يبدو الزمن غير الزمن، والناس غير الناس، لذا كانت الصحافة غير الصحافة.
يسرد لنا الكاتب الكبير جميل مطر فى كتابه الرائع «حكايتى مع الصحافة» الصادر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية لقطات من أزمنة ولت كانت فيها الصحافة سلطة حقيقية، والكتابة مؤثرة وفاعلة فى المجتمع.
فى التسعين من عمره مازال جميل مطر يكتب ويقرأ ويحلل ويفكر ويؤكد لنا أنه لا تقاعد للكاتب المتميز، ذى الثقافة الواسعة، والاطلاع العميق.
ولهذا لم يكن غريباً وهو أحد الملتحقين المبكرين بالسلك الدبلوماسى بعد ثورة يوليو أن يتخلى عن لطف هذا العمل ورونقه الاجتماعى فى أول خلاف مع رئيسه، ليعمل فى الصحافة وتحديداً فى مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام.
تبدو حكايات الرجل معبرة وبليغة، إذ يحكى لنا مثلاً عن واقعة موحية عاشها فى نهاية الخمسينات عندما كان ملحقاً سياسياً فى سفارة مصر بالهند، وهى تدلل على «فهلوة» كثير ممن يحوزون مناصب مهمة. كان جميل مسئولاً عن إرسال الرسائل المشفرة، وفى يوم أملاه السفير المصرى نص تقرير ذكر فيه أنه قابل مسئولاً هندياً، وأبلغه معلومة مهمة وذكرها، فلفت جميل مطر نظر السفير إلى أن الرجل الذى يشير إلى أنه قابله، سافر خارج البلاد منذ يومين، وأن المعلومة الواردة منشورة فى الصحف. وهنا بهت السفير وشعر بالإحراج، وخرج جميل مطر متصوراً أن السفير لن يرسل التقرير، لكنه فعل ذلك ثم انقلبت الدنيا على الملحق الشاب، وعرف أن السفير بذل كل جهد لإبعاده من الخارجية كلها تحت زعم ضعف كفاءته، ولولا ثقة ومساندة دبلوماسيين آخرين لتم استبعاده تماماً.
على أى حال، استقال جميل مطر بعد ذلك بإرادته، وعمل فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية فى عهد هيكل، ومعه التقى كبار الزعماء والملوك العرب، حيث كان المركز يمثل بوتقة أفكار وقراءات مستقبلية عظيمة ساهمت فى خدمة الدولة المصرية فى زمن الحرب والسلم.
ومما يحكيه أن الرئيس معمر القذافى كان يعتبر مركز الأهرام مزاره الأهم فى القاهرة، وكان يأتى كل زيارة للاجتماع برموز المركز والتشاور معهم. وفى يوم تحدث القذافى بسطحية عن تاريخ الخلافة الإسلامية العظيم، وهو ما استفز أحمد بهاء الدين، فتحداه بأسلوب مهذب أن يختار عهداً من عهود الخلافة الإسلامية ينطبق عليه وصف العهد الذهبى، ولم يجب القذافى، فاستعرض له بهاء الدين التاريخ وصولاً إلى العصر العثمانى بمخاصمته للعلوم والفنون. وكثيراً ما صرح لهم القذافى بأنه فقد الثقة فى شعب ليبيا ويود استبداله بشعب آخر!
فى جلسة مع الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، لاحظ تأثره كلما تذكر حياته فى مصر قبل الحكم، لدرجة تغرغر عينيه بالدموع، ليتحدث عن كازينو كان يجلس عليه فى ميدان الأوبرا أمام تمثال إبراهيم باشا الذى فتنه جداً، وعندما تولى الحكم أقام تمثالاً مشابهاً لنفسه ممتطياً جواداً فى أهم ميادين تونس.
عند لقاء صدام حسين لاحظ جميل افتخار الرجل الدائم بقسوته الشديدة، وحكى كيف أخبرهم بأن بعض أحبائه دفعوا أعمارهم ثمناً لأخطاء بسيطة ارتكبوها، فحاكمتهم الثورة بتهمة الخيانة وأعدموا. وحكى كيف كان يتم عمل قرعة لاختيار منفذ الإعدام وأن حاشيته تقديراً له كانوا لا يضعون اسمه فى القرعة لكنه كان يصر على المساواة بالآخرين.
عاش جميل مطر دبلوماسياً ثم كاتباً سياسياً فى الأهرام، ووجهات نظر، والشروق، وعايش أجيالاً من الصحفيين وخلص بعد طول تجوال إلى أن الحقيقة الزائفة والدفاع عنها هى مهمة الصحافة فى النظم غير الديمقراطية.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد الزمن غير الزمن الكاتب الكبير الدار المصرية اللبنانية
إقرأ أيضاً:
سيسمع الشعب السوداني الصابر بل وكل العالم منذ اليوم فصاعداً حكايات لا تصدق
كتب العميد ركن: عمر عبدالرحمن عمر باشري
احد ابطال معركة الكرامة قائد اللواء 21 كبكابية – 15 ابريل 2023م
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد
بعد أن تم فتح طريق القيادة العامة وسلاح الإشارة وفك الحصار آن الأوان ليعرف الجميع قصص الثبات الأسطوري لرجال تحملوا قرابة العامين ما تنوء الجبال عن حمله وصبروا وصمدوا تحت نيران العدو الغادر الغاشم.. كانوا قلة قليلة بحسابات الدنيا والمنطق.. لكنهم كثر بحسابات الثبات والشجاعة والصبر والعزيمة والإقدام.. استشهد من استشهد منهم وأصيب من أصيب.. ليسطروا بدمائهم لوحة فريدة لجيش عظيم اسمه الجيش السوداني.. وجندي شامخ اسمه الجندي السوداني…
قصص ستروى عن جرحى ظلوا تحت الحصار وهدير المدافع.. بعضهم بترت أعضاؤه والبعض الآخر أصيب بالشلل فكان إخوتهم في الموعد خدمةً لهم طيلة هذه المدة الطويلة.. قاموا بكل الواجب وأكثر تجاه إخوانهم المصابين بلا كلل أو ملل.. والبعض الآخر من أصحاب الأمراض المزمنة تحملوا ما لا يمكن تخيله في ظل نقص الغذاء والدواء بل وحتي الماء أحيانا.. تحملوا كل الضغط النفسي الرهيب وهم بعيدون عن أسرهم وزوجاتهم وأبنائهم.. يحملون هم الوطن قبل همهم الخاص.. لله درهم.. كل قواميس اللغة لن توفيكم حقكم ومستحقكم يامن أفشلتم مخطط تمزيق واحتلال السودان منذ اليوم الأول.. بل ومنذ الوهلة الأولى..
سيسمع الشعب السوداني الصابر بل وكل العالم منذ اليوم فصاعداً حكايات لا تصدق وقصص لم تروى من قبل وبطولات أسطورية سطرها أبطال القيادة العامة وسلاح الإشارة ليظل علم السودان عالياً خفاقاً يجاوره علم القيادة العامة بشعاره (الله.. الوطن)؛ ونبشر الشعب السودان بتواصل الانتصارات في كافة الميادين وستتوالى البشريات بإذن الله..