لم أقترب من الشاعر عبد الرحمن يوسف، في أي مرحلة، ليمكنني رسم صورة له من قريب، كما فعل الكاتب الشاب "كرم مطاوع"!
وليس لي سابق معرفة بالشاب مطاوع، وكانت معرفتي به من خلال المقال الذي كتبه عن صديقه عبد الرحمن يوسف، وبجانب الموقف فقد أعجبتني "الصنعة" في الكتابة، والقدرة على تحليل صاحبه؛ فالشعراء نوعان، أحدهما يكتب الهزيمة والآخر يكتب النصر، وسبب أن خف شعره في العشر سنوات الأخيرة، أن كبرياءه يأبى أن يكتب الهزيمة، أو كما قال الكاتب!
التقيت بعبد الرحمن يوسف مرتين، وربما ثلاثا، وكانت لقاءات عابرة، مرة أو مرتين لتقديم واجب العزاء في فقيد الأمة وفقيه العصر والده الشيخ يوسف القرضاوي، وأخرى عندما تصافحنا "على الماشي" بعد السؤال عن الحال والأحوال، في الدوحة!
مرحلة التمرد:
كانت المرة الأولى التي سمعت فيها باسمه، عندما استضافته نقابة الصحفيين، قبل الثورة بسنوات، ليلقي شعره، وسمعت من زملاء حضروا الأمسية، أزمة الشاعر الشاب في تقديمه، ولعل وكيل النقابة محمد عبد القدوس هو من قدمه في هذه الليلة، فلم يكتف بذكر اسمه، الذي يحب أن يعرف به؛ عبد الرحمن يوسف، فأضاف اللقب "القرضاوي"، وقيل إن الشاعر الشاب غضب لذلك!
أمكنني استيعاب الحالة، إنها أزمة "أبناء المشاهير"، الذين يحسبون دائما في نجاحاتهم على سمعة الآباء وصيتهم، فلا يبدون أمام الناس أصحاب شخصية مستقلة، أو نجاحات خاصة، فلا بد للشهرة أن تكون بسبب اللقب، لا الاسم، وترجع للأب وليس جهدا خاصا بالابن! فما بالنا لو كان الأب هو الشيخ يوسف القرضاوي، إمام عصره الذي وصل صيته لكل الدنيا!
ولعل عبد الرحمن يوسف استشعر مبكرا محنته، كونه نجل هذا الإمام الكبير، فتوقف عند دراسة الماجستير، ولم يكمل الدكتوراة، ليكون عضوا بهيئة التدريس في كلية يرأس عمادتها والده، وهو إن خرج للمعاش، فسوف يظل أبدا ابن الشيخ القرضاوي، ولعل هذا كان في ذهنه، فكانت شهادة الماجستير في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وليس في كلية الشريعة بجامعة قطر، حيث الوالد!
لقد قرر أن يكون نفسه، وأن يكون شاعرا لا أستاذا أكاديميا، لكن الوالد أيضا له قصائد وداوين شعرية، فأين يذهب الفتى المتمرد الذي يريد أن يشق طريقه بحسبانه شخصية متفردة، وليس لكونه ابن يوسف القرضاوي؟! ومن هم آباؤهم أقل حضورا من القرضاوي في دنيا الناس يعانون الأزمة، ويكون شعارهم "لن أعيش في جلباب أبي"، بحسب رواية إحسان عبد القدوس، وإن كان نجله "محمد" لم يعانِ أزمة، فقد وجد نفسه في اتجاه آخر حقق من خلاله نفسه، فهو إسلامي الفكر، اخواني التوجه، وصنع اسمه بهذا العمل الذي احتفت به جريدة "أخبار اليوم" كأول صحفي مسلم يكتب من أفغانستان.
وكانت هذه الزيارة التي أحسن إبراهيم سعده رئيس تحرير "أخبار اليوم" تقديمها اكتمالا لنجومية الصحفي الشاب، فقد تحققت شخصيته المستقلة، بأن شملته قرارات التحفظ التي أصدرها السادات بحق معارضيه، ليكون مكانه في السجن مع فؤاد باشا سراج الدين، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهما من رموز مصر وكبارها، ويسأل السادات والده إن كان في نفسه شيء منه لاعتقال "محمد"؟ فيرد الوالد بأن نجله تجاوز الثلاثين من عمره، وهو إنسان مسؤول يتحمل نتيجة مواقفه!
مرحلة التحقق:
عندما نجحت ثورة يناير في عزل مبارك، وجاء الشيخ القرضاوي ليخطب جمعة النصر بميدان التحرير، وفي حضور مئات الآلاف من المصريين كنت من بينهم، كان الفتى المتمرد خلف أبيه، ويظهر معه في كل مكان بعد ذلك!
فقد شق طريقه، وكتب اسمه في سجل الوطنية المصرية، كشاعر الثورة، وكأحد رموز هذه الثورة، فصارت له شخصيته المستقلة، ثم إن حضور الوالد في المشهد، حيث لولاه لذبحنا في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، جعل انتماء النجل له مما يشرفه كثائر، والجميع يخطب وده، ويطلبون الوساطة لأن يلتقوا به لينالوا شرف مصافحته، بمن في ذلك إعلاميون ينتمون لعصر مبارك، ولم يكن خطأ مطبعيا أن نرى أحدهم ينحني ويقبل يد الشيخ الجليل!
لقد طابت نفس الفتى، فلم يعد يغضبه أن ينسب للقب العائلة "القرضاوي"، بل صار مما يكتمل به الموقف، ويتحقق به الحضور!
ومن المعروف أنه عندما دعا الداعي للثورة في مصر، حضر عبد الرحمن يوسف القرضاوي لميدان التحرير في اليوم الأول، وفي مقالات كتبتها وقتئذ تأريخا للثورة، أشرت فيها لهذا الحضور، ولا يخلو الأمر من فكاهة!
كان أول مكبر صوت يدخل ميدان التحرير في هذه الليلة، هو "الميكروفون المحمول" الذي كان بيد عبد الرحمن يوسف، وظل يخطب وحده، ويلقي شعرا، ثم يعود مرة أخرى للخطابة، وقد أعلن أن من يريد أن يلقي شعرا فليحضر إليه، وقد قلت لمن معي: ولماذا شعرا فقط؟ لماذا لا يكون النداء لمن يريد أن يلقي كلمة؟.. يبدو أن عبد الرحمن يعرف أنه لا شعراء في الميدان غيره لذا كان هذا الكرم الحاتمي منه!
سجل عبد الرحمن يوسف حضورا في الثورة، لا تخطئه عين، وصار من المتحدثين باسمها في المنابر الإعلامية المختلفة
ومنذ هذه الليلة سجل عبد الرحمن يوسف حضورا في الثورة، لا تخطئه عين، وصار من المتحدثين باسمها في المنابر الإعلامية المختلفة، وقدم برنامجا في إحدى القنوات التلفزيونية، في وقت فتحت فيه المنابر الإعلامية المجال لتنافق الثورة، وتكون لسانها، فيما عُرف بظاهرة "المتحولون"، حتى بدا إعلاميو مبارك هم الحلقة الأكثر انتهازية في حكمه، وعندما أعلنت صحيفة "تشرين" وهي صحيفة النظام السوري السابق، التحاقها بالثورة، ليكون اسمها "الحرية"، قلت: لقد شاهدت هذا الفيلم من قبل!
ومُنح عبد الرحمن يوسف زاوية في صحيفة "اليوم السابع"، وراعني أنها تحمل اسم زاويتي اليومية في جريدة الدستور "بيت القصيد"، وتواصلت مع الزملاء في "اليوم السابع"، فربما لم ينتبه كاتبكم بأني أكتب زاوية بذات الاسم، وكانوا يعدونني بلفت نظره لذلك، حتى يئست وتجاوزت الموقف، ظني أن أحدا لم يتحدث معه في الأمر، ربما خوفا من ردة فعله، وبما عرف عنه من حدة، وكانت قيادات "اليوم السابع" تنافق الثورة والنشطاء، لدرجة أنها عينت منهم صحفيين، وألحقتهم بالنقابة، وممن لم يمارسوا الصحافة من قبل أو من بعد. فماذا لو غضب عبد الرحمن وتوقف عن الكتابة ووجوده مما يزيل عنهم أثار العدوان كصحيفة مملوكة لنجل وزير الإعلام السابق صفوت الشريف؟!
مرحلة اليقين:
عندما كانت الدعوة إلى مظاهرات 30 حزيران/ يونيو، كان عبد الرحمن يوسف معها بيد أنه لم يستمر طويلا هناك، فقد تاب من قريب، عندما تبين له الرشد من الغي، وأن ما جرى لم يُرَد به وجه الوطن والثورة.
غفر الله لعبد الرحمن يوسف إنه أواب.
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه عبد الرحمن يوسف القرضاوي الثورة مصر مصر ثورة القرضاوي عبد الرحمن يوسف مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الرحمن یوسف یوسف القرضاوی
إقرأ أيضاً:
هل قتل يوسف عمر غادة عبد الرازق في مسلسل شباب امرأة
منذ بداية مسلسل شباب امرأة والشكوك تدور حول هوية قاتل شفاعات شخصية غادة عبد الرازق في الدراما الرمضانية المثيرة في أحداثها وتطوراتها، وتُعد شخصية إمام التي يؤديها يوسف عمر واحد من أبرز المتهمين وذلك لعدة أسباب:
1 - غادة عبد الرازق هي من تسببت في ضياع داليا شوقي منه
حيث كانت حريصة على معاملة داليا وأهلها بأسلوب سيء خلال زيارتهم له في المستشفى، وحرصت على إبلاغها بزواجها من يوسف عمر.
2 - تسبب خبر زواجه منها في موت والدته
خلال وجود والدة إمام في العناية المركزة، كان خبر زواجه من المعلمة شفاعات سببا في تدهور حالتها ووفاتها.
3 - طرد غادة له من المنزل وتهديده بوصولات الأمانة
كان القشة التي قصمت ظهر شخصية يوسف عمر، هو طرد المعلمة شفاعات له من المنزل، بعدما زارتها داليا شوقي وأخبرتها أنه جاء لمنزلها لتخريب مشروع زواجها.
4 - إهانة شفاعات له
كرجل شعر يوسف عمر بالإهانة، خاصة أنها طردته أمام العاملين لديها وعلى رأسهم حسبو (محمد محمود) ورمت ملابس أمام أهل الحارة.
5- خسر كل شيء
شخصية إمام تعتبر خسرت كل شيء حبيبته ووالدته وشفاعات والمنافع المادية التي كانت تمنحها له فضلاً عن تهديدها له بالحبس إذا ظهر أمامها مرة أخرى.
ويؤدي النجم الشاب يوسف عمر دور الشاب القروي الساذج إمام الذي يترك قريته ويتجه للعمل كطبيب في القاهرة، حيث يسكن في غرفة على السطح لدى المعلمة شفاعات التي تعجب به وتحاول إغواؤه.
مسلسل شباب امرأة، سيناريو وحوار محمد سليمان عبد المالك، وإخراج أحمد حسن، وإنتاج شركة فينومينا ويشارك يوسف عمر البطولة مع غادة عبد الرازق، محمود حافظ، عمرو وهبة، داليا شوقى، جوري بكر، محمد محمود، رانيا منصور، طارق النهرى، شايما الشريف، وعدد آخر من الفنانين.