شحّ المتساقطات يهدد لبنان: الزراعة والطاقة في خطر
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
"صيف آخر"... بهذه الكلمات البسيطة والمعبّرة، يلخص المزارعون في لبنان واقع موسم الشتاء الحالي، الذي لم يجلب خيراته بعد. فقد بدا شهر كانون الثاني جافاً وقاسياً، تاركاً خلفه آمالاً معلقة على تغير الأحوال الجوية في الأسابيع المقبلة. وفي وقت تتضاءل فيه كميات الأمطار المتساقطة بشكل غير مسبوق، تعيش الأراضي الزراعية والجداول والأنهار حالة من العطش، وسط تساؤلات حول مستقبل هذا الموسم الزراعي الحيوي الذي يعوّل عليه اللبنانيون لتأمين جزء كبير من أمنهم الغذائي.
تشير الإحصاءات إلى أنّ كميات المتساقطات لهذا الموسم لا تزال شحيحة، إذ تتراوح بين 240 و250 ملمترا فقط، في حين أنّها كان يُفترض أن تبلغ في هذه الفترة من السنة حوالي 400 ملمتر على الأقل. والأدهى من ذلك، أنّ العام الماضي شهد كميات أمطار قاربت 700 ملمتر في نفس الفترة، ما يعكس التراجع المقلق في معدلات الأمطار هذا الموسم. ووفقاً لخبراء تحدثوا إلى "لبنان24"، فإنّ المنخفضات الجوية الفعّالة ما زالت تتمركز فوق الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، خصوصاً جنوب إيطاليا وفوق تونس، وهي مناطق غالباً ما كانت تشهد مرور هذه المنخفضات باتجاه لبنان خلال شهر كانون الثاني. ومع اقتراب انتهاء هذا الشهر دون بوادر لتحسن الوضع، يبقى الأمل معقوداً على شهر شباط، لعلّه يحمل معه الخير ويعوض بعضاً من الخسائر التي خلفها تأخر الأمطار.
وعليه، يحذّر الخبراء في هذا السياق من نقطة أساسية، ألا وهي تغيّر أنماط الطقس في لبنان، إذ إنّ النماذج الحالية تؤشّر إلى أزمة كبيرة قد لا نواجهها هذا العام فقط، إنّما من المحتمل أن تحوّل لبنان إلى بلد يفتقر إلى الأمن المائي، خاصة مع سيطرة إسرائيل على مناطق استراتيجية في جبل الشيخ مؤخرًا، حيث بات لديها المقدرة على أن تقطع عن لبنان مصدرا أساسيا للمياه، هذا عدا عن الدراسات التي تؤكّد أن سنوات الجفاف في لبنان بدأت تشهد معدلات مرتفعة منذ خمسينيات القرن الماضي، خاصة مع التغير المناخي، الذي كان للبنان النصيب الأكبر، وقد تجلى ذلك بشكل واضح من خلال ارتفاع معدلات الحرارة في لبنان نتيجة لظاهرة الإحتباس الحراري.
وسواء وصلت منخفضات بعد كانون الثاني أم لم تصل، يؤكّد الخبراء أنّها لن تكون قادرة على تعويض خسائر عدم هطول الأمطار، خاصةً وأن مصروف المياه سيختلف حاليا، مع عودة الجنوبيين إلى أراضيهم، والبدء بالتحضير للمواسم الزراعية، إلا أن منظومة المنخفضات الجوية لا تزال بعيدة، وامتلاء الأنهار والبحيرات قد يكون ضربا من الخيال، طالما أن لا منخفضات مؤثّرة قد تصل خلال الاسابيع القليلة المقبلة. وعلى سبيل المثال تعاني بحيرة القرعون من أزمة مياه طاحنة، دفعت ثمنها ملايين الدولارات، ففي وقت كان يجب أن يكون معدل المياه في البحيرة في هذا الوقت من السنة 100 مليون ملمترا مكعبا، لم تتخط نسبة المياه 23 مليون ملمترا مكعبا، وهذه النسبة من المياه، تعني تلقائيا تراجع القدرة على إنتاج الكهرباء من البحيرة، وبحسب الأرقام فإنّ القدرة ستنفض إلى أكثر من 45%، وهو ما يقدر بأكثر من 26 مليون دولار، وهذا الامر يشمل في طبيعة الحال الخسارة التي ستتكبدها كهرباء لبنان، إذ بسبب النقص الناجم عن الطاقة الكهرومائية بسبب شح الأمطار، فإنّها ستكون مضطرة إلى الذهاب نحو خيار المعامل الحرارية، ما يعني ارتفاع سعر الكيلواط بشكل مباشر، والذي سيرتد على شكل خسائر.
في ظل هذا المشهد المقلق، يبدو أنّ حلول أزمة المتساقطات تحتاج إلى أكثر من دعاء المزارعين. إذ بات من الضروري وضع استراتيجية وطنية مستدامة لإدارة الموارد المائية، ومواجهة التحديات المناخية المتزايدة. ويبقى السؤال، هل يستطيع شباط أن يعوّض ما خسره لبنان في الشتاء، أم أنّ الأزمة ستستمر لتترك بصمة جديدة على صفحات معاناة البلاد؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد الأخضر حجر الزاوية في العلاقات الدولية
د. طارق عشيري **
لعل انشغال البعض بالأحداث السياسية المعتادة يجعلهم لا ينتبهون إلى صراعات قد تبدو في الأفق خاصة في الدول النامية التي يسعى البعض منها لترتيب أبسط مقومات الحياة؛ بينما هناك دول تسعى إلى السيطرة على موارد الطاقة وتضع من الدراسات ما يؤمِّن مستقبلها، وتنفق على البحوث والدراسات الملايين، بل وتضع من الاحترازات الكفيلة بما بحقق رضا شعوبها. وهنا ياتي دورنا في لفت الانتباه لما يجري في العالم من تسابق محموم حول موارد الطاقة والمياه والغذاء وخاصة على صعيد (الصراع حول المياه العذبة) أو في (مستقبليات الاقتصاد الأخضر).
ونؤكد أن العالم اليوم وغدا سيشهد تحولًا غير مسبوق في العلاقة بين المناخ والطاقة والسياسة الدولية، حيث باتت التغيرات المناخية واحدة من أبرز القضايا التي تؤثر في صياغة التوجهات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الكوارث الطبيعية، يتزايد الضغط على الدول لتبني استراتيجيات مستدامة للطاقة، مما أعاد تشكيل التحالفات الدولية وأولويات الأمن القومي.
وفي هذا السياق، لم تعد مصادر الطاقة التقليدية وحدها محور النزاعات والتنافس، بل أصبحت تقنيات الطاقة النظيفة والموارد النادرة اللازمة لها ميدانًا جديدًا للصراع والتعاون على حد سواء.
إن فهم تأثير المناخ والطاقة على السياسة العالمية يفتح نافذة على مستقبل مليء بالتحديات، ولكنه يحمل أيضًا فرصًا لإعادة تشكيل العالم نحو نظام أكثر استدامة وعدالة.
ويشهد العالم تحولًا جذريًا في العلاقة بين المناخ والطاقة، حيث أصبحت هذه القضايا محورًا رئيسًا للتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. ومع تصاعد تأثيرات تغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية المتزايدة، أصبح من الواضح أن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية لم يعد مستدامًا، مما دفع الدول إلى البحث عن بدائل نظيفة وفعالة لتلبية احتياجاتها.
وهذا التحول لم يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل امتد ليُعيد تشكيل خرائط القوة والنفوذ على الساحة الدولية.
واليوم، تتنافس القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، على قيادة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بينما تواجه الدول النامية تحديات معقدة تتعلق بتمويل هذه الانتقالات. وفي الوقت نفسه، أفرزت ندرة الموارد الحيوية للطاقة النظيفة، مثل (الليثيوم) و(الكوبالت)، سباقًا جديدًا للسيطرة على هذه المعادن، مما زاد من حدة التوترات الجيوسياسية.
ومن ناحية أخرى، سوف يتسبب تغير المناخ في أزمات إنسانية متزايدة، مثل الهجرة البيئية وندرة المياه، مما يعزز من احتمالات الصراعات الإقليمية ويدفع بالمجتمع الدولي إلى ضرورة تبني حلول جماعية لمواجهة هذه التحديات.
وفي ظل هذه الديناميكية المتسارعة، باتت السياسات المرتبطة بالمناخ والطاقة تمثل حجر الزاوية في صياغة مستقبل العلاقات الدولية وتحقيق الاستقرار العالمي؛ حيث يشهد العالم مرحلة دقيقة من التغيرات العميقة التي تربط بين المناخ والطاقة والسياسة، فقد أصبحت قضايا البيئة والطاقة النظيفة أكثر من مجرد تحديات علمية أو اقتصادية؛ بل باتت عوامل حاسمة في رسم ملامح العلاقات الدولية وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
ومع اشتداد ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد الكوارث الطبيعية، أصبح من الواضح أن أزمة المناخ ليست تهديدًا مستقبليًا فحسب، بل واقعًا يفرض نفسه على جميع الدول، مهددًا الأمن الغذائي والمائي، وملقيًا بظلاله الثقيلة على استقرار المجتمعات.
وفي هذا الإطار، يتزايد التحول نحو الطاقة المتجددة كضرورة بيئية واستراتيجية، حيث تعيد الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، صياغة سياساتها الداخلية والخارجية لضمان موقعها في السباق العالمي نحو الاقتصاد الأخضر. هذا التحول يفتح أفقًا جديدًا للتنافس على الموارد الحيوية مثل(الليثيوم) و(الكوبالت) الضروريين في صناعة وتكنولوجيا البطاريات والطاقة الشمسية، مما يثير نزاعات جديدة ويدفع بتحالفات غير تقليدية.
وفي المقابل، تعاني الدول النامية من ضغوط مزدوجة، تتمثل في تحمل آثار تغير المناخ من جهة، ومحاولة اللحاق بركب التحول الأخضر من جهة أخرى، وسط تحديات التمويل والتكنولوجيا. وفي الوقت ذاته، تؤدي أزمات الهجرة المناخية والنزاعات على الموارد إلى تصعيد الأوضاع الإقليمية، مما يعزز الحاجة إلى استجابات جماعية واتفاقيات دولية أكثر عدالة وفعالية.
ويبقى القول.. إنَّ العلاقة المتشابكة بين المناخ والطاقة لم تعد مجرد قضية علمية أو اقتصادية؛ بل أصبحت معركة سياسية متعددة الأوجه، تتطلب إرادة دولية حقيقية لإعادة صياغة النظام العالمي بما يضمن التوازن بين التنمية المستدامة والعدالة المناخية، ويؤسس لعالم أكثر استقرارًا وإنصافًا.
** أكاديمي سوداني