مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «13»
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
فـي بلاد المغرب العربي عمومًا، والمملكة المغربيَّة خصوصًا، وبسبب من الملاءمة الطبوغرافـيَّة الثَّريَّة، والمتنوعة، والفريدة لتصوير أماكن «اكزوتيكيَّة» و«حُلميَّة» طالما كانت هاجسًا استشراقيًّا متأصِّلا وراسخًا فـي الآداب والفنون الغربيَّة، شكَّل المغرب قِبلة ومحجًّا للمنتجين السِّينمائيين الغربيين (خاصة الفرنسيين والأمريكان) بدعم كامل من السُّلطات هناك.
وبالتَّباين الكامل، وعلى النقيض التَّام من ذلك الموقف العاجز والمتخاذل، نجد أن السُّلطات، والمنظَّمات، وجماعات الضَّغط الأمريكيَّة، تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يتعلق الأمر بالتمثيلات (representations) فـيما لو عكسنا الوضع فـي هوية المُمَثَّل، وذلك كما يتضح بجلاء فـي حالة الهرج والمرج العاليين اللذين رافقا «فارس بلا جواد»، المسلسل التلفزيوني الرَّمضاني المكوَّن من إحدى وأربعين حلقة، والذي أنتجته القناة الفضائيَّة المصريَّة «تلفزيون الأحلام». هذا العمل مبني على مذكرات حافظ نجيب، وهو صحفـي مصري كان منخرطا بصورة مباشرة فـي نضالات الحركة الوطنيَّة العربيَّة خلال الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى عام 1917 الذي أُعلن فـيه وعد بلفور. من الواضح أن تلك كانت فترة حيويَّة وحاسمة إلى أبعد الحدود فـي التَّاريخ العربي الحديث بسبب جسامة معطياتها وأحداثها التي تضمنت، إلى جانب أحداث ومخاضات مهمة أخرى، مواجهة الأتراك العثمانيين، ومقارعة الاحتلال البريطاني لمصر، ومواجهة المشروع الصهيوني المتنامي بصورة أصبحت عندها مفتوحة وعلنيَّة فـي فلسطين. وقد أشار ذلك المسلسل التلفزيوني -أي «فارس بلا جواد»- على طريقة مرور الكرام إلى «بروتوكولات زعماء صهيون».
وفـي اليوم التالي لبث الحلقة الأولى من المسلسل فـي الليلة الأولى من شهر رمضان (التي صادفت السادس من نوفمبر 2000) صرَّح رتشرد باوتشر Richard Boucher، النَّاطق الرسمي باسم وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة (عهدذاك)، على نحو مثير للرِّيبة من ناحية، وفاقع بصورة تهديديَّة صريحة من ناحية أخرى، بأن الحلقة التي بُثت لا تتضمن محتوى مُعتَرضا عليه. ومع ذلك، يضيف بوتشر، وكما لو أن الأمر يتعلق بضربة استباقيَّة على الطَّريقة العسكريَّة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية «ستراقب بصورة دقيقة جدًّا، جدًّا [نعم، كرر كلمة «جدًّا» مرَّتين فـي تصريحه]، وسوف تثير التَّحفظات بما يتطلبه الأمر بناء على ما يُبَث». وإضافة إلى ذلك، فقد بعث ستة وأربعون عضوا فـي الكونجرس الأمريكي (الشيوخ الأمريكان) رسالة حازمة إلى محمد حسني مبارك، الرئيس المصري (عهدذاك)، يحتجون فـيها على المسلسل ومحتواه حتى قبل بثه على الشَّاشات. وفـي سياق نفس السُّعار غير المفهوم فقد اعترضت رابطة مكافحة التَّشهير Anti-Defamation League (ADL) اليهوديَّة بشدَّة على مسلسل «فارس بلا جواد»، وبعثت، فـي هذا الصدد، رسالة صارمة إلى كولن باول Colin Powell، وزير الخارجية الأمريكي (وقتذاك). أما نبيل فهمي، السَّفـير المصري لدى واشنطن (حينذاك)، فلم يكن له حول ولا قوة سوى بذل الجهد والكد من أجل محاولة امتصاص العاصفة (المفتَعَلة بالكامل أصلا) وتلافـي عواقبها بالهرولة طولاً وعرضًا إلى من يقلقهم الأمر بعقد اجتماعات عديدة مع مسؤولين فـي وزارة الخارجية الأمريكية، وأعضاء فـي مجلس الكونجرس الأمريكي، ومحررين فـي صحيفة «نيويورك تايمز»، وذلك من أجل إيضاح وجهة النظر المصريَّة حسنة النيَّة فـي الموضوع الذي بلغ تفاقمًا غير مسبوق فـي سياقه. وفـي نهاية المطاف، ومع أنه قد حُذفت مشاهد عدة من النسخة النهائيَّة من «فارس بلا جواد»، فقد حظرت - لفرط الخوف من النتائج التي لا تحمد عقباها - ست بلدان عربية، على الأقل، بث المسلسل فـي المحطَّات والقنوات التلفازية التابعة لها (1).
ومع ذلك فإن كتابات المُماراة، والمقالات السِّجالية والانطباعيَّة والعاطفـيَّة، وردود الأفعال الغاضبة حول «التَّشويه»، و«إساءة السمعة» و«عكس الحقائق»، و«التَّحريف» (أي الكتابات غير الأكاديميَّة وغير المُعمَّقة عموما) فـيما يخص تمثيلات (representations) العربي على الشَّاشات السِّينمائيَّة الأجنبية، وخاصَّة الأمريكيَّة منها، موجودة بصورة غير نادرة فـي المطبوعات العربيَّة السَّيَّارة صُحَفاً ومجلات غير متخصصة، كما فـي حالة الكتابات الاحتجاجيَّة ضد فـيلم «قواعد الاشتباك» (2).
وفـي القليل الذي يمكن رصده من كتب عربيَّة غير أكاديميَّة معنيَّة بصورة العربي فـي السِّينما (الأجنبيَّة عموماً والأمريكيَّة بصورة خاصَّة) يأتي إصدار أحمد رأفت بهجت الذي يحمل الرقم «3» ضمن مطبوعات متقطعة صدرت بنسخ محدودة عن سلسلة النادي السِّينمائي فـي القاهرة (3).
----------------------------------
(1): انظر فـي هذا:
Al-Ahram Weekly Online, issue no. 611, 7-13 Nov. 2002 and issue no. 612, 14-20 Nov. 2002. http://weekly.ahram.org.eg.
وانظر أيضاً:
محمد خيرالله وياسر شوقي، «فارس بلا جواد بين الدِّعاية السياسيَّة والرَّقابة والأخطاء الفنيَّة»، «أخبار العرب» (العين: الإمارات العربيَّة المتحدة)، 26 ديسمبر 2002.
(2): من أمثلة تلك الكتابات: د. سليمان صالح «هوليود تنشر الإسلاموفوبيا وتبرر العدوان الأمريكي على المسلمين، موقع قناة الجزيرة، https://www.aljazeera.net/opinions/2022/7/24/هوليود-تنشر-الإسلاموفوبيا-وتبرر. تاريخ الدخول إلى الموقع: 1 يناير 2025.
(3): أحمد رأفت بهجت، «الشَّخصيَّة العربيَّة فـي السِّينما العالميَّة»، (القاهرة: مطبوعات نادي القاهرة السِّينمائي، 1988).
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فارس بلا جواد ة الأمریکی من إخراج
إقرأ أيضاً:
بصورة واحدة.. 35 قياديا من حزب الله "قتلتهم" إسرائيل
نشر إعلام حزب الله صورة تجمع القيادات التي تم اغتيالها أو تلك التي قضت خلال الحرب الأخيرة بين الحزب وإسرائيل.
ويظهر في الصورة 35 قياديا من قيادات حزب الله الميدانية، مع أسمائهم وكنياتهم، بالإضافة إلى الأمينين العامين السابقين للحزب حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
ومن بين الأسماء المذكورة في الصورة، القائد السابق للجبهة الجنوبية وثالث القادة من حيث الترتيب، علي عبد المنعم كركي، والقائد العسكري الأول لحزب الله فؤاد شكر.
كذلك تضمن القائمة ابراهيم محمد عقيل، قائد وحدة الرضوان، وأحمد وهبي، الذي تولى قيادة وحدة الرضوان حتى مطلع العام الجاري، وطالب عبد الله، قائد وحدة نصر، ومحمد ناصر، قائد وحدة عزيز، ووسام حسن طويل قيادي بوحدة الرضوان، ومحمد رشيد سكافي قائد منظومة اتصالات الحزب، وإبراهيم قبيسي، قائد منظومة الصواريخ والقذائف في الحزب.
ومن الأسماء الأخرى للقيادات التي قتلت خلال الحرب الإسرائيلية على الحزب وجنوب لبنان، سهيل الحسيني ونبيل قاووق وحسين هزيمة وغيرهم.
وكان حزب الله أطلق، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023، عمليات قصف متواصلة من جنوب لبنان باتجاه الجبهة الشمالية لإسرائيل، في ما أطلق عليه اسم "جبهة إسناد غزة".
وردا على ذلك، شنت إسرائيل غارات على الأراضي اللبنانية، استهدف بعضها استهدف أهدافا عسكرية تابعة لحزب الله وفقا لما ذكره الجيش الإسرائيلي، فيما استهدف البعض الآخر قياديين في الحزب، سقط أغلبهم بعمليات اغتيال بقصف للضاحية الجنوبية لبيروت.