منذ القضاء على تنظيم الدولة «داعش» فى سوريا والعراق على مستوى الأرض، اختار التنظيم مسرحا جديدا للظهور فيه، خصوصا وأن عددا من الجماعات الإرهابية فى القارة السمراء كان قد أعلن ولاءه لتنظيم الدولة «داعش»، حينها بدأ الصراع يأخذ شكلا جديدا بين التنظيمين الإرهابيين الأكثر خطورة فى العالم على الأراضي الأفريقية.

ويرجع ذلك لتمركز العديد من الجماعات الإرهابية فى عدد كبير من البلدان الأفريقية وهذا لأسباب عدة أهمها أن البيئة تبدو شبه مواتية لنشاط هذه الجماعات، وذلك نتيجة لغياب الدور المؤثر للمؤسسات فى تلك الدول، وهشاشة النظام الأمني السائد، أو وجود مؤسسات غير قادرة على وضع تدابير تخفف من الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية الإثنية والقبلية.

بالإضافة إلى أن هياكل الدول لا تسعفها قدراتها على التقليل والتخفيف من حدة النزاعات والصراعات المرتبطة بالحدود القبلية والإثنية، وهو الأمر الذى جعل هذه الجماعات فى بعض الأحيان بديلًا لمؤسسات الدولة من خلال توفيرها الحماية والخدمات للسكان المحليين. 

كذلك تتيح المناطق الحدودية غير المراقبة فى معظم الدول الأفريقية فرصة لهذه التنظيمات للتحرك بحرية عبر الحدود، فضلًا عن وصول السلاح إليها من الموردين الخارجيين. ليس هذا فحسب، بل إن الصراعات الحدودية بين الدول، وانتشار الجماعات المسلحة، أتاح فرصًا لهذه الجماعات الإرهابية للنمو والتكاثر وجذب التأييد، والدخول فى تحالفات وعلاقات، سواء مع بعض الحكومات أو بعض الجماعات المسلحة، فى تبادل مصالح.

كذلك تمنح البيئة الأمنية الهشة فرصة لممارسة هذه الجماعات الأنشطة غير المشروعة للحصول على الدعم والتمويل. على سبيل المثال، تعمل هذه الجماعات فى الترويج لتجارة المخدرات وتجارة السلاح بعيدًا عن مراقبة الدول، والاتجار بالبشر، والجريمة العابرة للحدود، فى ظل حدود يصعب مراقبتها. وارتفاع كبير فى بؤر التوتر والصراع، وأخيرًا غياب المشاريع التنموية.

كذلك تتيح البيئة الاجتماعية مجالًا لهذه التنظيمات للانتشار والتغلغل بين السكان المحليين، فهم يقدمون بعض الخدمات الاجتماعية التى تعجز الدول عن الوفاء بها، مثل الصحة والتعليم والمساعدات.

وإجمالًا يمكن القول إن تلك العوامل سهلت بدرجة كبيرة مهمة هذه الجماعات إلى الوصول إلى مبتغاها من خلال الاعتماد على التنسيق والتعاون مع السكان المحليين مقابل أن توفر لهم الحماية وتؤمن لهم التجارة غير المشروعة.

كل هذا وغيره جعل تنظيم الدولة «داعش» يفكر جديا فى إعادة إنتاج خلافته المزعومة على الأراضى الأفريقية خصوصا فى منطقة الساحل، ويعد تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل ثانى أكثر الجهات المسلحة نشاطا – بعد منافسته لتنظيم القاعدة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين «القاعدة» فى الصراع الإقليمى فى منطقة الساحل.

من موطنه الاستراتيجى فى المنطقة الحدودية بين مالى والنيجر، حيث تعتبر قرى مثل إن عربان وأكابار وإنفوكاريتان قواعد مهمة، يعمل تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل بشكل أساسى فى منطقة ليبتاكو-غورما. وقد أصبحت الجماعة الجهة الفاعلة المهيمنة فى العديد من المناطق التى تشمل هذه المنطقة، بما فى ذلك منطقتا جاو وميناكا فى مالى، ومقاطعتا أودالان وسينو فى بوركينا فاسو، ومنطقتا تيلابيرى وتاهوا فى النيجر، فضلا عن المناطق المتاخمة للمنطقتين المذكورتين أعلاه.

الوجود

بالنسبة لوجود تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل وطوال الفترة بين عامى ٢٠١٥ و٢٠١٩، عندما كان يعرف باسم ISGS، كانت علاقاته مع داعش المركزية – فى العراق والشام- ضعيفة فى أحسن الأحوال. وعلى الرغم من هذا الانفصال العلنى الواضح، والذى تجلى فى غياب «الاستراتيجية الدولية لمعلومات الإحصاء فى سوريا» عن العمليات الإعلامية لتنظيم «الدولة «داعش”»، إلا أن العنف والوحشية اللذين أظهرهما التنظيم أظهرا ولاءه المستمر واستعداده للتحالف مع التنظيم الأم. وقد تغير هذا الرابط الضعيف فى مارس ٢٠١٩، عندما تم دمج الجماعة رسميا فى البنية التحتية التنظيمية لتنظيم الدولة «داعش» باعتبارها فصيل الصحراء الكبرى التابع لتنظيم الدولة «داعش» فى تنظيم «الدولة فى العراق والشام»

حدث اندماج المجموعة كجناح مستقل لـ ISWAP على خلفية التوسع المسلح للجماعة فى جميع أنحاء منطقة الساحل. فى الفترة التى أعقبت دمج تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل، لوحظ تغيير كبير فى قدرات تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل عندما هاجم التنظيم واجتاح العديد من المواقع العسكرية فى منطقة ليبتاكو- جورما على مدار عام بين مايو ٢٠١٩ ومايو ٢٠٢٠، مما أسفر عن مقتل أكثر من ٤٠٠ جندى من بوركينا فاسو ومالى والنيجر. 

ويبدو أن الحملة العنيفة كانت مدفوعة بالمنافسة المتزايدة بين تنظيم «الدولة «داعش”» فى منطقة الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث سعت الأولى إلى تحدى هيمنة نظيرتها فى تنظيم «القاعدة»، التى كانت لسنوات حليفا يواجه خصوما مشتركين بين القوات الدولية والقوات الحكومية المحلية والميليشيات الموالية للحكومة.

وردا على الفتك المتزايد لتنظيم «الدولة «داعش» فى منطقة الساحل والعجز الواضح للقوات الحكومية عن مقاومة التنظيم بشكل فعال، وجهت فرنسا عمليات عسكرية واسعة النطاق لاحتواء التهديد المتزايد من تنظيم «الدولة «داعش» فى منطقة الساحل، خلال حملة عسكرية شنت بين أوائل عام ٢٠٢٠ ومنتصف عام ٢٠٢١ ضد الجماعة، عانى تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل من استنزاف كبير، ودمرت قيادته الأساسية التاريخية للصحراء الغربية إلى حد كبير.

وكان من بين القتلى خلال هذه الحملة مؤسس تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل أبو وليد الصحراوي، الذى قتل فى غارة جوية عسكرية فرنسية فى غابة دانجاروس فى ١٧ أغسطس ٢٠٢١.

ومع ذلك، وكما هو الحال مع الحملات العسكرية السابقة ضد تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل، رافقت هذه العمليات أعمال عنف عشوائية من قبل قوات الدولة المحلية التى خلفت مئات القتلى المدنيين فى غضون أشهر.

علاوة على ذلك، لم تتمكن القوات الحكومية أبدا من استعادة الأراضى المفقودة وإعادة تأسيس وجود دائم كاف. وبدلا من ذلك، ستصبح المنطقة ساحة معركة مهمة فى حرب نفوذ شاملة بين تنظيم «الدولة «داعش”» فى منطقة الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث يتنافس كلاهما على النفوذ والهيمنة فى المنطقة الحدودية ذات الدول الثلاث.

أصبح الصراع بين داعش فى الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين مميتا ومطولا بشكل خاص، حيث تم الإبلاغ عن ما يقرب من ٢٠٠ اشتباك أسفر عن مقتل أكثر من ١.١٠٠ مقاتل منذ اندلاع القتال فى منتصف عام ٢٠١٩.

فى حين اكتسبت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الهيمنة فى عام ٢٠٢٠، تحول المد لصالح تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل فى الأشهر الأخيرة من ٢٠٢٢، حيث ألحق مقاتلو داعش فى الساحل خسائر كبيرة فى صفوف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فى سلسلة من المعارك الكبرى فى منطقتى غاو وميناكا وعلى طول الحدود بين بوركينا فاسو ومالى بين سبتمبر ونوفمبر ٢٠٢٢، وقد سمح ذلك لمقاتلى تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل بالعودة إلى المناطق التى كانوا غائبين فيها إلى حد كبير بعد طردهم من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين خلال قتال عام ٢٠٢٠.

كما تم تسجيل نشاط متقطع آخر ل تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل فى الجزائر وبنين ونيجيريا المجاورة. فى الجزائر، شارك تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل فى عدد قليل من الأحداث فى عامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠ بعد محاولته استعادة موطئ قدم فى المناطق التى كان سلفه حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا موجودا فيها فى ٢٠١١.

كانت الأنشطة فى الجزائر مدفوعة بخطة لتوسيع العمليات خارج المعقل التقليدى للجماعة فى المنطقة الحدودية ثلاثية الدول، فى محاولة على ما يبدو لإنشاء مركز تنسيق من خلال توحيد القوات مع المقاتلين الليبيين وربما القيام بمحاولة قصيرة الأجل لإحياء ولاية الجزائر التابعة لتنظيم الدولة «داعش».

يتم تفسير النشاط القليل للتنظيم فى شمال غرب نيجيريا فى عام ٢٠١٩ بعدة عوامل:

أولا: يعد الطريق بين سنام ودوجوندوتشى وسوكوتو طريق إمداد مهم للمجموعة.

ثانيا: وصل مقاتلون من داعش فى الساحل إلى سوكوتو فى عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩ لمساعدة المجتمعات التى تربطهم بها روابط قرابة ضد اللصوصية.

ثالثا: وفر شمال غرب نيجيريا فرصا للتجنيد حيث سعى مسلحو تنظيم «الدولة «داعش”» فى منطقة الساحل إلى توسيع عملياتهم. كان يشار إلى مقاتليهم العاملين هناك فى ذلك الوقت محليا بلغة الهوسا باسم «لاكوراوا» (المجندين).

وفى الوقت نفسه، أصبحت الأنشطة فى بنين أكثر حداثة، حيث أعلن تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل مسؤوليته عن عمليتين فى مقاطعة أليبورى فى يوليو ٢٠٢٢. ووفقا للدعاية الخاصة بتنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل، كان هذا جزءا من التوسع المستمر للجماعة فى مناطق جديدة.

ومع ذلك، من المحتمل أن تكون أنشطة تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل فى بنين سابقة للعمليات المزعومة، ولكنها تظل سرية إلى حد كبير فى طبيعتها. ويأتى الوجود المعلن لتنظيم الدولة «داعش» فى منطقة الساحل فى بنين على خطى توسع أوسع وسريع للمسلحين فى جميع أنحاء منطقة الساحل والأجزاء الشمالية من الدول الساحلية فى غرب أفريقيا.

وفى حين انتقل كل من تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين فى وقت واحد إلى مناطق جديدة فى السنوات الأخيرة، واجه مقاتلو تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل صعوبة فى الحفاظ على وجودهم وتعزيزه فى هذه المناطق، كما رأينا فى المناطق الشرقية والوسطى الشمالية فى بوركينا فاسو وفى وسط مالى.

ومع ذلك، فقد تمكنوا من فرض هيمنتهم على معاقلهم التقليدية وتوسيع نفوذهم فى المناطق المجاورة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت بنين ستصبح استثناء من الاتجاه السائد.

نمط العنف والأنشطة

يظهر مقاتلو داعش فى الساحل نمطا متميزا من الصراع يتميز بالعنف على نطاق واسع ضد مجموعة متنوعة من الخصوم والمدنيين. أحد الجوانب المهمة لعنف تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل هو أنه يميل إلى أن يكون عشوائيا: لا يميز تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل بين المقاتلين والمجتمعات المدنية بين القوات المتعارضة.

وعلى هذا النحو، انخرط مقاتلو تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل مرارا وتكرارا فى حلقات من العنف الجماعى ضد القوات العسكرية والميليشيات والمسلحين المنافسين والمدنيين فى البلدان التى يعملون فيها بشكل أساسى.

وجاءت الحلقة الأولى من هذا العنف ردا على العمليات التى قامت بها الميليشيات المدعومة من فرنسا فى عام ٢٠١٨ واستهدفت مختلف مجتمعات الطوارق والدوساهاك فى منطقة ميناكا فى مالى.

وفى بوركينا فاسو المجاورة، ارتكبوا أيضا سلسلة كبيرة من المذابح ضد مجتمعات موسى وفولسى وسونجاى وبيلاه فى منطقة الساحل والوسط والشمال بين عامى ٢٠١٩ و٢٠٢١، بالتزامن مع الهجوم المذكور أعلاه ضد القوات الحكومية فى بلدان الساحل الوسطى الثلاثة من منتصف عام ٢٠١٩ إلى أوائل عام ٢٠٢٠.

وفى النيجر، ارتكب تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل فظائع جماعية واسعة النطاق ضد مجتمعات جرمة والطوارق العرقية فى منطقتى تيلابيرى وتاهوا، وانخرط فى مواجهات مميتة مع رجال ميليشيا جرمة والطوارق من ميليشيات الدفاع عن النفس الوليدة آنذاك، والتى تشكلت ردا على العنف المفرط الذى مارسه تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل وأنشطته المفترسة فى منطقتى تيلابيرى وتاهوا.

فى مارس ٢٠٢٢، وبالتزامن مع تصنيفها كمقاطعة قائمة بذاتها، شنت الجماعة هجوما فى منطقتى ميناكا وجاو على نطاق غير مسبوق. خلال الهجوم الذى استمر ستة أشهر بين مارس وأغسطس ٢٠٢٢، قتل أكثر من ألف شخص، من بينهم مدنيون، وحركة إنقاذ أزواد الموالية للحكومة، وميليشيا «مجموعة امجاد الطوارق للدفاع عن النفس» وحلفائها، ومقاتلون منافسون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

هناك بعد آخر يميز تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل عن نظيره فى تنظيم «القاعدة» يتعلق بالاستراتيجية والتكتيكات التى يستخدمونها. إن أسلوب العمل المفضل لدى تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل هو الكمائن وتكتيكات الحشود من خلال الهجمات المسلحة بالدراجات النارية والمركبات، فى حين تستخدم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نسبة أعلى بكثير من العنف عن بعد من مسافة بعيدة من خلال استخدام المتفجرات والمدفعية وقذائف الهاون، وهى تكتيكات نادرا ما يستخدمها مقاتلو تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل 

وبصرف النظر عن الأنشطة العنيفة لتنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل، يمثل استخراج الموارد من خلال سرقة الماشية والابتزاز وجمع الزكاة بعدا مهما من ذخيرة التنظيم. ومع ذلك، فإن المنافس الجهادى ل تنظيم «الدولة «داعش”» فى الساحل، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، يتفوق عليه بثلاثة أضعاف من حيث هذه الأنشطة.

إلى جانب مقتل الزعيم المؤسس لتنظيم الدولة «داعش» فى الساحل أبو وليد الصحراوى، تم القضاء على القيادة الأساسية لداعش فى الساحل. ومع ذلك، حل أمير جديد، أبو البراء الصحراوى، إلى جانب كادر من القادة المحليين، محل القيادة السابقة، وبعضهم كانوا بالفعل مقاتلين متمرسين وتم إعدادهم لسنوات لتولى زمام الأمور وتوفير الاستمرارية جنبا إلى جنب مع الأجيال الجديدة من المقاتلين.

وقد تطورت الظروف السياسية أكثر لصالح تنظيم الدولة «داعش» فى منطقة الساحل، حيث تفكك التحالف الإقليمى لمكافحة الإرهاب بقيادة فرنسا فى نهاية المطاف فى أعقاب الانقلابات المتتالية فى مالى وبوركينا فاسو.

من الواضح أن صعود قوة داعش فى الساحل تزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من مالى، والذى بدأ فى منتصف عام ٢٠٢١. لم تتمكن القوات المشتركة الموجودة حاليا فى مالى، بما فى ذلك القوات المسلحة المالية، ومجموعة فاجنر، ومقاتلو جماعة نصرة الإسلام، ومختلف الميليشيات والجماعات المتمردة السابقة، من ردع أو احتواء عنف تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل.

وقد تشكلت تحالفات معزولة وعشوائية على المستوى المحلى، لكن العداء والمصالح المتباينة لمختلف الجهات الفاعلة المسلحة المعارضة لداعش فى الساحل تجعل من غير المرجح بذل جهد مشترك كبير. وإلى أن تبذل القوات الحكومية والجماعات المسلحة المختلفة فى المنطقة جهودا متضافرة لمواجهة الجماعة، من المرجح أن يواصل تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل هجومه.

الخلاصة

والواقع أن تنظيم «الدولة «داعش» فى الساحل» بصدد إنشاء دولة «خلافة» بدلا من التى تم تفكيكها فى العراق والشام، تشمل المناطق الريفية الممتدة من جاو فى الشمال إلى دورى فى الجنوب ومن نتيليت فى الغرب إلى منطقة تاهوا الحدودية فى الشرق. فالعديد من البلدات، بما فى ذلك أندريرامبوكان وإنديليمان وتين حماة، على سبيل المثال لا الحصر، هى بمثابة عواصم شبه إدارية لدولة الساحل الزائفة التى ينظمها تنظيم «الدولة «داعش”»، والتى تتشكل تدريجيا.

سيسعى مقاتلو تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل إلى تأكيد نفوذهم من خلال العنف على نطاق واسع وتوسيع العمليات فى المناطق التى يواجهون فيها معارضة ضعيفة، بينما يعملون فى بيئة صراع فوضوية تتميز بالعديد من الجهات الفاعلة المسلحة التى أثبتت حتى الآن عدم قدرتها، سواء بمفردها أو فى تحالفات، على احتواء تنظيم الدولة «داعش» فى الساحل.

يمكن القول إن تلك العوامل سهلت بدرجة كبيرة مهمة هذه الجماعات إلى الوصول إلى مبتغاها من خلال الاعتماد على التنسيق والتعاون مع السكان المحليين مقابل أن توفر لهم الحماية وتؤمن لهم التجارة غير المشروعة

الصراعات الحدودية بين الدول، وانتشار الجماعات المسلحة، أتاح فرصًا لهذه الجماعات الإرهابية للنمو والتكاثر وجذب التأييد، والدخول فى تحالفات وعلاقات، سواء مع بعض الحكومات أو بعض الجماعات المسلحة، فى تبادل مصالح.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: تنظيم القاعدة الإرهابي الخلافة داعش أفريقيا الجماعات الإرهابية الجماعات الإرهابیة الجماعات المسلحة القوات الحکومیة لتنظیم الدولة بورکینا فاسو المناطق التى تنظیم الدولة هذه الجماعات فى الساحل فى فى المنطقة فى المناطق عام ٢٠٢٠ من خلال فى مالى ومع ذلک فى عام فى ذلک

إقرأ أيضاً:

ولادة إسرائيل الثالثة

من أهم القواعد التي تحكم تاريخ الدول والمشروعات السياسية هو الانتقال من شكل إلى آخر بما يمثل ولادة دولةٍ جديدةٍ بمفاهيم جديدة وشكلٍ جديد. هذا الأمر له أمثلة كثيرة من التاريخ، وربما يكون أشهرها وأوضحها الجمهورية الفرنسية التي مرت بعدة تقلبات وتحولات خلال الثمانين سنة التي تلت الثورة الفرنسية، والتي وُلِدت فيها الجمهورية الفرنسية الأولى، ثم سقطت في عهد نابليون، ثم عادت الجمهورية الثانية وقامت لتسقط لاحقًا وتعود الملكية إلى فرنسا، ثم ينتهي الأمر بقيام الجمهورية الفرنسية الثالثة التي تعيش حتى اليوم.

إسرائيل بدورها ليست بعيدةً عن هذه القواعد التاريخية، فالتغير في شكل نظام الحكم وطبيعة مشروع إسرائيل حدث على مدار عقود الاحتلال، ويحدث اليوم مرةً أخرى أمام أعيننا بشكل متسارع. وهذا ما يملي على المراقبين والمحللين ضرورة شرح هذا التغير الذي يجري حاليًا في طبيعة هذه الدولة وأبعاده وما يمكن أن يؤدي إليه وكيفية التعامل معه في ظل التغييرات الهائلة السريعة التي تجري في المنطقة، بحيث باتت الأربعة والعشرون ساعة فترةً طويلةً جدًا في منطقة الشرق الأوسط.

إسرائيل تمر حاليًا بمرحلة تحول كبيرة، وهي ليست الأولى، فإسرائيل مرت سابقًا بمرحلة تحول جذرية في طبيعتها، ويمكننا تلخيص هذه التحولات بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: الدولة اليسارية العلمانية

غداة النكبة عام 1948، كانت الشخصيات التي أقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي نخبًا يساريةً علمانيةً تحمل الإرث الأوروبي بالكامل. ولذلك فإن إسرائيل الأولى اعتبرت نفسها امتدادًا أوروبيًا، ولم تكن ترى في الدين اليهودي أكثر من تراث ينبغي استخدامه خدمةً للمشروع السياسي الصهيوني؛ بهدف جذب أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى الدولة الوليدة.

بناءً عليه، حدث الاتفاق الشهير بين العلماني ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، وجماعة "أغودات إسرائيل" التي مثلت اليهود المتدينين الحريديين، حيث أرسل بن غوريون رسالة لهم يوم 19 يونيو/ حزيران 1947، قبل أقل من عام من إعلان قيام إسرائيل. تعهد بن غوريون في رسالته بأن تحافظ الدولة المنشودة على احترام بعض الشعائر الدينية اليهودية الاجتماعية، مثل: إجراءات الزواج، والطعام الكوشير، وإجراءات الدفن، إضافةً إلى إمكانية تطبيق الطقوس الدينية الخاصة بالسبت، وغيرها في أحياء المتدينين حصرًا.

بقي هذا الاتجاه الذي مثّله حزب العمل الإسرائيلي مسيطرًا على مقاليد الحكم في الدولة خلال الثلاثين سنةً الأولى من عمرها، حيث بدأت أول رياح التغيير في شخصية إسرائيل السياسية مع سقوط حكومة العمل وقيام حكومة اليمين الأولى على يد مناحيم بيغن عام 1977.

المرحلة الثانية: الدولة اليمينية القومية

مع قدوم بيغن، دخلت إسرائيل في مرحلة مخاض التحول الأولى التي ظهر خلالها اليمين القومي العلماني ممثلًا بحزب الليكود، الذي اعتبر نفسه أقرب للمتدينين المحافظين وإن حافظ على علمانيته العامة.

تعامل هذا التيار اليميني مع فكرة يهودية الدولة باعتبارها فكرةً قوميةً لا تتعارض مع الدين، ودخل في صراع مع التيار اليساري الذي أسس الدولة على امتداد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، خاصةً مع حكومة شامير التي شهدت انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحكومة نتنياهو الأولى عام 1996، حتى تمكن التيار اليميني أخيرًا من حسم الصراع والسيطرة المطلقة على حكومة إسرائيل بزعامة أرييل شارون عام 2001 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ولدت هنا إسرائيل الثانية التي أصبحت دولةً قوميةً يمينيةً علمانيةً لا تتعارض مواقفها مع التيارات الدينية فيها. صار الحكم ينتقل من رئيس حكومة يمينية علمانية إلى آخر، فرأسها شارون، ثم إيهود أولمرت ثم نتنياهو في حكوماته الأربعة الماضية، حتى انتهت سيطرة هذا التيار فعليًا مع سقوط آخر حكومة تنتمي له وهي حكومة نفتالي بينيت.

المرحلة الثالثة: الدولة الصهيونية الدينية

انتهت سيطرة التيار القومي اليميني فعليًا مع نهاية حكومة بينيت؛ لأن حكومة نتنياهو الأخيرة الحالية لا يمكن أن تُعد جزءًا من فترة سيطرة اليمين العلماني الذي تكلمنا عنه آنفًا، فهي تختلف تمامًا عن حكومات نتنياهو الخمسة السابقة.

هذه الحكومة تشهد ولادة تيارٍ جديدٍ في قيادة الدولة يقيم دولةً إسرائيليةً ثالثةً بفكرٍ جديد ونظام جديد تجاوز التيارين: اليساري المؤسس، واليميني القومي العلماني. هذا التيار الجديد الذي يتقدم الآن بقوةٍ وبدأ يسيطر على الدولة بالفعل هو تيار الصهيونية الدينية.

هذا التيار يميني، لكن لا يمكن وصفه بالعلمانية القومية كحال حزب الليكود، وإنما هو تيار يميني ديني قومي متطرف، يؤمن بالرؤية الدينية الخلاصية التي تحكم كافة تحركاته، لا كتلك التيارات السابقة التي كانت تعتبر الدين مجرد وسيلة للوصول إلى جمهور يهودي أوسع. هذا النوع الجديد لم يكن له قوة تذكر في العقود الماضية، وبرزت قوته في السنوات الأخيرة فقط، ليصعد صعودًا دراماتيكيًا إلى سدة الحكم في إسرائيل في حكومة نتنياهو الحالية.

يتلخص الفرق بين هذا التيار والتيارات اليمينية القومية بالذات في أنه لا يستخدم الدين لأغراضه السياسية، وإنما يخطط ويطوع السياسة لخدمة رؤيته الدينية. يرى أن دولة إسرائيل ينبغي أن تتحول إلى دولة شريعة تكون فيها الدولة في خدمة الشريعة اليهودية وليس العكس.

كما أنه يتجاوز الأحزاب الدينية المحافظة في كونه حركيًا لا يؤمن بالتقاليد الجامدة وعقيدة الانتظار، بل يؤمن بأن عليه استجلاب كافة نبوءات الكتب المقدسة وتحقيقها باليد. وهو ما يجعل إسرائيل الثالثة التي تتشكل الآن دولةً ثيوقراطية دينية صهيونية تتعامل مع الواقع الذي حولها لا بالمنطق الجيوسياسي، وإنما بمنطق النبوءات والرؤى والنصوص الدينية التي تحكم قرارات هذه الدولة.

السلوك الإسرائيلي الحالي

إذا حاكمنا السلوك الإسرائيلي الحالي بناءً على هذه الرؤية، فإن هذا هو العامل الوحيد الذي يفسر لنا السلوك غير المنطقي الذي ميز إسرائيل في العام المنصرم.

فالاندفاع غير المنطقي لتوسيع الهجوم وتوسيع الحرب وفتح جبهات أخرى، وتجاوز كل ما كان سابقًا يُعرف بأنه خطوط حمراء، وكسر كافة قواعد الاشتباك والعقائد التي عاشت عليها إسرائيل في العقود السبعة الماضية، في وقتٍ ينتقل فيه الجيش الإسرائيلي من فشلٍ إستراتيجيٍّ إلى آخر في قطاع غزة بالذات، لا يمكن فهمه إلا في سياق قناعةٍ راسخةٍ لدى أفراد هذا التيار الحاكم لإسرائيل بوجوب استدراك ما يرونه خللًا في العقود الماضية.

يكمن الخلل حسب فهم هذا التيار في أن إسرائيل الأولى والثانية أخطأتا في ظل اليسار واليمين العلمانيين بعدم السعي الفعلي لتحقيق الرؤية الدينية الموجودة في النصوص المقدسة، التي تحدد شكل هذه الدولة ومستقبلها المسيحاني الخلاصي المتمثل في استجلاب الوعود الدينية المذكورة في التوراة والتلمود، وعدم أخذها هذه النصوص بجدية، مما يستدعي في رؤية هذا التيار غضب الرب على هذه الدولة بدلًا من إحلال بركاته عليها. ومن المفترض أن بركات الرب تتمثل بدورها في حلول روح الرب في بيته (المعبد الثالث المزعوم)، ليكون مع شعبه ويقوده من خلال المسيح المنتظر.

ويرى هذا التيار أنه الآن يحقق فعليًا إرادة الرب كما تبينها النصوص الدينية المقدسة بضرورة سكن شعب الله في أرض الميعاد بالكامل. لذلك، فإن ممثلي وقادة ورموز تيار الصهيونية الدينية لا يخجلون من الإشارة بوضوح إلى طموحهم بالاستيطان، بل وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.

قد يظن البعض أن وجود نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية يعني أن هذا التيار لا يسيطر على الدولة، لأن نتنياهو هو أحد أهم وجوه إسرائيل الثانية بشكلها القومي العلماني. لكن هذا القول تغيب عنه حقيقة أن نتنياهو اليوم ليس هو الذي يقود الحكومة فعليًا، وإنما يقودها ويوجهها تيار الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن غفير، وهذه حقيقة لا يكاد يختلف عليها اثنان لا داخل إسرائيل ولا خارجها.

ولئن كان نتنياهو يظن اليوم أنه يستخدم قوة هذا التيار في سبيل البقاء على رأس الحكم، فإن هذا التيار يستخدم نتنياهو في نفس الوقت كي يثبِّت أركان سلطته في الدولة الجديدة التي يتم تشكيلها الآن. وما إن يرى هذا التيار أن نتنياهو قد استنفد فائدته فإنه سيتخلص منه ببساطة، لكن ليس قبل أن تضمن قيادة هذا التيار أنها تخلصت من عائق "الديمقراطية" و"الانتخابات" التي ترى أنها غير مقبولة دينيًا؛ لأنها قد تنتج قيادةً بعيدةً عن الدين في نظرها. بمعنى أن هذا التيار يسعى فعليًا لتجاوز فكرة إسرائيل التي قامت عليها ابتداءً باعتبارها دولةً "علمانيةً ديمقراطية" كما كان يريدها آباؤها الأوائل.

هذا الفهم لهذه الدولة الجديدة يفرض علينا واقعًا جديدًا ومقاربات ومعادلات جديدة في كيفية التعامل معها. ولعل غياب فهم هذا الواقع هو المشكلة الأساسية لدى أغلب دوائر صنع القرار في العالم العربي والإسلامي اليوم سواء الحكومية أو الفصائلية الحركية أو الشعبية.

فإسرائيل الثالثة اليوم لا يمكن التعامل معها بنفس الأدوات التي طالما تعاملت بها الأطراف العربية والإسلامية مع إسرائيل الأولى أو الثانية، وذلك لأنها لا تحكمها نفس الأيديولوجيا التي أقامت إسرائيل الأولى في عقودها الأولى أو التي حكمت إسرائيل الثانية خلال العقدين الماضيين.

إسرائيل التي تتشكل اليوم ليست دولةً ذات مؤسسات سياسية أو أمنية إستراتيجية، وإنما هي دولة ذات رؤية دينية مَوتُورة تؤمن لأول مرةٍ بالقطعيات ولا تؤمن بالتوافقات أو التنازلات. وبالتالي، فلنكن صريحين بأنه لا يمكن التعامل معها إلا بالقطعيات كذلك؛ لأنها اللغة الوحيدة التي تفهمها.

وقد أثبتت الأيام الماضية أن سياسة "الصبر الإستراتيجي" و"اللعب السياسي" مع دولة إسرائيل الثالثة الجديدة ليست ذات جدوى، بل إنها تساهم في تقوية هذا المشروع الجديد وإنعاشه؛ لأنه لا يفهم لغة السياسة، ويعتبر أيَّ تريثٍ في الفعلِ والردعِ ضعفًا مغريًا بالتقدم حتى النهاية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ولادة إسرائيل الثالثة
  • إعلام سوري: الدفاعات الجوية تتصدى لهجمات فوق منطقة الساحل وسماع صوت انفجارات
  • رئيس الوزراء: مصر دولة مستقرة في منطقة مليئة بالصراعات
  • حي الجمرك بالإسكندرية يواصل تنفيذ مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان
  • الإمارات تشارك في الاجتماع الوزاري لـ التحالف الدولي ضد داعش في واشنطن
  • الإمارات تشارك في الاجتماع الوزاري لـ “التحالف الدولي ضد داعش” في واشنطن
  • أستاذ تخطيط عمراني يوضح أهمية مبادرة «سكن لكل المصريين» في الوقت الحالي
  • كلوب يستبعد خلافة ناجلسمان في قيادة منتخب ألمانيا
  • كلوب يستبعد خلافة ناغلسمان في منتخب ألمانيا
  • «الباعور» يُشارك في اجتماع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش