ترامب وتهجير الفلسطينيين وخلق مشكلة عربية عميقة
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
يتجاهل تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعا فيه إلى نقل سكان غزة إلى مصر والأردن «بشكل مؤقت أو طويل الأجل» الوضع المأزوم الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط منذ أكتوبر ٢٠٢٣ والذي يضعها على برميل من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة.
ناهيك أن الأمر يتجاهل الحقائق التاريخية للشعب الفلسطيني ويتناقض مع تصريحات ترامب نفسها التي بدا فيها أنه لا يريد للمنطقة أن تذهب باتجاه حرب واسعة أو حتى محدودة.
ورغم أن هذا الطرح الذي يبدو غير قابل للتنفيذ إلا أن تكراره من قبل أمريكا وبالتحديد من قبل ترامب يرسخ لفكرة التهجير القسري كخيار مشروع ضمن الخطاب السياسي الغربي، ما قد يمنح إسرائيل غطاء دوليا، جديدا، لمحاولة فرض واقع جديد على الأرض.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها التهجير كحل للقضية الفلسطينية بل إن الفكرة تشكل العمود الفقري للمشروع الصهيوني منذ تأسيسه، ففي عام 1948، تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرا خلال نكبة فلسطين، حيث كانت الفكرة السائدة لدى قادة الحركة الصهيونية آنذاك أن الاستيلاء على الأرض يتطلب التخلص من سكانها الأصليين. لاحقًا، في عام 1967، شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة موجة نزوح جديدة عقب احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية.
بالتالي، يأتي تصريح ترامب امتدادا للفكر الاستيطاني الاستعماري الذي يسعى لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، ما يعيد إلى الأذهان خططا مشابهة طرحها سياسيون إسرائيليون متطرفون على مر العقود، مثل خطة موشيه ديان بعد حرب 1967، الذي كان يهدف إلى دفع الفلسطينيين نحو الأردن وتحويل المملكة الأردنية إلى «الوطن البديل».
وإذا كان ترامب قد تبنى سياسات منحازة لإسرائيل خلال ولايته الأولى، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، فإن تصريحه الجديد يتماشى مع خطه السياسي الساعي لتصفية القضية الفلسطينية. فهو، بهذا الطرح، يتماهى مع اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يرى في تهجير الفلسطينيين حلاً نهائيًّا للقضية، بدلاً من البحث عن تسوية سياسية عادلة. ولذلك سارع وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش لتأييد تصريح ترامب واعتباره «فكرة رائعة».
وتكمن خطورة تصريح ترامب في أنه بادر أمس إلى الإفراج عن شحنة القنابل التي تزن ألفي رطل والتي كان قد جمدها بايدن في وقت لا تبدو فيه إسرائيل في حاجة إلى هذه الشحنة إذا كانت جادة في استمرار وقف إطلاق النار.
لا يمكن فصل تصريحات ترامب المستفزة للفلسطينيين وللعرب بشكل عام عن المخططات الإسرائيلية المستمرة لتهويد الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات، حيث إن أي تهجير لسكان غزة لن يكون سوى خطوة نحو مخطط أكبر يهدف إلى التخلص من كل الوجود الفلسطيني بين النهر والبحر. كما أن فكرة التهجير تأتي بعد تدمير كل البنى الأساسية في قطاع غزة وجعلها أرضا غير قابلة للحياة وبعد إبادة أكثر من ٤٧ ألف فلسطيني ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين؛ ولذلك فإن تصريح ترامب يبدو نتيجة متناسقة مع ما أحدثه الاحتلال في قطاع غزة وتمهيدا لهذا السيناريو الذي سيضغط ترامب من أجله على دول عربية.
وتدرك الدول العربية بما في ذلك مصر والأردن أن تنفيذ هذا السيناريو يعني انفجار الأوضاع داخليا وتهديدا مباشرا لاستقرارهما. كما أن قبول مثل هذا الطرح يعني إنهاء القضية الفلسطينية كليا، وتحويل اللاجئين إلى مشكلة عربية داخلية، بدلا من إبقاء التركيز على الاحتلال الإسرائيلي كجذر المشكلة.
لكن الثابت عبر تاريخ القضية الفلسطينية أن مثل هذه التصريحات سواء صدرت من ترامب أو من اليمين الإسرائيلي، لن تؤدي إلا إلى المزيد من تعميق الصراع. فالشعب الفلسطيني أثبت، على مدار 75 عامًا من النكبات والاحتلال، أن محاولات اقتلاعه لن تنجح، وأن وجوده في أرضه هو معركة وجود لا تقبل المساومة؛ لذلك، فإن الرد الحقيقي على مثل هذه الطروحات يجب أن يكون بتعزيز الصمود الفلسطيني، ودعم مقاومته، وعدم السماح بتمرير أي مشروع يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت أي مسمى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة تصریح ترامب
إقرأ أيضاً:
اجتماع إسرائيلي مرتقب لبحث خطة ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة
يعتزم المجلس الوزاري الأمني في حكومة الاحتلال الإسرائيلي عقد اجتماع، الأحد المقبل؛ لبحث الموافقة على توسيع ما وصفته صحيفة "معاريف" العبرية بعملية "الانتقال الطوعي" للفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى، في إشارة إلى مخطط التهجير الأمريكي.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن الاجتماع قد يسفر عن إنشاء إدارة خاصة داخل وزارة الحرب في حكومة الاحتلال، تتولى مسؤولية مراقبة عملية تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى دول أخرى، وذلك في إطار خطة يتم إعدادها بالتعاون مع الإدارة الأمريكية.
وأضافت أن هذه الخطوة تأتي بعد شهر من إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رؤيته لمستقبل غزة، التي تتضمن ما قالت إنها خطة لهجرة طوعية لسكان القطاع، مشيرة إلى أن الفريق الأمريكي المسؤول عن تنفيذ الخطة، يجري مداولات مع دول عربية للتوصل إلى اتفاقيات بشأن استقبال الفلسطينيين الذين سيغادرون غزة.
إظهار أخبار متعلقة
كما لفتت الصحيفة إلى أن دولة الاحتلال تعمل على إعداد خطط ميدانية لتطوير آليات التنفيذ، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تقترح إنشاء إدارة في وزارة الدفاع، “تكون مسؤولة عن تنسيق عمليات الخروج عبر البحر والجو والبر، وفقا للاعتبارات الأمنية وبالتنسيق مع الإدارة الأمريكية”.
وأكدت الصحيفة أن هذه الإدارة ستتولى "تأمين ومرافقة الفلسطينيين خلال عملية الانتقال"، وستنسق مع الدول المستقبلة بالتعاون مع جهات دولية ومنظمات معترف بها.
وزعمت الصحيفة العبرية أن "جميع الأنشطة ستتم وفقا لأحكام القانون الدولي، والدافع الرئيسي هو تمكين الفلسطينيين الذين يرغبون في ذلك من مغادرة غزة بشكل إنساني، وليس إجبار جميع السكان على الرحيل قسرا"، على حد قولها.
وشددت على أن دولة الاحتلال ستكون شريكا ميدانيا في تنفيذ خطة ترامب، حيث ستوفر "الدعم اللوجستي، مثل إنشاء طرق حركة وبنية تحتية، والتنسيق مع الدول المستقبلة".
وفيما يتعلق بالتمويل، أوضحت الصحيفة أن "الولايات المتحدة من المتوقع أن تتحمل تكاليف الخطة، بميزانية قد تصل إلى مليارات الدولارات، ستغطي ليس فقط تكاليف الانتقال، بل أيضا استثمارات في إعادة إعمار غزة وإنشاء بنية تحتية في الدول المستقبلة".
يأتي ذلك بعد أيام من اعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة في القمة الاستثنائية لجامعة الدول العربية، التي احتضنتها القاهرة بهدف طرح بديل عن خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
إظهار أخبار متعلقة
وكانت وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال، وصفت الخطة المصرية بأنها "مغرقة في وجهات نظر عفا عليها الزمن"، ورفضت الاعتماد على السلطة الفلسطينية وشكت في أن الخطة تترك حماس في السلطة.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض برايان هيوز، ردا على سؤال عما إذا كان ترامب سيدعم خطة الزعماء العرب: "الاقتراح الحالي لا يعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليا، ولا يستطيع السكان العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة".
وأضاف أن "الرئيس ترامب متمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس".
ومنذ 25 كانون الثاني /يناير الماضي، يروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.