نابلس- أثارت العملية في بلدة "حُوّارة" قرب نابلس شمال الضفة الغربية، -السبت الماضي-، تساؤلات حول وجود المستوطنين الإسرائيليين في متجر فلسطيني ليستهدفهم المقاومون هناك، وحول طبيعة العلاقة بين المستوطنين وأصحاب المنشآت التجارية الفلسطينية في مثل هذه المواقع.

وكان مقاوم فلسطيني قد أقدم يوم السبت الماضي على قتل مستوطنيْن اثنين في بلدة حوارة، بإطلاق النار عليهما من مسافة صفر، بينما كانا في محل لغسيل المركبات عند الشارع الرئيس للبلدة، الذي يربط مدينة نابلس بوسط الضفة وجنوبها.

ومثل العديد من القرى الفلسطينية، وبحُكم قربها من المستوطنات أو المواقع العسكرية الإسرائيلية، تعجّ بلدة حوارة بعشرات المحال التجارية، لا سيما ورشات تصليح المركبات التي يقصدها الفلسطينيون والإسرائيليون، بمن فيهم المستوطنون في الضفة الغربية، للاستفادة منها بما يخدم مصالحهم بأسعار رخيصة، وهو ما يفسر انتشار هذه الظاهرة في عشرات المواقع المشابهة لحوارة بالضفة الغربية.

الإغلاق بالمكعبات الحجرية أثر في الحركة التجارية داخل حوارة (الجزيرة) حكم الأمر الواقع

يقول يزن عز الدين، صاحب محل لبيع كماليات السيارات، إن حوارة تُعدّ مركزًا تجاريًا يقصده الجميع؛ من فلسطينيي الضفة وفلسطينيي 48 ومستوطنين أيضًا، "وذلك لتوافر المطلوب بأسعار رخيصة، مقارنة بدولة الاحتلال".

ويضيف عز الدين للجزيرة نت، "بالإضافة إلى المستوطنات المحيطة بها ونشاط المستوطنين الدائم بالمنطقة، تعدّ إسرائيل حوارة منطقة عسكرية تابعة لها، وأن كل نشاط تجاري أو غيره للمستوطنين فيها نابع من هذه النقطة، ومن ثم ليس للتاجر الفلسطيني حولًا ولا قوة".

وهو ما يؤكده -كذلك- كمال عودة، الناشط ضد الاستيطان في حوارة وصاحب محل لبيع الفرش المنزلي، ويقول للجزيرة نت، "علاقتنا بالمستوطنين تجارية وليست اجتماعية، وهي محدودة المكان والزمان، فهذا في نهاية المطاف مستوطن محتل لأرضي وبلدي".

ويضيف أن بلدتهم، وبحكم وقوعها بين عدد من المستوطنات والمواقع العسكرية، تعدّ ممرًا للمستوطنين وجيش الاحتلال، ومن ثم يقصدها الإسرائيليون والمستوطنون، خاصة في ورشات تصليح المركبات، وذلك بحكم توافر قطع الغيار، وانخفاض أسعارها عن السوق الإسرائيلية في الوقت نفسه.

ويقول كمال، إن "أكثر المتسوقين في حوارة هم فلسطينيو 48 (الفلسطينيون داخل الخط الأخضر)، وبعض الإسرائيليين من غير المستوطنين، أما المستوطنون فلا يشكلون 5% من المتسوقين، ويحملون حقدًا وكراهية للعرب، ويحرّضون عليهم".


رفض يقابله عقاب

ورغم ذلك، لجأ أهالي حوارة لإجراءات للحدّ من تسوق المستوطنين من بلدتهم، أهمها: تغيير أسماء وعناوين المحال التجارية بالمسميات العبرية، وتحويلها للغتين الإنجليزية والعربية، ونجحوا في تغيير 40% منها.

وحاول بعضهم -خاصة بعد اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال في الأشهر الأخيرة-، منع المستوطنين والجنود من التبضع وطردهم، بينما أغلق آخرون محالهم احتجاجًا على تغوّل المستوطنين عليهم، إلا أن ذلك زاد صلف المستوطنين وجيش الاحتلال وعنفهم.

ويقول كمال، إن جيش الاحتلال يستجيب لطلبات المستوطنين بإغلاق المحال التي ترفض أن تبيعهم بنسف المحل، كما يُلاحق التجار الفلسطينيون ويُعتدى عليهم، وتكرر هذا مرات عدة في الأسابيع القليلة الماضية.

ويشير كمال إلى قرار الشرطة الإسرائيلية فرض غرامات ومخالفات بمبالغ كبيرة "يصل بعضها -أحيانًا- لنحو 3 آلاف دولار للمخالفة الواحدة" ضد من يصلح مركبته من حاملي الهوية الإسرائيلية في الورشات الفلسطينية، وضد أي فلسطيني أو تاجر يوقف مركبته قرب الرصيف في حوارة، وذلك لتسهيل مرور المستوطنين وحفظًا لأمنهم.

وزيادة في العقاب، شقّ الاحتلال منذ عامين طريقًا موازيًا لشارع حوارة الرئيس حيث تنتشر المحال التجارية، وصادر بذلك أكثر من ألف دونم (الدونم يعدل 1000 متر مربع)، 97% منها ملك لأهالي حوارة، لخدمة المستوطنين، وتنقلهم بعيدًا عن الفلسطينيين.

وعن ظاهرة تبضع المستوطنين خاصة، يقول كمال، إنه لم يمضِ عليها سوى أقل من عقدين، ولا تشكّل داعمًا اقتصاديًا للتجار كما يتصور بعض الناس، بل على العكس، كما أنها تتراجع مع كل حدث أمني".

وعلى طول خمسة كيلومترات يمتد فيها شارع حوارة الرئيس، تنتشر نحو 500 منشأة تجارية من مطاعم وورشات تصليح المركبات وبيعها وبقالات كبيرة وغيرها، ولا يملك أهالي حواره منها سوى 200 فقط، وما تبقى لمستثمرين من خارج البلدة.

خسائر فادحة في ممتلكات الفلسطينيين ببلدة حوارة بعد عمليات حرق واسعة نفذها المستوطنون (رويترز) "أي تعايش مع حرق القرية"؟

ويرفض رئيس بلدية حوارة معين ضميدي، تفسير "العلاقة التجارية المحدودة" مع المستوطنين أو اليهود عمومًا "بالتعايش". وتساءل مستغربًا، "كيف يكون هذا التعايش بظل اعتداءات المستوطنين التي لم تتوقف منذ أواخر فبراير/شباط الماضي، بعد أول عملية فدائية أدت لمقتل مستوطنين هناك"؟

ووصف خسارتهم التجارية في ليلة "إحراق حوارة" على يد المستوطنين بعد تلك العملية "بالفادحة"، وقال إنها تجاوزت 5 ملايين دولار أميركي، وشملت حرق المركبات والمحال التجارية ومنازل المواطنين، وعلى إثرها لم يغادر جيش الاحتلال المكان، وعزَّز وجوده بالثكنات العسكرية، وأغلق المداخل بالسواتر الترابية.

وكل ذلك يهون بعيدًا عن "العامل النفسي والخوف المستمر" بوصف معين، من جراء عنف المستوطنين الذي أرَّق التجار، وحدّ من نشاطهم "وبات كثيرون يغلقون محالهم".

كما قطع الاحتلال تواصل حوارة مع القرى المجاورة وشكّل هذا -حسب معين- أكبر خسارة تجارية لتلك المحال، خاصة وأن "أكثر من 90% من المتسوقين هم من الفلسطينيين".

وقال، إن كثيرًا من تلك المحال أغلقت أبوابها، وأنه بفعل اعتداءات المستوطنين وتحريض قادتهم على حوارة وتضييقات جيش الاحتلال، بات الإغلاق مصير المنشآت التجارية بالبلدة، "وهي شبه مغلقة منذ 6 أشهر".

عرضة للاعتداءات

وبحكم "الأمر الواقع وبقوة جيش الاحتلال ودعمه"، يتسوق المستوطنون في حوارة، فالبلدة محاطة بعدد من المستوطنات ومعسكرات الجيش، وهي ممر وحيد للمستوطنين، وإن رفض الفلسطيني التعامل معهم، يعرّضه ذلك للاعتداء والإغلاق والمنع من العمل.

ويضيف معين، "قبل مدة قصيرة رفض أحد التجار بيع الخبز لجنود الاحتلال، فما كان منهم إلا أن أطلقوا النار صوب متجره، وحطموا زجاجه. كما استدعى المستوطنون جنود الاحتلال، وأغلقوا محلًا رفض صاحبه التعامل معهم".

وحسب مركز معلومات فلسطين (معطى)، نفّذ فلسطينيون 225 عملًا مقاومًا ضد الاحتلال في حوارة منذ بداية العام الجاري، أدّت إلى قتل 5 مستوطنين وجرح 16 آخرين، وتنوّعت بين إطلاق النار والدهس ورشق الحجارة والطعن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحال التجاریة جیش الاحتلال فی حوارة

إقرأ أيضاً:

"طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة

الضفة الغربية - خاص صفا

عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، دخلت "إسرائيل" منعطفاً لم تسلكه منذ عام 1948، وباتت الدولة التي كان يروج ساستها أنها المكان الأكثر أماناً، تحت نار صواريخ المقاومة وضغط الحرب.

وأفادت تقارير بمغادرة نحو نصف مليون "إسرائيلي" بعد بدء الحرب على قطاع غزة، وتجاوز عدد "الإسرائيليين" الذين قرروا العيش خارج حدود دولة الاحتلال أعداد العائدين بنسبة 44%.

وأظهرت البيانات انخفاضاً بنسبة 7% في عدد العائدين إلى "إسرائيل" بعد العيش في الخارج، حيث عاد 11 ألفاً و300 إسرائيلي فقط خلال عام 2023، مقارنة بمتوسط 12 ألفاً و214 في العقد الماضي.

وتتصاعد الهجرة العكسية في "إسرائيل" لأسباب أمنية واقتصادية، ما يضع الاحتلال أمام انعطافة ديموغرافية تهدد مستقل الدولة اليهودية.

وأفاد المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، بأن اتجاهات الهجرة بدأت ترتفع مع وجود حكومة اليمين ومحاولات تغيير النظام السياسي "الإسرائيلي" من خلال مشروع الانقلاب القضائي.

وقال في حديثه لوكالة "صفا"، إن ارتفاع مؤشرات الهجرة بشكل ملحوظ بعد طوفان الأقصى، يأتي بسبب زعزعت فكرة الوطن القومي الآمن لليهود، التي كان يروج لها الاحتلال على مدار عقود لاستقطاب يهود العالم.

أن صواريخ ومسيرات المقاومة وصلت كافة الأراضي المحتلة، وخلقت واقعاً يتنافى مع العقيدة الأمنية للاحتلال، التي ترتكز على تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنين.

وأشار أبو غوش إلى أن الأزمة الاقتصادية والخسائر التي يتكبدها الاحتلال في انفاقه على الحرب، والضغط على جنود الاحتياط واستمرار خدمتهم لفترات طويلة، فضلاً عن تغلغل اليمين المتطرف في مفاصل الحكومة، عوامل ساهمت مجتمعة في تشجيع الهجرة العكسية لليهود.

وبيّن أن الهجرة الداخلية من القدس إلى تل أبيب، كانت دائماً موجودة من قبل الفئات الليبرالية بسبب القيود التي يفرضها اليهود المتدينين "الحريديم" على الحياة اليومية.

وتتركز الهجرة في أوساط الليبراليين العلمانيين، والمهنيين الذين يديرون عجلة اقتصاد الاحتلال، بحسب أبو غوش، مرجحاً الأسباب إلى اتساع سيطرة اليمين المتطرف على الحكومة، وكلفة الحرب وتبيعاتها الاقتصادية التي يدفع فاتورتها المستوطنين.

وأكد على أن الهجرة العكسية هي الكابوس الأكبر الذي من شأنه أن ينهي حلم الدولة للكيان الصهيوني، إذ تتحول "إسرائيل" تدريجياً إلى دولة متطرفة لا ديموقراطية فيها، بعدما كان نظامها الليبرالي الديموقراطي أبرز عناصر قوتها وجذبها ليهود العالم.

وأضاف "إن هيمنة اليهود المتدينين وتغلغلهم في الحكم، وهم فئة غير منتجة ومساهمتها صفرية في الاقتصاد، إلى جانب رفضها الانضمام إلى الجيش، ستحول إسرائيل إلى دولة عالم ثالث تعتمد على المساعدات".

وهدمت الحرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت ضعف "إسرائيل" واعتمادها التام على الدعم الأمريكي، وكشفت حقيقة الاحتلال المجرم للعالم، وفق أبو غوش، مبيّناً أن كل هذه العوامل أسقطت ثقة المستوطنين في حكومتهم ودفعتهم إلى الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً واستقراراً.

ويتكتم الاحتلال على حقيقة الأرقام المتعلقة بالهجرة العكسية أو عودة اليهود إلى أوطانهم الحقيقية، إلا أن الأرقام التي تتضح في مفاصل أخرى للدولة مثل مؤسسات التأمين الصحي تظهر عزوفاً وتراجعاً في الرغبة بالعيش داخل "إسرائيل".

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف "إسرائيلي" هاجروا إلى كندا هذا العام، في حين حصل حوالي 8 آلاف إسرائيلي على تأشيرات عمل، وهي زيادة كبيرة عن أعداد العام الماضي، كما تقدم أكثر من 18000 "إسرائيلي" بطلب جنسية ألمانية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.

وأفاد تقرير لـ "هآرتس" بأن من يغادرون هم رأس مال بشري نوعي، ومغادرتهم تعرض استمرار النمو الاقتصادي في "إسرائيل" للخطر، إذ بلغت الزيادة في نسبة الأثرياء الباحثين عن الهجرة نحو 250%، ليتراجع أعداد أصحاب الملايين في "إسرائيل" من 11 ألف إلى 200 مليونير فقط.

مقالات مشابهة

  • السلطة الفلسطينية تتهم إسرائيل بتشجيع المستوطنين على الإرهاب
  • السلطة الفلسطينية: قرار كاتس يشجع المستوطنين على ارتكاب الجرائم
  • «الخارجية الفلسطينية»: قرار إسرائيل إلغاء اعتقال المستوطنين يشجع على المزيد من الجرائم
  • قرار إسرائيلي بوقف الاعتقال الإداري بحق المستوطنين في الضفة الغربية
  • الصحة الفلسطينية: إصابة 6 من الكوادر الطبية إثر قصف مستشفى كمال عدوان
  • قوات الاحتلال تدمر عددا من المركبات بمنطقة وادي حسن في الضفة الغربية
  • البلدات الجنوبيّة في مرمى العدوان الإسرائيلي.. إليكم آخر المستجدات
  • الاحتلال يلجأ لمسيرات “سلكية” للتعامل مع أنفاق حماس وحزب الله
  • الاحتلال يلجأ لمسيرات سلكية للتعامل مع أنفاق حماس وحزب الله
  • "طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة