"تجليات الحداثة في التراث العُماني" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ضمن فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، احتضنت "القاعة الدولية"؛ ندوتها الرابعة تحت عنوان "صعودًا على السفن المبحرة.. الثقافة العمانية في تجلياتها المعاصرة"، والتي سلطت الضوء على مسيرة التحولات الثقافية في عُمان، حيث التقت الأصالة بالحداثة، لتواصل الثقافة العُمانية رحلتها نحو المستقبل مع الحفاظ على إرثها العريق.
افتتحت الندوة؛ الإعلامية والمبدعة؛ هدى حمد؛ بكلمات عكست وعيًا عميقًا بالتغيرات الثقافية التي شهدها المجتمع العماني؛ وأكدت أن الثقافة ليست حكرًا على مجال محدد، بل هي مرآة شاملة تعكس كل ما يحيط بنا، كما أبرزت الجهود العُمانية لشق مسارات التقدم الحضاري مع المحافظة على التوازن الدقيق بين التاريخ والحداثة، مشيرة إلى دور الشعر في التعبير عن الهوية الثقافية للمجتمع العُماني.
من جهته، تحدث الأديب الكبير حسين عبد الغني، أحد رواد الصحافة العمانية، عن الدور الرائد للإعلام في تشكيل المشهد الثقافي المعاصر؛ واستعرض محطات بارزة في تاريخ الصحافة العمانية منذ السبعينيات، مشيرًا إلى دور الصحافة الورقية، لا سيما من خلال إصدارات مثل "مجلة نزوى"، التي مثلت تحولًا نوعيًا في إثراء المشهد الثقافي المحلي؛ كما أشاد بالدور الكبير الذي لعبه "السلطان قابوس" في النهوض بالتعليم والثقافة، مؤكدًا أن الصحافة أسهمت في تأسيس جيل جديد من المثقفين والأكاديميين، الذين عززوا مكانة الأدب العماني.
كما أوضح الدكتور سالم البوسعيدي؛ أن الجامعات العمانية أخذت على عاتقها استكمال دور الصحافة في النهوض بالثقافة، مشيرًا إلى أنها أصبحت منصات لتطوير الأدب والتاريخ العماني؛ وأكد أن الأدب العماني استمد خصوصيته من تاريخ البلاد وجغرافيتها، مع انفتاحه على الثقافات الأخرى، ما أضاف إلى غناه دون المساس بجذوره الأصيلة.
أما الأديب هلال البادي، صاحب العديد من الإصدارات الأدبية، فقد تناول تأثير الصحافة على الثقافة العمانية، معترفًا بدورها الكبير في إبراز الأصوات الإبداعية؛ لكنه لفت الانتباه إلى تراجع دورها في العقود الأخيرة نتيجة التحولات الرقمية، داعيًا إلى دعم المبدعين الشباب في مواجهة هذه التحديات.
واختتمت الندوة بالتأكيد على أهمية الجهود المبذولة لتعزيز الثقافة العمانية؛ ودورها المحوري في المشهد العربي؛ وبينما تمضي "عمان" بخطوات واثقة نحو المستقبل، فإن الحفاظ على توازنها الثقافي يتطلب دعمًا مستمرًا للإبداع والمبدعين؛ ولا شك أن التفاعل الثقافي بين "عمان" و"مصر"، مرتبط بعلاقات تاريخية وثيقة، وسيظل جسرًا ثقافيًا يعزز الهوية المشتركة؛ ويرسم ملامح مستقبل مشرق للمنطقة بأكملها.
الجدير بالذكر، أنه عبر القرون، نجحت "عمان" و"مصر"، في تعزيز علاقاتهما الثقافية من خلال التبادل الفكري والفني، ليصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب شاهدًا حيًا على عمق هذا التفاعل، بما يعكس التلاحم الحضاري بين ضفاف الخليج العربي؛ وشمال إفريقيا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الجهود المبذولة التحولات الثقافية التعليم والثقافة القاهرة الدولى للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب الثقافة الع
إقرأ أيضاً:
مواجهة الخطابات الطائفية.. الإعلام الديني العُماني أنموذج يحتذى
د. يوسف الشامسي **
عادت العنجهية الصهيوأمريكية لقصف لبنان وغزة واليمن مستبيحة الأطفال والنساء والشيوخ، في إجرامٍ تاريخيٍّ يلزم الضمير الإنسانيّ بالانتفاض غضبًا وإدانةً، ولم تكن سلطنة عُمان- بحكمة قيادتها ووعي شعبها- إلّا صوتًا صادقًا يجسّد وشيجة الدين وصلة الجوار؛ فانطلقت كلمتها الرسمية رافضةً هذا العدوان الغاشم؛ ولكن حتى حق الإدانة هذا بات اليوم مصدر واستفزاز لكبرياء سفّاكي الدماء ومجرمي التاريخ؛ فهم يريدونها إبادة بلا ضجيج من العرب والمسلمين إمعانًا في الإذلال، لذا نراهم قد أطلقوا خفافيشهم وجيّشوا مرتزقتهم الأقارب والأباعد لتصعيد الشحن الإعلامي لا لموقف الإدانة ذاته؛ وإنما لإشعال ما يمكن إشعاله من فتن وخلافات لتفتيت المجتمعات المتماسكة وإشغالها من الداخل.
ومن ذاك ما رأينا من تصاعد الكتابات المغرضة والموجهة بالإعلام الغربي وبعض أقلام المرتزقة حوالينا وفي وسائل التواصل الاجتماعي، في حالة تتكرر بنفس الوتيرة مع كل خطاب إدانة تصدره سلطنة عُمان ضد اعتداءات الصهاينة في المنطقة، فتخرج الدبابير تارة لاتهام السلطنة بدعم أطراف الصراع، وتارة تعزف على وتر المذهبية والخلافات الطائفية في عُمان مع محاولة تشويه الرموز، ولأن البروباجندا (الدعاية) السوداء وإلقاء التهم لم تعد تؤت نفعًا لسذاجة تلك التهم ومبالغتها في الفبركة والتزوير، بقي جهد الدبابير مستنفرًا في السعي لإذكاء ما أمكن من خلافات طائفية في الداخل، مُستغلة التنوع المذهبي، ومحاولة تسميم الفروقات في المناسبات الدينية كتواقيت دخول رمضان والعيد بسموم الصراعات السياسية، كل ذلك لا يخلو من خدمة أجندات الصهاينة، في فهل تؤثر مثل هذه الخطابات الطائفية على مجتمعنا؟ وما جهود إعلامنا للتصدي لهذه المخططات؟
إنَّ المتتبع للنزاعات الداخلية في عُمان على مر التاريخ يكاد لا يذكر مثالًا واحدًا أسبابه كانت خلافات طائفية، وإلى يومنا هذا نجد مؤشرات غير مباشرة لدى الكثير من التقارير الإقليمية والدولية؛ بما في ذلك تقارير حقوق الإنسان، تُشيد بغياب التوترات الطائفية في عُمان، ما يجعلها نموذجًا للتعايش في منطقة تعاني من انقسامات مذهبية؛ فعلى سبيل المثال، وضع مؤشر السلام العالمي سلطنة عُمان في الترتيب الـ37 عالميًا في عام 2024. وكذلك مؤشر الدول الهشة (FSI) الذي يصنف عُمان كواحدة من أكثر دول المنطقة استقرارًا. ويعود هذا الاستقرار بلا شك إلى إدارة حكيمة للتنوع، يحظر فيها الخطاب الطائفي، ويُركّز فيها على الهوية الوطنية الموحدة، وإضافة لتبنّي دبلوماسية الحياد في الصراعات الإقليمية ودورها الفاعل كوسيط إقليمي يجنّبها تداعيات الصراعات الخارجية.
هذا الواقع النموذجي الممتزج بجوهر الهوية العُمانية مدعاة للفخر والإشادة من سليمي القلوب؛ بينما يغيض تجّار الحروب ومقاولي الأزمات، فتتكالب مكائدهم- كما سنستعرض لاحقًا- محاولة إيجاد ثقب لها من هذا المدخل؛ إذ بانفراط التماسك الاجتماعي وفقدان اللحمة الوطنية يمّحي أثر هذا الكيان إقليميًا ودوليًا، فيغوص في وحل مشاكله محاولًا لملة بنيانه؛ فرغم وجود هذه القوة الدفاعية التي تحظى بها عُمان والتي قد تجعل من تأثير الهجمات الطائفية الموجهة على مجتمعنا محدود نسبيًا؛ ولكنه يظلّ- كباقي المجتمعات- ليس بمأمنٍ تام من التأثرّ، وكما قيل "من مأمنه يأتي الحذر".
ومن المحاولات التي تستهدفها تلك الحملات التأثير على فئات المراهقين والشباب- خصوصًا عبر منصات التواصل الاجتماعي- بالقفز على قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية المشروعة وتغليفها بصبغة طائفية، أو السعي لتهشيم فسيفساء الهوية الوطنية والتي ارتكزت على التعايش لقرون؛ وذلك بتضخيم الاختلافات المذهبية بينها عبر الخطاب الطائفي المستورد، ويتجلى ذلك كثيرًا عند المناسبات الدينية، كما أشرنا من قبل، في محاولة لتقسيم الناس لفُسطاطين مُتناحرين، واتهام طائفة ما بالتلاعب بالدين، ثم تحويل الخلافات الفقهية من دائرة "الطبيعي" إلى صراع على "الشرعية الدينية" وربطها بمواقف سياسية كالاتهام بالتبعية لدولة أجنبية، أو نشر مقاطع محرّضة عند بعض المناسبات لطائفة ما ورميها بالتبديع أو الكفر. وهذا ما لا يخفى على المتتبع لهذه الحملات التحريضية، خصوصًا تلك التي تستغل الحسابات الوهمية لتأجيج التناحر والتنابز اللفظي بين فئات المجتمع الواحد، في محاولة لتفكيك المجتمع من الداخل، وتغريب التنوع المذهبي بتعزيز فكرة أن "الآخر" لا ينتمي للدين الذي تنتمي جماعتي له، وبمحاولة الإساءة للقدوات والرموز الدينية لإضعاف الثقة بها عبر رميها بالجهل أو التكسّب أو تصويرها كأدواتٍ بأيدي الساسة، هذه الحملات التحريضية لربما ستطفو من جديد بعد أيام إن اختلفت رؤية هلال العيد بيننا وبين الدول الأخرى، فينبغي استباقيا كشفها وتفكيك خطاباتها المفتعلة وارتباطها الوثيق بمخطّطاتٍ تهدف إلى إشغال المجتمعات العربية بمعاركها الداخلية، كي تغرق في وحل التشرذم، بعيدًا عن قضاياها المصيرية.
ولا ريب أن التنبُّه لأساليب تلك الخطابات الطائفية الخارجية بات ضروريًا كي لا يُستفز الناس بها من جهة، وللإشادة من جهة بالدور الذي تقوم به الدولة في ترسيخ مبادئ التعايش والمواطنة والتصدّي لتلك الحملات عبر الوسائل التوعوية المختلفة، وخاصة عبر الإعلام الديني.
لدينا اليوم أكثر من 16 برنامجًا دينيًا تُبّثُ عن عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية المحلية، تعكس هوية عُمان الدينية في الشكل والمضمون، وتتجلى عبرها قيم الوحدة الإسلامية والمواطنة والتعايش بأرقى أسلوب في أدقّ تفاصيلها. وأجزمُ أنها حالة فريدة في عالم الإعلام اليوم تستحق العناية والدراسة لإبرازها كمثال عالميّ يحتذى؛ فالمتابع على سبيل المثال لتلفزيون سلطنة عُمان يجدُ التنوع في المقدمين للبرامج الدينية من مختلف المذاهب الفقهية الموجودة بالسلطنة، ويتم ترجمة مضامين البرامج بلغة الإشارة لتصل التوعية الدينية الصحيحة للفئات المهمشة إعلاميا، تأكيدا لقيم الرحمة والعدل وتعزيزًا لمبدأ المساواة ودمج مختلف الفئات في النسيج الاجتماعي والديني.
استمعُ مثلًا لاستدلالات فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام، في برنامج "سؤال أهل الذكر"، تجده يستعرض الأقوال من مختلف المدارس الفقهية، فيستحسن في مواضع تفسير ابن عاشور (ت: 1394هـ) وهو مالكيّ المذهب، ويثني على كتاب "كشف المعاني" لابن جماعة (ت: 733هـ) وهو من كبار علماء الشافعية، ويتصل المُستَفتون بالبرنامج من مختلف بلدان العالم؛ فيُجيب فضيلته كلًا حسب مرجعيتهم الفقهية، ويشدد على مبادئ وحدة الأمة لرفع الظلم عن بعضها البعض، ويلهج بالدعاء لمناصرة المستضعفين في غزة ولبنان واليمن، ويحضّ لدعمهم إعلاميا، وعلى المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الداعمة للصهاينة، والأخذ بكل السبل المشروعة للوقوف في وجه العدوان.
هذا نموذجٌ واحدٌ، وعلى منواله نجد حضور ذات القيم والمبادئ في باقي البرامج الدينية المحلية، كل ذلك بلا شك يعزز الوحدة والاندماج الداخلي ويؤصِّل التعايش ليتجذَّر غرسه في جوهر الهوية العُمانية. وهكذا يضمن المجتمع تأسيس قواعد رصينة ثابتة لبنيانه، فلا يبقي لهجمات الأبواق الطائفية التحريضية القريبة والبعيدة إلا طنينًا لا يتجاوز "غرف الصدى" في منصاتهم وبين ذبابهم.
** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية في نزوى
رابط مختصر