عربي21:
2025-01-29@00:10:02 GMT

سوريا الأسد: ألف ويلة وويلة

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

إن حكاية "التاجر والعفريت" حكاية عجيبة من حكايات ألف ليلة وليلة، وهي تماثل ما كان يجري في عصر "ألف ويلة وويلة"، عهد الأسدين، الأب والابن وفرع القدس، أو فرع فلسطين، تقول الحكاية: قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان تاجر من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد، قد ركب يوما، وخرج يطالب في بعض البلاد، فاشتَدَّ عليه الحر، فجلس تحت شجرة وحطَّ يده في خُرجه، وأكل كسرة كانت معه وتمرة، فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة، وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف، دنا من ذلك التاجر، وقال له: قُمْ حتى أقتلك مثلما قتلتَ ولدي.

فقال له التاجر: كيف قتلتُ ولدَك؟ قال له: لما أكلتَ التمرة ورميتَ نواتها، جاءت النواة في صدر ولدي فقُضِي عليه ومات من ساعته. وتتمة الحكاية مشهورة ويمكن الرجوع إليها لن يريد، وملخصها أن التاجر يستأذن العفريت في أداء ديونه ووداع أهله فيمهله بعد أخذ المواثيق عليه، ويعود، فيجد شيوخا ثلاثة يعرفون بحكايته، ويروي كل واحد منهم قصته العجيبة للعفريت شرط أن يهبه ثلث دمه، لكن عفريتنا حافظ الأسد والعفريت الابن لم يكونا يحبّان الحكايات، بل كانا من صناع الحكايات المروعة الماسخة.

يتعجب التاجر من أمر قتله ابن الجني، عجبَ أحد مهندسي شركة "المشاور" الفنلندية العاملة في محطة توليد الطاقة الكهربائية التي عمل فيها كاتب هذه السطور، وذلك أنَّ مديرنا في الشركة طلب طلبا غريبا من أحد مهندسي الشركة المشاورة، وهي شركة فنلندية وسيطة بين الفريقين المتعاقدين؛ الفريق الأول السوري، والفريق الثاني الياباني، وكان أحد شروط العقد أن يكون بينهما وسيط مشاور للرجوع إليه في أمور العقد المختلف عليها. التمس المدير السوري من الوسيط المشاور أن يكلف عمال الشركة السورية بـأعمال حفر وتسجيل قراءات وهمية، ومراقبة آلات تراقب نفسها، أي تكليف السوريين بأعمال سخرة لا معنى لها، إشغالا لهم عن بعضهم البعض، فتعجب المهندس الفنلندي وقهقه ضاحكا عندما أدرك غاية المدير العجيبة، وتعجب عجبا يشبه عجب التاجر آكل التمرة وقاذف نواتها التي قتلت ابن الجني، وأبى وقال: افعل أنت ذلك، هذا ليس من شأني!

لم يكن العفريت السوري يتعزى بالحكايات مثل عفريت حكاية ألف ليلة وليلة الثاكل، لكن طريقته في الاعتقال والتهمة تشبه هذه الطريقة، وهي تهمة القتل بنواة تمرة طائشة في صحراء خالية
انتشرت لوحات من مرايا وبقعة ضوء تروي حكايات أمراء فروع أمن يعاقبون عناصرهم (والعناصر لفظ يشمل المجندين والمخبرين) بتفريغ بركة السباحة في فيلا رئيس الفرع من الماء بملعقة الطعام، أو أكل البصل بقشره، أو حفر بئر ماء بإبرة، أو دفع حائط وإزاحته عن مكانه، وكأنه حائط من فلين على عجلات، أمر يشبه تكليف مديرنا عمال الشركة بالتنقيب عن معدن الجلجليوم، أو يشبه لبوث عفاريت النبي سليمان في العذاب المهين.

لم يكن العفريت السوري -وهو كناية عن السجان والمحقق وفرع الأمن-يحبُّ سماع الحكايات، فهو صانعها، ولم يكن ثمة تمر في سوريا، ولا راحة لمسافر أو مقيم، وقد شحَّ التمر منذ تولي الأسد زمام السلطة والحكم في سوريا، فانقطع وروده من العراق والخليج، وغلا سعره، وشرف كثيرا، فبتنا لا نراه سوى في رمضان، ربما كان العفريت السوري في بعض الأحوال يقبل الفدية، إن كان المتهم بريئا، خالص البراءة.

لم يكن العفريت السوري يتعزى بالحكايات مثل عفريت حكاية ألف ليلة وليلة الثاكل، لكن طريقته في الاعتقال والتهمة تشبه هذه الطريقة، وهي تهمة القتل بنواة تمرة طائشة في صحراء خالية، بل إن كاتب السطور وجد نفسه في مأساة "نووية" -نسبة إلى نواة التمرة- عندما كان واقفا على الطريق في مدينة سورية نائية وفقيرة اسمها القامشلي، فمرت به سيارة حديثة فاخرة، لم يرَ مثلها في البلاد، فجحظت عيناه من شدة العجب، فلحظ السائق عجبه من وراء زجاجها المضبب بغشاوة ساترة، وكان عجبه ممزوجا بالإنكار والاحتقار، فنزل السائق وهو يحمل سلاحه مهددا، وقال: "على ايش عم تتطلع اولاه"؟ فأيقن بالهلاك، وجفَّ ريقه من الخوف، والتصق لسانه بحلقه، لولا أن تداركته رحمة ربه فقال: مبارك عليكم السيارة الغريبة الحلوة.

وله واقعة أخرى عجيبة، وهي أنه كان في عمله، في يوم عطلة، والشركة هي شركة إنتاج كهرباء، وهي لا تُعطل في أيام الأعياد والعطل الرسمية، فوجد الحرس يستدعيه من أجل حل مشكلة رجل يدعي أنه من حرس الشرف الرئاسي، ويريد مقابلة المدير بحثا عن عمل، وظهر له أنَّ الرجل قد فقد عقله، وكان يبرز صورة له وهو في زي الحرس الرئاسي، فتخلص صاحب السطور منه بأن تصدق عليه ببعض المال كي ينصرف ويكفَّ عن الإلحاح، فوجد كاتب السطور نفسه في اليوم التالي مدعوا إلى التحقيق في فرع أمن الدولة، لأنه أحسن إلى رجل مشبوه ومطرود، أمر يشبه قذف نواة تمرة على ابن العفريت وقتله بها!

روى لي أحد معارفي المحررين من قماقم الأسد، وكان قد قضى في السجن 12 سنة، بتهمة متابعة قنوات فضائية مغرضة مثل الجزيرة والعربية، وكان ينقل الأدوية للجرحى، وظن أنهم عرفوا بأمره، لكنه اعتقل بتهمة أخرى، وهي التهمة المذكورة، فرجال الأمن والمخابرات من هواة الصيد، وطرائدهم هي البشر، والاعتقال مهنة و"بيزنس"، واستفداء وديّات، ولعلهم يريدون أمرا آخر غير التربح، وهو الترعيب والترهيب.

السوريون لم يكن لهم عقد اجتماعي أو سياسي ظاهر مع النظام الحاكم، وإنَّ أكثر ما شكا منه السوري هو جهله بالحرام والحلال السوريين، ولم يكن يميّز الخط الأبيض من الخيط الأسود من ظلام البعث، ولو عرفه السوري لنجا أو تحرز منه
وكان من المحررين من سجون النظام الساقط رجل اعتقل على حاجز لأنه من قرية أبو الظهور، وهي منطقة طيران عسكري، فاتهموه بسرقة طائرة وإخفائها في البستان وسط الأشجار بعد جرِّها بجرّار زراعي! واعتقل آخر بتهمة سرقة دبابة، وثالث بتهمة سرقة كابلات ألياف ضوئية، مع أن استخراجها من جوف الأرض بغرض بيعها يكلف السارق أكثر من أرباح البيع، وقد اعتقلت أسر بأكملها نساء وأطفالا وشيوخا كرهائن، للمبادلات مع أسرى الجيش الحر.

لم أقرأ عن تعذيب أطفال أو اغتصابهم في السجون النازية أو محاكم التفتيش الإسبانية في الأندلس، ولم أرها في الأفلام التي تقبّح النازية تقبيحا شديدا، لكنها شائعة في سجون الأسد. ومن المعروف أنّ الصبية طل الملوحي اعتقلت دون سن البلوغ العالمي، لإرسالها رسالة مفتوحة على صفحتها إلى الرئيس الأمريكي، فهي لا تعرف عنوان أوباما، وأوباما لا يقرأ بالعربية، وخرجت مع المحررين بعد 14 سنة. أما تهمة الاعتقال بتحفيظ القرآن، فهي تهمة معقولة ومفهومة، وليست تهمة خيالية. وأعرف شخصين عادا من السعودية بعد غياب طويل، وخطر لأحدهما أن يرفع شاخصة على الطريق من حمص إلى دمشق فيها دعوة للمسافرين بذكر الله، كتب عليها: لا تنسَ ذكر الله، فاعتقلا، وهي تهمة سببها الجهل بالقوانين الخفية للحكم. فالسوريون لم يكن لهم عقد اجتماعي أو سياسي ظاهر مع النظام الحاكم، وإنَّ أكثر ما شكا منه السوري هو جهله بالحرام والحلال السوريين، ولم يكن يميّز الخط الأبيض من الخيط الأسود من ظلام البعث، ولو عرفه السوري لنجا أو تحرز منه.

كانت فروع الأمن والحواجز شبكات صيد، وكانت سوريا بركة، تعكر ماؤها بالقوانين غير المعلومة، كما تعكر بركة المياه الراكدة حتى يضطرب السمك ويسهل صيده، والسمك هو الشعب.

ومن قصص الاعتقالات الغريبة، التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، أنَّ شابين يعملان في مكتبة، اعتقلا لأنهما طبّعا وعرضا للبيع خريطة عليها مواقع أثرية، تسهيلا للسائحين الأجانب، ولم يكونا يعلمان أنهما يحركان مياه التاريخ الراكدة، والتاريخ عدو الطغاة، فالطغاة يخافون الذكريات. وروى أحدهما لي بعد أن خرج أنَّ القاضي قضى على أحدهما -واقفا في ممر المعتقل، وليس في محكمة- بثلاث سنوات، والآخر بخمس، تضليلا وتمويها، وقال مبررا لهما عدم المساواة والعدل بينهما: حتى نجعل الناس محتارين في القوانين، ومدد العقوبات.

وكان ذكر اسم الدولار-عملة أمريكا العدو في الأدبيات السياسية- تهمة، فهي عملة قوة، فكان الناس يسمون الدولار "الشو اسمو"، مثل تكنية مرض السرطان، وقد اعتقل كثيرون لذكره، أو لحمل قطعة نقدية تعادل مائة دولار، فانتهوا وراء الشمس، في الثقب الأسود.

ومن ظرف بعض رجال الأمن أن فرعا أمنيا احتجز رجلا استلم حوالة قدرها مائة دولار، وهو من الغوطة، فحقق معه مدة 140 يوما، وعرض عليه المحقق ثلاث تهم (كما في برامج المسابقات؛ الانضمام لجماعة مسلحة، تمويل الإرهاب، القتل والقصف)، ورقَّ له الضابط ونصحه باختيار تهمة التمويل، فحكم عليه بما حكم، وهو السجن والنسيان.

وروى أحد المحررين أن رجلا أعمى اعتقل بتهمة قناص، أما أعداد المسيحيين المتهمين بالانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين فهي غير قليلة، وأحدهم هو من شخصيات رواية القوقعة، وهي رواية تسجيلية. واعتقل شاب لأنه خاطب صاحبه مازحا: يا كبير، وهما يمران بجانب الحاجز، واعتقل آخران لأنهما تصورا صورة بجانب الحاجز، فالحاجز أمن قومي، وعورة.

روت محامية أنها رأت وهي مسافرة إلى روسيا شبابا من سوريا هيئاتهم حسنة، وصحتهم جيدة، على الخطوط الجوية الروسية، واستطاع أحدهم أن يهمس لها طالبا منها إخبار أهله، أنهم معتقلون مخطوفون من أجل سرقة أعضائهم، وهذا يعني أنّ مقابرنا الجماعية المكتشفة، والمستترة، لا تضم رفات كل المفقودين، فثمة قبور بجانب الحواجز، وهي بالآلاف، وثمة قبور خارج البلاد، وثمة أجداث في بطون الأسماك.

وهناك قصة مشهورة عن أم حموية، خُيّرت أن تختار واحدا من أبنائها السبعة، وهذه القصة تظهر أنَّ الطغاة يميلون إلى الفكاهة السوداء والتسلية الدامية. وروى لي أحد معارفي قصة من الثمانينيات، عقب مجازر حلب في حي المشارقة، أنهم قتلوا عضوا من الإخوان المسلمين، وجمعوا أهل الحي وأمروهم أن يمروا به ويبصقوا عليه، وإنّ أحد هؤلاء وقف أمام الجثة، ولهول الموت وهيبته، وقسوة القتل، جفَّ ريقه، فلم يستطع أن يبصق، فاعتقل مدة 12 سنة. أما صديقي الرسام حسن إدلبي، فروى لي أنّ توأمه حسين خرج في أوائل الثمانينيات منتعلا خفا رياضيا، فاعتقله حاجز، وخرج بعد عدة أشهر لشجاعة أمه، ورشى أغدقوها على ضابط رفيع الشأن، وإلا كان ضاع في تدمر.

قصة نواة التمر هي قصة أقدار أيضا، فالمرء لا يدرك ما تخبئه له الأقدار، وهذه أخبار جمعتها من غير جهد كبير، ولو أنى أنشأت صفحة وصبرت عليها، لجمعت أخبارا، وعملت مصنفا
وعلمت من الأخبار التي رواها لي صديق أنَّ قريبا له، كان يخدم العلم (وهي تسمية رسمية للخدمة العسكرية، والخدمة سنتان أو أكثر من الذل والجوع)، اعتقل هو وسبعة من زملائه، وكانوا جميعا من المدللين والمحظيين، وهم من أبناء كبار القوم، ولم يعرف أحد سبب اعتقالهم إلا بعد أربعة أشهر من التعذيب. وعلم صاحبنا أنَّ سبب الاعتقال، هو أنّ أحدهم وشى بهم، وكان بلغهم نبأ موت ناعسة أم الرئيس، فقال محتجا، وكان قد حصل على إجازة، ألغيت بموتها: ما عرفت تموت إلا بإجازتي! والوحيد الذي خُفف عنه العذاب، هو الذي روى القصة، وكان أقلهم عذابا لأنه لام صاحب الإجازة على قوله ونَهَره ووبخه. وقرأت في نشرة كلنا شركاء أنّ كاتبا اعتقل مدة ستة أشهر لأنه كتب قصة رمزية عن كلاب تعض البشر، فسرها الأمن بأدوات التحليل النقدي، أنه يقصدهم بها.

قصة نواة التمر هي قصة أقدار أيضا، فالمرء لا يدرك ما تخبئه له الأقدار، وهذه أخبار جمعتها من غير جهد كبير، ولو أنى أنشأت صفحة وصبرت عليها، لجمعت أخبارا، وعملت مصنفا، كمصنف "المستطرف في كل أمر مستظرف" للأبشيهي، يكون عنوانه: المستبشع في كل فنٍّ مستفظع.

وأختم بخبر من تجاربي وخبراتي، أني عندما زرت البحر أول مرة، حيث يكثر العلويون، فوجدت خليجيا سائحا يريد أن يشتري بعض اللحم المشوي، فأبى البائع، وقد عرفه من زيه ولهجته، أن يبيعه، لأنه من الخليج وطرده من محله قائلا: أنتم رجعيون وأذناب الإمبريالية، فتعجب الخليجي السائح، وتقهقر وهو يدمدم غضبا وحنقا وغيظا، وهممت بأن أعتذر للسائح الخليجي عنه، وعن السوريين، لكني جبنت وخشيت أن يكون مخبرا متنكرا.

ثمة حديث نبوي يقول: ادرؤوا الحدود بالشبهات، أما القاعدة القانونية والأمنية السورية البعثية الأسدية فكانت: أقيموا الحدود بالشبهات. والعمل بنقيض الآية: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ"، وتقول شهادة للقاضي الشرعي محمود معراوي إن الآية تليت على بشار الأسد، فقال: بل سأزر.

يمكن أن نقول بعد زوال الغمّة، وتحرر هذه الأمة، ونحن نروي قصصا شبيهة بالقصص الخيالية في ألف ليلة وليلة: إنّ الجني السوري خرج من قمقم لبث فيه نحوا من نصف قرن، فأبشروا بالخير تجدوه.

x.com/OmarImaromar

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسدين رواية الأسد رواية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ألف لیلة ولیلة لم یکن

إقرأ أيضاً:

كيف يبدو المشهد السياسي في سوريا بعد 50 يوما من خلع الأسد؟

مع انقضاء 50 يوما منذ سقوط نظام بشار الأسد، تبدلت جذريا ملامح خريطة المشهد السياسي في سوريا، ضمن جملة من التغيرات التي شملت منظومة الحكم داخليا والعلاقات مع المنطقة والعالم خارجيا.

ففي حين تم الإعلان عن تجميد العمل بالدستور الحالي، وتجميد البرلمان، لم تصدر الإدارة السورية الجديدة وعلى رأسها أحمد الشرع، إعلانا دستوريا لملء الفراغ التشريعي، وعمدت إلى تكليف محمد البشير برئاسة حكومة تصريف أعمال، لتحل محل حكومة محمد غازي الجلالي آخر رئيس وزراء سوري في عهد النظام المخلوع.

وأعلنت الإدارة الجديدة لاحقا أن المؤتمر الوطني الجامع الذي لم يحدد موعده بعد، سيكون من مهامه إصدار إعلان دستوري مؤقت، فضلا عن تشكيل لجنة لكتابة دستور جديد، بالإضافة إلى إقرار حكومة انتقالية تتسلم السلطة من حكومة البشير.

وفي فترة الخمسين يوما التي مضت من عمر الإدارة السورية الجديدة، شهدت المؤسسات الحكومية سلسلة من التعيينات، شملت -بالإضافة إلى الوزراء- معظم المحافظين ومديري الهيئات والإدارات الحكومية الرئيسية التي تحمل بعدا سياديا، مثل جهاز الاستخبارات والمصرف المركزي ومحكمة النقض.

رئيس الحكومة المؤقتة محمد البشير يخطب الجمعة في مسجد بني أمية وسط العاصمة دمشق (الفرنسية) هيكلية الحكومة الجديدة

منذ اليوم الأول لتكليف الإدارة السورية لمحمد البشير بتشكيل حكومة وطنية، بعدما كان يدير حكومة الإنقاذ في منطقة إدلب قبل سقوط النظام، برز أمامه تحد يكمن في أن عدد وزراء حكومة الإنقاذ وطبيعة المهام التي كانوا يشغلونها لا يغطي جميع الوزارات على المستوى الوطني.

إعلان

وبعيد استلام وزراء حكومة البشير مهامهم الجديدة في دمشق، أعلنت الإدارة السورية تدريجيا عن سلسلة من التعيينات تشمل الوزارات السيادية، حيث تم تعيين أسعد الشيباني وزيرا للخارجية، وهو مسؤول إدارة الشؤون السياسية في إدارة العمليات التي قادت الحرب الأخيرة، ومرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع، وهو قائد الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام وأبرز قادة معركة ردع العدوان.

وعلى صعيد باقي الوزرات السيادية، واصل القاضي شادي الويسي مهمته وزيرا للعدل، ومحمد عبد الرحمن وزيرا للداخلية، قبل إعادة تكليفه بمنصب محافظ إدلب، وتعيين علي كدة -وهو أحد أكبر معاوني الشرع- مكانه، وبرز محمد أبو زيد وزيرا للمالية، وهو منصب لم يكن قائما في حكومة الإنقاذ.

كما كان لافتا تسمية غياث دياب وزيرا للنفط والثروة والمعدنية، وهو أول سوري من أصل فلسطيني يشغل منصبا وزاريا في تاريخ سوريا.

ولا تزال بعض الحقائب الوزارية شاغرة، مثل السياحة والثقافة والصناعة والتنمية الإدارية، بحسب التشكيلة الحكومية السابقة.

وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد البشير، منذ اليوم الأول لتكليفه، بأن أولويات حكومته تتمثل في: تحقيق الأمن، وتوفير الخدمات، والحفاظ على مؤسسات الدولة، مؤكدا أن حكومته مؤقتة وستدير البلاد حتى الأول من مارس/آذار المقبل.

مناصب حساسة

وعلى صعيد المناصب المهمة الأخرى في البلاد، تم تعيين ماهر مروان محافظا للعاصمة السورية دمشق، وهو شخصية شغلت عددا من المناصب الإدارية في حكومة الإنقاذ سابقا، وعزام غريب محافظا لحلب، وهو قائد فصيل الجبهة الشامية.

وبينما ظلت بعض المحافظات دون تعيين محافظين جددا، شهدت محافظة السويداء لغطا بشأن اسم المحافظ.

فبعدما طالبت القيادة الروحية للدروز في المحافظة بتسمية محسنة المحيثاوي -وهي خبيرة اقتصادية مستقلة- في المنصب، وتداولت وسائل إعلام صدور قرار تعيينها، نفت المحيثاوي لاحقا ذلك، حيث اكتفت الإدارة السورية بتعيين أحمد مصطفى بكور بتسيير أعمال منصب المحافظ حتى إشعار آخر.

إعلان

وشملت التعيينات الجديدة معظم ما كان في مستوى الإدارات الحكومية والهيئات والمؤسسات، إلا أن أبرزها على الإطلاق يتمثل في رئيس الاستخبارات أنس خطاب، والذي كان رئيس الجهاز الأمني في إدلب قبل سقوط الأسد.

وجاء تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم المصرف المركزي بالإنابة كأحد التعيينات القليلة البارزة التي جاءت من طبقة البيروقراطيين من داخل المؤسسة.

كما جرى تعيين أنس منصور سليمان رئيسا لمحكمة النقض، وكان يشغل منصب وزير العدل في حكومة الإنقاذ لعدة دورات سابقة، كما شغل منصب رئيس محكمة الاستئناف في وزارة العدل ضمن حكومة الإنقاذ.

مؤتمر صحفي لأحمد الشرع (يمين) مع هاكان فيدان وزير الخارجية التركي خلال زيارة الأخير إلى دمشق (الجزيرة) المؤتمر الوطني

وعلى صعيد المؤتمر الوطني الذي من المفترض -بحسب تصريحات رسمية- أن ينعقد قبل انتهاء مدة تكليف حكومة تصريف الأعمال في 1 مارس/آذار المقبل، كان آخر ما ورد بشأنه على لسان مسؤول في الإدارة الجديدة ما قاله وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قبل أسبوعين من أن الإدارة تتريث في عقده؛ حرصا منها على تشكيل لجنة تحضيرية موسعة له تستوعب كافة شرائح ومناطق البلاد.

وأضاف أن هذه اللجنة التحضيرية "ستكون حجر أساس في إنشاء الهوية السياسية لسوريا المستقبل".

وبينما نقلت وكالة الأناضول في وقت سابق عن مصادر في حكومة تصريف الأعمال السورية أن الحكومة كانت تخطط لعقد المؤتمر منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، لم يحدد الشيباني في تصريحاته موعدا جديدا له.

وكان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قد أوضح أن الحكومة ستترك القرارات المهمة والحساسة في الفترة الانتقالية لتصويت المشاركين في المؤتمر.

وذكرت مصادر من الحكومة السورية لمراسل الجزيرة نت أن الهدف المركزي للمؤتمر الوطني هو تشكيل مجلس استشاري ذي صفة تشريعية، يقوم بصياغة إعلان دستوري وإقراره، بالإضافة لمنح الثقة للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

إعلان

انفتاح إقليمي ودولي

وينظر على نطاق واسع إلى العلاقات الخارجية لسوريا ما بعد الأسد على أنها من أبرز إنجازات الإدارة الجديدة، حيث شهدت انفتاحا عربيا ودوليا، وإن كان الانفتاح الغربي ما زال يتسم بشيء من الحذر.

ففي الأيام الأولى لتولي الإدارة الجديدة، أرسلت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر والأردن وفودا رفيعة المستوى إلى دمشق، قبل أن تتوالى الوفود على مستوى وزراء الخارجية من عدد من الدول الأوروبية والعربية.

وبعدما غاب ممثلو سوريا عن اجتماع العقبة الذي ضمّ وزراء خارجية الدول العربية إلى جانب دول غربية معنية بالشأن السوري، كأول منبر إقليمي ودولي للتباحث بشأن سوريا ما بعد الأسد، شارك وزير الخارجية السوري في سلسلة اجتماعات، وأجرى عدة زيارات إقليمية صبت في تعزيز الانفتاح الإقليمي والدولي وتخفيف العقوبات على البلاد.

فقد زار الشيباني كلا من الرياض والدوحة وأبو ظبي وعمّان ثم أنقرة، وشارك في مؤتمر الرياض الذي عقدته المملكة العربية السعودية بشأن سوريا، وبرزت مشاركته في مؤتمر دافوس في سويسرا باعتبارها الأولى من نوعها لوزير خارجية سوري في تاريخ المؤتمر.

وتقود السعودية وقطر وتركيا جهود الانفتاح العربي والدولي على حكام دمشق الجدد، بالتزامن مع توجه أوروبي وأميركي لتخفيف العقوبات التي شهدت قرارين أميركيين في هذا الصدد، بينما تتحضر بروكسل من جهتها لقرار مماثل.

وشمل الإعفاء الأميركي الأول، والذي صدر تحت اسم الرخصة رقم 24، قطاعات الكهرباء والماء والطاقة والصرف الصحي، كما شمل التحويلات الشخصية إلى سوريا حتى 7 يوليو/تموز القادم.

تبعه إعفاء آخر يسمح لعدد من الدول الإقليمية بتقديم مساعدات اقتصادية للدولة السورية، دون تعرضها لتداعيات قد تواجهها بسبب تصنيف سوريا كـ"دولة راعية للإرهاب"، وتشمل قائمة الدول المعنية كلا من البحرين والعراق والأردن والكويت ولبنان وعُمان وقطر والسعودية وتركيا والإمارات بالإضافة إلى أوكرانيا.

إعلان

وفي أحدث المساعي لتخفيف العقوبات، أفاد دبلوماسيون بأن الاتحاد الأوروبي يعتزم تعليق العقوبات المفروضة على سوريا المتعلقة بالطاقة والنقل، وذلك في ضوء نقاش يجريه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل اليوم الاثنين.

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو "سنقرر اليوم رفع أو تعليق بعض العقوبات المحددة التي فُرضت على قطاعي الطاقة والنقل وعلى مؤسسات مالية مهمة لاستقرار البلاد المالي".

مقالات مشابهة

  • تركيا توجه فصائل الجيش الوطني السوري للانضمام إلى الإدارة الجديدة بدمشق
  • تركيا توجه فصائل الجيش الوطني السوري للانضمام للإدارة الجديدة بدمشق
  • 3 قطاعات تشملها تخفيف العقوبات الأوروبية على سوريا
  • كيف يبدو المشهد السياسي في سوريا بعد 50 يوما من خلع الأسد؟
  • وزير الخارجية التركي: لا مكان للإرهاب في سوريا
  • سوريا.. تنفيذ 35 إعداماً لعناصر من نظام الأسد خلال 72 ساعة
  • احتفاء بعودة الفنان السوري سامر المصري إلى دمشق بعد سقوط النظام (شاهد)
  • الأمن السوري يضبط صواريخ بحمص وشحنة أسلحة لحزب الله
  • هل سيعلّق الاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على سوريا؟.. هذا ما نعرفه