موقع النيلين:
2025-01-28@03:23:14 GMT

الحرب ومستقبل السياسة في السودان

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

هذه الحرب ليست مزحة. ولن تكون الحياة بعدها في السودان كما كانت قبلها. ولن تكون السياسة كما كانت. والسبب واضح. فقد خسر كل الشعب السوداني تقريباً كل شيء أو الكثير من الممتلكات والثروة والصحة والمنزل والسلامة الجسدية والصحة الإنجابية.

ولذلك فمن المرجح أن يكون لموقف الأحزاب السياسية والجماعات المنظمة من الحرب عواقب وخيمة بمجرد أن تضع أوزارها.

فالناس الذين خسروا وعانوا كثيراً سوف يميلون إلى مكافأة المجموعة التي يرون أنها دافعت عن مصالحهم وانحازت إليهم ضد جلاديهم وايضا قد يميلون إلي محاسبة الجماعات التي يرون أنها خذلتهم في لحظة حوجتهم الأكبر.

وبشكل عام، اختارت الأحزاب والجماعات السياسية والأفراد المؤثرون أحد ثلاثة مواقف أدناه.
المجموعة الأولى دعمت الجنجويد إما صراحة أو خلف ستار من الحياد المراوغ الذي لم يعد أحد يصدقه. وكانت هذه المجموعة تعتقد أن الجنجويد يمكن استخدامهم لمعاقبة الإخوان وإحلال الحكم الديمقراطي المدني.

وتتكون المجموعة الثانية من أولئك الذين دعموا الجيش. هذه المجموعة تتكون من الإسلاميين ولكنها تضم ​​أيضا عشرات، ربما ملايين من الناس العاديين، الذين ليسوا إسلاميين ولكنهم يؤيدون الجيش لأنه العمود الأخير للدولة السودانية، ولأنه مهما كانت عيوب الجيش فإن البديل ليس غزوا أجنبيا علي رماح ميليشيا إقطاعية مملوكة لعائلة ضيقة.

المجموعة الثالثة اختارت الحياد الصريح أو العملي الفعال ووصفت الصراع بأنه حرب بين جنرالين يسعيان إلى السلطة أو بين طرفين سيئين بنفس القدر. كثير منهم مارسوا حيادهم وراء خطابات نبيلة عن بدائل شعبية, قاعدية وسلمية لا وجود ولا تاثير لها على ما يحدث في ميدان الحرب الآن كما لم يكن لها تاثير في ود النورة ولا الجنينة ولا السريحة.
أنا أشاطر الإيمان بهذه التوجهات الشعبية القاعدية الآن، إن وجدت، و يوم تتوقف الحرب وفي الأمد البعيد، ولكن هل هي موجودة الآن؟ هل لديها إستجابة للاحتياجات العاجلة للناس الذين يواجهون القتل والاغتصاب والفقر الآن؟

لو كنت أستطيع أن أصدق عيني، لا وساويسي الأيديلوجية النبيلة، سأرى الناس يفرون من قراهم عندما يقترب الجنجويد، ويعودون إلى ديارهم عندما يحررها الجيش. ولا أرى أي تاثيرا يعتد به لتنظيمات قاعدية سلمية علي خروج الشعب من دياره أو عودته إليها أو سلامة حياته وماله وبدنه. وهذه حقائق موضوعية لا أملك ما يكفي من العمي الأيديلوجى لأنكرها.
ليس من المهم أن نتفق علي تفاصيل التوصيف أعلاه، ولكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن هناك ثلاثة معسكرات في هذه الحرب: معسكر مؤيد للجيش/الدولة، ومعسكر مؤيد للجنجويد، والمحايدين الذين يحافظون على مسافة واحدة من طرفي الصراع. هذه حقيقة.
أتوقع أنه بعد انتهاء الحرب، واعتمادًا على من سينتصر بشكل حاسم أو بدرجة أقوي، فإن الشعب السوداني سوف يكافئ بطريقة ما المجموعة التي يرى أنها انحازت إليه خلال أسوأ لحظاته في تاريخه. وسوف يعاقب بطريقة ما من يرى أنهم خانوه. نأمل أن تكون العقوبة سلمية وسياسية وأخلاقية فقط بغض النظر عن قرار الشعب في سؤال من كان معه ومن خذله.

من نافلة القول أن حكم الشعب لن يقف علي الأجسام والأحزاب إذ أن الراي العام للشعب سيعيد تحديث موقفه من أيديوجيات وطروحات بما فيها خطاب الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان والليبرالية واليسارية والإسلام والحداثة بشقيها العضوي والاستتباعى.
لا أعرف ما هي المجموعة التي سيكافئها الشعب السوداني ولا أعرف أي المجموعات سيعاقبها. الأمر متروك للشعب السوداني وأنا لا أتحدث باسمه ولا أدعي أنني أعرف ما يدور في أذهانه الآن لأنني لا أعيش وسطه ولا توجد وسائل إعلام أو وكالات استطلاع موثوقة لتسهيل قياس الوزن النسبي لتنويعات الرأي المتباين.

ولكني شخصيا بعد نهاية الحرب ساجد نفسي إما في كوم المعاقبين من الشعب لو قرر إن مثل موقفي خذله. أما لو قرر الشعب غير ذلك وأعتقني فسأجد نفسي أعمل كحجاز يدافع بلا هوادة عن سلامة أفراد وجماعات اعتبروا موقفنا من الحرب كوزنة أو غفلة أو دولجة أو ضعفا في ألحس الثوري.
ويا ود مضوي تجيبو قوي.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

ثلاث معضلات رئيسية شهدها السودان

تسببت الحرب التي تدور رحاها الآن في السودان منذ 15 أبريل/ نيسان 2023 في أضرار كبيرة وخراب واسع النطاق، ودمار في البنية الأساسية والمرافق الحيوية في الدولة، وخلفت وراءها عشرات آلاف القتلى من المدنيين والملايين من النازحين داخل السودان، واللاجئين إلى خارج الحدود، إلا أنه بالرغم من ذلك كان لها وجه آخر أفرزت فيه نتائج يمكن وصفها بالإيجابية، على قاعدة (رب ضارة نافعة).

وهي نتائج ما كان لها أن تبرز لولا اندلاع الحرب، ولم تكن مقصودة أو تم الترتيب لها مسبقًا من طرفٍ بالداخل أو بالخارج، بل تداعت بصورة تلقائية وولدت من رحم الحرب.

هذه النتائج سيكون لها دور كبير في طي معضلات أساسية مزمنة لازمت الحياة السياسية والاجتماعية في السودان منذ الاستقلال، وتسبب بعضها في أزمات وصراعات ونزاعات داخلية، كان أكبرها الحرب في جنوب السودان التي استمرت نحو 33 عامًا، وأفضت إلى انفصال جنوب السودان باستفتاء مشهود في يناير/ كانون الثاني 2011، ليصبح دولة مستقلة قائمة بذاتها.

وكان من إفرازات تلك المعضلات أيضًا أزمة دارفور التي اندلعت في العام 2003، واستمرت 17 عامًا تخللتها 3 اتفاقيات سلام، منها اثنتان لم تصمدا طويلًا، وهما اتفاقيتا (أبوجا 2006)، و(الدوحة 2011)، أما الثالثة فتم توقيعها في أغسطس /آب 2020 في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، ولا تزال سارية حتى الآن.

إعلان

وإذا أنعمنا النظر في طبيعة المعضلات الأساسية التي لازمت الحياة السياسية في السودان، نجد بعضها وبصورة أساسية نتاج أسباب جغرافية وديمغرافية وتاريخية موروثة، ولكن جلها كان نتاج ممارسات سياسية من قبل الأحزاب والكيانات السياسية التي وجدت بعد الاستقلال، وبسبب أخطاء ارتكبتها الأنظمة والحكومات المتعاقبة.

ويمكن تحديد هذه المعضلات بصورة إجمالية لأغراض هذا المقال دون الخوض في تفصيلها في ثلاث معضلات رئيسية هي:

أولًا: مسألة تداول السلطة

برزت هذه المعضلة بعد عامين فقط من استقلال السودان، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1958، تسلم الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش السوداني وقتها مقاليد الحكم من رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل بعد إلحاح وملاحقة من هذا الأخير؛ بسبب احتدام الخلافات داخل كل حزب من الأحزاب السياسية، وفيما بين بعضها البعض، وهي مسألة تعكس مدى سوء الممارسة السياسية للأحزاب القائمة في ذلك الوقت.

وقد استمر الفريق عبود في الحكم باسم الجيش لمدة 6 سنوات، حتى تمت الإطاحة به في ثورة شعبية في أكتوبر/ تشرين الأول 1964.

وأعقب هذه الثورة إنشاء نظام ديمقراطي وحكومة منتخبة تمت الإطاحة بها بانقلاب عسكري دبره الحزب الشيوعي السوداني في 25 مايو/ آيار 1969 عبر ضباط بعضُهم كانوا منتمين للحزب، وآخرون لا ينتمون له، وكان الانقلاب بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري، والذي استمر حكمه 16 عامًا بعد أن تخلص من الشيوعيين بعد عامين من الانقلاب حين حاول الحزب الشيوعي الإطاحة به بانقلاب عسكري فاشل بواسطة ضباط شيوعيين داخل الجيش.

وقد تخلل فترة حكم نميري عدد من المحاولات الانقلابية باءت كلها بالفشل، حتى أطاحت به انتفاضة شعبية في أبريل/ نيسان 1985، أعقبتها انتخابات وشكلت حكومة منتخبة برئاسة زعيم طائفة الأنصار الراحل الصادق المهدي، حيث شهدت فترة حكمه اضطرابات كثيرة وسادت حالة سيولة أمنية وتردٍ في الحالة الاقتصادية، وسوء في الممارسة السياسية، وتفشٍ للفساد السياسي، قبل أن يطيح بحكومته انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير في يونيو/ حزيران 1989.

إعلان

وقد استمر حكم البشير زهاء 30 عامًا، وتخللتها أحداث سياسية كبرى وطالت السودان فيها مهددات وتحديات عديدة كان جلها خارجيًا، وقد أطاحت بنظامه ثورة شعبية مدعومة من الخارج في أبريل / نيسان 2019. وتم بعدها تشكيل مجلس سيادة انتقالي برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وتعيين عبدالله حمدوك رئيسًا لمجلس الوزراء.

وشهدت هذه الفترة بدورها اضطرابات عديدة، وتميزت بعدم الاستقرار والتشاكس والعداء للجيش من قبل القوى المدنية التي تصدرت المشهد السياسي، وكانت نتيجة ذلك كله محاولة هذه القوى المدنية التي تحالفت مع قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة حينها (حميدتي) الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح بواسطة قوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، وهي المحاولة التي فشلت وأشعلت الحرب التي لا تزال دائرة حتى اليوم.

ويتّضح من هذا السرد المجمل لمسألة تداول السلطة في السودان منذ الاستقلال حجم الأزمة، وحالة الاحتقان وعدم الاستقرار والاضطراب الذي تميزت به هذه المسألة على مدى 69 عامًا.

ثانيًا: وضع الجيش

وهي المعضلة الثانية، فقد ظل وضع الجيش السوداني منذ الاستقلال محلًا للتجاذبات والمزايدات والكيد السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية في السودان، كما أنه واجه عداءً شديدًا من كثير من هذه الأحزاب خاصة أحزاب اليسار السوداني، وتعرض لكثير من الإهمال المتعمد، وأخضع لعمليات إضعاف مقصودة، وكان ذلك بغرض شلّ قدرته على التدخل في السياسة، والحيلولة بينه وبين توسع نفوذه بما يمكنه من توجيه بوصلة الحياة السياسية أو استيلائه على السلطة عبر الانقلابات.

وقد تصاعدت حالة العداء للجيش من قبل الأحزاب السياسية بشكل واضح في فترتين من فترات الحكم المدني:

الفترة الأولى، وهي فترة حكم الصادق المهدي في التجربة الديمقراطية الثالثة، حيث تعرض الجيش السوداني لعملية إضعاف ممنهجة لم يتعرض لها من قبل، رغم أن الحرب في الجنوب كانت في أوج استعارها، ووصل هذا الإضعاف الممنهج من قبل حكومة الصادق المهدي أن جنود الجيش في جبهات القتال بالجنوب كانوا يقاتلون حفاة وبلا مؤن ويعانون نقصًا حادًا في قطع السلاح، بل وصل الأمر حد إرسال ذخائر ألعاب نارية لوحدات الجيش المقاتلة على جبهة القتال، وهي واقعة مشهودة ومعروفة تم تبريرها بأنها تم شحنها بالخطأ..!! إعلان

وقد استطاعت قوات التمرد الجنوبي بقيادة جون قرنق الاستيلاء على العديد من المناطق والمدن في جنوب السودان بسبب هذا الإضعاف الممنهج.

أما الفترة الثانية التي تعرض فيها الجيش للإضعاف المتعمد فهي التي تلت الإطاحة بالبشير وتحديدًا ما بين أبريل / نيسان 2019، وأكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث تعرض الجيش السوداني لأكبر محاولة ليس فقط لإضعافه، وإنما لتفكيكه كلية وإحلال قوات الدعم السريع مكانه، وذلك بزعم أن الجيش يهيمن عليه التيار الإسلامي الذي كان ممسكًا بمقاليد السلطة طوال 30 عامًا، وقد سميت عملية التفكيك تدليلًا وتخفيفًا لها بـ (إعادة الهيكلة).

وتعرض الجيش في هذه الفترة لكثير من التهكم والسخرية والتقليل من شأنه ودوره، وكان شباب الثورة المنتمون إلى الأحزاب اليسارية يرددون أهازيج تسخر من الجيش وتتهكم به، وتمجد قوات الدعم السريع وتعلي من شأن قائدها حميدتي.

ووصل ازدراء القوى السياسية والمؤسسات الرسمية المدنية بالجيش أن تقدم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك – دون مشورة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش البرهان – بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إرسال بعثة سياسية تضم قوات أممية مهمتها ما سماه "بناء السلام". وقد كانت هذه الواقعة أولى محطات التوتر في العلاقة ما بين البرهان وحمدوك.

ثالثًا: التنمية وتوزيع السلطة والثروة

وهي ثالثة أثافي أزمة السودان ومعضلته المزمنة. فهذه المعضلة هي الأكثر رواجًا وسط الاتجاهات والتيارات والحركات المطلبية التي عرفها السودان.

وهي الخلفية التي مثّلت متكأً لهذه التيارات، وشعارًا ظل مرفوعًا في وجه الحكومات المتعاقبة، وتقوم سردية هذا الاتجاه على أن هناك – ومنذ الاستقلال – خللًا حادًا في التنمية، وفي توزيع السلطة والثروة بين أقاليم السودان المختلفة لصالح إقليم واحد، هو ما أطلق عليه في أولى مراحل تطور هذا الاتجاه المطلبي بـ (الشمال) الذي يشمل حاليًا ولايتي نهر النيل والشمالية، ثم لاحقًا أطلق عليه مسمى (الشريط النيلي)، ثم مؤخرًا، ومع اندلاع الحرب الحالية، ابتكرت القوى المتحالفة مع مليشيا الدعم السريع مصطلحًا محدّثًا لنفس المسمى، وهو (دولة 56).

إعلان

وكل هذه المسميات تنطوي على اعتقاد معتنقيها أن ثمة احتكارًا ممنهجًا للتنمية والسلطة والثروة من جانب سكان إقليم (شمال السودان)، وحرمانًا لسكان بقية أقاليم السودان منها، والذين أطلق عليهم أصحاب هذا الاتجاه مصطلح (المهمشين)!!

كل الحركات التي حملت السلاح في وجه الحكومات المركزية المتعاقبة منذ الاستقلال كان منطلقها الأساسي هو هذا المفهوم: (التهميش). كل الدماء التي أريقت وسفحت في الحروب والنزاعات التي شهدها السودان كانت بفعل رفع هذه الراية، من لدن تمرّد الجنوب وحتى تمرد مليشيا الدعم السريع، الذي يعيش الشعب السوداني فصوله المأساوية الآن.

إن قضية التهميش هي واحدة من أكبر وأخطر إفرازات الممارسة السياسية الخاطئة في السودان، وإحدى كبريات الموبقات التي ارتكبتها بعض النخب السياسية السودانية في سعيها نحو الاستحواذ على السلطة ومتعلقاتها الاقتصادية والاجتماعية.

فإقليم شمال السودان لا يختلف عن بقية أقاليم السودان، التي يجمع بينها قاسم مشترك، وهو التخلف وما ينطوي عليه من فقر وجهل ومرض ونقص في التعليم والصحة والخدمات الأساسية، وانعدام البنية التحتية من طرق ومرافق حيوية واتصالات، وغيرها من مظاهر التخلف الأخرى. فكل أقاليم السودان الطرفية ظلت تعاني من هذه المظاهر، والعاصمة الخرطوم التي تتوسط السودان لم تسلم منها.

فجغرافيا السودان وتضاريسه وتقاعس وفشل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في إحداث التنمية المطلوبة، كل ذلك ساهم في خلق هذا الخلل الذي هو حتى الآن موجود.

ويطل السؤال المهم برأسه عند هذه النقطة: ما هي النتائج الإيجابية المترتبة عن الحرب الحالية والتي يمكن أن تساهم في الحل الجذري لهذه المعضلات الثلاث المذكورة آنفًا؟

أولًا: في شأن تداول السلطة، وهي المعضلة الأولى، فإن الدرس الذي ينبغي أن تعيه النخبة السياسية السودانية من واقع الحرب الحالية، هو أن الوسيلة الفضلى والمثلى لتداول السلطة في هذا البلد شديد التنوع، هي الاحتكام إلى إرادة الشعب والنزول عند اختياره عبر نظام ديمقراطي (نزيه) مبرأ من كل الشوائب والأخطاء والخطايا التي وقعت في التجارب السابقة.

إعلان

وبمفهوم المخالفة فإن الاستيلاء على السلطة بالقوة في سودان ما بعد الحرب، يجب أن يكون مجرَّمًا ومحرَّمًا بالدستور والقانون، وقبل ذلك أن تتواثق القوى السياسية على استبعاد هذه الوسيلة تمامًا من أجندتها اعتبارًا واتعاظًا بما حدث، وأن تحصر هذه القوى خلافاتها داخل السياج الوطني ولا تشرك في شأن الوطن أيادي أجنبية.

ثانيًا: وفي شأن وضع الجيش ومُقامَه بين مؤسسات الدولة، فإن تجربة الحرب الحالية أشاعت قناعة ويقينًا ظل يترسخ في أذهان الشعب السوداني وفي وجدانه، مفاده أن الجيش هو صمام الأمان للدولة وعمودها ورأس الأمر فيها، ووجوده متماسكًا وقويًا ومتسلحًا بالعتاد العسكري كمًّا ونوعًا هو أمر ضروري ولا غنى عنه البتّة.

وانعكس هذا اليقين الشعبي في الوقفة الصلبة التي وقفها الشعب السوداني بكل طيفه السياسي والاجتماعي والمناطقي خلف الجيش بالتأييد والمساندة، وتشهد بذلك يوميات الحرب وأحداثها، حيث يتجه النازحون من المناطق التي تدخلها مليشيا الدعم السريع إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش، ويتم استقبال قوات الجيش حين تحرر منطقة من قبضة الدعم السريع بمظاهر الفرح والاحتفال والشعور بالطمأنينة.

وهو أمر له دلالة عميقة ويعتبر نقلة نوعية في نظرة الشعب السوداني إلى الجيش بعد أن شابها في الماضي بعض (الضبابية) بتأثير من حملات (الشيطنة) التي شنتها بعض القوى السياسية المعادية للجيش.

بل أكثر من ذلك، فإن حركات الكفاح المسلح التي ظلت تقاتل الجيش في الماضي قد انحازت إلى صف الجيش تقاتل مليشيا الدعم السريع تحت إمرته وقيادته في الحرب الآن، وأعلنت قيادات هذه الحركات التي تعرف بالقوات المشتركة أنها ستدمج قواتها في الجيش بعد أن تضع الحرب أوزارها وفقًا لقواعد الدمج والتسريح المعروفة.

وشددت هذه القيادات على أنه لن تكون هناك قوات موازية للجيش في سودان ما بعد الحرب. ويعد هذا تطورًا شديد الأهمية سيكسب الجيش وضعًا أكثر تميزًا مضافًا إليه اكتسابه خبرات جديدة ومراسًا قويًا بسبب الحرب وبلائه فيها بلاءً مهنيًا حسنًا ومشهودًا.

إعلان ثالثًا: أما بخصوص المعضلة الثالثة والأخيرة وهي التنمية وتوزيع السلطة والثروة، فقد كشفت الحرب للجميع أن ما يسمى بالتهميش هو القاسم المشترك الذي ينتظم كل أقاليم السودان، وعلى رأسها الشمال، حيث ساعد على هذا الكشف عاملان اثنان: الأول؛ هو أن الحرب بدأت في العاصمة الخرطوم، وهي بمثابة القلب للسودان وكبرى مدنه، وتقطنها كل مكوناته الإثنية شمالًا ووسطًا، شرقًا وغربًا وجنوبًا، وهو مؤشر على أن كل سكان تلك الأقاليم جاؤوا إلى الخرطوم بحثًا عن أوضاع أفضل من تلك التي تسود في أقاليمهم، بمن فيهم أهل الشمال. وأما الثاني؛ فإن الذين نزحوا من العاصمة وولاية الجزيرة وسنار، بسبب الحرب واتجهوا شمالًا وشرقًا رأوا بعيونهم أحوال هذه الأقاليم والمناطق والتي هي مشابهة لمناطقهم الأصلية، ولا تتميز عنها بشيء وتعاني نفس مشاكل التخلف.

أضف إلى هذا وذاك أن مليشيا الدعم السريع استعْدَت كل المكونات الإثنية والطائفية والدينية في السودان من خلال ارتكابها مجازر مروعة وانتهاكات بشعة في حق أهالي المناطق التي سيطرت عليها مما وحد هذه المكونات ضدها وضد مشروعها لحكم السودان، وفوق ذلك كله ارتباطها بالأجنبي وتنفيذها أجندة أجنبية، وجلبها مرتزقة أجانب لقتل مواطنيهم وشركائهم في الدين والوطن.

ومن عجب أنَّ القوات الدارفورية التابعة لحركات دارفور التي كانت تناصب (الشمال) العداء على خلفية مزاعم التهميش، هي الآن تقف دفاعًا عن الشمال وعن إنسان الشمال من هجمات مليشيا الدعم السريع، وأن الجيش السوداني الذي كانت تقاتله في السابق، أصبح الآن حليفًا وصديقًا ستلتئم معه وتندمج فيه دفاعًا عن السودان كله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • السودان في مجموعة الجزائر وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو في بطولة أمم أفريقيا 2025
  • القرعة.. السودان والجزائر في المجموعة الخامسة لكأس الأمم الإفريقية
  • استغل الذين تضرّرت منازلهم من جرّاء الحرب فسقط بيد الأمن.. إليكم التفاصيل
  • ثلاث معضلات رئيسية شهدها السودان
  •  وزارة التربية تنظم ندوة حول عملية طوفان الأقصى ومستقبل الصراع مع العدو الإسرائيلي
  • الوجود والهويات في عاصفة الرياح: قراءة في سردية «حديث الرياح» لسعاد محمود الأمين
  • دور التعايش السلمي في وأد الفتن
  • المبادرة الغائبة التي ينتظرها الفلسطينيون
  • سلطة النقد تكشف حجم الأموال التي نُهبت من بنوك غزة خلال الحرب