آثار اليمن بين مطرقة التهريب وسندان غياب الدولة
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
يمانيون/ كتابات/ طارق أحمد السميري*
يعد اليمن واحدًا من أقدم وأغنى البلدان تاريخيًّا وثقافيًّا، فهو مهد حضارات عريقة تعود لآلاف السنين، كحضارة سبأ ومعين وقتبان وحضرموت. هذه الحضارات خلفت إرثًا هائلًا من الآثار التي لا تقدر بثمن، من معابد وتماثيل ونقوش إلى مدن أثرية كاملة. ومع ذلك، فَــإنَّ هذا الإرث يواجه خطرًا وجوديًّا؛ بسَببِ عمليات التهريب المنظمة وغياب الدولة الفاعلة لحمايته.
تهريب التماثيل اليمنية: مأساة متكرّرة
من أحدث وأبرز الأمثلة على تهريب الآثار اليمنية، عرض تمثال يمني أثري للبيع في أحد المزادات العالمية. التمثال المصنوع من المرمر، والذي يعود تاريخه إلى ما بين عامي 200 و100 قبل الميلاد، يُظهر امرأة تحمل طفلها بين يديها. على قاعدة التمثال، نقش بخط المسند القديم عبارة “أبنسي” والتي تعني “ابني”، مما يعكس دفء العلاقة الإنسانية التي خلَّدتها الحضارة اليمنية القديمة.
هذا التمثال، الذي يُعد من أجمل التماثيل اليمنية وأكثرها رمزية، تم تهريبه إلى الإمارات، حَيثُ ما زال هناك حتى الآن. يعد وجوده في المزادات العالمية جرحًا جديدًا يضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي تطال التراث اليمني.
غياب الدولة وتفاقم المشكلة:
في ظل الحرب والأوضاع السياسية المتدهورة التي تعيشها اليمن منذ سنوات، باتت الدولة شبه غائبة عن المشهد الثقافي والتراثي. لا توجد آليات فعالة لحماية المواقع الأثرية أَو استرداد القطع المهربة، مما يجعلها عرضة للنهب المنظم من قبل عصابات دولية.
الدولة التي يفترض أن تكون الحارس الأول للآثار أصبحت عاجزة عن التصدي لهذا النزيف الثقافي. ضعف القوانين، وغياب الرقابة على الحدود، بالإضافة إلى نقص الموارد والكوادر المؤهلة، كلها عوامل ساهمت في تفاقم الوضع.
شبكات التهريب الدولية:
تهريب الآثار اليمنية ليس جريمة عشوائية، بل هو جزء من شبكة دولية منظمة. تبدأ عمليات التهريب عادة بالتنقيب غير المشروع في المواقع الأثرية داخل اليمن. يقوم المهربون بعد ذلك بنقل القطع إلى الخارج عبر الحدود البرية أَو البحرية، مستغلين الثغرات الأمنية.
العديد من القطع تصل إلى دول مثل الإمارات، والتي أصبحت محطة لتمرير هذه الكنوز إلى الأسواق العالمية. تُباع هذه القطع في المزادات العلنية بمبالغ طائلة، حَيثُ يتم اقتناؤها من قبل تجار آثار أَو جامعي تحف لا يعيرون اهتمامًا لمصدرها أَو قيمتها الثقافية.
الأثر الثقافي والحضاري:
فقدان الآثار لا يعني فقط خسارة قطع أثرية، بل يعني تدميرًا لذاكرة اليمن وهويته. كُـلّ قطعة تُهرب تمثل جزءًا من قصة حضارة قديمة ساهمت في تشكيل التاريخ الإنساني. التماثيل والنقوش ليست مُجَـرّد أعمال فنية، بل هي شواهد على تطور الفكر والثقافة والعلاقات الإنسانية في تلك الحقبة.
الجهود المبذولة لحماية الآثار:
رغم الواقع القاتم، هناك محاولات من بعض الجهات لإنقاذ التراث اليمني. تعمل بعض المنظمات الدولية مثل اليونسكو على توثيق المواقع الأثرية المهدّدة، كما تسعى بعض الجهات إلى استرداد القطع المهربة عبر القنوات القانونية.
ومع ذلك، تظل هذه الجهود غير كافية في ظل غياب الدور الحكومي الفاعل. استعادة التمثال المذكور وغيره من القطع المهربة يتطلب تنسيقًا دبلوماسيًّا وجهودًا قانونية، بالإضافة إلى شراكة حقيقية مع الدول التي تحتضن هذه القطع.
الحلول الممكنة:
لحماية التراث اليمني، يجب اتِّخاذ عدة خطوات على المستويين المحلي والدولي:
تعزيز القوانين المحلية: يجب تشديد العقوبات على عمليات التنقيب غير المشروع والتهريب. إنشاء فرق متخصصة: تكوين وحدات متخصصة بحماية الآثار ومراقبة المواقع الأثرية. التعاون الدولي: تفعيل الاتّفاقيات الدولية لاسترداد القطع الأثرية المهربة وتعزيز التعاون مع الدول التي تمر عبرها هذه القطع. رفع الوعي المحلي: توعية السكان بأهميّة الآثار كجزء من الهوية الوطنية وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه. دعم المنظمات الأهلية: تشجيع المبادرات المحلية التي تعمل على توثيق التراث وحمايته.ختامًا:
آثار اليمن ليست ملكًا لليمنيين وحدهم، بل هي إرث إنساني يعكس عظمة حضارة كانت منارة في تاريخ البشرية. استمرار عمليات التهريب، كما في حالة التمثال المذكور، يعني فقدان أجزاء لا تقدر بثمن من هذا التاريخ. إن حماية هذا الإرث مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لضمان بقاء هذا التاريخ حيًّا للأجيال القادمة.
* وزير السياحة بحكومة شباب اليمن المستقل
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المواقع الأثریة
إقرأ أيضاً:
النائب علاء عابد: مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تشهد طفرة كبيرة في قطاع النقل
أكد النائب علاء عابد، رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، أن مصر تشهد طفرة كبيرة في مجال النقل، حيث أصبحت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشهد هذا التطوير الهائل، لافتا إلى أن القطار السريع الذي أطلقته الدولة يمثل أحد أهم محاور التنمية الشاملة، حيث يربط مواني البحر الأحمر بالبحر المتوسط، ما يعزز حركة التجارة والصناعة ويزيد من فرص الاستثمار.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة النقل والمواصلات اليوم للاستماع لرئيس هيئة ميناء دمياط اللواء طارق عدلي عبد الله، عن المخططات التنموية وما تم إنجازه منها والبرامج الزمنية لإنهاء المشروعات الجاري تنفيذها والعقبات التي تعترض تنفيذ بعضها، وكذلك الرد على بعض طلبات النواب.
تطوير قطاع النقلوأشار رئيس لجنة النقل بالنواب إلى أن تطوير قطاع النقل لم يكن ليتحقق إلا بفضل الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية، والتي تولي اهتماماً كبيراً بربط مختلف المحافظات ببنية تحتية متطورة، تساهم في تيسير حركة المواطنين والبضائع على حد سواء، لافتا إلى أن هذا المشروع العملاق لا يعزز فقط من مكانة مصر الاقتصادية إقليميا ودوليا، بل أيضا يعكس قدرة الدولة على مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية في مجال النقل.
وأكد رئيس نقل النواب، أن هذه الإنجازات تبرز المعدن الأصيل للشعب المصري الذي يثبت يومًا بعد يوم قدرته على تحمل التحديات وتحقيق الإنجازات، مؤكدا أن الشعب المصري يقف دائمًا خلف قيادته، وهو ما ساهم في جعل هذه الطفرة في قطاع النقل حقيقة واقعة نلمسها اليوم.
مشروع القطار السريعواختتم «عابد» حديثه بالتأكيد على أن مشروع القطار السريع لا يمثل فقط نقلة نوعية في مجال النقل، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى إليها مصر وفق رؤيتها 2030، مضيفا «نحن نؤكد دعمنا الكامل لهذا المشروع الوطني».