أنس عبدالرزاق

في عالم تتحكم فيه الاقتصادات بمصير الحروب، لم تعد المقاطعة مُجَـرّد شعارات يُهتف بها في الميادين، بل تحوّلت إلى سلاحٍ يعيد تشكيل خريطة النفوذ. فمنذ أن أغلقت الشعوب العربية أبوابها أمام بضائع الاحتلال الإسرائيلي رداً على النكبة عام 1948، وحتى الحملات الرقمية التي تستهدف شركات “ستاربكس” و”ماكدونالدز” اليوم، تشهد المنطقة صراعاً اقتصاديًّا غير مُعلن.

لكن، هل نجحت هذه المقاطعة الشاملة – بجبهتيها الشعبي والمؤسّساتي – في تحويل الاحتلال إلى عبءٍ اقتصادي لا يطيق الكيان حمله؟

قوة الرفض الشعبي… عندما يُحوِّل المواطن عربة التسوق إلى سلاح!

لا يحتاج المواطن إلى دبابة ليُدين الاحتلال؛ فرفضه لعلبة “تمور المستوطنات” في السوبرماركت قد يكون كافياً. هكذا تعمل مقاطعة الأفراد، التي حوّلت الاستهلاك اليومي إلى معركة:

– أرقام تُنذر بالخطر: وفقاً لدراسة أجرتها منظمة “وول ستريت جورنال” (2023)، خسر الكيان الإسرائيلي 45 % من صادراتها الزراعية إلى أُورُوبا خلال عامين، بعد حملات مقاطعة استهدفت منتجات مثل “النبيذ الاستيطاني” و”مستحضرات البحر الميت”.

– “لم أعد أشتري أي منتج إسرائيلي، حتى لو كان أرخص، لأن ضميري لا يُسامحني”، تقول، مُشاركة في حملة “بضائع-الاحتلال-مرفوضة” التي اجتاحت منصات التواصل عام 2023. هذا الرفض الأخلاقي حوّل علامات مثل “أهافا” إلى “وصمة عار” في أسواق أُورُوبا، وفقاً لتحليل نشرته مجلة فوربس.

المؤسّسات الكبرى تنسحب… هل فقدت إسرائيل بريقها الاستثماري؟

لم تكن مقاطعة الأفراد وحدها في الميدان؛ فالقرارات الجريئة لصناديق الثروة السيادية والبنوك العالمية تُضاعف الخسائر:

– النرويج تُشعل الشرارة: عندما أعلن الصندوق السيادي النرويجي (أكبر صندوق في العالم) سحب استثماراته من شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية عام 2020، كان الرسالة واضحة: “لا مكان للاستثمار في الدم”. لم تكن النرويج وحدها؛ فـ 12 دولة أُورُوبية قلصت استثماراتها في إسرائيل بنسبة 30 % منذ 2021، بحسب تقرير البنك الدولي.

– الشركات تفرّ من الساحة: لم تستطع شركات مثل “AXA” الفرنسية و”HSBC” البريطانية تحمّل ضغوط الرأي العام، فانسحبت من تمويل المستوطنات. حتى “غوغل” و”مايكروسوفت” بدأتا مراجعة تعاونهما مع شركات صهيونية في مشاريع المراقبة الإلكترونية، كما كشفت **وثائق مسربة لـ “الويكيليكس” (2023).

الأرقام لا تكذب… ماذا خسر الاحتلال الإسرائيلي حقاً؟

وراء الخطابات السياسية المُزيّفة، تكشف الأرقام عن اقتصاد يترنح:

– انكماش النمو: تراجع الناتج المحلي الصهيوني من 5. 6 %إلى 2. 9 % خلال عام واحد (2022-2023)، وهو الأسوأ منذ جائحة كورونا، وفقاً لـ صندوق النقد الدولي.

– أزمة “الهايتك”: قطاع التكنولوجيا، الذي يُشكّل عمود الاقتصاد الصهيوني، يشهد نزيف استثمارات. 20 %من شركات الهايتك الصهيونية أبلغت عن صعوبات في اجتذاب مستثمرين جدد، بحسب تقرير “ستارت أب نايشن” (2023).

– الاحتلال يُكلّف أكثر: كشفت وثيقة سرية لوزارة المالية الإسرائيلية (نُشرت في “هآرتز”) أن تكلفة الحفاظ على المستوطنات ارتفعت إلى 23 مليار شيكل سنوياً، بينما تُخفّض المقاطعة الإيرادات بوتيرة متسارعة.

لماذا لا ينهار الكيان الإسرائيلي؟ الجبهة المضادة للمقاطعة

رغم الضربات الموجعة، ما زال الاقتصاد الصهيوني صامداً، وهذا بعض أسباب ذلك:

– الدعم الأمريكي اللامحدود: تُضخ واشنطن 3. 8 مليار دولار سنوياً في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى قوانين تجريم BDSفي 35 ولاية، والتي تُهدّد أي شركة تدعم المقاطعة بغرامات تصل إلى 1 مليون دولار.

– الشركات الوهمية: يعيد الكيان تصدير منتجات المستوطنات عبر دول مثل قبرص ورومانيالخداع قوائم المقاطعة، كما ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

– التحالفات الجديدة: الاستثمارات الهندية (مثل ميناء حيفا) والصينية (مشاريع البنية التحتية) تُعوّض جزئياً عن خسائر أُورُوبا.

-دعم المنتج المحلي.

هل تُكتب النهاية الاقتصادية للاحتلال؟

المقاطعة الشاملة ليست عصاً سحرية، لكنها نجحت في تحويل الاحتلال من “مصدر قوة” إلى “مصدر تهديد” للاقتصاد الصهيوني. الأرقام تشهد أن الاحتلال الإسرائيلي يدفع رويداً إلى زاويةٍ ضيقة: فإما أن تدفع ثمن استمرار احتلالها عبر خسارة مكانتها كـ”واحة استثمارية”، أَو تُعيد حساباتها.

لكن المعركة الحقيقية ليست اقتصادية فحسب، بل هي معركة وعي. فكل علبة تموُّر يُرفض شراؤها، وكل سهم يُسحب من البورصة، هو إعلان بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولى. ربما لا تنهار الصهيونية غداً، لكن انهيار شرعيتها الاقتصادية بدأ… والمقاطعة هي الوقود!

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نسمح بالعودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر 2023

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن إسرائيل لن تسمح بالعودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر 2023.

وأضاف "كاتس" في تصريحات نقلتها فضائية "القاهرة الإخبارية" اليوم الإثنين: "سنواصل تطبيق وقف إطلاق النار بشكل حازم في الشمال والجنوب".

وبدأ تحرك آلاف الفلسطينيين العائدين إلى المناطق الشمالية من قطاع غزة، منذ صباح اليوم الإثنين، سيرًا على الأقدام عبر طريق شارع الرشيد نحو شمال قطاع غزة، فيما تحركت المركبات عبر شارع صلاح الدين.

وكان سريان اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة وصفقة تبادل المحتجزين والأسرى، قد بدأ يوم الأحد، 19 يناير، والذي تبلغ المرحلة الأولى منه 42 يومًا.

يذكر أنه تم الإعلان يوم الأربعاء 15 يناير عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة "حماس" والعودة إلى الهدوء المستدام ينفذ على ثلاث مراحل؛ بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية؛ ليبدأ سريان الاتفاق اعتبارًا 19 يناير، وهو ما أعقبه تسليم حماس لثلاث محتجزات إسرائيليات، بجانب إفراج الاحتلال عن 90 أسيرًا فلسطينيًا.

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نسمح بالعودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر 2023
  • الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على عدة مدن فلسطينية مساء اليوم
  • “طوفان الأقصى”.. كتاب جديد يناقش تغيّر قواعد اللعبة في ندوة بنقابة الصحفيين
  • السبت.. “الصحفيين” تنظّم ندوة لمناقشة كتاب "طوفان الأقصى.. مَنْ غيّر قواعد اللعبة؟"
  • واجهة One UI 7 تصميم مختلف وذكاء اصطناعي يغير قواعد اللعبة
  • فيما هي الداعم والممول الأول له في العالم:أمريكا تتلاعب بالإرهاب ليواكب مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي
  • من وراء الكواليس: كيف خططت حماس لعملية الإفراج عن الأسيرات وغيرت قواعد اللعبة؟
  • الكيان الصهيوني باق في لبنان بدعم أميركي!
  • كيف تغيّر أمريكا قواعد اللعبة الاقتصادية.. أوروبا أمام تحدي نموذج الرأسمالية الوطنية