أم الحسن الرازحي
قائد عظيمٌ فذٌّ شجاعٌ غيور، قائد شدّ الناس إلى الله وأعادهم إليه، علمهم الهدى وسبيل الرشاد عانى وتعب وضحى في سبيل ذلك، قائدٌ جمع في حياته كُـلّ صفات المروءة والشجاعة والكرامة.
تميز هذا القائد عن غيره بتلك الصفات الفريدة التي لم نجدها في أحد غيره منها: حبه الكبير للناس وحرصه عليهم من أن يقعوا فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، اهتم كَثيرًا بتعليمهم وتثقيفهم وتوعيتهم، وبنى مِن أجلِ ذلك مدارس تكفل لهم ذلك، كان الطلاب يتوافدون عليه من كُـلّ المحافظات؛ رغبة في طلب العلم النافع من منابعه الصحيحة.
لقد قيّم المجتمع كله والشعوب والحكام وعرف أن الحل الوحيد هو التوعية والتثقيف وتبصير الناس بعدما أصبحوا على شفا حفرةٍ من الضلال فاستنقذنهم منها.
كرّس كُـلّ جهده في أعمال الخير فلم يترك مريضًا إلا أعانه، ولا محتاجًا إلَّا قضى حاجته، ولا ملهوفًا إلَّا أغاثه، فكان لا يكِّل ولا يمّل، شغوفًا لا يعرف الراحة فكل ساعة من يومه يحسبها كي لا تضيع هدرًا.
ذلك هو شهيد القرآن، من عرفه العدوّ قبل الصديق، عرفوا شأنه وأهميته قبل أن يعرفه أهل بلده، فحاولوا استهدافه أكثر من مرة، وتعرض مشروعه القرآني للقمع والمحاربة منذ بداية تأسيسه؛ لمعرفتهم الكاملة الشاملة بأحقيته.
لم يتركنا شهيد القرآن إلا وقد أبقى لنا أرثًا عظيمًا من الهدى المتمثل في دروس من هدي القرآن الكريم التي كلما درسناها أحسسنا بوجوده، وكأنه هو من يلقيها علينا، نلاحظ فيها المصداقية والهدى العظيم، وأكثر ما يميز هذه الدروس العظيمة هو ربطها بالواقع وملازمتها للأحداث، فكان بحق عندما يصيغها ويلقيها وهو متأمل للقرآن وللواقع.
بدأ مسيرته القرآنية بخطواتٍ ثابتة لا تغير فيها ولا تبديل، منها رفع شعار البراءة من أعداء الله كموقف (الله أكبر -الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل -اللعنة على اليهود -النصر للإسلام) إلى جانبه شعار المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، أيضًا وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية الحقة والدفاع عن المقدسات الإسلامية.
كان هذا وغيره الكثير من حياته المعطاءة -التي تظل أقلامنا قاصرةً عن عدّها وإحصائها، فكيف لنا ذلك وهو ربيب القرآن!- هو المدرسة العظيمة التي تعلمنا منها رباطة الجأش والصمود والثبات في وجوه قوى الشرِّ والطغيان، كان -عليه السلام- لنا نموذجًا فريدًا قلَّ نظيره في كُـلّ مجالات الخير، فسلام عليك يا مدرسة العطاء وحامي الحمى ومذل العدى، سلامٌ عليك يوم ولدت ويوم استشهدت مظلومًا ويوم تبعث حيًّا.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
شهر رمضان مدرسة معطاءة تربوية نتعلم منها قوة الإرادَة
عدنان علي الكبسي
الإنسان يعيش في واقع حياته، والكثير من المؤثرات تحيط به، فيما يواجهه في الحياة، من مشاكل وصعوبات الحياة، التي قد تؤثر على نفسيته؛ فيخطئ، أَو يزل، أَو يتراجع، أَو تفتر فيه حالة الإحساس بالمسؤولية نوعًا ما، قد ينهار نفسيًّا، ويتحطم نفسيًّا، قد تنهار قواه النفسية فلم يعد لديه طاقة في مواجهة الصعوبات، ولم يعد يتحمل المشاق، ولا يستطيع مواجهة المتاعب، وهذه أخطر ما يمكن أن يكون فيه خسارة كبيرة للإنسان.
إذا فقد الإنسان قوة الإرادَة أصبح ضعيفًا هزيلًا أمام الشهوات والإغراءات، فيصبح أضعف أمام تحديات ومشاكل الحياة، ويسقط في المعاصي، وينفلت في الأعمال السيئة، منكسرًا أمام التحديات.
الإنسان الضعيف لأبسط إغراء يعصي الله، لأبسط تحدٍ ينكسر وتضعف إرادته، فيبرد تفاعله وتتغير نفسيته، حينها يتجه بعيدًا عن الاهتمام العملي، كُـلّ تركيزه على الراحة والدعة، مصابًا بالفتور والكسل، غير عملي ولا فعال، لم يعد يهتم ولا يبالي بالأحداث.
ما أن تتزامن حالة الإرجاف والتهويل مع بعض المتغيرات والظروف، إما تهديدات من الأعداء، أَو معارك على الأرض، أَو تراجعات في المواقف، إلا وتترك أثرها في البعض من الناس، فيرتجفون أمام قوة وإمْكَانات وتحَرّكات الأعداء.
فالشيء المهم للإنسان في كُـلّ ما يواجهه في الحياة، وفي أداء مسؤولياته في هذه الحياة، في الالتزام بدين الله، والطاعة لله أنه يحتاج إلى قوة الإرادَة؛ لأَنَّ الأُمَّــة التي تمتلك قوة الإرادَة تكون أُمَّـة فاعلة قوية عملية، أُمَّـة لديها التحمل والطاقة، تكون في جهوزيتها العالية والاستعداد الكامل للأعمال المهمة والمسؤوليات الكبرى.
فعملية الصيام هي عملية تربوية ترويضية نتعلم فيها ومنها التحكم بالنفس أمام رغباتها، أمام شهواتها أمام المخاوف، عملية ترويضية تروض الإنسان على التجلد والتحمل، عملية تربوية تربي الإنسان على قوة الإرادَة حتى لا تكون نفسيته ضعيفة فيسقط في مستنقع الذلة والانكسار.
شهر رمضان مدرسة معطاءة تربوية نتعلم منها قوة الإرادَة، شهر رمضان له عطاؤه الإيماني والمعنوي الكبير والمهم، ويمثِّل طاقةً عظيمةً ومهمة في مواجهة الصعوبات مهما كانت، يتزود الإنسان من هذا الشهر المبارك الزاد الإيماني، فيكسب منه الطاقة الإيمانية المعنوية العالية، لمواجهة مشاكل الحياة وتحدياتها وما فيها من الأخطار.
من خلال الصيام يروض الإنسان نفسه على الصبر والتحمل، يتعود كيف يصبر على الظمأ والجوع، كيف يصبر على التعب النفسي والبدني، وهذا يُكْسِب الإنسان قدرةً أكبر، تجعل لدى الإنسان قابلية أن تكون حالة التحمُّل، والتعوّد على الصعوبات والمشاق، حالة يتربى عليها ويرتقي فيها، حتى يتعود على كثير من المشاق فتصبح بالنسبة له أشياء عادية، ولم تعد تمثل مشقةً عليه.
فشهر رمضان فرصة عظيمة لمعالجة الترسبات السلبية والسيئة التي ترسبت في نفوسنا، وهو من أهم الوسائل التي نستعين بها على العناية بنفوسنا، عملية توضيب للنفس البشرية، تنقية، تنظيف، تصليح، تجهيز، ورشة تدخل فيها النفس البشرية من خلال العناية بها، والاستثمار لهذه الفرصة المباركة، ولنكتسب الوعي والبصيرة التي سنتحصن من خلالها في المفاهيم والوعي.
فنحن نحتاج إلى اغتنام فرصة شهر رمضان، والاستفادة من صيامه وقيامه ومن صالح الأعمال فيه، من الجهاد والإحسان فيه، من كُـلّ القرب المقربة إلى الله فيه، وَأَيْـضًا إلى القرآن، إلى الهدى، إلى الوعي والبصيرة التي نستفيدها من خلال القرآن وثقافة القرآن الكريم، التي تزيدنا عزمًا إلى عزمنا، وصبرًا إلى صبرنا، ووعيًا إلى وعينا، وثباتًا إلى ثباتنا، وإصرارًا واستمراريةً في موقفنا، نتزود منها: قوة العزم والإرادَة الفولاذية، وقوة التحمل والاستعداد العالي للتضحية في مواجهة كُـلّ التحديات مهما كان مستوى التضحيات.