"العوامل المحددة لحاضر المدينة العربية ومستقبلها" بمكتبة الإسكندرية
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
- نظمت مكتبة الإسكندرية من خلال برنامج دراسات التنمية المستدامة وبناء قدرات الشباب ودعم العلاقات الإفريقية بقطاع البحث الأكاديمي، ندوة عبر الإنترنت بعنوان «العوامل المحددة لحاضر المدينة العربية ومستقبلها» الدكتور أسامة عبد الباري؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، وذلك بحضور الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية.
تأتي هذه الندوة استكمالاً لسلسلة ندوات «العلوم الاجتماعية في عالم متغير»، التي أطلقتها مكتبة الإسكندرية في أغسطس 2023، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة.
رحّب الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية بالدكتور أسامة عبد الباري، مشيرًا إلى إسهاماته المتميزة في مجال علم الاجتماع والتخطيط للمدن العربية. وقال إنه في ظل الظروف المتغيرة التي يمر بها العالم العربي تحتل العلوم الاجتماعية مكانة متميزة وفي مقدمتها علم الاجتماع.
تناول الدكتور أسامة عبد الباري في هذه الندوة العوامل المحددة للمدينة العربية وتأثيرها على حاضرها ومستقبلها والتحديات المختلفة التي تواجهها المدن العربية وتؤثر على هويتها والتركيز على التهديدات للطابع التاريخي للمدينة العربية وكيفية الحفاظ عليها.
وأشار إلى أن المدينة العربية هي كيان ديناميكي يعكس مجموعة من العوامل الثقافية والاقتصادية والثقافية، مشيرًا إلى أن وجود رؤية متكاملة لدراسة المدينة يجب أن يرتبط بفروع مختلفة من العلوم ومن بينها علم الاجتماع.
وقال إن هناك مجموعة من السمات الأساسية لتعريف المدينة منها الكثافة السكانية العالية، لافتًا إلى أن هناك اختلاف تبعًا لكل مدينة عربية وفقًا للتعداد السكاني.
وأضاف أن هناك تنوع كبير بين المدن العربية لعل أبرزها التخصص الثقافي والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد وكذلك الجزء الهندسي، موضحًا أن المدن الخليجية على سبيل المثال أصبحت من أسرع مدن العالم في مقياس التحضر لأنها تسير بسرعات خلاقة وهذا يرجع إلى محاولة التحديث والتنمية وتوافر الإمكانيات الاقتصادية.
وأشار إلى أنه لا يمكن إغفال ما مر به العالم العربي من موجات الاحتلال وكيف أثر في تلك المدن سواء بوضع مجموعة من البنى التحتية لتحقيق أكبر استفادة ممكنة لاستغلال الموارد المتاحة.
وتحدث عن الأشكال الجديدة من المدن العربية خصوصًا المدن المُغلقة على بعض السكان والتي تحدد بشكل كبير التباين الطبقي بين فئات المجتمع في هذه المدن.
وأشار إلى أهمية التركيز على عدة قضايا منها التحديات البيئية بالإضافة إلى فكرة التكنولوجيا الرقمية وعصر الذكاء الاصطناعي وظهور ما يمكن أن يطلق عليه المدن الذكية التي تسعى الدول إلى تحقيقها بشكل رئيسي.
وأوضح أن المدن العربية شهدت تحديثات وتطورات عمرانية كبيرة على مستوى البنية التحتية والأساسية ولعل أبرز مثال هو دول الخليج وكذلك في معظم الدول العربية، لافتًا إلى أن هناك سلبيات تتعلق بأن هذا التطور لم يصاحبه نمو تخطيطي ما أدى إلى ظهور مشكلات منها الازدحام المروري وظهور التفاوت الطبقي الكبير.
وتطرق إلى الحديث عن الحفاظ على هوية المدن وتراثها الثقافي، مضيفًا أنه رغم المحاولات للحفاظ على الهوية الثقافية والعمرانية والتراث الثقافي في بعض المدن إلا أن ذلك لم يحدث في كل المدن.
وقال: "هناك بعض المدن التي تحاول الحفاظ على هويتها مثل مدينة فاس في المغرب في المقابل ضاعت الهوية في مدينة صبراتة في ليبيا"، لافتًا إلى أن المدن العربية تعاني من فقر الإمكانيات في مواجهة الظواهر الجوية. وربط بين التغيرات التي تطرأ على المدن بسبب التغيرات المناخية وبين تغير أنماط الجريمة وأشكالها.
وأوضح أن هناك قاسم مشترك تسعى الدول العربية إلى تنفيذه في المستقبل في مدنها وهو المدينة الذكية، لافتًا إلى أن هذه المدن لا زالت غائبة عن المجتمعات العربية باستثناء مدينة دبي ومدينة أبو ظبي أما باقي المدن فهي تطبق أنماط لمناطق ذكية وليست مدن ذكية.
وقال إن المدينة الذكية ليست فقط استخدام التكنولوجيا ولكنها تعتمد على مفاهيم جديدة تتعلق بأنها مترابطة وكيف يتحكم الإنسان في كل مناحي حياته عبر التكنولوجيا الحديثة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإسكندرية الكثافة السكانية العالية تنمية المستدامة مدير مكتبة الاسكندرية قطاع البحث الأكاديمي مکتبة الإسکندریة المدن العربیة علم الاجتماع أن هناک
إقرأ أيضاً:
الحفاظ على ثلاثية السمات الاجتماعية في عُمان
تشكل السمات الثلاث (التسامح - التعايش - التضامن) عناصر أساسية لبقاء وديمومة المجتمع في عمان، ذلك أنها تشكل سمات عمومية (Social contributions) مكنت المجتمع من ضبط العلاقات الاجتماعية من ناحية، ومن ضبط علاقته بالآخر من ناحية، ومن تشكيل قاعدة للدعم الاجتماعي للأفراد والدولة من ناحية أخرى. وفي تقديرنا هناك أهمية للتركيز على هذه السمات الثلاث وإيجاد الآليات المؤسسية والثقافية والاجتماعية للحفاظ عليها في تركيبة المجتمع، واستدامتها عبر الأجيال المتعاقبة، وهذه الأهمية تنبع من ثلاثة محكات رئيسية: الأول يتصل بتأثيرات الانغماس في الحركة العالمية، ومشهد التغير العالمي، وهو ما يفرض احتكاكًا واسعًا بالأفكار والمرجعيات الثقافية وتركيبات الشخصيات والقيم والمبادئ المتباينة والمختلفة، وفي هذه الحالة تحرك ثلاثية التسامح والتعايش والتضامن القائمة على مرجعية أصيلة، وقيم اجتماعية واضحة ومتفق عليها حالة التفاعل الإيجابي والبناء مع هذا المشهد المتغير بتجاذباته وموجاته وآليات تدبيره وتسييره. أما المحرك الثاني فيتصل بقدرة المجتمع على البقاء والحفاظ على نسيجه وسط حالة (الاقتصاد المنفتح)، والذي يفترض معدلات عالية من الهجرة القادمة، وأنماط متنوعة من الجنسيات التي تنشط في هيكل الإنتاج الاقتصادي، بالإضافة إلى ما تفرضه أنماط العمل العابرة للحدود، والتنافس المحموم في المنطقة لتوفير أفضل مزايا جذب الاستثمار لأكبر سياق تنوع من بلدان تصديره. وحيث لا يمكن لهذا الاقتصاد أن ينجح ويستدام دونما وجود سياق اجتماعي مستقر وداعم للسياسات الموجهة له. أما المحرك الثالث فهو داخلي ويركز على حالة التضامن الاجتماعي في الداخل، وذلك في مواجهة ما قد ينشأ من محاولات لنشر أفكارٍ دخيلة، أو محاولات نشر اتجاهات إقليمية وتسويقية من شأنها تقويض النسيج الاجتماعي. كما أن التضامن يشكل دعامة اقتصادية مهمة للمجتمعات خاصة في الحالة التي تنتقل فيها من اقتصاديات الريع (Rentier economy) إلى «الاقتصاد التشاركي في العبء المالي» (Post-Rentier Economy)؛ حيث تسند هذه السمة نشوء اقتصاديات التضامن أو ما يُعرف بـ «الاقتصاد الاجتماعي»، كما أنها تشكل إحدى شبكات الأمان الاجتماعي للحالات والظواهر التي قد تنشأ عن مثل هذا الانتقال.
ورغم أصالة هذه السمات في التركيب الاجتماعي للمجتمع في عُمان، فإن سياق البحث والتحليل والتنقيب فيها، وفي بنيتها وتطوراتها، وما يطرأ عليها من متغيرات ما زال محدودًا جدًا، ويميل إلى الطابع الاحتفائي في غالبه، والأجدر في تقديرنا أن مثل هذه السمات تخضع بشكل مستمر لحالة الرصد وتبين المتغيرات واستشراف مستقبلها؛ نظير التدافع الثقافي الكوني والذي تحمل ثلاث روافع أساسية: الترويج للمجتمعات متماثلة القيم، وتضمين الاتجاهات القيمية في صيغة منتجات متعددة الأشكال (تجارية، إعلامية، رياضية..)، بالإضافة إلى استخدام تباينات القوة السياسية في توظيف الاتجاهات القيمية كأدوات ضغط وقوة وامتياز. هذه الروافع الثلاث لها اليوم تمثلاتها في الكثير من الأحداث والموجات التي يشهدها العالم مؤخرًا؛ ولذا يصبح من الأجدر تتبع السمات الاجتماعية عبر عدسة البحث المستمر والرصد المتوازن والمنهجي وغير الاحتفائي.
ومع محدودية التنقيب في هذه المسألة نشير إلى بعض ما أنجز ونراه مهمًّا؛ ففي فبراير 2025 نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات استطلاعًا للرأي حول «التسامح»، ويعد المنشور دورة ثانية من الاستطلاع، حيث أشارت أبرز نتائجها إلى أن 90.9% من الوافدين يرون أن المجتمع العُماني يتسم بالتسامح تجاههم، وهي نسبة مماثلة لنتائج الدورة الأولى. كما أن 90.4% من الوافدين يشعرون بتقبل المجتمع العُماني لهم على الرغم من اختلاف ثقافتهم. ومن بين الدراسات الجيدة التي أنجزت في عام 2018 دراسة أحمد الربعاني «Views of Omani post-basic education students about religious and cultural tolerance» والتي تناولت رؤى طلاب التعليم ما بعد الأساسي حول التسامح الديني والثقافي، وأبرزت في أهم نتائجها أن الطلاب يركزون بشدة على أهمية التسامح الديني والثقافي ولا يؤيدون أي نوع من أنواع العدوان أو الرموز الدينية والثقافية أو تأجيج الخلافات بين الأديان أو الثقافات.
ندعو في هذه المقالة إلى ضرورة الدفع بهذه السمات ضمن الأعمال الاستراتيجية الوطنية؛ فوجود برنامج وطني متخصص في أبحاث التسامح والتعايش والتضامن ضرورة قصوى؛ بحيث يتقصى ما قد يؤثر عليها، ويدرس تفاعلاتها مع المشهد المتغير، ويبحث في الاستراتيجيات السلوكية والمعرفية لاستدامتها، وينبه وينذر نحو السياسات التي قد تؤثر عليها، ويدرس سيناريوهات استبقائها وأدوار المؤسسات الوطنية والمؤسسات الاجتماعية في الحفاظ عليها يعد دعامة أساسية ومركزية للنظر إلى هذه السمات بعين منهجية تحليلية. وبحكم الاحتفاء من الداخل والخارج بهذه السمات في المجتمع العُماني؛ فإن ذلك يمثل فرصة مؤسسات تنطلق من سلطنة عُمان عابرة للحدود لتكون مؤسسات تأثير في تعزيز هذه القيم ونشر رسالتها للعالم، وتقديم سلطنة عُمان كبلد أصيل في التسويق لهذه القيم وتعزيز ركائزها للتفاهم العالمي. ونرى أيضًا بضرورة وجود إطار وطني جامع لهذه القيم يصحب النظام التعليمي ويكون موجهًا لمفاهيمه ومضامينه، وفي الآن ذاته يطور بعض البرامج متوسطة وطويلة المدى، وبعض المبادرات التي تستهدف رفع مستويات هذه القيم وتعميقها في أنشطة التعلم وبيئاته ولدى المنتسبين إلى مؤسساته بتدرجاتها المختلفة. وكما نؤكد ما ذكرناه في مقالات سابقة عديدة بأن توظيف التضامن الاجتماعي في صيغة اقتصاد تضامني وإنشاء أطر تنظيمية ومؤسسية لهذا الشكل من أشكال الاقتصاد من شأنه أن يستنبت القيمة ويستبقيها بطرق غير مباشرة لدى الأفراد من خلال تعاملاتهم مع هذا الشكل من أشكال التدبير الاقتصادي، وهو ما يمثل دعامة أساسية لاستبقاء هذه القيم والحفاظ عليها في بنية المجتمع المعاصر.