محمد رامس الرواس
يقول المولى عزَّ وجلَّ في مُستهل سورة الإسراء "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".
وذكرى الإسراء والمعراج ذكرى عطرة ومعجزة كبرى تحيا بها نفوسنا كل عام نستذكر من خلالها تكريم المولى عزَّ وجلَّ لنبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بما تحمله من معانِ وعبر وعظات.
إنَّ رحلة الإسراء والمعراج معجزة إلهية يعجز العقل البشري عن تصورها، ولقد اختصَّ الله- عز وجل- في هذه المعجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بمناقب لم تمنح لأحد غيره ومنحه عطايا لم يحصل عليها نبي أو رسول أو أحد من الملائكة المقربين، حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفيها أمّ الأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء لتكون هذه الرحلة العظيمة شاهدة على أفضليته بين سائر الأنبياء والخلق أجمعين.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في بُردته:
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاِستَلِمِ
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَاِنكَشَفَت لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ
لقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج لتثبت نبوة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في العالمين، ولتُؤكد صدق قوله وكانت اختبارًا حقيقيًا لمتبعي الدعوة بمكة، وتثبيتًا لمن صدقَّ بها من المؤمنين، كما كانت دعمًا معنويًا لنفسيته عليه الصلاة والسلام جزاء صبره وثباته جراء ما عاناه من مصاعب لا يحتملها بشر، فقد غسلت رحلة الإسراء والمعراج أحزانه وأدخلت عليه البهجة والسرور، خاصة بعد حزنه لوفاة زوجته السيدة خديجة وعمه أبي طالب وما حصل له عليه الصلاة والسلام شخصيًا من زيادة أذى كفار قريش وتنكيل وتعذيب لمن آمن بدعوته.
إنَّ هذه الرحلة الإلهية المُباركة كانت التكريم الفعلي للنبي عليه الصلاة والسلام من لدن العلي القدير حيث جعله يطلع على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، كما كشفت عن مكانته عليه الصلاة والسلام عند ربه بما علمه من معارف وعلوم وأسرار، وبما رأى من مشاهد كثيرة في ملكوت السماوات والأرض منها: سدرة المنتهى، وجنة المأوى، وأقطار الكون، لقد كانت بحق رحلة تشريف وتكريم وتثبيتٍ منه عز وجل لنبيه الكريم، وتفريجًا لهمِّه وكربِه، وذهابًا لحزنه، وانشراحًا لصدره الشريف مما لاقاه من مصاعب، لذا جاءت معجزة الإسراء والمعراج منحة ربانية، ومعجزة خارقة لقوانين الطبيعة، تُعلنُ لجميع الخلق مكانة وقدر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام ورؤيته لآيات الله الكبرى.
ويقول الله عزَّ وجلَّ في سورة النجم: "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَىٰ (9) فَأَوحَىٰ إِلَىٰ عَبدِهِۦ مَا أَوحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَىٰ (13) عِندَ سِدرَةِ ٱلمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلمَأوَىٰ (15) إِذ يَغشَى ٱلسِّدرَةَ مَا يَغشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَد رَأَىٰ مِن ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلكُبرَىٰ".
ختامًا.. لقد دلَّلت هذه الرحلة على أهمية المسجد الأقصى عند المسلمين وعظيم مكانته وقدسيته؛ فأنزل الله السور والآيات البينات شواهد خالدة على ذلك إلى يوم الدين، ولقد كانت ولا تزال رحلة الإسراء والمعراج رحلة ربانية عظيمة نستلهم منها الدروس والعِبر من ثبات وقوة إيمان وأنه لا بقاء للمحن لأنَّ الله مُصَّرف الكون ومالكه يدفعها ويزيلها متى شاء عزَّ وجلَّ، وعلى المسلم أن يستفيد من هذه الرحلة الربانية العظيمة ويقرأ تفاصيلها بتمعن ويُطابق المشاهد التي وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام على واقعه الحالي كي يُقوم ويُصلحَ ما اعوَّج في حياته لأن ذلك يخرجه إلى علم ونور.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لطيفة بنت محمد: الإسراء والمعراج رحلة مباركة تعلّمنا منها الدروس والعبر
قالت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، الأحد، في تغريدة عبر منصة «إكس»: «الإسراء والمعراج.. رحلة مباركة تعلّمنا منها الدروس والعبر واستقينا منها القيم الإنسانية النبيلة.. ندعو الله أن يعيدها على الجميع بالخير واليمن والبركات، ويوفقنـا لاستكمال مسيرة بناء الإنسان على خطى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. كل عام وأنتم بخير».