د. عبد الرزاق مقّري

حققت حركة الاخوان المسلمين نجاحا كبيرا في ساحات الدعوة إلى الله، وقد أكرمها الله تعالى بأن اختارها لتُرجع الأمة إلى الفهم الصحيح للدين والالتزام العام بالشعائر حتى صنعت صحوة عامة في العالم الإسلامي تحولت إلى ظاهرة اجتماعية تجاوزت الظواهر التنظيمية التي أسستها.



وحين أصبح للحركات الإسلامية ذات الخلفية الإخوانية حواضن اجتماعية واسعة في كل البلدان العربية وكثير من البلدان الإسلامية بات طبيعيا أن تتحول من الحالة الدعوية إلى الحالة السياسية. غير أنه حين وقع لها هذا التحول بعد قرابة مائة سنة من تشكلها أرادت أن تسيّر  شأنها السياسي بنفس خلفيات تسيير الشأن الدعوي، المبني على النصوص الشرعية الموجهة للين والرفق والتسامح والتنازل والطيبة فحسب.

لم تنتبه الحركات الإسلامية بأن العمل السياسي ساحة صراع بلا رحمة مع قوى محلية ودولية ترى فيها نقيضها وتريد محوها من الوجود أو تحجيمها أو تسخيرها لصالحها، وأن هذا الصراع يتطلب حسن استعمال النصوص الشرعية التي توجه للدهاء والحذر  والشجاعة والفداء والإعداد والمواجهة.

اعتمد السواد الأعظم من الإسلاميين، الممثلين للفكر  الراهن للإخوان المسلمين، على انتهاج ما سموه استراتيجية التطمين للنخب الحاكمة محليا وللنظام الدولي خارجيا، واعتمدوا على الدخول المتدرج للمؤسسات الرسمية عبر ما يسمى باستراتيجية المشاركة والمسار الانتخابي، وقدموا تنازلات كبيرة للأنظمة من أجل ما يسمى باستراتيجية المحافظة على المكتسبات، وبعد عقود طويلة من التجربة لا هم طمأنوا من أرادوا تطمينهم، ولا هم توصلوا لمواقع ذات شأن في المؤسسات الرسمية، وما بقي من مكتسباتهم سوى هياكل حزبية ومقرات وأنشطة تحت سقوف محدودة، ووجاهة اجتماعية لبعض قادتهم، ومنافع مادية لآخرين، وعدد محدود من النواب والمنتخبين المحليين، ومشاركات في انتخابات متحكم في نتائجها لن تغير الوضع، ضمن استراتيجياتهم هذه، ولو بقوا يشاركون فيها مائة سنة مقبلة.

لم تنتبه الحركات الإسلامية بأن العمل السياسي ساحة صراع بلا رحمة مع قوى محلية ودولية ترى فيها نقيضها وتريد محوها من الوجود أو تحجيمها أو تسخيرها لصالحها، وأن هذا الصراع يتطلب حسن استعمال النصوص الشرعية التي توجه للدهاء والحذر والشجاعة والفداء والإعداد والمواجهة.وحتى حين حملتهم الشعوب الى مواقع متقدمة في المؤسسات الرسمية بعد ثورات شعبية لم يكن لهم دور في إطلاقها ضيعوا الفرصة بذهنياتهم الإصلاحية الدعوية، فتم استئصال بعض تجاربهم ودخل الرعب في التجارب الأخرى فقبلت التدجين والإدماج والإلحاق بالمنظومات الحاكمة، وبالغت بعض هذه الحركات الإسلامية الاندماجية في إظهار اندماجها حتى تورطت في التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى أن ضعفت وترهلت بعد إنجاز المهمة البائسة، وتطوعت أخرى للدفاع عن السياسات الاستبدادية والانقلابية للأنظمة، بل الوقوف في وجه قوى سياسية أو اجتماعية أخرى معارضة، وبعضها تفنن أكثر من أحزاب الموالاة في تكرار سردية الأنظمة المصمَّمَة لشل إرادة الشعوب كالتخويف من الخارج وتخوين من ينقد قادة الدول من ملوك ورؤساء، كما شارك بعضها في إحباط الحقوق السياسية الثابتة،  حتى المنصوص عليها في المنظومات الدستورية والقانونية، كالاحتجاج الجماعي والمسيرات وغير ذلك
مما سموه لغة الشارع، وكأن الشارع لم يكن في تاريخ النضال السياسي حلبة القادة السياسيين الكبار التي كسروا فيها غرور الظالمين.

كان يجب على هذه الحركات الإسلامية ذات الخبرة الدعوية أن تجدد فكرها وخطابها ومعارفها ومنظوماتها القيادية والإدارية والتربويّة بما يتناسب مع حتمية التجديد الذي تدعو إليه النصوص الشرعية بما يتناسب مع الصيرورة التاريخية لمدة قرن من الزمن، وبدل ذلك استغرقت في اعتماد فكر وخطاب وأدوات المؤسسين السابقين الذين نجحوا نجاحا كبيرا لاحتياجات زمانهم. وكانت نتيجة ذلك أن حل فيها الضعف والتراجع والصراعات والانشقاقات ومغادرة أصحاب الكفاءات وتحول بعضها إلى أجهزة تتحرك ولا تنتج،  همها الأكبر ضبط الشأن  الداخلي في ما يشبه الثكنات العسكرية التي تسيطر  فيها ذهنيات تنظيمية  تقود بوسائل التربيط والتحكم  ولو على حساب الرسالة والرؤية والأهداف الفعلية للتغيير والإصلاح، وهي ذهنيات تشبه إلى حد كبير الذهنية الأمنية للسلطات الحاكمة التي لا يهمها سوى المحافظة على  النظام السياسي ولو على حساب الدولة والمجتمع والتطور والازدهار.

لقد أدى عجز الحركات الإسلامية ذات الخلفية الدعوية الإخوانية  في العبور من مرحلة الصحوة في المجتمع إلى مرحلة النهضة التي تصنعها الدول تَصاعد شعور عام عند الجماهير بأنه لا يمكن التعويل على هذه الحركات في إنهاء ظلم وفساد الأنظمة الحاكمة وقوى النظام الدولي، بل إن قطاعات واسعة من الجماهير باتت تعتقد بأن قادة ورموز هذه الحركات مستفيدة من الوضع القائم، وأنها مكتفية بما تحققه من مصالح لأفرادها في البرلمانات والمجالس المنتخبة والمناصب الرسمية.

ومما زاد في مصاعب هذه الحركات الإسلامية الوديعة والمسالمة الباحثة عن اعتراف القوى الحاكمة المحلية والدولية بها أن مقابل إخفاقاتها السياسية تحققت نجاحات سياسية لقوى إسلامية مسلحة، لم تكن مقبولة ولم يكن يهمها أن يُعترف بها، وصلت إلى الحكم في افغانستان وسوريا، علاوة على ما أحدثه طوفان الأقصى من تحولات عميقة في العقول، خصوصا لدى الشباب، كيف أن فئة قليلة محاصرة تستطيع أن تعجز جيوشا فتّاكة حين يتوفر لديها الإيمان والإرادة والإعداد.

لا يتعلق الأمر بالدعوة إلى التغيير بواسطة السلاح، فليس هذا نهجنا منذ التأسيس، إلا أن يكون ضد الاحتلال كما هو الحال البارحة في الجزائر واليوم في فلسطين. غير أن ثمة مجالات للشدة واسعة في النهج السلمي السياسي، على نحو ما وقع في السنغال إذ تجاوز التيار الشعبي ذو الخلفية الإسلامية  الحركات الإسلامية التقليدية المسالمة وهو اليوم في الحكم، وقد درسنا هذه التجربة في مقال سابق.

لا زلنا ندين العنف والإكراه في العمل السياسي، للوصول للحكم ولكن كذلك للبقاء فيه كما كنا نقول في حركة مجتمع السلم في زمن الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، أي أن العنف مدان من القوى الراغبة للوصول للحكم، ويُدان كذلك استعمال وسائل الشدة والإكراه التي تحتكرها الدولة لتكميم الأفواه وتخويف المنافسين وسجن المعارضين.

ثمة نهج سياسي سلمي يكفي لإنهاء الاستبداد، يتحمل فيه المناضل السياسي المتاعب ويقدم التضحيات في حدود الاستطاعة وهو المقاومة السياسية، التي لا تصادم الأنظمة صداما مباشرا ولكن لا تندمج فيها ولا تساعدها على الاستمرار والبقاء، وهو نهج سياسي يعتمد سياسة الكر والفر، والظهور والكمون، والحذق والحذر والشدة واللين، وقوة الحجة والقدرة على التعبئة والتأثير، من أجل إرهاق الأنظمة الظالمة المتحكمة..إن ثمة مجالات واسعة في العمل السياسي تتيحها الدساتير والقوانين في العديد من الدول العربية تحرم المعارضة الإسلامية التقليدية نفسها منها بغرض إظهار حسن السلوك أمام الأنظمة الاستبدادية، ولن ينفعها ذلك في المحصلة البتة، وإنني لأذكر حوارا بيني وبين زعيم سياسي إسلامي عربي مرموق قلت  له: "لماذا يُتاح لك هامش من الحرية بمقدارٍ ما، وأنت لا تستعمل سوى مقدار أقل من ذلك بكثير" فقال لي: "لا أريد أن نعود للسجون" وفي الأخير عاد هو وأصحابه للسجون، أطلق الله سراحهم وأكرمهم ورفع قدرهم بما بذلوا طول حياتهم، وكان ذلك الشيخُ يظن كذلك أنه بليونته الدائمة وتنازلاته الكبيرة يحمي الديمقراطية ويحافظ على المكتسبات،  فلا الديمقراطية حُفظت ولا المكتسبات بقيت.

إن في مناهج التغيير ثوابت ومتغيرات، ومبادئ ووسائل، والذي يبقى هي الثوابت والمبادئ، ولا يمكن للمتغيرات والوسائل أن تكون دينا متبعا جيلا بعد جيل. أما الثوابت والمبادئ فهي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يكون كفائيا ما أدى إلى  حد إقامة المعروف وإنهاء المنكر، ويظل عينيا ما لم يصل مقدار الجهد المبذول فيه إلى تحقيق ذلك الحد، ولا شك أن أعظم أنواع المعروف والمنكرات منوط بمسائل الحكم المتعدية بالشمول والاتساع في المكان والزمان.

وثمة قاعدة ذهبية بفقه الإنكار يجهلها أو يتجاهلها كثير من الإسلاميين المهادنين، وهي القاعدة التي وضعها  المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع بلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، فالميزان في الإنكار هنا خفي بين المرء وربه لا يطلع عليه غيرهما وهو حد الاستطاعة، فمن فقد نصاب الاستطاعة التي يقدّر حدها الله تعالى فلا حرج عليه، ولكن ثمة حد أدنى لا يُعذر فيه أحد وهو الإنكار بالقلب. إذ يسع الساسة حين تفلت منهم الاستطاعة الفعلية والقولية أن يسكتوا، فإن نطقوا في تبرير منكرات الحكام والدفاع عنهم ومحاربة من ينكر منكراتهم كائنا من كان، فذلك الدليل الملموس على أن قلوبهم لم تصبح  تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، وأن دوافعهم للعمل السياسي ليست ابتغاء مرضاة الله ولا مصلحة أمة وأوطان.

إن ثمة نهج سياسي سلمي يكفي لإنهاء الاستبداد، يتحمل فيه المناضل السياسي المتاعب ويقدم التضحيات في حدود الاستطاعة وهو المقاومة السياسية، التي لا تصادم الأنظمة صداما مباشرا ولكن لا تندمج فيها ولا تساعدها على الاستمرار والبقاء، وهو نهج سياسي يعتمد سياسة الكر والفر، والظهور والكمون، والحذق والحذر والشدة واللين، وقوة الحجة والقدرة على التعبئة والتأثير، من أجل إرهاق الأنظمة الظالمة المتحكمة ضمن مقصد أعلى وهو تغيير موازين القوة بما يؤدي إلى إنهاء الفساد وتحرير البلاد من الاستبداد، حتى تتحرك الكفاءات وتستعمل المقدرات لخدمة الأوطان ونهضة الأمة وتحرير فلسطين. فلا يتعلق الأمر  بنتائج انتخابية تزيد أو تنقص بما لا يؤثر البتة في الموازين، وإنما يتعلق الأمر بما يحقق الإصلاح والتغيير الذي يسمح يوما بالتداول المنشود بعيدا عن ديمقراطيات الواجهة.

قد يقول قائل إن ذلك كلام نظري لا يعتد به، وما هو كذلك، إذ العبرة في القيام بالواجب لا في النتائج، ثم هو منهج مجرب أظهر بدايات نتائجه، فقد جرّبناه في حركة مجتمع السلم لمدة عشر سنوات وحقق ثماره في تحريك الساحة السياسية عبر تحالفات سياسية واجتماعية ثبتت ثلاث  سنوات  ساهمت في توعية الرأي العام وانطلاق الحراك الشعبي الذي رغم إجهاضه سيؤتي ثماره. كما حقق هذا النهج نتائج انتخابية جيدة لصالح الحركة وحافظ على مكتسباتها الاجتماعية وزاد فيها أضعافا، وأخرج جيلا من الشباب  قادر على مواصلة المشوار ومعالجة النكسات الكبرى ومواجهة التحديات الكبار ولو بعد حين، بما يعيد الاعتبار للمكتسبات من أجل استئناف المسيرة، وما ذلك على الله بعزيز فإنه لا يضيع أجر المحسنين، ولا يواجه التحديات الكبار سوى الكبار.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير التجارب سياسة سياسة تجارب اسلاميون مراجعة أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

العنف زاد عن حده.. عصر جديد للإفلات من العقاب بعد إلغاء عقوبات بايدن على المستوطنين بالضفة الغربية.. الحركات العنصرية تنتعش والهجمات تتصاعد مع عودة الملياردير الجمهورى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى الوقت الذى ألقى فيه دونالد ترامب خطاب تنصيبه الثانى فى واشنطن، شن مستوطنون إسرائيليون ملثمون غارة عنيفة على القرى الفلسطينية فى الضفة الغربية، وأشعلوا النار فى المركبات والشركات فى موجة من الدمار، يرى الكثيرون أنها دليل على انتعاش اليمين المتطرف مع قدوم ترامب.
ربما كان توقيت الهجوم، الذى استهدف قريتى الفندق وجينصافوط على طول الطريق ٥٥، مصادفة أو لا. ولكن بالنسبة لسعيد بشير، حارس ليلى فى مستودع محلي، كانت ليلة من الرعب. مختبئًا فى الظلام، شاهد العشرات من المستوطنين يحرقون معدات البناء ويحطمون النوافذ ويرشقون بابه بالحجارة. يتذكر قائلاً: "لقد أحضروا أسطوانة غاز"، واصفًا كيف أشعل المهاجمون النار فى مركز حديقة قريب قبل وصول الشباب الفلسطينيين المحليين، مما أجبرهم على التراجع. إن هذا الارتفاع الأخير فى عنف المستوطنين يأتى فى أعقاب التحرك السريع الذى اتخذه ترامب لرفع العقوبات التى فرضها بايدن على الجماعات الاستيطانية المتطرفة، وهو الأمر التنفيذى الذى صدر فى الوقت الذى كانت فيه أعمال الشغب في جينصافوط تتكشف. وقد تم تفسير القرار على أنه ضوء أخضر للمستوطنين المتطرفين لتصعيد حملتهم من الترهيب والتهجير ضد المجتمعات الفلسطينية.
سياسة تعزيز 
تشير التقارير الواردة من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن تراجع ترامب عن العقوبات كان جزءًا من صفقة أوسع نطاقًا لتأمين وقف إطلاق النار فى غزة قبل تنصيبه. لطالما عارض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف القيود الدولية المفروضة على المستوطنين، وقد قوبل قرار ترامب برفعها بالابتهاج بين حركة المستوطنين.
وتقوم هذه المجموعات، التى تنحدر من مستوطنات مختلفة فى الضفة الغربية، بشن غارات منتظمة على القرى الفلسطينية، وخاصة تلك التى تفتقر إلى وجود أمنى قوي. وغالبًا ما تمر الهجمات، المخططة لترهيب الفلسطينيين وإضعاف المقاومة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، دون أن يلاحظها أحد على الساحة العالمية، حيث تطغى عليها الصراعات الأوسع نطاقًا بين حماس والجيش الإسرائيلي.
ويؤكد المسئولون الفلسطينيون أن مثل هذه الهجمات أصبحت أكثر تنسيقاً واستراتيجية. ففى الفندق، لاحظ السكان أن المستوطنين نظموا "نزهة" غير عادية بالقرب من القرية قبل يوم من الغارة، وهى مهمة استطلاعية واضحة. وفى ليلة الهجوم، وصل حوالى ٧٠ مستوطناً مسلحاً فى سيارات جيب وحافلة، تسبقهم مركبة عسكرية إسرائيلية غادرت قبل بدء العنف. وأظهرت لقطات أمنية من مستودع الحارس الليلى جنوداً إسرائيليين يقفون متفرجين بينما كان المستوطنون يخربون الممتلكات، ولم يتدخلوا إلا عندما وصل القرويون الفلسطينيون لمواجهة الغوغاء.
تمكين الفوضى
إن العنف فى قريتى الفندق وجينصافوط هو جزء من اتجاه أوسع فى الضفة الغربية، حيث الحكم منقسم بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينية. وتقع المناطق الريفية تحت خليط معقد من الاختصاصات القضائية: يقوم الجنود الإسرائيليون بدوريات فى "المنطقة ج"، فى حين تتمتع الشرطة الفلسطينية بسلطة محدودة فى "المنطقة ب". الواقع أن القرى التى تمتد على جانبى هذه المناطق، مثل الفندق وجينصافوط، تعيش فعلياً فى فراغ أمني، حيث لا تتحمل أى من القوتين المسئولية الكاملة.
ويسمح هذا الافتقار الأمنى للمستوطنين المتطرفين بالتصرف فى ظل إفلات كامل من العقاب. وفى بعض الحالات، تأتى أعمال العنف التى يرتكبها المستوطنون فى أعقاب الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين، كما حدث فى إطلاق النار فى السادس من يناير الذى أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين فى المنطقة ج، بينما سلط رئيس مجلس قرية الفندق، لؤى تاين الضوء على الترابط الاقتصادى بين بعض المجتمعات الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية القريبة، مشيراً إلى أن ٩٠٪ من العملاء فى المستودع المستهدف كانوا من المستوطنين الإسرائيليين. ولكن حتى هذه العلاقة الاقتصادية لم تحمى الفلسطينيين من تصعيد الهجمات.
نفوذ سياسى
إن حركة المستوطنين ليست متجانسة. فى حين يعيش ٥٠٠ ألف إسرائيلى فى مستوطنات الضفة الغربية، يشارك جزء ضئيل منهم بنشاط فى الهجمات العنيفة. ومع ذلك، اكتسب هذا الفصيل المتطرف نفوذاً سياسياً كبيراً فى ظل ائتلاف نتنياهو الحالي، الذى يعتمد على وزراء اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير "الذى استقال مؤخراً" وكلاهما من أشد المؤيدين لتوسيع المستوطنات.
دعا سموتريتش، وهو من سكان كيدوميم (مستوطنة فى الضفة الغربية بالقرب من قرية الفندق)، علناً إلى ضم مستوطنات الضفة الغربية بالكامل ووضعها تحت السيطرة المدنية الإسرائيلية. هذه الخطوة، التى يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مقدمة للضم الرسمى للضفة الغربية بأكملها، يعارضها بشدة الفلسطينيون، الذين ينظرون إليها على أنها تهديد وجودى لتطلعاتهم إلى إقامة دولة.
وعلى الصعيد الدولي، تعتبر أغلب الحكومات المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتستشهد بها باعتبارها عقبة رئيسية أمام السلام. ومع ذلك، لم تخف إدارة ترامب موقفها المؤيد للمستوطنين. وشهدت رئاسته الأولى تحول واشنطن بعيدًا عن السياسة الأمريكية التقليدية بشأن الشئون الإسرائيلية الفلسطينية، وتشير عودته إلى السلطة إلى أن المستوطنين سيستمرون فى التمتع بالحماية السياسية على أعلى المستويات.
مزيد من التشريد
بالنسبة للمجتمعات الفلسطينية، فإن الرسالة من واشنطن وتل أبيب واضحة: سيستمر عنف المستوطنين دون رادع. ومع رفع عقوبات بايدن وتمكين قادة اليمين المتطرف الإسرائيلي، يخشى القادة المحليون عصرًا جديدًا من النزوح.
أعرب جلال بشير، رئيس مجلس قرية جينصافوط، عن قلقه المتزايد إزاء التصعيد. وقال: "لقد أزالوا أى عقوبة عن الأشخاص الذين يهاجموننا. وسيزداد الأمر سوءًا، لأن أكبر رجل فى العالم يدعمه".
مع سياسات ترامب التى تعزز التوسع الاستيطاني، يبدو أن الضفة الغربية سوف تشهد المزيد من الاضطرابات. والسؤال الآن هو ما إذا كان المجتمع الدولى سوف يتدخل، أم أن الفلسطينيين سوف يتركون لمواجهة هذه الموجة الجديدة من العدوان وحدهم؟.
 

مقالات مشابهة

  • تعديلات المناهج الدراسية في المرحلة الانتقالية
  • الموافقة على أول رذاذ أنفي لعلاج الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة
  • "قضايا المرأة" تقيم ورشة عمل حول إدماج الصحة الإنجابية بالمناهج الدراسية
  • باحث في الحركات الإسلامية: الجماعة تعيش حالة من العجز والفشل بعد سقوطها السياسي والأخلاقي (حوار)
  • العنف زاد عن حده.. عصر جديد للإفلات من العقاب بعد إلغاء عقوبات بايدن على المستوطنين بالضفة الغربية.. الحركات العنصرية تنتعش والهجمات تتصاعد مع عودة الملياردير الجمهورى
  • سيزار: انتظر اللحظة التي أبدأ فيها مشواري مع الهلال
  • المرة الوحيدة التي اعترف فيها رونالدو بأفضلية ميسي
  • أمريكا: الموافقة على أول رذاذ أنفي لعلاج الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة
  • طلب إحاطة بشأن دراسة جامعة الأزهر لتعريب المناهج الطبية