صفقة واشنطن-طهران.. تأثير محدود لا يؤسس انفراجا

السلوك الإيراني متحرك في إطار البحث عن مصالحه ضمن منطلقات الأمن القومي والسيادة.

إدارة بايدن التي تستعد لحملة انتخاب 2024، لن تدخل في اتفاق لا يمكن ضمان عدم استغلاله من جانب الجمهوريين.

محدودية الصفقة الأخيرة بين الطرفين الأميركي والإيراني لا تتيح تأسيس مرحلة من الانفراج في العلاقات بين الطرفين.

إدارة بايدن عاجزة عن تقديم ضمانات للعودة إلى اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة (2015) والضامنة لعدم وصول إيران عتبة تقنية إنتاج سلاح نووي.

بايدن غير قادر على إقناع اللوبي الإسرائيلي المتمترس خلف مواقف اليمين المتطرف الصهيوني الذي يفترض شيطنةً مطلقةً لإيران، ويرفض أي اتفاق أميركي إيراني.

ما يمكن أن يتحقق حاليا من انفراجات محدودة في العلاقة بين إيران وأميركا سيصطدم بغياب الظروف الإقليمية والدولية الملائمة لتسييله في إطار اتفاق شامل بين الطرفين.

* * *

أظهرت المعطيات الأخيرة المتعلقة بالتجاذبات الإيرانية الأميركية تناقضاً أميركياً لناحية مصادفة توقيت إعلان اتفاق تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية تعزيز قواتها في الخليج ومضيق هرمز، عبر إرسال عدة آلاف من الجنود، بالإضافة إلى قرارها إرسال عدد من طائرات F16 وF35 بحجة حماية التدفق الحر للتجارة الدولية في المنطقة.

بطبيعة الحال، كان من الممكن تصنيف خبر إرسال القوات إلى الخليج على أنه عادي، بحيث إن إدارة بايدن أعلنت أن الهدف الأميركي في العلاقة بإيران لن يخرج عن القرار الاستراتيجي القاضي باحتوائها، وبحيث إن إدارة بايدن العاجزة عن تقديم ضمانات تساعد على العودة إلى اتفاقية العمل المشتركة الشاملة لعام 2015 وتضمن عدم وصول إيران إلى عتبة القدرة على امتلاك تقنية إنتاج سلاح نووي.

بالإضافة إلى الفشل في ربط قدرات إيران الصاروخية وعلاقاتها الإقليمية بمندرجات القرار 2231، من الطبيعي أن تحاول تقديم نفسها ضابطاً لإيقاع العلاقات الإيرانية الأميركية، ومتحكماً في مساراتها من خلال إظهار قدرتها على إدارة استراتيجيات التهديد، عبر الإيحاء في قدرتها على إعادة حشد قواتها في الخليج، تحت عناوين قديمة متجددة تتعلق بأمن الملاحة والعبور.

وعليه، فإن خبر الحديث عن صفقة، ظهر منها إلى العلن ملف الإفراج عن سجناء أميركيين مقابل تحرير أموال إيرانية بالخارج، لن يكون عادياً في هذا السياق، خاصة إذا تمت مقاربته في إطار مواقف إدارة بايدن الأخيرة المتصلبة تجاه التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، بحيث إن أي حل لقضايا الإقليم لن تكون مقبولة إلا إذا تم تسييلها ضمن إطار توازن دولي ملائم لمصالحها، وهذا ما لم تنضج مفاعيله حتى هذه اللحظة.

فالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي لم تُظهر حتى هذه اللحظة مدى تأثيرها النهائي في النظام الدولي، معطوفةً على الانقلابات المتلاحقة في منطقة الساحل الأفريقية، والتي تصبّ في مجملها في ميزان الموقف المناهض للهيمنة الغربية، بالإضافة إلى الدور الصيني المتمدد عبر قارات العالم القديم الثلاث، تؤكد حتمية تصلب الموقف الأميركي تجاه أي انفراجات، إلّا في حالة المراهنة على تحقيق أي خرق يخدم استراتيجيتها.

وعليه، يفترض تحليل الأهداف الأميركية من هذا السلوك المتناقض، ومحاولة إيجاد المساحة المشتركة التي قد تكون دافعاً وراء انفتاح إيران على صفقات كهذه.

إذاً، كان من الممكن تحليل المنطق الإيراني، الداعي إلى التوصل إلى صفقة كهذه، بحيث إن براغماتية الحكومة الإيرانية ظهرت من خلال عدم تحول حَزمها بشأن المحافظة على أمنها في منطقة الخليج وعدم ترددها في احتجاز سفن التهريب، وقرارها النهائي بشأن المحافظة على علاقاتها الاستراتيجية بروسيا، رغم اتهامها بمساعدة روسيا عسكرياً وفرض عقوبات عليها، إلى عائق يهدد مسعاها للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (2015)، أو نجاحها في التوصل إلى اتفاق لإعادة العلاقات بالسعودية.

من هذا المنطلق، يمكن تقويم السلوك الإيراني على أنه متحرك في إطار البحث عن مصالحه ضمن منطلقات الأمن القومي والسيادة. لذلك، فإن ما ظهر في الصفقة الأخيرة، بحيث وافقت إيران على الإفراج عن عدد من السجناء في مقابل تحرير أموالها من بنوك كوريا الجنوبية والعراق، يؤكد واقعية متخذ القرار الإيراني، الذي استطاع أن يُلزم الولايات المتحدة بتحقيق شرط من أهم الشروط التي طرحها مدخلاً للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، من دون أن يقدم أيّ تنازل، بحيث إنه لم يتم الحديث عن أي خفض في نسبة التخصيب، أو عن سلوك إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي.

لذلك، تظهر إشكالية هذه الصفقة عند تحليل المنطق الأميركي المبرّر لها في لحظة اتخاذ وزارة الحرب الأميركية قرارها حشد قوات استراتيجية إضافية في منطقة الخليج، تحت ذريعة مواجهة إيران.

فإدارة بايدن، المنغمسة في حرب كونية لحفظ ما تبقّى من موقعها في رأس النظام العالمي، والغارقة في مواجهة المعارضة الداخلية الباحثة عما يساعد على عودتها إلى الحكم عبر الانتخابات الرئاسية المقبلة، تبحث عمّا يمكن أن تستجمعه من أدوات القوة القادرة على تحقيق أهداف استراتيجيتها للأمن القومي الأخيرة، والتي أعلنها بايدن نهاية العام الماضي.

فالتركيز على كيفية مواجهة القوى الكبرى، القادرة على تغيير موازين القوى العالمية، كالصين وروسيا، يفترض ابتداع حلول في الملفات والقضايا التي قد تصبح هامشية مقارنةً بذلك الهدف. بالإضافة إلى ذلك، قد يُظهر الضعف الأميركي، وعدم القدرة على التحكم في مسار الأزمات الكبرى، ميلاً نحو محاولة البحث عن نجاحات يمكن تسويقها على أنها دليل على عدم فقدان القدرة على المبادرة أو التحرك.

إذا راجعنا الأحداث الأخيرة، التي أثّرت سلباً في موقع الولايات المتحدة عالمياً وإقليمياً، فإن محاولة حصرها في عدد أصابع اليد لن تكون أمراً ممكناً، انطلاقاً من أوكرانيا والتململ الأوروبي من إطالة أمد الحرب، وصولاً إلى الدور الصيني المتعاظم، مروراً بفشل سياسة العقوبات الأحادية والتحرك نحو التخلي العالمي عن الدولار في التجارة العالمية، وخروج قوى إقليمية كالسعودية، عن الطاعة الأميركية، بالإضافة إلى الأزمة التي تعصف بالعلاقة بالكيان الإسرائيلي، وضعف جبهة الكيان الداخلية، وانقساماتها وفشل مشاريعها في اليمن وسوريا والعراق، من دون أن ننسى لبنان.

لذلك، يمكن القول إن محدودية الصفقة الأخيرة بين الطرفين الأميركي والإيراني لا تتيح تأسيس مرحلة من الانفراج في العلاقات بين الطرفين، بحيث إن الإرادة الأميركية بشأن التوصل إلى اتفاق شامل بين الطرفين ما زالت مفقودة.

وإذا كان واضحاً مدى إشادة الجانبين بالجهود التي أدّت إلى حدوث الصفقة، ومحاولة تظهيرها على أنها مدخل يمكن الركون إليه في المرحلة المقبلة، فإن الرغبة الإيرانية في التوصل إلى رفع العقوبات، في مقابل اتفاق نووي عادل، لا يلاقيها سعي أميركي واضح وحقيقي نحو حل أزمة العلاقة بالجمهورية الإسلامية.

فالإدارة الأميركية الحالية، والتي تستعد لحملة تجديد انتخاب الرئيس بايدن، لن تدخل في اتفاق تعلم بأنه لا يمكن ضمان عدم استغلاله من جانب الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى عدم قدرة بايدن على إقناع اللوبي الإسرائيلي، المتمترس خلف مواقف اليمين المتطرف الصهيوني، الذي يفترض شيطنةً مطلقةً لإيران، ويرى تأثيراً سلبياً لأي اتفاق أميركي إيراني في أمن الكيان.

وعليه، يمكن القول إن ما يمكن أن يتحقق، في هذه المرحلة، من انفراجات محدودة في العلاقة بين إيران وأميركا سيصطدم بغياب الظروف الإقليمية والدولية الملائمة لتسييله في إطار اتفاق شامل بين الطرفين.

فالفشل الأميركي في تطويع برنامج إيران النووي، منذ حاول كلينتون الضغط على إيران من خلال فرض حظر عليها، بالإضافة إلى الواقع الأميركي المتأزم دولياً، والمنهمك بمعركة الرئاسة المقبلة، لا يمكن أن يقدّم إلى الإدارة الحالية ظروفاً ملائمة لتسويق اتفاق شامل مع الجمهورية الإسلامية في الوقت الحالي.

*د. وسام إسماعيل باحث واستاذ جامعي لبناني

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إيران أميركا الولايات المتحدة إدارة بايدن النظام العالمي تبادل السجناء خطة العمل الشاملة المشتركة الكيان الإسرائيلي بالإضافة إلى بین الطرفین إدارة بایدن التوصل إلى إلى اتفاق فی إطار یمکن أن

إقرأ أيضاً:

التايمز: إيران "المكشوفة" تخشى الانتقام من إسرائيل

عندما نفذت إسرائيل غارتها الجوية الثانية على إيران الشهر الماضي، رداً على هجوم صاروخي إيراني، قللت طهران من أهمية الغارات الجوية التي استهدفت العاصمة ووصفتها بأنها "محدودة".

طهران حذرة من الرد بينما دفاعاتها الجوية معطلة

ومع ذلك، فقد توعدت طهران  بالرد، وقالت هذا الأسبوع إن الانتقام سيكون "حاسماً".
وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية إن هذا التهديد قد لا يتحقق في ظل تفكير إيران في موقفها الهش، فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) جميع بطاريات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز إس 300، والعديد من منشآت الرادار على طول ممر يترك البلاد تحت رحمة إسرائيل، وفقاً لمسؤول غربي مطلع على الأضرار.
وقال: "ستستغرق إعادة بناء الدفاعات الجوية عاماً كاملاً. وهذا سيجعلهم يفكرون مرتين قبل ضرب إسرائيل".

Tehran is wary of retaliation while its air defences are crippled — and unrest is growing among a population weary of hardline Islamist rulehttps://t.co/bJOjewhhJA

— The Times and The Sunday Times (@thetimes) November 21, 2024


وجاءت الغارات الجوية ردا على إطلاق إيران عدة مئات من الصواريخ الباليستية على منشآت عسكرية في إسرائيل، في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى جانب مسؤول عسكري إيراني كبير. وتسببت هذه الاغتيالات، أثناء الهجوم الإسرائيلي الذي دمر الميليشيا المدعومة من إيران، في إحراج طهران بشدة، التي انتقدها أنصارها لعدم تدخلها.
ولكن إيران تدرك أن التفاوت لم يكن قط أكثر وضوحاً بين قوة مثل إسرائيل، وجيشها ضعيف التسليح ودفاعاته الجوية المتقادمة والميليشيات المتحالفة معها. ففي موجة واحدة من الغارات الجوية، نجحت إسرائيل في شل الدفاعات الجوية الإيرانية وعرقلة برنامج تصنيع الصواريخ لديها.

 

Systemic Failure of Israel’s Air Defense systems. Hebrew media had a black out on casualties right now.

In case of a response, Iran has vowed to send 1000 more… pic.twitter.com/lUnjSSeQIH

— Greg J Stoker (@gregjstoker) October 1, 2024


ولكن إيران تخشى أن تكون الضربة التالية أكثر تجرؤاً. فقد أشارت إسرائيل إلى أنها قد تضرب المنشآت النووية الإيرانية. وقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، هذا الأسبوع إن أحد الأهداف في الضربات التي شنت في أكتوبر (تشرين الأول) أصاب "مكوناً" في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى منشأة بارشين. وقد نفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تكون المنشأة  نووية.
وتلفت الصحيفة إلى أن مخاوف إيران تمتد إلى ما هو أبعد من برنامجها النووي الضعيف. ففي خطابين مسجلين بالفيديو موجهين إلى الشعب الإيراني، شجع نتانياهو الإيرانيين على الانتفاضة ضد النظام غير الشعبي الذي يقوده المرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، والذي ينشغل بمسألة خلافته.

مجتبى خامنئي


ويفضل المرشد ابنه مجتبى لهذا المنصب بعد وفاة المرشح الآخر، الرئيس إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحية في وقت سابق من هذا العام. وأدى الصراع مع إسرائيل في خضم الاستعدادات الجارية  للخلافة إلى مزيد من التوتر.
أدرك النظام الإيراني دائماً يدرك أنه يقاتل على جبهتين: جبهتان خارجيتان، في الأساس ضد إسرائيل من خلال وكلائها الضعفاء الآن، وحرب داخلية ضد غالبية مواطنيه، الذين يعارضون حكمه الإسلامي المتشدد.


اضطرابات اجتماعية


وسادت موجة من الاضطرابات الاجتماعية في البلاد في أعقاب وفاة مهسا أميني في عام 2022، التي توفيت في مركز احتجاز للشرطة بعد أن ألقت الشرطة الأخلاقية القبض عليها بزعم عدم ارتدائها الحجاب.
وفي الوقت نفسه، أجبرت إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018 الحكومة على زيادة الضرائب على شعبها وإدارة عجز ميزانية متضخم، مما أبقى التضخم السنوي قريبًا من 40 في المائة. وسجلت انتخابات البرلمان والرئاسة هذا العام رقماً قياسياً في انخفاض نسبة المشاركة حيث دعت المعارضة إلى المقاطعة.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تشعر بقلق عميق من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
  • الفرصة سانحة.. الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
  • القنصل الأميركي لدى أربيل: العلاقات الأميركية العراقية توجه دفتها نحو التعاون الاقتصادي
  • قرار جديد يدين طهران.. وثلاث دول تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب ”فوراً”
  • صفقة قياسية في الدوري الأميركي
  • زلزال بقوة 5.3 في جنوب إيران.. ولا تأثير له في الإمارات
  • تعديلات لبنانية للمقترح الأميركي وحديث إسرائيلي عن تسوية وشيكة
  • بعد واقعة حضانة الغربية| تأثير تعرض الصغار للضـ.ــرب.. وكيف يمكن للأم اكتشافها؟
  • التايمز: إيران "المكشوفة" تخشى الانتقام من إسرائيل
  • اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار