26 يناير، 2025

بغداد/المسلة:

محمد صالح صدقيان

كنتُ واحداً من المُتحمسين لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، إستناداً إلى فرضية انخراطه السريع في مفاوضات نووية محتملة مع إيران لحل ملفها برمته، خصوصاً وأن سلفه جو بايدن أظهر ضعفاً كبيراً في مقاربة معظم الملفات الخارجية وإدارتها.

لنأخذ الملف الإيراني على سبيل المثال لا الحصر؛ كان جو بايدن يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين إلى الوراء، برغم أن العودة إلى “الاتفاق النووي” كانت في صلب البرنامج الانتخابي لولايته اليتيمة؛ وكذا الأمر مع باقي الملفات ومنها حرب غزة حيث زار وزير خارجيته أنطوني بلينكن منطقة الشرق الأوسط أكثر من 12 مرة لكنه فشل ـ وغيره من الموفدين الأمريكيين ـ في تنفيذ وقف النار علی الرغم من موافقة حركة حماس علی الخطة التي طُرحت منذ ربيع العام 2024 وشكّلت ركيزة لقرار وقف النار الذي فرضته إدارة ترامب بعد أقل من أسبوع من دخول الرئيس العائد إلى البيت الأبيض في مطلع العام 2025.

ولا يختلف إثنان في إيران على أن كلاً من الحزبين الديموقراطي والجمهوري عملا من خلال العقوبات وباقي “الضغوط القصوى” على مواجهة إيران منذ العام 1980؛ إلا أن كل “فنون المواجهة”، وبعضها لا مثيل له في التاريخ، لم تؤدِ إلى نتيجة حاسمة.. وثمة قناعة عند العديد من الخبراء الإيرانيين بأن “الاتفاق النووي” لو تم التوقيع عليه في عهد الجمهوريين، لن يجرأ الديموقراطيون على الانسحاب منه كما فعل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب؛ ولذلك فإن أي اتفاق محتمل يمكن أن يتم التوقيع عليه بين الرئيس الأمريكي الحالي والقيادة الإيرانية يُمكن التعويل عليه حتی وإن استدعی الامر توفير ضمانات متبادلة؛ أو أن ينال موافقة الكونغرس فإنه الأخير لن يتردد في إعطاء مثل هذه الضمانات التي طالبت بها طهران لكن بايدن رفض توفيرها، استناداً للسلوك المتردد وعدم امتلاكه الشجاعة الكافية لاتخاذ هكذا قرارات.

لا أريد أن أصطف الی جانب الرئيس ترامب وأدعم جميع توجهاته؛ لكن المؤشرات التي تلقتها طهران قبل دخول ترامب إلى البيت الابيض كانت مشجعة في مقابل مؤشرات مشجعة أيضاً أرسلتها طهران عبر الترويكا الأوروبية أو عبر وسطاء آخرين أو عبر تصريحات أطلقها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالتعبير عن رغبته بفتح مفاوضات “مباشرة” مع الولايات المتحدة من أجل تسوية المشاكل العالقة بين الطرفين وصولاً إلى رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة علی إيران.

أنا أتفهم طبيعة العلاقة الشائكة والمعقدة بين طهران وواشنطن والمستمرة منذ أكثر من 70 عاماً والتي لا يمكن حلها بين ليلة وأخرى؛ كما أن طبيعة العقوبات المفروضة علی إيران لا يمكن أن تُرفع بهذه البساطة بسبب تعقيد القوانين الأمريكية المرتبطة بهذا الشأن خصوصاً تلك التي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية والتي يحتاج رفعها إلى موافقة الكونغرس؛ إلا أن الإرادة السياسية إذا ما توافرت عند الإدارة الأمريكية الجديدة يُمكن تلمس مسارات ومقاربات للحل؛ وبالتالي ثمة مؤشرات صدرت من الفريق المحيط بالرئيس ترامب تدفع بالمشهد لأن يكون متفائلاً في السعي لايجاد حل لهذه الأزمة المزمنة.

لقد أعطت التطورات التي نشأت إثر السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 انطباعات جديدة للجانبين الأمريكي والإيراني بضرورة وضع مقاربات جديدة لأن مصالح الجانبين لا يُمكن أن تتعرض لتطورات مشابهة كما أن الوقوف إلی جانب الكيان الإسرائيلي في تهديداته وتصوراته الاقليمية لا يُمكن أن يضمن ويحمي الأمن القومي الأمريكي في الإقليم.

أما في إيران، فما يزال الاصطفاف قائماً بين مؤيد ومعارض للدخول في مفاوضات مع الجانب الأمريكي. ففي الوقت الذي تری الأوساط القريبة من الحكومة الإيرانية أن الوقت قد حان للدخول مع واشنطن في مفاوضات مباشرة تضمن رفع العقوبات وازالة المخاوف التي نشأت دولياً عن تمسك إيران ببرنامجها النووي؛ في حين ما يزال فريق آخر في القيادة الإيرانية يری أن المفاوضات سوف تُدخل إيران في نفق مظلم لا طائلة منه وستكون النتيجة المزيد من ابتزاز إيران وحشرها في زاوية حرجة لتحجيمها وحصرها في حدودها الأربعة لا حول لها ولا قوة.

وبين هذا وذاك يقف الملف الإيراني منتظراً اكتمال المشهد الأمريكي الذي يتأثر بعديد العوامل والتطورات ولربما أاكثرها أهمية هو استحقاق 25 تشرين الأول/أكتوبر القادم، تاريخ انقضاء عمر “الاتفاق النووي” الموقع عام 2015؛ ومدی رغبة الرئيس ترامب بتفعيل آلية “سناب باك” الواردة في “الاتفاق النووي” التي تؤهلها لعودة كافة العقوبات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي.

واللافت للانتباه أن الرئيس ترامب أبعد ثلاث شخصيات معادية جداً لطهران من فريقه الجديد كانت تعمل معه سابقاً: الأولی، جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق الذي كان أبعده في ولايته الأولی. الشخصية الثانية هي وزير الخارجية السابق مايك بومبيو. الثالثة هي المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك، الذي كان يقود الخط المتشدد تجاه طهران في ولاية ترامب الأولى. هذا لا يعني أن من عيّنهم ترامب في الخارجية ومستشارية الأمن القومي هم من الحمائم؛ علی العكس هم من صقور الصقور؛ لكن هذه المؤشرات ربما تُعطي انطباعاً إيجابياً لفتح باب المفاوضات خصوصاً اذا ما تم الدخول إليها من أبوابها الطبيعية المؤثرة.

ما زلت أعتقد أن منصة سلطنة عُمان التي عملت علی انجاز الاتفاق النووي عام 2015 تمتلك من المؤهلات والسياقات راهناً ما يجعلها الأقدر على ترتيب الأبواب المناسبة خصوصاً أن طهران اتخذت قرارها بالدخول في المفاوضات بشكل مباشر لجعل المفاوضات جادة ومفيدة ومثمرة.

وإذا كان صحيحاً أن ترامب صاحب “الصفقات الكبری”، فالصحيح أيضاً أن إيران تجيد إبرام مثل هذه الصفقات شريطة أن تتلقی مؤشرات أكثر وضوحاً تتحرك بواقعية علی الأرض وليس من “كوكب آخر”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: الاتفاق النووی الرئیس ترامب مکن أن

إقرأ أيضاً:

الرئيس اللبناني: سيادة لبنان ووحدة أراضيه غير قابلة للمساومة

سرايا - دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون، أهالي جنوب لبنان إلى ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة اللبنانية.



وقال لأهل الجنوب : "سيادة لبنان ووحدة أراضيه غير قابلة للمساومة، وأنا أتابع هذه القضية على أعلى المستويات لضمان حقوقكم وكرامتكم".



وتابع: "أشارك أهلنا في الجنوب فرحة انتصار الحق وأدعوهم إلى ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة".



حاول مئات الأشخاص منذ الصباح الدخول إلى قرى في جنوب لبنان الأحد، مع بقاء قوات الاحتلال فيها رغم انقضاء مهلة انسحابها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، بحسب فرانس برس.



وشاهد مراسلون في مناطق عدة بجنوب لبنان، مواكب من مئات السيارات والعربات يرفع بعض من ركابها شارات النصر ورايات حزب الله.



وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في وقت سابق بأن القوات الإسرائيلية أطلقت النار في اتجاه أشخاص حاولوا دخول قرية كفركلا، مما أدى لإصابة خمسة منهم.



ونقلت رويترز عن مسؤول طبي لبناني، عن استشهاد لبناني بنيران إسرائيلية في بلدة حولا جنوبي لبنان.

 

 

إقرأ أيضاً : قصة وزيرة الأمن الداخلي الأميركي وقتلها لكلبة وماعز بالرصاصإقرأ أيضاً : بعد رسالة أخته .. هانيبال القذافي يطل "ارفعوا الظلم عني"إقرأ أيضاً : خطة جديدة لترامب قد تنقذ تيك توك .. اسم شركة شهيرة يلوح

 





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 887  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 26-01-2025 01:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
هذه المعاهدة .. أنهت توسع العثمانيين ومهدت لسقوطهم ضغوط متزايدة على ترامب للكشف عن ملف هجرة الأمير هاري .. هل يواجه الترحيل؟ غدر بها فذبحته بالسكين .. ممرضة تصيب "قلب القاهرة" بالذعر بالصدفة .. الأشعة السينية تكشف امتلاء جسد رجل بكائنات مخيفة بالفيديو .. بـ"تنورة قصيرة وحقيبة... “تفاصيل صادمة حول حادثة حرق زوجة لزوجها: حروق خطيرة... الإعدام شنقا لعشريني قتل طفلا في الأردن بعد فشله... الأسيران الأردنيان (الحويطات و اللوزي) بانتظار... الأسير الأردني الحويطات يرفض الإفراج عنه إلا إلى... قصة وزيرة الأمن الداخلي الأميركي وقتلها لكلبة وماعز...بعد رسالة أخته .. هانيبال القذافي يطل "ارفعوا... خطة جديدة لترامب قد تنقذ تيك توك .. اسم شركة...لا عودة إلى شمال غزة قبل تسليمها .. من هي...إعلام عبري: إحدى الأسيرات المفرج عنهن طلبت البقاء..."هدنة غزة" تدخل أسبوعها الثانيترامب يلغي قرار بايدن .. ويسمح بإرسال قنابل ثقيلة...أسرى محررون يروون ما يجري داخل سجون الاحتلالعائلات فلسطينية تفترش الأرض بانتظار الفرصة للعودة... أحمد سعد وسرقة لحن "نور العين" .. ماذا... "أزمة قانونية" تهدد عرض فيلم السيرة... جينيفر لوبيز تدفع 20 مليون دولار لتلاحق بن أفليك... بعد خلافهما .. رامز جلال يفاجئ سمية الخشاب بتصرف... يسرا اللوزي تكشف أسباب لجوئها لطبيب نفسي فارغاس الفتح .. "مهووس" بقميص ميسي يتحدى رونالدو مقتل شاب عشريني طعنًا في الرمثا ركل زوجته في رأسها .. القبض على نجم مانشستر سيتي السابق "أريد الفوز بلقب قبل الرحيل" .. صلاح يزيد الغموض بـ"تصريح الوداع" ووكر وسيتي .. انتهاء رحلة أفضل ظهير أيمن في الدوري الإنجليزي الممتاز العثور على سفينة قديمة عمرها 2500 عام قبالة ساحل صقلية تسبب بإغلاق متحف لأسبوع كامل .. بريطاني ينتقم لطرده من العمل تطوير لقاح لوقف تفشي الأوبئة العالمية القادمة .. ما قصته؟ "الضوء الشبح" في كاليفورنيا .. ظاهرة غامضة تحمل مخاطر خفية "القولبة بالحقن" .. لحوم صناعية لا يُمكن تمييزها عن الطبيعية أودى بحياة 17 شخصًا .. "مرض غامض" يثير القلق في الهند اعتقال مالك الفندق المحترق الذي أودى بحياة 78 شخصًا في تركيا "يتحول" فيها ترامب إلى بوتين .. طرح "دولارات" فريدة للبيع في روسيا .. صور ضبط سيدة تطفئ سيجارة في ظهر طفل رضيع في الطريق العام بمصر في الهند .. جائزة بقيمة مليون دولار لمن يستطيع فك رموز عمرها آلاف السنين

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • إيران تتحدث عن "مشاورات" للتعامل مع سياسات ترامب تجاه طهران
  • إيران تنفي طلب «التفاوض المباشر» مع الولايات المتحدة
  • الرئيس اللبناني: سيادة لبنان ووحدة أراضيه غير قابلة للمساومة
  • مقترح ترامب بشأن "تطهير غزة" يثير الجدل: ماذا قال الرئيس الأمريكي؟
  • وسط أزمة اقتصادية خانقة والتضخم المرتفع.. إيران تواجه تحديات رفع الأجور
  • ما معنى الأمر التنفيذي الذي يوقعه الرئيس الأمريكي.. نظرة على أداة ترامب لتشكيل الحكومة وتسريع عملها
  • اعتقال مراهقتين في إيران رقصتا في نصب الجندي المجهول بطهران (فيديو)
  • طهران تعترف : لم تكن إيران على علم بهجوم 7 أكتوبر ضد إسرائيل
  • رفع السرية عن وثائق اغتيال جون كيندي.. ما رأي عائلة الرئيس الأمريكي الراحل في قرار ترامب؟