استغفر الله بعد صلاة الفجر أمر يغفل فضله كثير من المسلمين، خاصة من أرهقهم التفكير في السفر لأداء الحج أو العمرة، حيث من استغفر الله بعد صلاة الفجر بشره النبي صلى الله عليه وسلم ببشارة عظيمة نرصدها في التقرير التالي.

دعاء الفجر المستجاباستغفر الله بعد صلاة الفجر

الاستغفار دبر الصلاة كأنه اعتذار عن التقصير فيها؛ لأننا مهما بلغنا من الخشوع لن يكون هذا على قَدْر الله العظيم الذي نقف بين يديه ونطلب منه، وهذا شبيهٌ بما ذكره الله عز وجل في شأن الحجاج وهم يطوفون طواف الإفاضة؛ حيث قال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].

ويعد الاستغفار بعد صلاة الفجر جبر لأيِّ تقصير كان في العبادة، فلْنستغفر اللهَ ثلاثًا بعد الصلاة، ولْنُعَظِّم اللهَ بالصيغة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان رضي الله عنه، ولْنعلم أن ثواب الأعمال مرتبطٌ بقبول الله لها، وقد يكون استغفارنا هو الرجاء الذي نُقَدِّمه لله لكي يقبل منا.

شرع الله -تعالى- للمسلم أن يستغفره، ويعود إليه في كلّ وقتٍ، خاصّةً في الأوقات المستحبّة الّتي تكون في ختام الأعمال الصّالحة؛ لأنها تجبر النّقص الحاصل فيها، ومنها الاستغفار عندما ينتهي المسلم من صلاته، وكاستغفاره عند أداء فريضة الحجّ، ولكن أوجب الله -تعالى- على المسلم أن يستغفر إذا ارتكب أيًّا من المعاصي، والآثام، وأفضل وقتٍ للاستغفار هو ما كان في وقت السّحر.

ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الاستغفار مسلك الأبرار، والساهرين للأسحار، وتوبة المذنبين بالليل والنهار، والاستغفار عبادة اللسان، وتوبة المقال، والاعتذار في الحال، والنجاة في المآل، وفيه صلاح الأهل والمال، والاستغفار سم الشيطان، وترياق الإنسان، وطرد للنسيان. والاستغفار يرد القلب أساريره، ويعيد النور للوجوه العابسة، ويخلص البال من شغله، والفكر من همه.

وأضاف لـ" صدى البلد": ان الأساس في الاستغفار توسل الى الله وتضرع لطلب المغفرة ومن بركة الاستغفار ان الله يكفل العبد فإذ كان مدينا يسر الله له سداد دينه ومن وإذا كان معسرا فرج الله همه.

وأوضح كريمة أن كلمة " استغفر الله " حرفا الألف والسين تعني ان العبد يطلب المغفرة من الله، مشيراً إلى أن الله تعالى قال في كتابه عن فضل الاستغفار : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ".

فتاوى تشغل الأذهان| حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. هل يجوز شراء الحلوى للفقراء من زكاة المال؟.. وحكم من فاتته صلاة الفجر تكاسلا حكم إخراج زكاة المال على أقساط شهرية .. تتحقق بشرطين ماذا كان يقول الرسول قبل الفجر وبعده؟

وقد ورد في السنة النبوية المطهرة الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الفجر؛ ومن ذلك ما رواه الإمام الترمذي في "جامعه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ؛ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّة».

ومن أعظم الذكر قراءة القرآن الكريم، وقد ورد الأمر الشرعي بقراءته مطلقًا، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فامتثاله يحصل بالقراءة فرادى أو جماعات، سرًّا أو جهرًا، ولا يجوز تقييده بهيئة دون هيئة إلا بدليل.

كما ورد الشرع بفضل سورة يس وعِظَمِ ثواب قراءتها؛ في نحو ما أخرجه الدارمي والترمذي -واللفظ له- والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس، وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ»، وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَةِ يس كُلَّ لَيْلَةٍ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ شَهِيدًا».

وشددت الإفتاء بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا مانع من قراءة سورة "يس" بعد صلاة الفجر، ولا بأس بالمواظبة على ذلك، ولكن الجهر بذلك في جماعة مشروط بموافقة القائمين على المسجد؛ تنظيمًا لزيارة هذا المقام الشريف؛ وتأدبًا في حضرة صاحبه الإمام الحسين عليه السلام، ليتم ذلك بشكل ليس فيه تشويش على بقية الذاكرين وقُرّاء كتاب الله تعالى؛ استرشادًا بالأدب النبوي الكريم في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمام مالك في "الموطأ" والإمام أحمد في "المسند".

صلاة الفجرأذكار قبل صلاة الفجر 

1- بسم الله على كل شيء اعطاني ربي، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أعوذ بالله مما أخاف وأحذر، الله ربي لا أشرك به شيئًا، عز جارك وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك، اللهم إني أعوذ بك من شر كل جبار عنيد، وشيطان مريد، ومن شر قضاء السوء، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.

2- يا غافر ذنب داود، ويا كاشف ضر أيوب، يا منجّي إبراهيم من نار النمرود، يا من ليس له شريك، ولا معه مقصود، يا من لا يخلف عن الموعود، يا من برّه ورزقه للعاصين ممدود، يا من هو برٌّ حليم ونعم المقصود، يا من هو ملجأ للملهوف والمطرود، يا من أذعن له جميع خلقه بالسجود، يا من ليس عن باب جوده أحد مطرود، يا من ليس عن بابه أحد مغمود، يا من لا يحيف في حكمه ويحكم على الظالم الجحود، ارحم عبدًا ظالمًا مخطئا لم يوف بالعهود، إنّك فعّال لما تريد وأنت المقصود.

3- « يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ودود ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب يا معبود، اللهم إليك مددت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل توبتي، وارحم ضعف قوتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي من كل خير نصيبًا، وإلى كل خير سبيلًا برحمتك يا أرحم الراحمين».

4- أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب، ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه من جميع المعاصي كلها والذنوب والآثام، ومن كل ذنب أذنبته عمدًا أو خطأ ظاهرًا وباطنًا، قولًا وفعلًا، في جميع حركاتي وسكناتي وخطراتي وأنفاسي كلها، من الذنب الذي أعلم ومن الذنب الذي لا أعلم، عدد ما أحاط به العلم وأحصاه الكتاب وخطه القلم، وعدد ما أوجدته القدرة وخصصته الإرادة، ومداد كلمات الله كما ينبغي لجلال وجه ربنا وجماله وكماله وكما يحب ربنا ويرضى».

5- « يا حي يا قيوم، يا نور يا قدوس، يا حي يا الله، يا رحمن اغفر لي الذنوب التي تحل النقم، واغفر لي الذنوب التي تُورث الندم، واغفر لي الذنوب التي تحبس القِسم، واغفر لي الذنوب التي تهتِك العِصم، واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي تُعجّل الفناء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تمسك غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تُظلم الهواء، واغفر لي الذنوب التي تكشِف الغِطاء، اللهم إني أسألك، يا فارج الهم، يا كاشف الغم، مجيب دعوة المضطر، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها، أسألك أن ترحمني برحمةٍ من عندك تُغنني بها عن رحمة من سواك».

6- « اللهمّ إنّي أسألك عيش السّعداء، ونزل الشّهداء، ومرافقة الأنبياء، والنّصر على الأعداء، يا سميع الدّعاء، يا ذا قولٍ وعطاء، وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين». 

7- « اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وأنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم».

8- « ربّ إنيّ أسألك أن تريحَ قلبي وفكري وأن تصرف عني شتات العقل والتفكير، ربّ إنّ في قلبي أمورًا لا يعرفها سواك فحققها لي يا رحيم، ربّ كن معي في اصعب الظروف واريني عجائب قدرتك في أصعب الأيام».

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلاة الفجر الاستغفار صلى الله علیه رضی الله عنه ر الله

إقرأ أيضاً:

معنى حديث «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا»، ونفي تحريضه على فعل الذنوب

أجابت دار الافتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:" ما معنى حديث: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»؟ وهل هذا الحديث فيه تحريض على فعل الذنوب؟".

لترد دار الافتاء موضحة: ان هذا الحديث دالٌّ على تمام لطف الله تعالى بعباده بأن فتح لهم باب التوبة والرحمة والمغفرة، بحيث إذا تابوا ورجعوا إليه عفا عنهم برحمته ومغفرته وإحسانه؛ ولا يفهم من ظاهره التحريض على فعل الذنوب؛ لأنه إنما ورد في معرض تسلية صدور الصحابة رضوان الله عليهم عما أصابهم من شدةِ خوفٍ أورثت بعضهم عزلة كلية للعبادة، فكان لبيان عفوه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، وزجر المذنبين عن شدة الخوف التي تورث اليأس من رحمته سبحانه؛ وترغيبهم في الإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على الله العَفُوِّ ذي الإنعام.

دعاء العودة للعمل بعد إجازة عيد الفطر.. ردده يوفقك الله ويرزقكللطلاب والمكروبين والمرضى.. أسرار استجابة الدعاء بأسماء الله الحسنى

صحة حديث: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ»

هذا الحديث صحيح تواردت على صحته عبارات المحدثين وتخريجاتهم؛ فقد أخرجه الأئمة: مسلم في "الصحيح" وبوَّب له: (باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة)، وأحمد في "المسند"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»، وله شواهد من عدة طرق بألفاظ مقاربة.

بيان معنى الحديث
هذا الحديث يُبيِّن فضل الله العظيم وكرمه العميم في قبول عباده المذنبين التائبين، حيث إنه تعالى مِن تمام لطفه بعباده أن فتح لهم باب الرحمة والمغفرة والإحسان، بحيث إذا وقع أحدهم في الذنب ثم تاب وأناب، ورجع إليه: دخل في سعة رحمته تعالى؛ حيث قال سبحانه: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].

وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه قال: «ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، ابْنَ آدَمَ، إِنْ تَلْقَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تُذْنِبْ حَتَّى يَبْلُغَ ذَنْبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرْ لَكَ وَلَا أُبَالِي» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" -واللفظ له-، والترمذي في "السنن" عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

قال عون الدين ابن هُبَيْرَة الشيباني في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (8/ 188، ط. دار الوطن): [وقوله: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ» فما قال إلى الجنة، بل أطلق، والإطلاق هاهنا قد ينصرف إلى الإعلام، فيشير كل الإشارة لأهل العلم إلى أن الله عزَّ وجلَّ إنما خلق الخلق إيجادًا لما كانت صفته القائمة به سبحانه وتعالى يقتضيه مِن أنه غفورٌ عفوٌّ صفوحٌ متجاوزٌ، لم يكن من إيجاد الخلق يذنبون فيغفر لهم، ويخطئون فيعفو عنهم، ويخالفون فيتجاوز لهم، ولا أرى قول الله سبحانه وتعالى لملائكته: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30] إلا أنهم لما عرفوا من صفات الله العفو، فقالوا: إن ذلك يقتضي إيجادك من يذنب فيغفر له ويخطئ فتعفو عنه، ثم قالوا: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ ولا تكون هذه الواو إلا واو حال أي: ونحن نسبح بحمدك، فلما خاطبوه بخطاب العلماء أجابهم عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾] اهـ.

وقال محيي الدين النووي في "شرحه على مسلم" (17/ 75، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته] اهـ.

وقال تقي الدين ابن دقيق العيد في "شرح الأربعين النووية" (ص: 138، ط. مؤسسة الريان): [اعلم أن للتوبة ثلاثة شروط: الإقلاع عن المعصية، والندم على ما فات، والعزم على أن لا يعود..، فلو فعل الإنسان مثل هذا في اليوم مرارًا وتاب التوبة بشروطها فإن الله يغفر له] اهـ.

فالحديث فيه بيانٌ لسعة رحمة الله عزَّ وجلَّ بعباده المذنبين، فهو سبحانه كما اتصف بالإحسان اتصف بالتجاوز والصفح والغفران؛ بدلالة غير واحد من أسمائه الحسنى الشريفة.

قال شهاب الدين التُّورِبِشْتِي في "الميسر في شرح مصابيح السنة" (2/ 541، ط. مكتبة نزار): [والمعني المراد من الحديث: هو أن الله تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن، أحب أن يتجاوز عن المسيء، وقد دل على ذلك من أسمائه غير واحد من الأسماء، ولما كان من أسمائه الغفار، الحليم، التواب الْعَفُوُّ، لم يكن ليجعل العباد شأنًا واحدًا؛ كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم مَن يكون بطبعه ميالًا إلى الهوى مفتتنًا بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه، ويحذره عن مداناته، إنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب فيتخلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعي مغفورًا، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقًا] اهـ.

نفي دعوى التحريض على فعل الذنوب بحديث «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا»
مما يؤكد نفي دعوى التحريض على فعل الذنوب في الحديث معرضُ وروده وسياقه الذي قيل فيه؛ حيث إنه قد ورد مورد التسلية لخواطر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وإزالةً لِمَا تمكن في صدور بعضهم من شدة الخوف من عذاب الله تعالى واليأس من رحمته، حتى دفع بعضَهم إلى العزلة التامة من أجل العبادة، فكان الحديث زجرًا لهم عن ذلك، وترغيبًا لهم في الإقبال على الله تعالى والطمع في عفوه وغفرانه.

قال مظهر الدين الزَّيداني المشهور بالمُظْهِري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 177، ط. دار النوادر): [لا يظنن قومٌ أن هذا الحديث يحرِّض الناس على الإذناب، ويُجوِّز الإذناب، بل سبب صدور هذا الحديث من رسول الله عليه السلام: أن الصحابة رضي الله عنهم كان قد غلب عليهم خوف الله، واستولى على قلوبهم تعظيم الله تعالى، بحيث اشتغلوا بالكلَّية بالعبادة والتقوى، حتى قال جماعة: نحن نَفِرُّ من بين الناس إلى رؤوس الجبال كي لا يَشْغَلَنا الناسُ عن عبادة الله، ولا يحدثوننا فيحصل لنا إثمٌ بالمحادثة، وقال جماعة: نحن نَخْصي أنفسنا، وقال جماعة: نحن نعتزل النساء، وقال جماعة: نحن لا نأكل الأطعمة اللذيذة ولا نلبس الثياب الجديدة، وقال بعضهم: أنا أصلي الليل ولا أرقدُ، وقال بعضهم: أنا أصوم النهار ولا أفطر، فزجرهم رسولُ الله عليه السلام عن هذه الأشياء بقوله عليه السلام: "ليس منَّا مَنْ خصى ولا منِ اخْتَصى"، وبقوله: "مَنْ رَغِبَ عن سنَّتي فليس مني"، وبقوله: "لا تشدِّدوا على أنفسِكم"، ثم قال لهم هذا الحديث؛ أعني: "لو لم تذنبوا" تسليةً لخواطرهم وإزالةً لشدة الخوف عن صدورهم، ومنعهم عن اليأس من رحمة الله، وتحريضهم على الرجاء إلى رحمة الله تعالى، وإظهار كرم الله ورحمته، وتعليمهم أنَّ الله تعالى يحبُّ الاستغفارَ والتوبة] اهـ.

وقال شهاب الدين التوربشتي في "الميسر في شرح مصابيح السنة" (2/ 541): [(لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون..) لم يرد هذا الحديث مورد تسلية للمنهكين في الذنوب، وتوهين أمرها على النفوس، وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغرة بالله، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غثيان الذنوب، واسترسال نفوسهم فيها، بل ورد مورد التنبيه والبيان لعفو الله عن المذنبين، وحسن التجاوز عنهم؛ ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار] اهـ.

وقال العلامة ابن علان في "دليل الفالحين" (4/ 327، ط. دار المعرفة): [ليس هذا تحريضًا للناس على الذنوب، بل كان صدوره لتسلية الصحابة وإزالة شدة الخوف عن صدورهم؛ لأن الخوف كان غالبًا عليهم، حتى فَرَّ بعضُهم إلى رؤوس الجبال للعبادة، وبعضهم اعتزل النساء، وبعضهم النومَ، وفي الحديث تنبيه على رجاء مغفرة الله تعالى وتَحَقُّقِ أن ما سبق في علمه كائن؛ لأنه سبق في علمه تعالى أنه يغفر للعاصي، فلو قدر عدم عاص؛ لَخَلَقَ الله مَن يعصيه فيغفر له] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك: فهذا الحديث دالٌّ على تمام لطف الله تعالى بعباده بأن فتح لهم باب التوبة والرحمة والمغفرة، بحيث إذا تابوا ورجعوا إليه عفا عنهم برحمته ومغفرته وإحسانه؛ ولا يفهم من ظاهره التحريض على فعل الذنوب؛ لأنه إنما ورد في معرض تسلية صدور الصحابة رضوان الله عليهم عما أصابهم من شدةِ خوفٍ أورثت بعضهم عزلة كلية للعبادة، فكان لبيان عفوه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، وزجر المذنبين عن شدة الخوف التي تورث اليأس من رحمته سبحانه؛ وترغيبهم في الإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على الله العَفُوِّ ذي الإنعام.

مقالات مشابهة

  • مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 7 أبريل 2025 في المدن والعواصم العربية
  • آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها
  • فينيسيوس: شرف عظيم لي معادلة الأهداف التي سجلها رونالدو مع الملكي
  • موعد أذان الظهر.. مواقيت الصلاة اليوم الأحد 6 أبريل 2025
  • هل يجوز صلاة قيام الليل ركعتين فقط؟.. الإفتاء تجيب
  • بالقاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الأحد 6-4-2025
  • دعاء لطلب العفو والغفران.. 7 كلمات مستجابة ولو ارتكبت الكبائر
  • معنى حديث «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا»، ونفي تحريضه على فعل الذنوب
  • داعية يحذر من العودة إلى الذنوب بعد رمضان
  • مواقيت الصلاة اليوم السبت 5 أبريل 2025 في المدن والعواصم العربية