عربي21:
2025-01-27@16:07:26 GMT

صراع البيت الأبيض مع القانون الدولي

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

يصعب التفاؤل بإمكان حصول تغير في عقلية حكام أمريكا. فإذا كان الرهان على بايدن بأن يكون أكثر إنصافا تجاه المظلومين وضحايا الاحتلال قد فشل، فإن من غير المنطقي افتراض حدوث تغير بعد عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض وهو المعروف بتهوره وصلافته.

وبغض النظر عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والغربيين، فإن مواقفهم من المنظمات والمؤسسات الدولية يمكن اعتبارها معيارا لمدى إيمانهم بمبدأ إنساني جوهري: أن البشر متساوون.

يتجلى الإيمان بهذه المساواة عندما تعلن الحكومات استعدادها لقبول حاكمية هذه المؤسسات في الخلافات التي تحدث بين هذه الدول. فالدولة التي تعلن رفضها لهذه الحاكمية أو تسعى لإسقاط المنظمات والمؤسسات الدولية التي تمارس أدوارا رقابية على الدول، فهذا يعني وجود رفض داخلي لحاكمية هذه المؤسسات. والمعنى الأجلى لهذا الرفض عدم قبول مبدأ المساواة بين أبناء الجنس البشري.

وهنا يتجلى الموقف الأمريكي تجاه محكمة الجنايات الدولية بشكل واضح. هذا الموقف لا ينحصر برفض حاكمية هذه المؤسسة فحسب، بل يسعى لتقويضها. فتارة يطالب بإلغائها وأخرى يخطط لفرض عقوبات عليها. وما يجعل هذا الموقف مصدر إزعاج وقلق للعالم أنه ناجم عن ممارسة المحكمة دورها الجوهري المتمثل بمكافحة جرائم الحرب والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية. هذه الجرائم تحدث في أوقات الحرب عندما تتجاوز القوات العسكرية الخطوط الحمراء التي رسمتها مواثيق جنيف لتنظيم سير الحروب. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التي ارتكبت فيها جرائم حرب واسعة، انطلقت جهود دولية لتنظيم مسارات الحرب لمنع ارتكاب الجرائم، ومعاقبة من يرتكبها. والمتهم هذه المرة ليس القوات الأمريكية فحسب، بل عناصر إسرائيلية كان لها دور في الدمار الهائل الذي حدث في غزة نتيجة تجاوز المسؤولين الإسرائيليين قواعد الحرب واستهدافهم النساء والأطفال على نطاق واسع، واستخدام الماء والغذاء سلاحا ضد الفلسطينيين. هذه الإجراءات أحدثت ضجة دولية وكشفت طبيعة حكام «إسرائيل». وما يزال الحصار الذي فرض على غزة وساهم في حدوث مجاعة في بعض مناطقها مستمرا.
هناك امتعاض عميق لدى أطراف دولية عديدة من السياسات الأمريكية التي تعرقل العمل الدولي المشترك
لم يكن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة الدولية جديدا، فقد اعترضت قبل ربع قرن على تشكيلها من الأساس ورفضت توقيع اتفاقات روما التي قامت المحكمة على أساسها ورفضت الانضمام إليها لاحقا. وتفاقم الأمر مؤخرا بعد إصدار المحكمة مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في ما يتعلق بحملة إسرائيل العسكرية على قطاع غزة. فقد ارتكبت قوات الاحتلال جرائم لا يمكن وصفها إلا أنها جرائم ضد الإنسانية لا يمكن التغاضي عن مرتكبيها. وعلى الفور تحرّك اللوبي الصهيوني لمنع أية خطوة لمقاضاة مسؤولين إسرائيليين كان لهم دور مباشر في ما حدث.

وربما كان لدى البعض شيء من الأمل بأن تتخذ واشنطن موقفا داعما لقرار المحكمة. ولكن سرعان ما اتضحت حقيقة الموقف الأمريكي. ففي أول يوم له في المنصب بعد إعادة انتخابه وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يمكن أن يقدم الأساس القانوني لفرض عقوبات مستقبلية على المحكمة الجنائية الدولية ومن فيها. وقد استوعب العالم مغزى هذا الأمر وأنه سيؤثر بشكل مباشر على عمل المحكمة من جهة ويضعف الموقف الدولي الهادف لمنع جرائم الحرب وكل ما يمكن اعتباره جرائم ضد الإنسانية من جهة أخرى. وقال مكتب جمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية، وهي الهيئة الرقابية الإدارية والتشريعية للمحكمة، في بيان «يعبر مكتب جمعية الدول الأطراف في نظام روما عن قلقه البالغ إزاء اتخاذ تدابير لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها، فضلا عن الأفراد والكيانات الذين يساعدونها في التحقيق مع أفراد معينين أو اعتقالهم أو احتجازهم أو مقاضاتهم».


وهناك امتعاض عميق لدى أطراف دولية عديدة من السياسات الأمريكية التي تعرقل العمل الدولي المشترك وتمنع القضاء الدولي من ممارسة دوره لمنع جرائم الحرب. وكان الأجدر بالولايات المتحدة ممارسة ضغط حقيقي على تل أبيب لوقف جرائم الحرب التي ترتكبها بشكل ممنهج، واثقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستوفر لها حماية كافية من القضاء الدولي. فماذا سيكون مستقبل الكيانات الدولية المخوّلة بممارسة أدوار رقابية ورادعة لمن ينتهك القانون الإنساني الدولي أو يمارس سياسات تؤثر سلبا على مقولات الأمن والسلم الدوليين وتهدد استقرار العالم وتنتهك قيمه ومبادئه السياسية والأخلاقية؟

أيُّ عالم هذا الذي ينتظر الإنسانية إذا ألغى الإنجازات التي تنظّم مسارات الدول وتسعى لمنع نشوب النزاعات المسلّحة، أو على الأقل تنظيم سيرها وتقليل الخسائر المادية والإنسانية في حال اندلاعها؟ ماذا سيقول الطفل الفلسطيني الذي فقد والديه ورأى منزله ركاما؟ إنه فشل سياسي وأخلاقي أصاب نظام الاحتلال وأبعده تدريجيا عن المسار الإنساني السويّ، وأفقده الرغبة في الانصياع للإرادة الدولية.

إن استهداف محكمة الجنايات الدولية من قبل أمريكا أوّلا برفض قيامها وعدم الانخراط في عضويتها، وثانيا بوقف الدعم المالي الذي يوفر لها القدرة على الاستمرار في إدارة عملياتها، وثالثا برفض قراراتها التي تصدر وقت الحاجة لوقف الانتهاكات التي يمارسها بعض الدول للقانون الإنساني الدولي، ورابعا بفرض عقوبات مالية وسياسية عليها، كل ذلك لا يساهم في إقامة حكم القانون أو منع الجرائم ضد الإنسانية. هذا الاستهداف لا يخدم مصالح الدول، بل يؤدي لتهميشها وإضعاف قدرتها على أداء دورها. لقد كان الأجدر بأمريكا المبادرة لاحتضان العمل الدولي المشترك والكيانات التي تهدف لتفعيله وممارسة دور قيادي فيها خصوصا الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان. فهذه المؤسسات جميعا لها أهداف عديدة تمثل في جوهرها الرغبة في تشكيل نظام سياسي دولي يمنع الجريمة ويحول دون التطرف ويحمي أرواح البشر ويستهدف الجريمة في حالتي الحرب والسلم. واعتراض أمريكا على ذلك يمثل تراجعا عن المسؤولية الأخلاقية التي يُفترض أن تضطلع بها الدولة الكبرى في العالم. فإذا لم يحدث ذلك فإنه يعني تراجعا أخلاقيا وسياسيا حادّا. وربما ينطلق الموقف الأمريكي من الشعور بالاستعلاء من جهة والرغبة في الهيمنة من جهة أخرى وذلك بأن تقوم أمريكا بدور القاضي والجلّاد في الوقت نفسه لقطع الطريق على تعدد الأقطاب في العالم.

تضم المحكمة الجنائية الدولية 125 دولة عضوا، وهي المحكمة الدولية الوحيدة الدائمة ذات الاختصاص القضائي لمحاكمة الأفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية أو جرائم العدوان. ومطلوب منها بذل جهود فاعلة لمحاصرة الجريمة وذلك باستهداف مرتكبيها وتقديمه للقضاء الدولي، ولكن نجاحاتها حتى الآن ما تزال محدودة بسبب حالة الشد والجذب بين الدول تجاهها. وقد أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين تتسق مع نهجها في كل القضايا بناء على تقييم من الادعاء العام بوجود ما يكفي من الأدلة للمضي قدما في ذلك، وبالنظر إلى أن السعي لإصدار مذكرات اعتقال فورا قد يمنع جرائم ترتكب بالفعل. وبرغم أن الموقف الأمريكي من إنشاء المحكمة كان سلبيا، ولكن موقف الإدارة الأمريكية الأخير بمحاولة منع مقاضاة مسؤولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كان مثيرا ومقلقا ومعيبا. فكيف تستقيم أمور العالم إذا لم يكن هناك جزاء وعقاب؟ كيف يمكن ردع المعتدي وحماية الضحية؟ ويمكن القول إن السياسة الأمريكية إزاء المنظمات الدولية من أهم أسباب تلكؤ العمل الدولي المشترك وهشاشة الأوضاع الأمنية في العالم. وفي غياب التصدّي لتلك السياسة سيظل مرتكبو جرائم الحرب في مواقعهم، وستبقى مقولة «العدالة الدولية» سرابا يستهوي الكثيرين ولكنه صعب المنال. فكيف يمكن استعادة ثقة الجماهير بالعمل الدولي المشترك والعدالة الدولية؟ وكيف يمكن إقناع ضحايا العنف غير المشروع خصوصا في الحروب بأن عالم القرن الحادي والعشرين قادر على توفير حماية كافية لمن يستهدفهم مرتكبو جرائم الحرب؟

مطلوب انتفاضة ضميرية ضد التوجهات التي تسعى لحماية المجرمين. وذلك يتطلب استثمارا من الدول الغنية في أوروبا والشرق الأوسط في مجال العدالة الدولية والقانون الإنساني الدولي، لإحداث توازن مع أمريكا التي فقدت بوصلة عملها السياسي وأصبحت حماية رموز الاحتلال، حتى لو كانوا مجرمي حرب، أولوية قصوى تتصدر اهتماماتهم وسياساتهم. أهذه هي العدالة التي يتطلع العالم لها؟

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن ترامب العدل الدولية بايدن ترامب العدل الدولية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العمل الدولی المشترک جرائم ضد الإنسانیة الجنائیة الدولیة الموقف الأمریکی جرائم الحرب من جهة

إقرأ أيضاً:

في لاس فيغاس..ترامب يحتفل بأسبوعه الأول في البيت الأبيض

احتفل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أحد كازينوهات لاس فيغاس أمس السبت، بأول نجاحاته في أسبوع حافل بدأ خلاله في وضع بصمته على السياسة والمجتمع الأمريكي.

وحقق الرئيس الجديد انتصاراً حاسماً بفارق ضئيل عبر تثبيت مجلس الشيوخ لوزير دفاعه بيت هيغسيث مساء الجمعة. وهو اختيار كان محل خلاف حتى داخل معسكر ترامب، حيث صوّت ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ ضد هيغسيث، ما اضطر نائب الرئيس جاي دي فانس إلى التدخل شخصياً للإدلاء بصوته الحاسم لمصلحة هيغسيث. 

???? NOW: President Trump is roaming the casino floor in Las Vegas

He’s meeting patriots and employees who are about to have NO TAXES ON THEIR TIPS! ???? pic.twitter.com/C4kIXTGA1H

— Nick Sortor (@nicksortor) January 25, 2025

وترامب غائب عن واشنطن منذ الجمعة. إذ زار في البداية ولايتي نورث كارولاينا المنكوبة بإعصار شديد في نهاية سبتمبر (أيلول) وكاليفورنيا التي تشهد أيضاً حرائق مستمرة ومدمرة.
اما محطة ترامب في لاس فيغاس في ولاية نيفادا، فشكلت احتفالاً في حد ذاتها، إذ أعرب عن ارتياحه "لعودته إلى هذه المدينة الجميلة للاحتفال بأسبوعه الأول التاريخي في البيت الأبيض". وقال: "أنا هنا لأقول لكم شكراً"، مذكراً بأنه أول مرشح جمهوري للرئاسة منذ 20 عاماً يفوز بولاية نيفادا. 

Las Vegas loves Donald Trump!! ???? ???? ???????? ( Photos: Associated Press ) pic.twitter.com/HNxLzXlVHf

— patriotjoeyusa (@patriotjoeyusa) January 26, 2025

وكرر ترامب تعهده بإعفاء الإكراميات من الضرائب الفدرالية، وهو ما يحظى بشعبية خاصة في مدينة تركز على صناعة الفنادق. وأكد وسط تصفيق الحاضرين قائلاً: "ستكون إكرامياتكم 100% لكم".
وقال الرئيس الجمهوري، إنه "فخور جداً" بـ"العفو عن مئات السجناء السياسيين المضطهدين" في اليوم الأول من ولايته الجديدة الإثنين، واصفاً إياهم مجدداً بـ "رهائن".

مقالات مشابهة

  • واللا: نتنياهو يُخطّط للقاء ترامب في البيت الأبيض الأسبوع المُقبل
  • ترامب يعود إلى البيت الأبيض: هذه الدولة وجهته الخارجية الأولى
  • عبدالكبير: عودة ترامب إلى البيت الأبيض سيخلق توافقاً في مجلس الأمن حول ليبيا
  • البيت الأبيض: وقف إطلاق النار سيظل سارياً حتى هذا التاريخ
  • كشف حساب لترامب في أول أسبوع له بعد عودته إلى البيت الأبيض
  • رئيس المحكمة الدستورية: الذكاء الاصطناعي موضوع حتمي لا يمكن استبعاده من حياتنا اليومية
  • في لاس فيغاس..ترامب يحتفل بأسبوعه الأول في البيت الأبيض
  • ميلانيا ترامب تقود مخططاً سرياً غير مسبوق داخل البيت الأبيض
  • الجنائية الدولية تستعد لمواجهة عقوبات أميركية محتملة