كيف يبدو المشهد السياسي في سوريا بعد 50 يوما من خلع الأسد؟
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
مع انقضاء 50 يوما منذ سقوط نظام بشار الأسد، تبدلت جذريا ملامح خريطة المشهد السياسي في سوريا، ضمن جملة من التغيرات التي شملت منظومة الحكم داخليا والعلاقات مع المنطقة والعالم خارجيا.
ففي حين تم الإعلان عن تجميد العمل بالدستور الحالي، وتجميد البرلمان، لم تصدر الإدارة السورية الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، إعلانا دستوريا لملء الفراغ التشريعي، وعمدت إلى تكليف محمد البشير برئاسة حكومة تصريف أعمال، لتحل محل حكومة محمد غازي الجلالي آخر رئيس وزراء سوري في عهد النظام المخلوع.
وأعلنت الإدارة الجديدة لاحقا أن المؤتمر الوطني الجامع الذي لم يحدد موعده بعد، سيكون من مهامه إصدار إعلان دستوري مؤقت، فضلا عن تشكيل لجنة لكتابة دستور جديد، بالإضافة إلى إقرار حكومة انتقالية تتسلم السلطة من حكومة البشير.
وفي فترة الخمسين يوما التي مضت من عمر الإدارة السورية الجديدة، شهدت المؤسسات الحكومية سلسلة من التعيينات، شملت -بالإضافة إلى الوزراء- معظم المحافظين ومديري الهيئات والإدارات الحكومية الرئيسية التي تحمل بعدا سياديا، مثل جهاز الاستخبارات والمصرف المركزي ومحكمة النقض.
منذ اليوم الأول لتكليف الإدارة السورية لمحمد البشير بتشكيل حكومة وطنية، بعدما كان يدير حكومة الإنقاذ في منطقة إدلب قبل سقوط النظام، برز أمامه تحد يكمن في أن عدد وزراء حكومة الإنقاذ وطبيعة المهام التي كانوا يشغلونها لا يغطي جميع الوزارات على المستوى الوطني.
إعلانوبعيد استلام وزراء حكومة البشير مهامهم الجديدة في دمشق، أعلنت الإدارة السورية تدريجيا عن سلسلة من التعيينات تشمل الوزارات السيادية، حيث تم تعيين أسعد الشيباني وزيرا للخارجية، وهو مسؤول إدارة الشؤون السياسية في إدارة العمليات التي قادت الحرب الأخيرة، ومرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع، وهو قائد الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام وأبرز قادة معركة ردع العدوان.
وعلى صعيد باقي الوزرات السيادية، واصل القاضي شادي الويسي مهمته وزيرا للعدل، ومحمد عبد الرحمن وزيرا للداخلية، قبل إعادة تكليفه بمنصب محافظ إدلب، وتعيين علي كدة -وهو أحد أكبر معاوني الشرع- مكانه، وبرز محمد أبو زيد وزيرا للمالية، وهو منصب لم يكن قائما في حكومة الإنقاذ.
كما كان لافتا تسمية غياث دياب وزيرا للنفط والثروة والمعدنية، وهو أول سوري من أصل فلسطيني يشغل منصبا وزاريا في تاريخ سوريا.
ولا تزال بعض الحقائب الوزارية شاغرة، مثل السياحة والثقافة والصناعة والتنمية الإدارية، بحسب التشكيلة الحكومية السابقة.
وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير، منذ اليوم الأول لتكليفه، بأن أولويات حكومته تتمثل في: تحقيق الأمن، وتوفير الخدمات، والحفاظ على مؤسسات الدولة، مؤكدا أن حكومته مؤقتة وستدير البلاد حتى الأول من مارس/آذار المقبل.
مناصب حساسة
وعلى صعيد المناصب المهمة الأخرى في البلاد، تم تعيين ماهر مروان محافظا للعاصمة السورية دمشق، وهو شخصية شغلت عددا من المناصب الإدارية في حكومة الإنقاذ سابقا، وعزام غريب محافظا لحلب، وهو قائد فصيل الجبهة الشامية.
وبينما ظلت بعض المحافظات دون تعيين محافظين جددا، شهدت محافظة السويداء لغطا بشأن اسم المحافظ.
فبعدما طالبت القيادة الروحية للدروز في المحافظة بتسمية محسنة المحيثاوي -وهي خبيرة اقتصادية مستقلة- في المنصب، وتداولت وسائل إعلام صدور قرار تعيينها، نفت المحيثاوي لاحقا ذلك، حيث اكتفت الإدارة السورية بتعيين أحمد مصطفى بكور بتسيير أعمال منصب المحافظ حتى إشعار آخر.
إعلانوشملت التعيينات الجديدة معظم ما كان في مستوى الإدارات الحكومية والهيئات والمؤسسات، إلا أن أبرزها على الإطلاق يتمثل في رئيس الاستخبارات أنس خطاب، والذي كان رئيس الجهاز الأمني في إدلب قبل سقوط الأسد.
وجاء تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم المصرف المركزي بالإنابة كأحد التعيينات القليلة البارزة التي جاءت من طبقة البيروقراطيين من داخل المؤسسة.
كما جرى تعيين أنس منصور سليمان رئيسا لمحكمة النقض، وكان يشغل منصب وزير العدل في حكومة الإنقاذ لعدة دورات سابقة، كما شغل منصب رئيس محكمة الاستئناف في وزارة العدل ضمن حكومة الإنقاذ.
وعلى صعيد المؤتمر الوطني الذي من المفترض -بحسب تصريحات رسمية- أن ينعقد قبل انتهاء مدة تكليف حكومة تصريف الأعمال في 1 مارس/آذار المقبل، كان آخر ما ورد بشأنه على لسان مسؤول في الإدارة الجديدة ما قاله وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قبل أسبوعين من أن الإدارة تتريث في عقده؛ حرصا منها على تشكيل لجنة تحضيرية موسعة له تستوعب كافة شرائح ومناطق البلاد.
وأضاف أن هذه اللجنة التحضيرية "ستكون حجر أساس في إنشاء الهوية السياسية لسوريا المستقبل".
وبينما نقلت وكالة الأناضول في وقت سابق عن مصادر في حكومة تصريف الأعمال السورية أن الحكومة كانت تخطط لعقد المؤتمر منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، لم يحدد الشيباني في تصريحاته موعدا جديدا له.
وكان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قد أوضح أن الحكومة ستترك القرارات المهمة والحساسة في الفترة الانتقالية لتصويت المشاركين في المؤتمر.
وذكرت مصادر من الحكومة السورية لمراسل الجزيرة نت أن الهدف المركزي للمؤتمر الوطني هو تشكيل مجلس استشاري ذي صفة تشريعية، يقوم بصياغة إعلان دستوري وإقراره، بالإضافة لمنح الثقة للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
إعلان
انفتاح إقليمي ودولي
وينظر على نطاق واسع إلى العلاقات الخارجية لسوريا ما بعد الأسد على أنها من أبرز إنجازات الإدارة الجديدة، حيث شهدت انفتاحا عربيا ودوليا، وإن كان الانفتاح الغربي ما زال يتسم بشيء من الحذر.
ففي الأيام الأولى لتولي الإدارة الجديدة، أرسلت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر والأردن وفودا رفيعة المستوى إلى دمشق، قبل أن تتوالى الوفود على مستوى وزراء الخارجية من عدد من الدول الأوروبية والعربية.
وبعدما غاب ممثلو سوريا عن اجتماع العقبة الذي ضمّ وزراء خارجية الدول العربية إلى جانب دول غربية معنية بالشأن السوري، كأول منبر إقليمي ودولي للتباحث بشأن سوريا ما بعد الأسد، شارك وزير الخارجية السوري في سلسلة اجتماعات، وأجرى عدة زيارات إقليمية صبت في تعزيز الانفتاح الإقليمي والدولي وتخفيف العقوبات على البلاد.
فقد زار الشيباني كلا من الرياض والدوحة وأبو ظبي وعمّان ثم أنقرة، وشارك في مؤتمر الرياض الذي عقدته المملكة العربية السعودية بشأن سوريا، وبرزت مشاركته في مؤتمر دافوس في سويسرا باعتبارها الأولى من نوعها لوزير خارجية سوري في تاريخ المؤتمر.
وتقود السعودية وقطر وتركيا جهود الانفتاح العربي والدولي على حكام دمشق الجدد، بالتزامن مع توجه أوروبي وأميركي لتخفيف العقوبات التي شهدت قرارين أميركيين في هذا الصدد، بينما تتحضر بروكسل من جهتها لقرار مماثل.
وشمل الإعفاء الأميركي الأول، والذي صدر تحت اسم الرخصة رقم 24، قطاعات الكهرباء والماء والطاقة والصرف الصحي، كما شمل التحويلات الشخصية إلى سوريا حتى 7 يوليو/تموز القادم.
تبعه إعفاء آخر يسمح لعدد من الدول الإقليمية بتقديم مساعدات اقتصادية للدولة السورية، دون تعرضها لتداعيات قد تواجهها بسبب تصنيف سوريا كـ"دولة راعية للإرهاب"، وتشمل قائمة الدول المعنية كلا من البحرين والعراق والأردن والكويت ولبنان وعُمان وقطر والسعودية وتركيا والإمارات بالإضافة إلى أوكرانيا.
إعلانوفي أحدث المساعي لتخفيف العقوبات، أفاد دبلوماسيون بأن الاتحاد الأوروبي يعتزم تعليق العقوبات المفروضة على سوريا المتعلقة بالطاقة والنقل، وذلك في ضوء نقاش يجريه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل اليوم الاثنين.
وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو "سنقرر اليوم رفع أو تعليق بعض العقوبات المحددة التي فُرضت على قطاعي الطاقة والنقل وعلى مؤسسات مالية مهمة لاستقرار البلاد المالي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإدارة السوریة الإدارة الجدیدة حکومة الإنقاذ وزیر الخارجیة محمد البشیر حکومة تصریف أحمد الشرع فی حکومة
إقرأ أيضاً:
هل تكون إدلب نموذجاً لمستقبل سوريا؟
فيما بدأ السوريون في إعادة ربط بلادهم ببعضها، بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، و14 عاماً من الحرب الأهلية، تعمل مدينة واحدة كنموذج لما يريد الحكام الجدد في سوريا أن تصبح عليه البلاد.
وتتحدث صحيفة "وول ستريت جورنال" عن إدلب، معقل المقاومة ضد الأسد حيث صقل الحكام الجدد أسنانهم، قائلة إنها تعج بالحياة الاقتصادية وتزدحم شوارعها بحركة المرور، وتمتلئ مطاعم الإفطار حتى آخر مقعد، ويصطف الرجال خارج مكاتب الحكومة للانضمام إلى قوات الأمن الجديدة. وهناك أيضاً حديقة حيوانات يُقبل عليها كثيرون.
وتشكل إشارات المرور العاملة والسلع المستوردة والساحات النظيفة، وهي كلها نادرة في أماكن أخرى من البلاد المدمرة، مصدر فخر.
Amid the destruction of Syria's war, one place prospered. During the war, Idlib became a thriving commercial hub, a free economic zone a la Dubai. Today, it is a travel destination for Syrians. My story from the former Islamist rebel capital: https://t.co/SW6rUvDNO2
— Sune Engel Rasmussen (@SuneEngel) February 27, 2025لسنوات، كانت إدلب منطقة نائية منسية، وصفها نظام الأسد بأنها "عش متقيح" للإرهاب، ويديرها متشددون صنفتهم الولايات المتحدة وأوروبا على أنهم إرهابيون. خلال الحرب، أصبحت المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 160 ألف نسمة، والمحافظة المحيطة بها مركز دولة موازية بناها المتمردون الذين يتولون السلطة الآن في دمشق، وتحولت إلى مركز تجاري. وهي الآن بمثابة مغناطيس للسوريين المحرومين من الوصول إلى السلع الأجنبية الصنع بسبب سنوات من العزلة الاقتصادية في ظل العقوبات.
قال مهند العلي، البالغ من العمر 35 عامًا، والذي كان في محافظة إدلب يشتري أحذية رياضية بكميات كبيرة لمتجره في حلب على بعد ساعة تقريبًا: "هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها إدلب، وما زلت مندهشًا من مدى تطور إدلب.. أنا سعيد لأن جميع السوريين أصبحوا واحدًا الآن، وأن البلاد أصبحت متصلة مرة أخرى".
قبل الإطاحة بنظام الأسد في هجوم خاطف في أواخر العام الماضي، كانت جماعة تحرير الشام تدير إدلب لسنوات كدولة شبه مستقلة بإدارتها ولوائحها الخاصة، وقمعت المعارضة السياسية بالقوة، لكنها حفزت النمو الاقتصادي، من خلال تقديم فوائد تجارية أشبه بالمنطقة الاقتصادية الحرة.
Amid the destruction of Syria's war, one place prospered. During the war, Idlib became a thriving commercial hub, a free economic zone a la Dubai. Today, it is a travel destination for Syrians. My story from the former Islamist rebel capital: https://t.co/SW6rUvDNO2
— Sune Engel Rasmussen (@SuneEngel) February 27, 2025تعج إدلب بالحياة الاقتصادية، وتشهد نشاطاً اقتصادياً كبيراً. ففي شمال مدينة إدلب، برزت بلدة سرمدا كواحدة من أكثر مراكز سوريا ازدحاماً بتجارة الجملة للسلع المنزلية والسيارات. وطورت هيئة تحرير الشام دولة ظل تركز على توفير الأمن وبعض الخدمات والنمو الاقتصادي، وهو النموذج الذي يقدم الآن أدلة على الكيفية التي قد تسعى بها المجموعة إلى حكم بقية البلاد.
ومع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول)، اختفت الخطوط الأمامية ونقاط التفتيش، مما سمح للسوريين بالدخول إلى أجزاء من البلاد لم يروها منذ سنوات. والآن يأتي العديد إلى إدلب ليشهدوا هذا الجيب من شمال غرب سوريا، الذي صمد في وجه النظام. كما يأتون لشراء السلع الرخيصة، من الغسالات إلى السيارات.
وقال محمد بري، 24 عاماً، الابن الأكبر في شركة إطارات عائلية نمت في السنوات الأخيرة إلى 7 ملايين دولار من العائدات،: "في إدلب كان هناك تقدم كبير، وهو ما لم تشهده أي محافظة أخرى في ظل نظام الأسد. نحن فخورون بالعمل خلال الحرب، وإظهار للعالم أن السوريين لا يمكن إخضاعهم".
وبعدما رفع الأسد الرسوم الجمركية لدعم الإيرادات للنظام، وحظر العملات الأجنبية لتعزيز الليرة السورية، أعفت هيئة تحرير الشام التجار في إدلب من الضرائب. ومنذ توليها السلطة في دمشق، سمحت الإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام بالمعاملات بالدولار، وخفضت الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60٪ للمساعدة في حماية المنتجين المحليين.
وفرضت إدارة هيئة تحرير الشام على تجارة الإطارات حوالي 20 دولارًا فقط كرسوم جمركية لكل حاوية من البضائع المستوردة من الهند والصين عبر تركيا المجاورة، وهي ميزة تنافسية تتمتع بها شركات إدلب الآن على الشركات في أماكن أخرى في سوريا. وقال إن السيارات هنا تباع بربع السعر في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا.
واستفادت إدلب، وبالتالي هيئة تحرير الشام، من الحدود مع تركيا التي تستضيف 3 ملايين لاجئ سوري وتخشى عدم الاستقرار في سوريا، وعرضت خصومات على الصادرات لتجار إدلب، ووفرت الكهرباء لتشغيل المصانع الجديدة، ولا تزال الليرة التركية هي العملة المفضلة في إدلب.
وفي المقابل، اكتسبت تركيا نفوذاً كبيراً على مستقبل سوريا. وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، ورئيس جهاز المخابرات التركي، أول كبار الشخصيات الأجنبية رفيعة المستوى يزورون دمشق بعد تولي هيئة تحرير الشام السلطة. وتبعهم رجال الأعمال، معربين عن اهتمامهم بإعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا.
وفي الوقت نفسه، حكمت هيئة تحرير الشام بالعصا. وقالت هيومن رايتس ووتش إنها اعتقلت وعذبت المعارضين السياسيين بشكل تعسفي، على غرار التكتيكات التي يستخدمها نظام الأسد، وخرج المتظاهرون في إدلب بانتظام إلى الشوارع، مطالبين بالإفراج عن السجناء، وإنهاء قمع أصوات المعارضة.