قُتل ما بين 480 و 1500 شخص في الهجوم الكيميائي الذي استهدف سكان الغوطة الشرقية

رغم مرور عشرة أعوام، مازال هجوم الغوطة الكيميائي عالقاً في أذهان الكثير من السوريين بكامل تفاصيله، وكأن الزمان قد توقف عند صبيحة الحادي والعشرين من أغسطس / آب 2013.

مختارات هذا ما تطبقه روسيا من "التجربة السورية" في أوكرانيا! منع مفتشي الكيماوي من دخول دوما وسجال بريطاني روسي

اتهم دبلوماسي بريطاني موسكو ودمشق بتعطيل دخول خبراء دوليين إلى بلدة دوما في الغوطة الشرقية للتحقيق في هجوم كيماوي مفترض بذريعة وجود مخاوف أمنية.

فيما اعتبر الكرملين الاتهام "لا أساس" له.

سوريون ضحايا هجمات كيماوية يرفعون دعوى أمام القضاء الألماني

تقدم محامون من ثلاثة جماعات حقوقية يمثلون ضحايا هجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا، بملف دعوى جنائية أمام القضاء الألماني ضد مسؤولين سوريين يتهمونهم بالمسؤولية عن مقتل مئات المدنيين في مناطق تابعة لسيطرة المعارضة.

رزان زيتونة... وجه الثورة السورية المُغيّب

نضالها ضد الظلم خلق لها أعداء كثر على عدة جبهات: عند النظام السوري وبعض فصائل المعارضة المسلحة. بعد عشر سنوات على الثورة السورية، DW تحقق في الاختفاء الغامض للناشطة رزان زيتونة من منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة.

بنبرة يعتصرها الأسى، تتذكر آلاء مخزومي ذات الثلاثين ربيعاً، ما حصل في ذاك اليوم، قائلة لـ DW: "كان معظمنا مستيقظاً لأن الطقس كان حاراً جداً لدرجة إننا لم نستطع النوم. كانت من عادتنا في مثل هذا الجو النوم على أسطح المنازل في محاولة للاستمتاع بالليل".

بيد أنه في الثانية ونصف صباحاً وقع حدث لم يعكر صفو هذه الليلة فحسب، بل قلب حياة السوريين في الغوطة رأساً على عقب؛ إذ تعرضت المنطقة التي تقع بملاصقة العاصمة دمشق وكانت في ذاك الوقت خاضعة لسيطرة المعارضة إلى هجوم كيميائي هو الأكثر دموية في تاريخ البلاد.

وفي ذلك، قالت آلاء: "عندما سمعنا الانفجارات، اعتقدنا في بادئ الأمر أنه قصف معتاد"، مضيفة أن زوجها وهو طبيب هرع إلى الشارع على الفور ليقدم الإسعافات الطبية للمحتاجين. وتابعت: "لكن بعد ذلك، ارتفع صراخ الناس في الشوارع وأصبحنا نعاني من صعوبة في التنفس وقمنا بتغطية وجوهنا بالمناديل المبللة. كنا نخشى أن يكون الهجوم كيميائياً رغم أننا لم نكن نعرف شيئاً عنه، إلا أننا بقينا قرب النوافذ".

وقد حالف الحظ عائلة آلاء؛ إذ ساعدتها المناديل المبللة وعدم اللجوء إلى الطابق السفلي على النجاة من الهجوم.

ويوضح عبد الرحمن سيفيا، متطوع في خدمات الإسعاف في الغوطة الشرقية أثناء الهجوم، السبب في ذلك، قائلاً لـ DW: "اعتادت العائلات الاختباء من القصف المتكرر بالنزول إلى الطوابق السفلية، لكن عند وقوع الهجوم الكيمائي، لقى من نزل إلى الطوابق السفلية مصرعه. مات كثيرون وهم لا يعرفون نوع السلاح الذي أودى بحياتهم".

وقدرت مصادر وتحقيقات مقتل ما بين 480 و1500 شخص، الكثير منهم من الأطفال والنساء، في الهجوم.

تحقيقات اممية وحقوقية

أكد تحقيق أجرته بعثة الأمم المتحدة بعد شهر واحد من الهجوم على الغوطة أنه جرى استخدام غاز السارين (غاز الأعصاب)، الذي يعد أكثر الغازات السامة خطورة، في الهجوم. وأضاف الفريق الأممي بقيادة العالم السويدي أوكا سالستروم في بيان صدر في 16 سبتمبر /أيلول عام 2013 "أن العينات البيئية والكيميائية والطبية التي تم جمعها أدلة واضحة ومقنعة بأن صواريخ أرض-أرض تحمل غاز الأعصاب (سارين) قد استخدمت في الهجوم على عين ترما، وزملكا، والمحمدية في منطقة الغوطة في دمشق".

وخلص تقرير شامل صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إلى أن "الأدلة الخاصة بنوع الصواريخ ومنصات إطلاقها المستخدمة في هذه الهجمات تُظهر بقوة أنها نظم أسلحة معروف وموثق أن القوات المسلحة السورية هي التي تمتلكها وتستخدمها". وأضاف التقرير "لم توثق هيومن رايتس ووتش وخبراء الأسلحة الذين يراقبون استخدام الأسلحة في سوريا حيازة قوات المعارضة السورية لصواريخ 140 ملم أو 330 ملم من المستخدمة في الهجوم، أو المنصات الخاصة بإطلاق هذه الصواريخ".

 في المقابل، رفضت الحكومة السورية أي ضلوع لها في استهداف الغوطة بغاز السارين حيث أفاد أول تقرير نشرته الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" الرسمية بعد الواقعة أن الهجوم "يتعارض مع المنطق" مع اتهام المعارضة بالتورط في الأمر. وقال وزير الإعلام السوري آنذاك، عمران الزعبي: "كل ما قيل سخيف وغير منطقي وملفق"، حسبما نقلت عنه "سانا". 

أكدت التقارير أن الغاز المستخدم في الهجوم هو غاز السارين (غاز الأعصاب)

رصد وتوثيق

وعكفت العديد من المنظمات غير الحكومية على إنشاء قواعد بيانات كبيرة عن الهجوم. وفي هذا السياق، قالت ليبي مكافوي، الباحثة القانونية في مشروع "الأرشيف السوري" التي تقوم برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، إن الهجوم على الغوطة حظي من المشروع "بالجهد الأكبر من حيث جمع الوثائق والأدلة التصويرية". وأضافت في مقابلة مع DW أنه "جرى تحميل ما يقرب من 300 مادة بشكل أساسي عند وقوع الهجوم خاصة خلال أول أربع وعشرين ساعة وهو ما يمثل حوالي نصف العدد الإجمالي للمواد التي وجدناها والتي توثق الهجوم".

الجدير بالذكر أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أفادت بوقوع ما لا يقل عن 222 هجوماً بالأسلحة الكيميائية في سوريا منذ عام 2012 على الرغم من الحظر المفروض على الأسلحة الكيميائية بموجب القانون الدولي وفق بروتوكول عام 1925.

ورغم كل هذه الأدلة، لم تغير الحكومة السورية وحليفتها روسيا مواقفهما طوال العشر سنوات الماضية؛ إذ تصران على أن المعارضة هي الجهة المسؤولة عن الهجوم الكيميائي الذي تعرضت له الغوطة.

الرئيس السوري بشار الأسد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش القمة العربية في جدة

المحاسبة والدبلوماسية

وفي مقابلة مع DW، قالت لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، إن "الأسد يراهن على عامل الوقت حيث يأمل في أن ينسى العالم في نهاية المطاف مساءلته ويعيد قبوله بشكل عملي في المجتمع الدولي باعتباره الزعيم الشرعي لسوريا". وشددت على ضرورة المضي قدماً في السعي إلى "مساءلة الأسد عن الأعمال الوحشية التي تورط فيها نظامه حتى لو توقف المسار السياسي لعملية السلام".

بدورها، قالت كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW إن عامل الوقت "قد صب في صالح الأسد".

يشار إلى أنه ورغم المزاعم في تورط الأسد في ارتكاب جرائم حرب أدت إلى عزلته، ولو بشكل مؤقت، دولياً وفي محيطه العربي منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، إلا أنه سوريا عادت لجامعة الدول العربية بعد أكثر من 11 عاماً وجرى استقبال الأسد في السعودية والإمارات.

وفي ذلك، قالت بيتيلو إن "المحاسبة لا علاقة لها بالدبلوماسية، لذا يتعين أن يتم المضي قدماً في المساءلة بشكل مواز للدبلوماسية".

من جانبها، حذرت ليلى كيكي، المديرة التنفيذية لـ"حملة سوريا"، وهي منظمة غير ربحية تدعم منظمات المجتمع المدني السورية، مقرها الولايات المتحدة، من مغبة عدم محاسبة الحكومة السورية: "نخشى من تكرار مثل هذه الفظائع الجماعية في سوريا وأماكن أخرى".

أما بالنسبة للناجية من هجوم الغوطة الكيميائي آلاء مخزومي، فتؤكد أنها ما زالت تعاني من تبعاته وتداعياته النفسية رغم أنها هربت من سوريا إلى تركيا بعد ثلاث سنوات من الواقعة، مؤكدة "لن ننسى وجوه الأطفال وهم يحتضرون".

جنيفر هوليس / م. ع

شارك في إعداد التقرير من إدلب عمر البم

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: بشار الأسد المعارضة السورية الحرب السورية دمشق الأمم المتحدة تحقيقات هيومن رايتس ووتش روسيا سوريا الثورة السورية النزاع السوري محاكمة بشار الأسد المعارضة السورية الحرب السورية دمشق الأمم المتحدة تحقيقات هيومن رايتس ووتش روسيا سوريا الثورة السورية النزاع السوري محاكمة فی الهجوم فی سوریا

إقرأ أيضاً:

أردوغان يعلن نيته دعوة الأسد إلى زيارة تركيا رفقة بوتين

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه ينوي دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى زيارة أنقرة.

وقال أردوغان خلال حديث مع الصحفيين لدى عودته من مشاركته بقمة "شنغهاي" في كازاخستان: "من الممكن أن نوجه دعوة مع السيد بوتين إلى بشار الأسد، وإذا تمكن بوتين من زيارة تركيا، فقد يكون هذا بداية لمرحلة جديدة".

وأضاف أن "السنوات التي مرت في سوريا أظهرت للجميع أنه لا بد من إيجاد آلية للحل الدائم، وأنه من الضروري لها أن تقف على قدميها من جديد، وتُنهي حالة عدم الاستقرار".

ولفت إلى أن "الهدوء الميداني الأخير في سوريا يمكن أن يفتح الباب أمام السلام من خلال سياسات ذكية وأساليب خالية من التحيزات، ودائماً ما مددنا يد الصداقة إليها".

وقال أردوغان "من الضروري أن تنهض سوريا، التي دمرت بنيتها التحتية وتشتت شعبها، وتنهي حالة عدم الاستقرار". 

وأضاف أن عدم الاستقرار هذا يوفر أيضا أرضا خصبة للجماعات المسلحة الكردية، مثل حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا، والتي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية. 

وأضاف أردوغان: "إن رياح السلام التي ستهب في سوريا وأجواء السلام التي ستنتشر في أنحاء سوريا ضرورية أيضاً لعودة ملايين الأشخاص المنتشرين في مختلف البلدان إلى بلدانهم".


جهود وساطة "مثمرة"

وقال أردوغان الأسبوع الماضي إنه مستعد للتحدث مع بشار الأسد، الذي أشار إلى أنه تخلى عن بعض الشروط المسبقة لمثل هذا الاجتماع، مثل الانسحاب الكامل للقوات التركية من شمال سوريا. 

وتسعى جهود الوساطة العراقية، التي يقودها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى إقناع نظام الأسد بالتعامل مع تركيا، وقد حققت تقدما كبيرا ، وفقا لما ذكرته مصادر مطلعة على القضية لموقع "ميدل إيست آي".

وقال مسؤول إيراني كبير لنظرائه في أنقرة الشهر الماضي إنهم أيضا يضغطون على دمشق لرفع شروطها المسبقة للحوار مع الحكومة التركية، وفقا لشخص قريب من المناقشات.

وأشار المصدر إلى أن الإيرانيين لم يرغبوا في البقاء على الهامش بينما كانت الجهود العراقية تحرز تقدما.

وتعتقد أنقرة أن الوقت قد حان لبدء محادثات مع دمشق لتسهيل العودة النهائية للاجئين وإقامة تحالف ضد الجماعات المسلحة الكردية في شمال شرق سوريا.

لكن المسؤولين الأتراك يدركون أن هذه الجهود سوف تستغرق قدرا كبيرا من الوقت حتى تنجح، ولن يكون الأمر سهلا، بحسب ميدل إيست آي.

الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان في تصريحات للصحفيين في طريق عودته من #كازاخستان:
- من الممكن أن نوجه دعوة مع السيد بوتين إلى بشار الأسد، وإذا تمكن بوتين من زيارة تركيا، فقد يكون هذا بداية لمرحلة جديدة
- السنوات التي مرت في سوريا أظهرت للجميع أنه لا بد من إيجاد آلية للحل الدائم،… pic.twitter.com/rzbXnz5njg

— TRT عربي (@TRTArabi) July 5, 2024

مقالات مشابهة

  • السيدة الثانية.. النظام السوري يعلن وفاة لونا الشبل
  • وفاة لونا الشبل مستشارة بشار الأسد بعد تعرضها لحادث سير في دمشق
  • لُقبت بـ السيدة الثانية.. النظام السوري يعلن وفاة لونا الشبل
  • أردوغان يلمح لاحتمال دعوة الأسد مع بوتين إلى تركيا
  • حول ما يتم تناقله بخصوص لقاء الأسد وأردوغان في بغداد وتصريح الكرملين.. اللقاء لن يتم
  • زعيم المعارضة التركية: تواصلنا مع الأسد وسأتوجه إلى دمشق للقاء به هذا الشهر
  • أردوغان يتحدث عن "عهد جديد من التقارب" مع سوريا
  • أردوغان يعلن نيته دعوة الأسد إلى زيارة تركيا رفقة بوتين
  • عبر لبنان.. زعيم المعارضة التركية يعتزم زيارة دمشق في يوليو
  • بعد هجوم كرمئيل.. كشف هوية المنفذ والقتيل