ماذا بعد رسوب السياسيين في امتحان اللغة الفرنسية؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
عادة يُمتحن الطلاب شفهيًا بعد أن يكونوا قد اجتازوا بنجاح الامتحان الخطّي. أمّا الفرنسيون ففعلوا العكس. يمتحنون "الطلاب السياسيين اللبنانيين" خطّيًا، وهم لم يستطيعوا اجتياز عتبة الامتحان الشفهي، وجاءت النتيجة مخيّبة لآمال الفرنسيين. وعلى رغم هذه الخيبة لم يقطع من هم متحدّرون من مدرسة شارلمان الأمل كليًا، وقرروا أن يعطوا "طلابهم" الراسبين في الامتحان الشفهي فرصة جديدة لعلهم يتمكنون من الإجابة على الأسئلة الخطّية بما يمكنّهم من تحقيق نتائج أفضل من السابق، مع السماح لهم بالاستعانة بـ "صديق" أو اللجوء إلى "الجمهور" قبل إعطاء الجواب النهائي.
نفترض أن هؤلاء "الطلاب" لن يتمكّنوا من اجتياز الامتحان الخطّي، وهم الذين رسبوا في الشفهي، خصوصًا أن لا أحد من "الأصدقاء" أو من "الجمهور" مستعدّ لمساعدة هؤلاء "الطلاب"، الذين قرروا، على ما يبدو، عدم الاتكال على أنفسهم. فمن لا يساعد نفسه لا يستطيع أن يطلب مساعدة الآخرين. وهذا ما حاول كثيرون إفهامه لهؤلاء "الطلاب"، الذين اعتادوا على الغشّ في الامتحانات السابقة، فكانت النتيجة على النحو، الذي يعرفه الجميع، ولا يحتاج المرء إلى كثير من الاجتهاد لكي يستخلص العبر الناتجة عن تكاسل هؤلاء "الطلاب"، الذين لم يتعلموا من قصص لافونتين شيئًا، وبالأخص تلك التي تتحدّث عن "الزيز"(la cigale) و"النملة"(la fourmie).
فكيف سيستطيع هؤلاء "الطلاب" النجاح في امتحان غير مسموح الغشّ فيه، وكيف سيتمكّنون من الإجابة عن الأسئلة الموجّهة إليهم، وهم بالكاد فتحوا كتابًا لمراجعة ما يجب مراجعته، والقيام بواجباتهم المدرسية طيلة فترة الاستعداد لهذا الامتحان، الذي فيه يُكرم المرء أو يُهان.
وبما أن أرجحية الرسوب في الامتحان الفرنسي هي الغالبة فإن السؤال، الذي لم يسأله الفرنسيون على أنفسهم، يبقى هو الأساس في أي معادلة مستقبلية، إصلاحيةً كانت أم سياسية أم رئاسية، وهي قضايا مترابطة عضويًا، وتتفرع منها مسائل لا تقّل أهمية عن القضايا الآنفة الذكر، وهي تطاول الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والأمني. فهذه الأوضاع الناتجة عن فوضى سياسية غير مسبوقة آيلة إلى التفاقم، بحيث لم تعد المعالجات التي تعتمد على المسكّنات تفيد في شيء، خصوصًا مع صدور التقرير المالي الجنائي، الذي زاد الأمور تعقيدًا وغموضًا، وأدخل اللبنانيين من جديد في دوامة المستعصيات.
والسؤال هو: ماذا بعد هذا الامتحان الفرنسي، وماذا بعد هذا الرسوب اللبناني؟ ماذا ينتظر اللبنانيين، وهم الذين، لكثرة ما يتعرضون له من مذلات، أصبح لسان حالهم كحال المتنبي الذي قال يومًا "من يهن يسهل الهوان عليه ما بجرح بميت إيلام".
ما يحاول الفرنسيون القيام به قد يكون الفرصة الأخيرة أمام ممثلي الشعب، الذين عليهم القيام بأمر واحد فقط قبل قيامهم بأي أمر آخر، وهو انتخاب رئيس جديد لجمهورية تكاد تفقد مقومات وجودها كدولة كاملة الأوصاف.
فهل ينجح الحوار، الذي ستدعو إليه باريس على شكل "طاولة عمل"؟
ما يصلنا من معلومات ومن أجواء حتى الآن لا يوحي بإمكان نجاح هذا المسعى. وقد يكون ما قاله البطريرك الراعي في عظة الأمس خير دليل على ما يصل إليه من معلومات، وهو دعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي شيء آخر.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
سلاحُ الموت وفلسفةُ الانتصار
الشّيخ علي حمادي العاملي
وصل حزبُ الله في ترسانته إلى أسلحة نوعية، صواريخ بالستية، مسيّرات، ولكنه رغم كُـلّ ذلك عاد في لحظة المواجهة الكبرى إلى سلاحه الاستراتيجي الأول الخارق للتوازن، والذي امتلكه يوم انطلاقته عندما كان المقاومون يملكون بضعة بنادق متواضعة.. سلاح الموت.
الموت سلاحٌ في عقيدة انتصار الدم على السيف. سلاحٌ لا يُضرب حين يكشف العدوّ مخازنه أَو منصاته، بل يُفعّل في تلك اللحظة بالتحديد. الروح لا تموت في جدلية الحياة والشهادة.. فـ”عندما نستشهد ننتصر“. بهذه الفلسفة سيخرج الملايين في تشييع سيد شهداء الأُمَّــة.
في مفصل تاريخي يحاول الأعداء طمس القضية الفلسطينية، وإنهاء الخصوصية الوحيدة لبلدٍ تصغر سيادته وتتوسّع السفارة الأمريكية بالتوازي.. سيكون تجديد البيعة والعهد. فكما احتملت المقاومة القتال بلحمها الحيّ عن جيوش عربية مدجّجة، كذلك فَــإنَّ شعبها الواعي والمدرك يملأ اليوم فراغ شعوبٍ نائمة. حضوره الهادر ليس فقط رسالةً سياسية وشعبيّة، هو دستورٌ تكتبه شعوبٌ وأقوامٌ عديدة قدِمت من أقطار الأرض، لتسير خلفَ نعشٍ ما زال صاحبه يؤثّر في توجيه الأحداث، ويخاطب بروحه “أشرف الناس“، وهو يثق أنهم يعرفون كيف وأين يوجهون عواطفهم الصادقة.
هؤلاء الذين كانت الحروب تحمل لهم مع صواريخها الحارقة فكرة وخيار الهزيمة أسوة بإخوانهم العرب.. اقبلوها ولو في قيدٍ من ذهب!. لكن هؤلاء ولدوا أحرارًا مطهّرين من رجس الأفكار الانهزامية، ثم تمرّدوا على هامشية الحياة، وسخروا من القائلين بعبثية الوجود، وأرادوا الغوص في عمق المعاني السامية فتفرّدوا في هُويّتهم “أشرف الناس”، وتبلوروا في قيادتهم “الأسمى”.
في كُـلّ موت يولد عندهم تصميمٌ وعزمٌ جديد.. تمامًا مثل حتمية الموت، لا بد أن يولد.. إنها فلسفة الانتصار. الثورة التي تكمن في نفوسهم هي التي ترهب العدوّ.
لا تستغربوا القلق الداخلي من التشييع.. هم يعلمون أنه ليس مُجَـرّد مواراة قائدٍ في الثرى.
إنها تشكيل لوحدة جديدة حيّة من ألوان الشهادة وزيتها.. لوحة تُبرز قيم الجمال والنضال والاستعداد للفداء في مجتمعٍ مبدعٍ سوف “يدهش العالم من جديد”.
إذًا، هي حرب البقاء المعنوي أَيْـضًا. وأمام الحشد الهائل والمهيب ستتقهقر خطوط العدوّ مجدّدًا إلى الوراء، في السياسة والإعلام والحرب النفسية.
التشييع اليوم استكمال للمعركة الحضارية الطويلة ضد الصهاينة والمتصهينين. المعركة لم تنتهِ بعد.. هذه رسالة أبناء السيد.. ولن تنتهي إلا بالنصر الحاسم والكبير.. هذا وعد السيد.
قبضاتُ الملايين في التشييع ستحمل هذه الرسالة.. يمشون خلف النعش وخطواتهم فعلٌ عباديٌّ يرقى إلى مستوى الاقتداء الفكري والقلبي، وفي نيّة المشيّعين أن كُـلّ خطوة من خطواتهم.. إنما هي.. على طريق القدس.
* كاتبٌ وباحثٌ لبناني