بين التولي لله والتولي لأمريكا
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
مقالات:
بقلم/ هاشم أحمد شرف الدين
لم تُخفِ كلمةُ قائدِ الثورةِ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي (يحفظه الله) بمناسبةِ الذكرى السنويةِ لاستشهادِ أخيهِ مؤسسِ المسيرةِ القرآنيةِ الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) القلقَ نفسَهُ الذي أبداهُ أخوهُ على أمةٍ غارقةٍ في سُباتٍ عميقٍ، بينما تُحاكُ ضدَها أكبرُ المؤامرات، وتُدبَّرُ لها أخطرُ المكائد.
فقد شخّصَ قائدُ الثورةِ بِدِقَّةٍ مُذهلةٍ، تلكَ «الإشكاليةَ» التي تُعاني منها الأمةُ العربيةُ والإسلاميةُ، ألا وهي حالةُ الجمودِ تجاهَ المخاطر، مُتتبّعاً نشأتها وتطورها عبر مراحل تاريخية، بدءاً مِن الغفلةِ عن المشروعِ الصهيوني، مروراً بمرحلةِ ما بعدَ أحداثِ 2001م، وصولاً إلى حالةِ التطبيعِ المُعلَنةِ مع العدو.
ولم يكتفِ قائدُ الثورةِ بتشخيصِ المرض، بل سعى إلى استجلاءِ أسبابِه، مُرجِعاً إياها إلى التولي لأمريكا وإسرائيل بدلاً من التولي للهِ سبحانه وتعالى، وإلى التخلي عن القرآنِ الكريم، مُشيراً إلى تنصّلِ الأمةِ عن دورِها في حَملِ مسؤوليةِ الدفاعِ عن الخيرِ ومواجهةِ الشر على مستوى البَشرية.
وقد بيّنَ قائدُ الثورةِ ظواهرَ هذا الجمود: مِن جمودٍ تجاه المخاطر، وتفرّجٍ تجاه الكوارث، وتفريطٍ في المسؤولية، وضَلالٍ يُعيقُ تمييزَ العدو الحقيقي. ولم يقف عند هذا الحد، بل قدّمَ العلاجَ، متمثلاً بالتولي لله تعالى والتمسك بالقرآن الكريم وما وردَ على لسانِ النبي واتباعِ المشروعِ القرآني الذي يستنْهِضُ الهِممَ، ويُعيدُ ضبطَ مواقفِ الأمةِ وفقَ الضوابطِ الإلهية.
وقد أبرزَ قائدُ الثورةِ بوضوحٍ، نتائجَ استخدامِ هذا العلاج أو إهمالِه، مُشدّداً على ضمانةِ المستقبلِ لِمَن يتولى الله، وخسارةِ الدنيا والآخرةِ لمن يتولى أمريكا. وختمَ حديثَهُ – عن الإشكاليةِ هذهِ – بذكرِ النتائجِ الحَتمية، مُؤكّداً على استمرارِ دورِ الأمةِ ونُورِ الحقِ، وعلى الاستبدالِ الإلهي، والنصرِ المحتومِ للمستجيبين لله تعالى، والفشلِ المحتومِ لأهلِ الكتاب، وخسارةِ أبناءِ الأمةِ غيرِ المستجيبين.
إنّ في هذه الكلمةِ ما يُبرِزُ دورَ أعلامِ الهُدى في توعيةِ الأمةِ بأمورِها وواجباتِها ومسؤولياتِها، فقد كانت كلمةً مَنحتنا فهماً دقيقاً للمَشهَد، وتشخيصاً مُحكَماً للمشكلة، وتقديمَ علاجٍ شاملٍ، يُشبهُ ما يُقدّمهُ الطبيبُ الماهرُ لمرضاه. وكان فيها قائدُ الثورةِ مُنذراً ومُنَبِّهاً، مُحذّراً ومُرشِداً في آنٍ واحد، وهذا يُعزّزُ ما يُشهَدُ لهُ مِن حِكْمَتِهِ ورؤيتهِ الثاقبةِ.
وفي ختامِ هذهِ القراءةِ المُوجزةِ لأزمةِ الأمةِ كما شخّصَها قائدُ الثورة، لا يَسعنا إلا أن نُشيرَ إلى الوَقعِ الخاصِ لكلمةِ الذكرى في كل عام، فلطالما تُشعِرُنا أكثر: أنَ الشهيدَ القائدَ كأنّهُ بينَنا لم يُفارِقنا بَعـد، يستنهضُ هِممَ العربِ والمسلمين أجمعين، بلغةٍ مُشفِقَة، تُلامسُ القلوبَ وتُحرّكُ الضمائرَ، يُذكّرُنا بِوَعدِ النصرِ المَحتوم، ويُلهمُنا بِصُمودِ الأبطال.
فسلامٌ على السيدِ القائدِ وأخيهِ القائدِ الشهيد
وعلى كافةِ المستجيبين، ورحمةُ الله وبركاته..
* وزير الإعلام في حكومة التغيير والبناء
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
التوحُّش لن يحقق لأمريكا أهدافها
ميناء رأس عيسى والمنشآت النفطية فيه، بنية تحتية خدمية، وهذا معروف للقاصي والداني، ومع ذلك تتفاخر ما تُسمى بالقيادة الأمريكية الوسطى أنها استهدفت هذه المنشأة وتحاول أن تقدّم صورة إنجاز سوف يرتد على هذه الإمبراطورية وعلى كيان الصهاينة في المدى القصير والمتوسط والطويل..
الأهم أن تصريحات القيادة الوسطى تعترف بأنها استهدفت منشأة اقتصادية مدنية للإضرار بالشعب اليمني والأحرار من أبنائه الصامدين المواجهين انتصاراً لغزة وأبنائها وفلسطين والمقدسات فيها؛ في حين أن طائرات وقاذفات من نوع شبح تمارس وحشيتها وهمجيتها على الشعب اليمني من أجل حماية كيان الصهاينة ولن تحميه.. والاعتقاد أن غزة واليمن في هذه المواجهة وحيدان لن يحقق نصراً بل يعمّق الهزيمة لهذه الامبراطورية التي قامت على التوحُّش، ويسرّع من انكشاف الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب الأطلسي؛ وكلما أوغروا في الدم اليمني والفلسطيني كان الثمن الذي سيدفعونه أكبر؛ وكل السرديات الصهيونية والأمريكية لم يعد لها معنى..
ترامب يستدعي نتنياهو على عجل لمناقشة ملفات حملها النازي الصهيوني رئيس حكومة الكيان لمواصلة مخططاتهم وإعادة توزيع الأدوار؛ في حين أن الإعلام الأعرابي العبري كان يتحدث عن المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وتأجيل الحرب على طهران واستهداف منشآتها النووية، لتأتي القنوات الإعلامية الصهيونية وتعطي إشارات حول حقيقة ما دار..
في هذا السياق، علينا أن لا نغفل تريليونات أنظمة البترودولار التي قدمتها بشكل صريح السعودية والإمارات، وبشكل خفي بعض الأنظمة الخليجية تحت غطاء استثمارات، بينما هي بالحقيقة لتمويل حروب كيان العدو الصهيوني وأمريكا، ونَـفْـيُـهم أنهم غير متورطين بالحرب الأمريكية على اليمن تأكيدٌ حسب قوانين المنطق وتفسّره تحرُّكات المسئولين السعوديين والإماراتيين والاستقبالات لمسئولين أمريكيين وغربيين وصهاينة، واصطحاب وزير الدفاع السعودي بمن يُسمى سفير المملكة في اليمن هو مؤشر إضافي لِما ذهبنا إليه، ولا فرق إنْ كانت هذه الزيارات لواشنطن أو طهران..
بعد زيارة بن سلمان الصغير لأمريكا تصاعدت الهجمات الوحشية على اليمن، وأصبحت الشراكة السعودية والإماراتية واضحة فيها، واستهداف المنشآت المدنية والمدنيين يبيّن الدور السعودي والإماراتي وقيادة أمريكا له طوال السنوات الماضية، ولا يمكن فصله عن مخططات تأمين الكيان الصهيوني وتمكينه ليكون وكيلاً حصرياً للإمبريالية الأمريكية ليتفرغ لما هو أكبر، ونقصد هنا بدرجة رئيسية مواجهة الصين وحرب الرسوم الجمركية الأمريكية التي هي ظاهرياً على الأعداء والأصدقاء، وفي جوهرها تستهدف الصين، وهُزِمت فيها أمريكا قبل أن تبدأ..
رَدُّ اليمن -قيادةً وشعباً- على جريمة رأس عيسى جاء سريعاً ومن ميدان السبعين، ولعل إعلان البيان العسكري باستهداف الكيان الصهيوني في عُمقه وضرب حاملات الطائرات القديمة "ترومان" والحديثة "فينسون" في البحرين الأحمر والعربي، وإسقاط الطائرة الـ20 المُسيَّرة "إم كيو-9"، يعبّر عن وعي هذا الشعب وتمسُّكه بموقفه وصحة وصوابية هذا الموقف الذي جعل أمريكا تتخبط وتلجأ إلى المجازر مكرّرةً ما تعرَّض له الشعب اليمني طوال السنوات العشر الماضية، وما تعرَّض ويتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة.. واستهداف المنقذين والمسعفين في رأس عيسى يبيّن أن الأمريكي والصهيوني والسعودي والإماراتي ومن يدور في فلكهم هم شيء واحد، وأن التوحُّش والإرهاب صناعة أمريكية تعكس طبيعة هزيمتها من فيتنام، مروراً بأفغانستان والعراق، وصولاً إلى اليمن.. ويبقى التذكير بأن ثمن المواجهة والتصدّي لهذا الإجرام والتوحُّش أقل بما لا يقارَن بثمن الاستسلام لأولئك البُغاة المنحطين عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإنسانياً.