كيف أثر وقف إطلاق النار في غزة على اقتصاد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
القدس المحتلة- ما إن دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ، حتى ظهرت ردود أفعال الأوساط الاقتصادية حيال ما يبدو وكأنه مقدمة استقرار.
وسارعت الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية باستعراض كُلفة الحرب وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي والعجز في الموازنة، فقال المحاسب العام لوزارة المالية، ياهلي روتنبرغ، إن نسبة الدين العام بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي زادت بـ7.
وهذا يشير -بحسب المحاسب العام- إلى أن الإنجازات الاقتصادية لمعظم العقد الماضي، باستثناء عامي 2020-2021 مع تفشي جائحة كورونا، تبخرت بفعل الحرب.
وحيال هذه الإحصائيات الرسمية والصورة السوداوية الأولية لواقع اقتصاد إسرائيل، والتي تكشفت مع ردود الفعل الأولية لوزارة المالية وبنك إسرائيل والبورصة في تل أبيب، رجّحت التقديرات الإسرائيلية أن الانتعاش المحدود في مختلف القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية -الذي سجل بالأيام الأولى للهدنة- سيبقى رهينا بالاستقرار الأمني وبمدى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.
وحسب تقديرات الخبراء الماليين والمختصين بالاقتصاد، فإن استقرار الأوضاع الأمنية، وتحسن أداء السوق قد يدفعان بنك إسرائيل (المركزي) إلى خفض سعر الفائدة لتعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات.
إعلان تذبذب أداء أسواق المالواستعرض الخبير الاقتصادي، نبيل أرملي تداعيات سريان وقف إطلاق النار على عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه بدا للوهلة الأولى ذا تأثير إيجابي مع تنفيذ المرحلة الأولى لصفقة التبادل، لكنه لم يعكس حصول تحول أو تغيير جوهري في اتجاه المؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية.
وقال أرملي في تعليق للجزيرة نت إن التحولات الأمنية الأخيرة أنعشت مؤشر بورصة تل أبيب الرئيسي، وأضاف أن "استمرار الاستقرار الأمني والالتزام بوقف إطلاق النار من قبل إسرائيل سيعزز أداء أسواق المال، وسيدعم قوة الشيكل مقابل العملات الأجنبية".
وأوضح أن الأوضاع الأمنية المتوترة وهشاشة اتفاق وقف إطلاق النار-وفق وصفه- "من شأنها أن تؤدي إلى حالة من التذبذب والتقلبات في أسواق المال الإسرائيلية، وفي جذب وتدفق الاستثمارات الأجنبية نحو مختلف القطاعات الاقتصادية بإسرائيل".
الطيران والسياحةرأى أرملي أن حالة الاستقرار الأمني ستعجل -بداية- بعودة شركات الطيران العالمية إلى إسرائيل وبخفض تكاليف السفر التي ارتفعت بصورة حادة خلال السنة الأخيرة مع حالة تقترب من الاحتكار لسوق الطيران من قبل الشركات الإسرائيلية مثل (العال) و(أركيع)، وبالتالي فرض أسعار باهظة على تذاكر السفر.
وأوضح أن استئناف شركات الطيران العالمية إلى إسرائيل من شأنه أن يساهم بشكل مباشر في انتعاش قطاع السياحة المحلية الذي تعرض لحالة شلل تام لشهور طويلة بسبب حالة الحرب وعواقبها المختلفة.
ويعني وقف حرب إسرائيل على غزة، كذلك، وقف هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة في البحر الأحمر، وعودة حركة الملاحة البحرية، وتعزيز حركة الاستيراد، والتصدير من وإلى الأسواق الإسرائيلية، مما سيكون له انعكاسات اقتصادية إيجابية على المدى القريب والمتوسط، وفق الخبير الاقتصادي.
تباطؤ النمويقول مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، غاد ليئور إن خفض الفائدة في إسرائيل وعودة التعاملات المالية وتدفق الاستثمارات الأجنبية سيكون ذا تأثير متوسط الأجل، ويضيف أن "الحرب التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أجبرت الحكومة على الاقتراض بشكل كبير في إسرائيل والخارج لتمويل هذه الحرب".
إعلانويتابع "ارتفعت ديون إسرائيل بشكل هائل، مع زيادة الفائدة على القروض أيضا، وذلك بسبب خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل وكالات التصنيف العالمية خلال عام 2024″، معبرا عن اعتقاده أنّ هذه العوامل ستسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي حتى وإن ساد الاستقرار الأمني.
وأشار مراسل الشؤون الاقتصادية إلى أن "نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي هي مؤشر رئيسي على القوة المالية لأي بلد، وبالتأكيد لإسرائيل، التي تعيش منذ تأسيسها ظروفًا أمنية حساسة وحروبًا"، ويقول "مؤشر الدين العام يكتسي أهمية قصوى في تحديد التصنيف الائتماني، وبالتالي إمكانات عودة عجلة الاقتصاد (إلى الدوران من جديد) بعد الحرب".
يراهن بنك إسرائيل على استقرار الأوضاع الأمنية والإبقاء على وقف إطلاق النار من أجل إنعاش القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية؛ فقد تحدث محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون عن إمكانية لخفض أسعار الفائدة مرة أو مرتين في النصف الثاني من عام 2025، في ضوء توقعاته للتضخم، الذي قال إنه من المنتظر أن ينخفض في الأشهر المقبلة.
وحسب البيانات الرسمية الصادرة عن بنك إسرائيل، فإن التضخم الذي يبلغ حاليا 3.2% لا يزال أعلى من الهدف المحدد الذي يتراوح بين 1% إلى 3%.
ويتوقع البنك أن يرتفع التضخم في النصف الأول من العام الحالي، نتيجة زيادات الضرائب، والتعافي الاقتصادي الذي يؤدي إلى تسارع الطلب وخاصة في سوق العمل.
بالمقابل أعرب يارون عن تفاؤله بشأن النصف الثاني من العام الحالي، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يستقر التضخم ويعتدل، وهو ما قد يسمح لبنك إسرائيل بإجراء عدة تخفيضات على أسعار الفائدة.
وقال "نرى أنه قد تكون ثمة فرص لخفض أسعار الفائدة"، بحسب ما نقل عنه الموقع الإلكتروني "والا".
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي العام، توقع يارون أن ينمو اقتصاد إسرائيل بنسبة 4% في عام 2025 و4.5% في عام 2026، وهي زيادة كبيرة عن التوقعات الأكثر تواضعا بنمو 0.6% في عام 2024، وذلك ما لم تحدث تصعيدات أخرى في الوضع الأمني أو تجدد للحرب.
إعلانوقال محافظ بنك إسرائيل إن "وقف إطلاق النار الذي نحن فيه اليوم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يشكل نقطة تحول، سيكون تأثيرها طويل الأمد".
وأضاف أن "الهدنة تمهد الطريق لترتيبات إقليمية من شأنها أن تؤدي إلى إعادة الإعمار والأمن المستدامين، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي أيضا إلى النمو الاقتصادي ليس فقط في إسرائيل، بل وأيضا في المنطقة بأكملها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاقتصادیة الإسرائیلیة وقف إطلاق النار بنک إسرائیل إلى أن فی عام
إقرأ أيضاً:
مأزق الحرب في غزة.. هدنة إسرائيل المؤقتة لتخفيف حدة الانتقادات الدولية .. نتنياهو سيقبل اتفاق وقف إطلاق النار فى هذه الحالة
بين نيران الحرب والضغوط الدولية المتصاعدة، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة لاتخاذ خطوة مفاجئة تمثلت في تعليق مؤقت ومحدود لعملياتها العسكرية في قطاع غزة.
خطوة وُصفت بـ"التكتيكية"، لكنها تعكس، في جوهرها، حجم المأزق الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية داخليًا وخارجيًا، لا سيما في ظل موجة الغضب الدولي العارم التي فجرها الانتشار الواسع لصور الأطفال الجائعين في غزة على صدر الصفحات الأولى للصحف والمجلات العالمية، خصوصًا الأوروبية والأمريكية.
وهذا التقرير يرصد تفاصيل التحركات الإسرائيلية الأخيرة، وسياقاتها الإنسانية والسياسية، والتداعيات المحتملة لها داخليًا وخارجيًا.
رغم تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلنت إسرائيل بشكل مفاجئ تعليقًا تكتيكيًا مؤقتًا ومحدودًا للعمليات العسكرية في بعض مناطق القطاع، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحول المفاجئ في الموقف الإسرائيلي، رغم استمرار العمليات الميدانية.
وتزامنت هذه الخطوة مع موجة غضب عالمي غير مسبوقة، أشعلتها صور الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع والمرض، وقد تصدرت هذه الصور الصفحات الأولى للصحف والمجلات العالمية، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. الأمر الذي استدعى تدخلًا دبلوماسيًا عاجلًا وواسع النطاق للحد من تداعيات هذه الكارثة الإنسانية.
حاولت الحكومة الإسرائيلية تبرير حجبها للمساعدات الإنسانية عن سكان قطاع غزة، غير أنها فشلت في إقناع الرأي العام الدولي، ووجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات تخفف من حدة الانتقادات المتصاعدة.
وبحسب ما كشفه عدد من المسؤولين الإسرائيليين، من بينهم الرئيس إسحاق هرتسوغ، فقد أجرت العديد من الشخصيات العالمية، من قادة وزعماء ودبلوماسيين ومؤسسات إعلامية، اتصالات مكثفة تطالب بوقف ما يجري ووضع حد للكارثة.
رغم محاولاتها تحميل المسؤولية للمؤسسات الأممية والدولية، واتهامها برفض تسلم وتوزيع المساعدات، رفضت هذه المؤسسات هذا الطرح، وأكدت أن العرقلة كانت من جانب الاحتلال.
وصرح الرئيس هرتسوغ، الأحد، قائلًا: "أدعو وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى القيام بدورها وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين دون تأخير، كما طالبت إسرائيل منذ فترة. من غير المقبول أن تظل المساعدات المُقدمة إلى غزة دون توزيع أو أن تستولي عليها حماس، حتى مع اتهامها إسرائيل زورًا بمنعها".
محاولات بديلة فاشلةوكانت إسرائيل سعت سابقًا إلى تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية" لتكون بديلاً عن الوكالات الدولية، مدعومة من الإدارة الأمريكية، لكن المشروع واجه رفضًا دوليًا واسعًا، ولم تنجح إسرائيل في فرضه كأمر واقع.
وواجهت هذه المؤسسة انتقادات حادة من وسائل الإعلام العالمية، ما اضطرها إلى إصدار سلسلة من البيانات التوضيحية في محاولة للدفاع عن شرعيتها وأهدافها.
في مواجهة العاصفة العالميةومع تعثر مفاوضات التهدئة، وجدت إسرائيل نفسها أمام موجة انتقادات لم تعد تُقال في السر، بل تحولت إلى بيانات علنية صادرة عن قادة العالم، خصوصًا في أوروبا، الذين لم يعودوا يكتفون بالتحذيرات خلف الأبواب المغلقة، بل أطلقوا تصريحاتهم على الملأ، الأمر الذي ضاعف الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبّر بدوره عن امتعاضه الشديد من الصور القادمة من غزة، مما زاد من حرج الإدارة الإسرائيلية.
وقال الرئيس الإسرائيلي، السبت: "في الأيام الأخيرة، تلقيت عددًا لا يُحصى من الرسائل من قادة، وأصدقاء لإسرائيل، وشخصيات إعلامية، وزعماء يهود من أنحاء العالم حول هذا الموضوع، والرد الصحيح هو تحرك عملي مسؤول".
التناقض الداخلي في إسرائيلرغم ما تعلنه إسرائيل رسميًا من نفي وجود مجاعة في غزة، إلا أنها تقر بوجود "أوضاع إنسانية صعبة ومعقدة"، وهو ما يتناقض مع مواقف عدد من وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة، كوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يطالبان صراحة بوقف دخول أي مساعدات إنسانية إلى القطاع.
وقد اتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرارًا بتخفيف الأوضاع الإنسانية في غزة في غياب هذين الوزيرين، مستغلًا فترة السبت التي لا تُعقد خلالها اجتماعات حكومية رسمية.
النتائج المحتملةرغم أن التعليق التكتيكي المؤقت للعمليات العسكرية والسماح بالإنزال الجوي للمساعدات قد يمنح نتنياهو بعض الوقت لتخفيف حدة الانتقادات الدولية، إلا أن هذه الخطوات تواجه رفضًا داخليًا شديدًا من شركائه في الائتلاف الحكومي.
وتُرجّح التقديرات الإسرائيلية أن يؤدي الضغط الدولي والمحلي المتزايد إلى دفع حكومة نتنياهو نحو قبول اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة إذا تضمن الاتفاق استعادة رهائن إسرائيليين، وهو ما قد يساهم في تهدئة الشارع الإسرائيلي الساخط.
ولم يكن التعليق التكتيكي الإسرائيلي للعمليات العسكرية مجرد خطوة ميدانية، بل كان انعكاسًا مباشرًا لحجم الحرج السياسي والإنساني الذي تواجهه تل أبيب في مواجهة الرأي العام العالمي. وبينما تتصاعد الضغوط من الخارج، والانقسامات تتعمق في الداخل، يبقى ملف غزة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الإسرائيلية على الصمود، أو التراجع تحت وطأة العزلة الدولية.
أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن مصر تتحرك على أعلى مستوى سياسي ودبلوماسي لاستئناف مفاوضات غزة، بالتوازي مع إدخال المساعدات الإنسانية.
وأضاف فهمي في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هذه الخطوة تمثل جزءًا من مسار سياسي متكامل يستهدف التوصل إلى هدنة شاملة تعالج جذور الأزمة. واعتبر أن نجاح دخول المساعدات يعكس فاعلية التحرك المصري المنضبط في مواجهة التعنت الإسرائيلي.
وأشار فهمي إلى أن الضغط السياسي والدبلوماسي الذي تمارسه القاهرة أجبر إسرائيل على فتح مسارات محددة للمساعدات، مؤكدًا أن ما يُعرف بـ"الهدن الإنسانية" لا تمثل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، بل خطوات مرحلية. ولفت إلى أن مصر تواصل تنسيقها مع الولايات المتحدة وأطراف دولية، وأن نجاح تلك الهدن قد يمهد لهدنة موسعة لمدة 60 يومًا تمهيدًا لاستئناف المفاوضات.