
وأضاف: هناك فرص واضحة في تعميق القطاع المالي وتعزيز التكامل التجاري، حيث يكتسب دور الربط بين الأسواق أهمية متزايدة في عالم يشهد تفككاً اقتصادياً، ونشهد مبادرات ناجحة لتعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي ومناطق مثل آسيا الوسطى.
وأكد أن الإصلاحات الاقتصادية تُعد عاملاً رئيساً في تحقيق النمو المستدام، حيث تشهد المنطقة تحسناً في إنتاجية رأس المال، مما يعكس الحاجة إلى إصلاحات تعزز الإنتاجية وتوفر المزيد من فرص العمل، كما أن تقليص الفجوة بين الجنسين يمكن أن يسهم في زيادة الناتج الاقتصادي.
وأشار إلى قيام بعض دول الخليج بتخفيض نفقاتها الحكومية من مستويات 14-16% إلى 35%، ما يعكس جهود الإصلاح المالي والاقتصادي، وتشمل الإصلاحات الأخرى تعزيز دور القطاع الخاص عبر إعادة تصميم دور الدولة، وزيادة الإنتاجية، وتقوية الحوكمة الاقتصادية.
وأشار إلى أن هناك أجزاء أخرى من المنطقة، لا يزال مستوى عدم اليقين مرتفعاً فيها، لكن أي تحسن في الأوضاع الجيوسياسية قد ينعكس إيجاباً على التجارة والاستثمارات، مشيراً أنه على سبيل المثال، قد يؤدي تخفيف الضغوط على التجارة إلى استعادة مصر إيرادات بقيمة 7 مليارات دولار من قناة السويس، كما سيقلل من المخاطر الاستثمارية، ويوفر فرصاً للنمو طويل الأجل.
وقال: إن إعادة الإعمار بعد النزاعات تمثل فرصة لدول أخرى لتعزيز اقتصاداتها،  علاوة على ذلك، في عالم يتجه نحو تعزيز سلاسل القيمة العالمية، تمتلك دول مثل المغرب ومصر فرصاً كبيرة لتعزيز دورها كمراكز اقتصادية رئيسة.
وأوضح أنه رغم الفرص المتاحة، لا بد من مواجهة بعض التحديات المهمة، التي يتصدرها استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، والحاجة إلى إصلاحات هيكلية تسمح للقطاع الخاص بالنمو بوتيرة أسرع، وهو أمر ضروري ليس فقط لدول الخليج بل للمنطقة ككل، فضلاً عن أهمة التركيز على القطاعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، التي ستلعب دوراً حيوياً في التحول الاقتصادي الإقليمي وتعزيز الشراكات والتكامل بين الدول.

مقالات مشابهة

  • مدير إدارة الشرق الأوسط في «النقد الدولي» لـ«الاتحاد»: اقتصاد الإمارات يحافظ على زخم النمو رغم التحديات العالمية
  • 20 مليون جنيه فى 48 ساعة.. الأجهزة الأمنية تطهر اقتصاد البلاد
  • تفاصيل خطة التهجير.. ربع مليون فلسطيني إلى العراق مقابل مليار دولار
  • تفاصيل خطة التهجير.. ربع مليون فلسطيني إلى العراق مقابل مليار دولار - عاجل
  • بمليون دولار.. أصحاب سيارات موستانج GTD ممنوعون من بيعها لمدة عامين
  • الإمارات تدعو إلى هدنة إنسانية بالسودان خلال رمضان .. في كلمة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية والتعاون الدولي شخبوط بن نهيان بأديس أبابا
  • الإمارات تخصص 200 مليون دولار مساعدات للسودان وتدعو لوقف الحرب خلال رمضان
  • الإمارات تقدم 200 مليون دولار لدعم السودان.. وتدعو إلى هدنة في رمضان
  • الإمارات تخصص 200 مليون دولار مساعدات للسودان وتدعو لهدنة إنسانية خلال رمضان
  • الإمارات تعلن عن دعم بـ «200» مليون دولار للشعب السوداني