إسماعيل عبد المعين (1-10): وأي فتىً أضاعوا !!
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
السخرية و(الهقنَبة) والنزوع إلى (التبخيس) في مجتمعنا وفي تراثنا السوداني كثيرة وافرة ومزعجة في أحايين كثيرة..! وكم أضاعت من مواهب وشؤون كان يمكن أن يكون لها أثرها الكبير في شتى مناحي الحياة..! ونظن أن الموسيقار العظيم "اسماعيل عبد المعين" كان من أحد ضحاياها..!
هكذا كان نفرٌ من أهل القطاع الموسيقى والغنائي والثقافي في بلادنا يشيعون السخرية عن صاحبنا عبد المعين وهم لا يدرون (أي فتىً أضاعوا).
لقد واجهت (السخرية السودانية المعهودة) عبد المعين بكل عنفوانها وضراوتها ولم يجد غير أن يواجهها (تكة بتكة) وسخرية بسخرية بل أحياناً بأعنف منها..! هذا هو قدَر المبرّزين في كل فن وضرْب..وقدَر روّاد التغيير..!
وتعود دواعي السخرية والتبخيس إلى الخوف من الجديد التي يتصل بالتنافس و(العائد منه) على حساب السائد..! وفي حالة عبد المعين لا يمكن إغفال حالة الخشية والتوجّس من الجديد الذي أتى به عند عودته للسودان، وبعد أن اكتسب معارف جديدة في عالم الموسيقى، وألواناً مستحدثة من فنونها ومعالجاتها..وقد بدأ هذا النوع من التحامل على عبد المعين حتى من كبار المطربين والموسيقيين في ذلك الحين..!
.لقد حاول بعض معاصريه من المغنين والموسيقيين أن يجعلوا منه أضحوكة؛ فجاراهم (بامتياز) في تبادل الكيد و(الإغاظة) والسخرية..!!
**
كانت الصحافة الفنية حينها تجد رواجاً في إثارة المعارك بينه وبين المطربين والموسيقيين المعارضين له؛ وفي احد هذه المعارك وصف عبد المعين العازفين الموسيقيين التقليديين بالمكوجية (كناية عن تمرير القوس على الكمان بحركة رتيبة مثل فعل المكواة في تطريح الملابس)..! وكان أحياناً يسميهم (الضباحين)..! فهو يشبه تمرير تمري القوس على الأوتار بحركة الذبح (خارج السلخانة).. وربما سماهم (جزّاري الكيري)..!
السر قدور -عليه الرحمة- كان من نجوم الصحافة الفنية حينها؛ وفي إحدى الصفحات الفنية نقل هجوم عبد المعين على الفنانين..حيث ذهب قدور لإجراء حوار معه فوجده في فندق المسرح القومي يتناول إفطاره وأمامه (صحن كبده) ولم يدعوه لمشاركته الإفطار..! فكتب قدور عنواناً مثيراً لذلك الحوار على صدر الصفحة وبالبنط العريض: (إسماعيل عبد المعين يفطر بالكبدة..ويتغدى بجميع العازفين)..!!
**
كانت المجلات والصفحات الفنية حينئذ غاية في النشاط والإثارة..! كتب احد المحررين خبراً قال فيه: (المطربة فلانة تقترب من الزواج بالعازف فلان)..! ووضع علامة تعجّب في نهاية الخبر..! فقام العازف بفتح بلاغ ضد الصحيفة مستنكراً دواعي التعجّب، وكسب القضية وتم تغريم الصحيفة خمسة جنيهات...! كانت طباعة الصحف في ذلك الوقت تتم عن طريق "صف الحروف"..وكان كل حرف يوضع في صندوق منفصل وكذلك علامات الاستفهام والتعجّب..ولمّا كان رئيس التحرير (صعباً في مسألة القروش) أخذ صندوق علامات التعجّب وأغلقه في درج مكتبه..وأصبح عندما يأتي إليه صحفي طالباً "علامة تعجب" يبادره بسؤال استنكاري: (وريني عاوز تتعجّب على إيه)..؟!
**
عبد المعين رمز لا يمكن تجاهله في تاريخ عالم الموسيقى والألحان والأنغام والأداء..والتدوين العلمي- ومحاربة (السليقية) والأمية الموسيقية والشفاهية مقابل التدوين الموسيقي العلمي، وكان يكثر من الحديث عن (التنويت العلمي) وعن (الصولفيج)..وهذا ما أزعج الكثيرين الذين كانوا يتندرون بتلك المصطلحات الرصينة ويسخرون منها هازئين..!
لقد جمع عبد المعين بين النظري والتطبيقي منغمساً طول حياته في الأنغام المحلية والتراث الشعبي المحلي، كما كان محتشداً بالموسيقى والألحان والأنغام..! ولأنه بطبيعته رجل متحفّز لتلقي المعارف الموسيقية العالمية، فقد تلقي العديد من الدراسات حول الموسيقى وكان له العديد من الاجتهادات بين القاهرة ومسارحها ومعهد فؤاد للموسيقى وفي فرنسا وشمال إفريقيا.
لقد كانت له جولات وصولات وفتوحات وحكاوي عجيبة (يقول عبد المعين إنه في معهد الموسيقي العربية بالقاهرة "معهد فؤاد الأول" أعفوه من دراسة "مادة الموشحات" بعدما علموا معرفته بالمقامات والأدوار)..كما إنه اشترك مع الموسيقار المصري الكبير محمد عبدالوهاب في فيلم (متقولش لحد) وقد عرفته مسارح القاهرة وباريس وعرفها..!
ولأنه كان صاحب اهتمام بنشر التدريب العملي والعلمي للموسيقيين المؤدين في بلاده؛ فقد أقام بعد عودته للسودان في الهواء الطلق (تحت شجرة حوش الإذاعة) حلقات لتدريس وتدريب الموسيقيين على الأداء والتدوين العلمي- بجانب سليقتهم المبدعة..بل لقد ساهم بقوة في إنشاء أول معهد سوداني لتطوير الموسيقى ..وسيأتي الحديث عن ذلك..!..!
كان يتحدث عن الصولفيج بعد أن اكتسب علماً وممارسة من (تغريبته) في مصر وفرنسا وغيرها..حديث العارف بطرق الأداء الموسيقى والمقامات والألحان والأصوات وطابعها وجهارتها وطرق كتابة النوتة الموسيقى وإملائها وكتابتها وقراءتها.. والتمييز بين النغمات وتصنيف ألوان الموسيقى وطبيعة التأليف الموسيقى وتوسيع مجالاته (وحتى كيفية الإمساك الصحيح بآلات العزف)..إلخ
لقد كان دأبه الحث على التجويد والتجديد والأخذ بالأسباب العلمية..وهذا مما لا تطيقه طبيعتنا السودانية في كثير من الأحوال (ما دامت الأمور ماشه)..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد المعین
إقرأ أيضاً:
دراما رمضان 2025.. عادل حقي يضع الموسيقى التصويرية لمسلسل «وتقابل حبيب»
وضع الموزع عادل حقي الموسيقي التصويرية لمسلسل «وتقابل حبيب»، بطولة النجمة ياسمين عبد العزيز، والمقرر عرضه ضمن موسم مسلسلات رمضان 2025.
تفاصيل مسلسل وتقابل حبيبومن المقرر عرض مسلسل وتقابل حبيب، خلال ماراثون دراما رمضان 2025، ويضم العمل عددا من نجوم الفن أبرزهم: ياسمين عبد العزيز كريم فهمى، خالد سليم، نيكول سابا، أنوشكا، صلاح عبد الله، حنان سليمان، رشوان توفيق، محمود ياسين جينيور، بدرية طلبة، إيمان السيد، وعدد كبير من الفنانين سيتم الإعلان عنهم الفترة المقبلة.
مسلسل وتقابل حبيبوتعود ياسمين عبد العزيز، في مسلسل «وتقابل حبيب» للتعاون مع السيناريست عمرو محمود ياسين، بعدما حققا نجاحاً سوياً خلال مسلسلي «ونحب تاني ليه» في رمضان 2020 بمشاركة شريف منير وكريم فهمى وسوسن بدر، و«اللى مالوش كبير» في رمضان 2021 بمشاركة أحمد العوضي وخالد الصاوي ودينا فؤاد وخالد سرحان في رمضان 2022، والعملان من إخراج مصطفى فكرى.
اقرأ أيضاً«أحمد عبد الله» عن دوره بمسلسل وتقابل حبيب: شخصية جديدة عليا تمامًا
مسلسلات رمضان 2025.. كريم فهمي يشارك أول كواليس تصوير «وتقابل حبيب»
دراما رمضان 2025.. قائمة أبطال مسلسل «وتقابل حبيب» لـ ياسمين عبد العزيز