مؤامرة «الجدار الحديدي».. إسرائيل تبدأ خطة تفكيك السلطة الفلسطينية وإهداء الضفة لـ«المستوطنين»
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
عزل المناطق جغرافيًّا وعسكريًّا.. وتوسيع نطاق الحصار الاقتصادي والأمني
الاحتلال يستغل الانقسام الفلسطيني.. وتحالف مصالح مع جماعات مسلحة
تبدو الضفة الغربية، الآن، كأنها تعيش فوق برميل بارود، في ضوء المؤامرة الإسرائيلية غير المسبوقة على المستويين الرسمي، وما يقوم به المستوطنون، حيث تشهد محافظات الضفة تطورات خطيرة، تهدد مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، والقضية ككل.
وبدأت إسرائيل تنفيذ استراتيجية عسكرية جديدة في الضفة، وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فإن مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة ستشكل نقطة البداية للخطة، قبل تعميمها في مناطق أخرى (نابلس، رام الله، وطولكرم).
تشمل الاستراتيجية الإسرائيلية تكثيف عمليات الاقتحام العسكري والضغوط الأمنية، والتوسع في حصار المدن المستهدفة، مع استخدام الحواجز والبوابات الحديدية بشكل مكثف لتعطيل حركة الفلسطينيين وجعل مناطقهم معزولة جغرافيًّا.
«الجدار الحديدي»
تنفذ إسرائيل، حاليًا، عملية «الجدار الحديدي» العسكرية في «جنين»، وتسببت حتى الآن في مقتل العشرات، منذ انطلاقها في 21 يناير 2024، حيث لا تقتصر على العمليات العسكرية، لكنها تتعمد تقطيع أوصال الضفة ومنع التنقل والتواصل.
تشارك في عملية «الجدار الحديدي» الوحدات الخاصة والمخابرات الإسرائيلية، مستهدفة، مع استخدام الطائرات المسيّرة والمروحيات لضرب أهداف محددة، مما أسفر عن سقوط ضحايا، وأضرار كبيرة في البنية التحتية.
ومع زيادة التوتر بين المستوطنين والفلسطينيين في مناطق مثل سلفيت والخليل، يتصاعد العنف بشكل كبير، حيث وقعت عدة هجمات من قبل المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وهو ما يعكس دور المستوطنين في مخطط التصعيد الإسرائيلي.
تسببت هذه الممارسات الدموية في خنق المقاومة الفلسطينية في المناطق المستهدفة، تتزامن مع حملة اعتقالات واسعة في صفوف الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية، وتقوم القوات الإسرائيلية بهدم العديد من المنازل في مناطق متفرقة من الضفة.
الإجراءات الإسرائيلية تفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية تدمير الشوارع التي تربط المناطق السكنية بالمستشفيات والمراكز الصحية، مما جعل الوصول إليها شبه مستحيل.
التدمير طال البنية التحتية الحيوية، ليزيد من صعوبة حصول المصابين على الرعاية الطبية الضرورية، وباتت الحركة في المنطقة أكثر تقييدًا، بينما ازداد الضغط على القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً من ضعف الإمكانيات.
في الوقت نفسه، شمل التصعيد العسكري الإسرائيلي فرض حصار شامل على جنين ومخيمها، ما أدى إلى عزل المنطقة عن بقية الضفة الغربية، هذا الحصار شمل تعطيل الحركة الاقتصادية والاجتماعية.
وأغلقت المحال التجارية والأسواق، وقطعت سبل العيش اليومية عن السكان، وبالتالي، تدهور الحياة اليومية، ليعيش السكان في ظروف صعبة للغاية في ظل غياب المساعدات الإنسانية، مع استمرار الانتهاكات العسكرية والاقتصادية.
أدت عملية «الجدار الحديدي» إلى نزوح نحو 2000 عائلة، حيث تهدف هذه العملية إلى تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية وتعتبر خطوة رئيسية في إطار الخطة الإسرائيلية للسيطرة على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية.
أزمة السلطة
وسط هذه الأجواء تعاني السلطة الفلسطينية، التي تم تأسيسها لتكون نواة للدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967، من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، في ظل حصار شبه شامل تفرضه أطراف متعددة.
تلاقي المصالح بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين وجماعات فلسطينية مسلحة حول تقويض سلطة القيادة الفلسطينية عبر فرض قيود خانقة دبلوماسيًا، وأمنيًا، وماليًا، مع زعزعة الاستقرار في المناطق التي تديرها السلطة.
تتصاعد عمليات الاستيطان بالضفة الغربية بشكل واضح، مصحوبة بالتوسع في الهجمات المسلحة من قبل المستوطنين، الذين تتماشى جرائمهم مع أهداف جماعات مسلحة تنشط في المخيمات لإرباك السلطة، وتوسيع حالة الفوضى.
يركز اللاعبون في الداخل على استغلال حالة انشغال القوى الإقليمية والدولية بملفات أخرى، مما يتيح للجميع العمل دون ضغوط خارجية لتنفيذ الجزء الأخطر من مخطط تدمير السلطة، تمهيدًا لتفكيك «منظمة التحرير» لاحقًا.
اقتصاديًا، لا تنكر وزارة المالية الفلسطينية الأثر الكارثي لاحتجاز إسرائيل عائدات الضرائب، حيث تدرك إسرائيل أن هذه الأموال تمثل شريان الحياة للسلطة، وأن احتجازها سيؤدي إلى انهيار بنيتها التحتية، ويعرقل تقديم الخدمات الأساسية.
إقليميًا ودوليًا، تستفيد إسرائيل من الدعم المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع الضغوط الأوروبية، في العمل بشكل ممنهج على إضعاف السلطة، وإبقاء الفلسطينيين في حالة اعتماد دائم على إسرائيل ومنع قيام دولة مستقلة.
خارجيًا، الحكومة الإسرائيلية اليمينية، التي تضم مستوطنين متطرفين، تتبنى سياسات تهدف إلى تقويض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة، خاصة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، لتعزيز هذه السياسات.
تقارير منظمات حقوقية دولية تشير إلى أن إسرائيل لم تكتفِ فقط بفرض حصار اقتصادي، حيث وثّقت منظمات عدة الانتهاكات الإسرائيلية الموجهة بشكل مباشر نحو إضعاف السلطة، مثل هدم المنشآت الممولة دوليًا ومصادرة الأراضي.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا اليوم يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون 12 شهرًا، استنادًا إلى فتوى محكمة العدل الدولية، التي أكدت في يوليو الماضي أن «وجود إسرائيل غير قانوني».
وقالت منظمة العفو الدولية: «يعاني الفلسطينيون من ظروف قاسية نتيجة للحصار والعمليات العسكرية المستمرة، والتصعيد الممنهج في الاعتقالات والقتل والتعذيب، والانتهاكات من المستوطنين تُشكل تهديدًا مستمرًا على الحياة اليومية للفلسطينيين».
تتعمد أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية عرقلة الانتخابات الفلسطينية ومنع حرية الحركة لمسئولي السلطة، التي لم تعد تحظى (لأسباب متباينة) بإجماع عربي، كما كان في السابق، في ظل صراعات الداخل الفلسطيني، واتفاقات جديدة مع إسرائيل.
عواصم إقليمية تسعى لإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية حتى تتوافق مع مصالحها، وتؤكد شخصيات مؤثرة في السلطة الفلسطينية أن «ما يحدث يهدد بتقويض شرعية السلطة، وقد يؤدي إلى فراغ أمني وسياسي تستغله جماعات متشددة».
تسعى إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها الأمنية والسياسية على الضفة الغربية، كما أن جماعات فلسطينية مسلحة تحاول استغلال ضعف السلطة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وإقليمية، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
توظف الأطراف المعادية للسلطة تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، لتوسيع عزلها عن القاعدة الشعبية في الضفة الغربية، ما يخلق بيئة عدائية تعيق قدرة السلطة على فرض السيطرة.
لا تنكر قيادات فلسطينية أن «سعي إسرائيل لإعادة رسم المشهد الفلسطيني الداخلي عبر توظيف الانقسامات، واستغلالها لصالحها، وأن جماعات مسلحة تعمل خارج إطار السلطة تقدم لإسرائيل ذريعة مثالية لتصعيد عملياتها، وقضم المزيد من الأراضي».
إنسانيًّا، يدفع الشعب الفلسطيني الثمن الأكبر لهذه الأزمات، خاصة الحصار السياسي والاقتصادي، وباتت الخدمات الأساسية من الناحية المعيشية، والصحية، والتعليمية شبه منهارة.
يتحدث فلسطينيون من محافظة نابلس عن «شعور دائم بالخوف من المستقبل»، وآخرون من مدينة رام الله: «لم نعد نثق بأي جهة، الجميع يتصارع على حسابنا»، بينما المخيمات كـ«جنين» باتت ساحة خلفية لصراع يستهدف الوقيعة بين السلطة والفصائل.
تتعدد مظاهر المشهد المعقد الذي يحيط بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وتورط أطرافه الداخلية والخارجية، وأهداف ودوافع كل طرف، ما يؤكد أن ما يحدث في الضفة ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل تغيير جذري في هيكلية الحكم الفلسطيني.
وإلى جانب التحذير مما ينتظر السلطة الفلسطينية، تظل استعادة الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب، وتعزيز الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية المشروعة، خطوات أساسية في مواجهة التحالفات الخفية والتواطؤ غير المباشر بين الأطراف المتآمرة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: رام الله جماعات مسلحة نابلس المستوطنين طولكرم الجدار الحديدي الانقسام الفلسطيني السلطة الفلسطینیة الجدار الحدیدی الضفة الغربیة فی مناطق
إقرأ أيضاً:
عشر غايات إسرائيلية من حملة السور الحديدي على الضفة
بعد يومين من التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، وتحديدا في 21 يناير الماضي، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية عدوانية مكثّفة في شمال الضفة الغربية، سمتها “السور الحديدي”، استهدفت جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها وقراها المجاورة.
واندفعت قوات جيش الاحتلال، امتثالا لقرار سياسي اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع صفقة التبادل والهدنة المؤقتة، لتعويض حلفائه في اليمين المتطرّف واسترضائهم بتنفيذ مبتغاهم في الضفة.
وجاءت تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، حول عدم السماح للمهجّرين بالعودة، لتثبت أن الهجوم الواسع، لا ينحصر في استهداف المقاومة، وهو موجّه لإفراغ مخيمات اللاجئين من السكّان. وقد احتفل المستوطنون وأحزابهم بهذا الحدث، وأظهرت الاستطلاعات الأخيرة تجاوز حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش نسبة الحسم من جديد، بعدما كان يراوغ تحتها على مدى أشهر طويلة.
ويبدو أن بقاء حكومة نتنياهو لم يعد يتعلق بعدم التوصل إلى هدنة دائمة في غزة، بل أصبح متعلقا أيضا بمواصلة حملة “السور الحديدي” لمدة طويلة، قد تصل إلى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.
وجاء توقيت الحملة الإسرائيلية يوما واحدا بعد مراسيم تسلّم ترامب مفاتيح الحكم في الولايات المتحدة، ما سهّل على إسرائيل الانفلات بلا كوابح وبلا ضوابط، وحتى بلا “نصائح”، تبعا لموقف ترامب “ليفعل نتنياهو ما يراه مناسبا”، ما يعني تشجيع العدوان.
وبالفعل لم نسمع من الإدارة الأمريكية أي موقف رسمي بشأن اجتياح جيش الاحتلال لشمال الضفة الغربية، وما خرج منها كان باتجاه دعم الاستيطان والمستوطنين. ويمكن القول إن إسرائيل تشعر بأن لديها حرية الحركة بلا رقيب ولا حسيب، وبلا روادع في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط، وضعف المؤسسات القانونية والسياسية الدولية، والهوان العربي والانقسام الفلسطيني.
وعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي هناك غياب للمعارضة وللاحتجاج، وتُسمع من الحين إلى الآخر بعض التحفظّات والانتقادات، من قبل كتّاب صحافيين، تحمل تحذيرات بأن “الضغط المبالغ به” على الأهالي في الضفة الغربية سيؤدّي إلى انفجار الأوضاع، وإلى إصابة أعداد كبيرة من الفلسطينيين ومن الإسرائيليين أيضا، وتوقّع آخرون، أن يسفر التغوّل الإسرائيلي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة مسلّحة في الضفة الغربية، مشيرين إلى وجود كميات كبيرة من الأسلحة عند التنظيمات الفلسطينية.
يجري الحديث في إسرائيل عن مواجهة على سبع جبهات وهي الضفة وغزة وإيران ولبنان واليمن وسوريا والعراق. ولعل أهم هذه الجبهات بالنسبة لكيان وهوية الدولة الصهيونية هي الضفة، التي تشمل القدس وما يسمّى “يهودا والسامرة – قلب أرض إسرائيل التاريخية”. والضفة، بنظر اليمين في إسرائيل، هي في مركز “الوطن القومي اليهودي”، الذي وعد به “الرب” وبلفور وأخيرا ترامب، وحتّى اليسار الصهيوني، فهو يقبل بالانسحاب من أجزاء منها، ليسوّغ ذلك بالاستعداد للتنازل عن “أجزاء من الوطن في سبيل السلام والمحافظة على الدولة اليهودية”.
عشر غايات
من الصعب تتبع الأسباب الكامنة خلف قرارات وسلوك نتنياهو، الذي هو الآمر الناهي في الدولة الصهيونية، ولكن غاياته أوضح. في كل الأحوال، هو يسارع دائما إلى تحويل الأسباب إلى غايات، ويلقي مآربه الشخصية في سلّة غايات الدولة، لتصبح على أرض الواقع جزءا لا يتجزّأ من استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية.
الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية في الضفة الغربية هي الأعنف والأوسع منذ الانتفاضة الثانية، انطلقت بطاقة الجري نحو الأهداف أكثر من “الدفش” بقوّة الدوافع والأسباب. هي ليست ردّة فعل فورية على حدث ما، بل هي جزء من توجّه عام يقوم على هجران الحل السلمي وحتى عن ذكره، وعلى الانتقال من استراتيجية إدارة الصراع إلى السعي إلى حسمه في غزّة وفي الضفة في آنٍ واحد.
ويمكن تلخيص الغايات الإسرائيلية من حملة “السور الحديدي” على الضفة، بعشر غايات مركزية، تبدو أنّها بوصلة المقاربات السياسية والأمنية الإسرائيلية:
لم يعد التهجير من الضفة فكرة، بل بات سياسة ممنهجة ورسمية، من المفروض أن تثير قلقا شديدا في الأردن وتستوجب ردا عربيا وفلسطينيا قويا
أولا، سياسة الإبادة السياسية وتهميش السلطة: تسعى إسرائيل – نتنياهو (هذه في الواقع هي الذات الإسرائيلية الوحيدة الفاعلة) إلى إبادة البعد السياسي للوجود الفلسطيني، حتى تبقى “أرض إسرائيل” ملكا لشعب إسرائيل حصريا، بلا تقسيم أو شراكة، وإذ يصرخ بعض معارضي نتنياهو بأن صور الدمار والتهجير تُضعف السلطة الفلسطينية، يرد أنصاره بأن هذا هو الهدف المنشود. واستكمالا لما تفرضه من حصار على السلطة ومن كبت لدورها ومن تحطيم لمكانتها، طلبت إسرائيل من إدارة ترامب تصفير العلاقة بها. الغريب أن مسؤولين فلسطينيين رسميين يشعرون بالمسرّة لأن ترامب لا يذكر ولا يتطرق للسلطة، ويتوهمون أن هذا يبقي الباب مفتوحا لتجديد العلاقات مع واشنطن. الحقيقة أن هذا هو الموقف الأصعب، فمن له علاقة بالولايات المتحدة يكون عنده (حتى لو لا يعجبنا ذلك) قنوات وبعض الإمكانيات، ومن هو ضدها يجد الكثير من الحلفاء وتفتح أمامه أبواب أخرى. أما الذي “لا يخطر ببال واشنطن” وينتظر عطفها ولا يفعل شيئا، فهو في حالة ذبول سياسي، يغري إسرائيل بالمضي في مشروع الإبادة السياسية.
ثانيا، تفكيك قضية اللاجئين: تدعي إسرائيل بأن مخيمات الضفة هي “أوكار للإرهاب”، وقامت في حملتها الحالية باستهدافها وبتدمير مئات المنازل والمنشآت وبتجريف الشوارع وقطع الكهرباء والاتصالات والمياه عنها. لكن، لا يمكن اختزال ما تقوم به إسرائيل من تدمير لمخيمات اللاجئين بالاعتبارات الأمنية فقط، بل لها أهداف سياسية معلنة وهي، تصفية قضية اللاجئين ومحاولة القضاء على حالة اللجوء، بتفكيك المخيمات وتدميرها وباستهداف منظمة غوث اللاجئين ـ الأونروا، لارتباطها بإبقاء قضية اللاجئين حيّة.
ثالثا، تطبيع التهجير: بعد السابع من أكتوبر، وبالأكثر بعد تصريحات ترامب، أصبح التهجير ركنا أساسيا في السياسة الإسرائيلية، بعد تنزيله من رف غير الممكن، إلى طاولة جلسات التخطيط واتخاذ القرار. وبعد التهجير القسري لحوالي 42 ألف فلسطيني من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم، صرّح وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس بأن جيشه لن يسمح لهم بالعودة لسنة واحدة على الأقل. لم يعد التهجير من الضفة فكرة، بل بات سياسة ممنهجة ورسمية، من المفروض أن تثير قلقا شديدا في الأردن وتستوجب ردا عربيا وفلسطينيا قويا.
رابعا، جز العشب: هذه استراتيجية إسرائيلية معروفة وقديمة، لكنّها أصبحت ذات أولوية أكبر بعد السابع من أكتوبر، تبعا لنقل مركز الثقل في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي من الردع إلى المنع. وعليه فإن أحد أهم غايات حملة “السور الحديدي” هي السعي للقضاء على الإمكانيات البشرية والمادية والمعنوية للتنظيمات العسكرية الفلسطينية، بالأخص في شمال الضفة الغربية وتقليص وجودها وقدرتها على مقارعة الاحتلال.
خامسا، كي الوعي: تتميّز وحشية حملة “السور الحديدي” بأنّها ليست محكومة بتفريغ الغضب وبالرغبة في الثأر والانتقام، وهي تندرج ضمن مفهوم “العنف العقلاني” الهادف إلى كي الوعي الفلسطيني، لزرع الفكرة بأن من يعتدي على إسرائيل أو يفكّر بذلك، يدفع ثمنا لن ينساه.
سادسا، التجهيز للضم: شهية اليمين الإسرائيلي مفتوحة على التوافق مع ترامب على السماح لإسرائيل بتنفيذ مشروع ضم الضفة أو أجزاء كبيرة منها إلى إسرائيل. وهناك من يعتقد في إسرائيل بأن توسيع رقعة الانتشار والوجد الدائم للجيش الإسرائيلي يفضي إلى توسيع مساحة الضم.
سابعا، توسيع الاستيطان: تعتبر منطقة شمال الضفة، حاليا، مركز الثقل في مشروع التوسع الاستيطاني، ويدعي وزير المالية سموتريتش بأن سبب “الانفلات الأمني” في شمال الضفة الغربية هو “قلة المستوطنات”، وهناك مخطط لزرع عشرات المستوطنات فيها. العملية العسكرية الحالية تهدف أيضا إلى توفير بيئة داعمة للاستيطان في محيط جنين وطولكرم وطوباس ومناطق أخرى.
ثامنا، تأليب الشعب: تستهدف إسرائيل المدنيين عمدا، حتى يضغطوا على المقاتلين، لذا نرى كل هذا الدمار الهائل وكل هذا التهجير. هذه سياسة قديمة، وإسرائيل حين ترتكب جرائم من نوع جديد، لا تتنازل عن جرائمها التي أدمنت عليها.
تاسعا، تحويل ألف إلى باء: وفق اتفاق أوسلو، تخضع منطقة “أ” إلى سلطة أمنية وإدارية فلسطينية، وإسرائيل تواصل في حملتها الحالية قضم أجزاء منها وتحوّلها عمليا إلى منطقة “ب”، التي يسيطر عليها جيش الاحتلال أمنيا وتديرها السلطة مدنيا. وتجري الأجهزة الأمنية، في خضم المعارك، اتصالات مباشرة بممثلي البلديات والمجالس القروية بشأن قضايا مدنية.
عاشرا، إرضاء اليمين: هدفت حملة “السور الحديدي” فيما هدفت إلى استرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف، الذي شعر ببعض الإحباط من وقف إطلاق النار في غزّة، فسارع نتنياهو إلى تعويضه بحرب على الضفة، ليضمن بقاء حكومته واستمرار حملات العدوان الإجرامية ومواصلة سياسة “إطلاق النار في كل الاتجاهات “، التي يتبعها.
ما جرى ويجري في غزة والضفة والقدس يضع القيادة الفلسطينية أمام مفترق تاريخي: فإمّا الوحدة الوطنية وتفعيل النضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة بطاقات مجددة، وحشد المساندة العربية والدعم الدولي، أو الإبقاء على الانقسام والانحدار نحو متاهات المزيد التشرذم والضعف. في كل الأحوال شعب فلسطين يستحق قيادة وطنية موحّدة تعرف ما تريد ولا تحيد عن درب الحرية والاستقلال.