عندما تموت جارة .. تموت أمّ!
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
عندما تلقيتُ نبأ وفاة جارتنا، شعرتُ وكأنّ يدًا خفـية امتدّت فانتزعت قطعة من لوحة الطفولة، اللوحة التي يشعُّ وهجها من مكان غامض، اللوحة التي بدأت معالمها بالتشرذم بمرور عجلة الزمن فوقها، فامّحاء الجارات -بطريقة أو بأخرى- يُفتت وجه القرية ويقوّضُ بصمتها فـي أرواحنا.
كُنّا نفتحُ أعيننا على وقع أقدامهن فـي مطابخنا، وبينما نعركُ أعيننا نعي أنّ أمنا ذهبت إلى المستشفى، فلا يبدو وجود جاراتنا طارئًا أو مُختالًا، فهن يعتنين بحيواناتنا ويُعن منها المواليد الصغيرة، يُمشطن شعورنا، يُكحلننا دون تعجب منا أو شعور بالتطفل من قبلهن.
قد تبدو الجملة التي صدرتُ بها المقال كعنوان، مبالغًا فـيها، «عندما تموت جارة تموت أمّ»، وقد لا يفهم أبناء اليوم مغزاها، وهم يعيشون فـي جزر فرديتهم التي تكبحُ روح الجماعة التي لطالما تغذينا من أوردتها.
ومن المؤكد أيضا أنّ تلك الحياة لم تكن مثالية على نحو ما، إذ لطالما حلمنا بترك قُرانا، لطالما حلمنا بأن نجوب العالم، لننتزع أنفسنا منها ومن الجارات، لكن النوستالجيا المُعقدة فـي أرواحنا، تجعل تلك الأيام أجمل عهودنا بهذه الحياة!
ولذا فعندما تموتُ الجارة تفقد أمّهاتنا أختًا لهن، ففـي وقت كانت المسافات -لا تُقصرها وسائل التواصل الحديثة كما هو الحال اليوم- اكتسب وجود الجارات معنى آخر غير الذي نعرفه الآن.. فلو كنت تعيش وسط «جارات» كما هو حالنا فـي ثمانينيات القرن الماضي أو قبل ذلك، فأنت ستشعر دوما بأنّك مُحاط بالأمهات، أمهات يفرحن بك ويغضبن منك، يُوبخنك ويُحببنك ويشاركن فـي تربيتك. بينما يندر أن نجد ذلك بين أوساط الأجيال الجديدة التي تُعيد تشييد قُراها على نحو «مُخترق» وغير مألوف، استجابة لتداعيات أو دعايات العصرنة المُتسارعة.
فـي نقطة البدء، كبرنا على أيدي الجارات، كن يمررن أيديهن الشابة ثمّ ما لبثت أن صارت - تلك الأيدي- مُجعدة، ويبدو لي على نحو فلسفـي، بأنّ شيخوخة الجارات هي شيخوخة الأمكنة والأزمنة، فنحنُ لا نفقدُ الجارة، بل نفقدُ نمط عيش كامل، نمطًا لطالما أردتُ توثيقه.. لا أعني عبر التصوير، وإنّما عبر امتلاك القدرة على حفظ حرارة الإيماءات والضحكات، الأصوات، الكلمات، الثياب والزركشات، اللواسي التي تُخفـي أكثر مما تُبدي، زينتهن، الطعام الذي يخص كل واحدة منهن، الرائحة التي تنبعثُ من أجسادهن.. كل تلك الأشياء التي تضج بمعانيها.
الفكرة الأكثر وجعًا هي ذلك الإحساس باليُتْم. موت الجارات يُتمٌ من نوع لن يفهمه إلا من جرّب العيش بصحبة جوهرهن النادر.
لطالما شعرتُ أنّي شُجيرة صغيرة فـي قريتي وأنّ جاراتنا أشجار كبيرة يُظللنا، ولم أكن أظن -فـي رحلة النمو تلك- أن كل شجرة تسقط فـي غابة قريتنا، هي سبب لانكشافنا السخي على الضوء والنور والهواء. فبعد أن قدمن لنا الحماية الكافـية، بعد أن تجذرنا وتطاولنا، هاهنّ يغادرن، ليتركن فـي قلوبنا حنينًا أبديًا لأمهات ليس مثلهن أمهات.
من المؤكد أنّ فوتوغرافـيا الألبومات، لن تُعيد ضحكاتهن الممتدة فـي مزارعنا، لن تُعيد البطء الذي تحلين به فـي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهن ينصتن لقصص بعضهن البعض، وهن ينظرن فـي الأعين فلا يغفلن التفاصيل. فمن فناجين قهوتهن تنمو المؤازرة النادرة، الأيدي التي تتماسك بصلابة فـي آخر اللقاء. الدموع الصافـية. لا أحد يمكنه أن يُعيد تلك الحياة بحلوها ومرها.. لا أحد يمكنه أن يوقف جريان التحول فـي جدول قُرانا الجارف.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
فيديو صادم.. هذا ما ستراه عندما يبتلعك قرش
تخيّل أن تكون على بُعد سنتمترات قليلة من فم سمكة قرش وترى عن قرب أسنانها الحادة وهي على وشك الانقضاض عليك، هذا السيناريو المخيف حوّله مجموعة من الغواصين إلى حقيقة من خلال فيديو التقط بالصدفة في جزر البهاما.
وبحسب صحيفة "ليف مينت"، كان الغواصون في وقتٍ سابق من هذا الشهر يطعمون أسماك قرش من فصيلة "ببري"، عندما قامت إحدى القروش بالانقضاض على الوجبة، لتبتلع عن غير قصد الكاميرا التي كان يحملها.
وعلقت الكاميرا لفترة قصيرة في فك السمكة، قبل أن تلفظها بعدما عجزت عن ابتلاعها.
ومن خلال استمرار الكاميرا في التسجيل، تمكن الغواصون من مشاهدة لحظات نادرة تظهر عن كثب الخياشيم والأسنان الحادة.
في تلك الأثناء، تابع الغوّاصون إلهاء أسماك القرش الأخرى حتى تمكّن الغوّاص أندريا راموس ناسيمنتو من استعادة الكاميرا.
Shark eats camera, films own mouth, spits it back out pic.twitter.com/8uUFNMJ3jv
— Nature is Amazing ☘️ (@AMAZlNGNATURE) February 24, 2025 مشاعر متضاربةأثار الفيديو تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تراوحت ردود الفعل بين الدهشة والرعب من فكرة مواجهة أحد أخطر الحيوانات البحرية.
وصف أحد المعلقين الفيديو بـ "فرصة العمر" التي لا يمكن تفويتها، معتبراً أنها تجسد أسوأ سيناريو قد يتخيله أي شخص. في المقابل، اعتبر آخرون أنها تجربة لا يتمنى أحد خوضها حتى في كوابيسه.
القِرش البَبرِيّ هو نوع من الأسماك التي تنتمي لنوع البنبكيات، ويعد من أكبر فصائل أسماك القرش، إذ يمكن أن يصل طول السمكة إلى 5.5 أمتار، ويعتبر من الأنواع القريبة من خطر الانقراض وذلك بسبب اصطياده.
يحتل هذا النوع من الأسماك المفترسة، المرتبة الثانية بعد أسماك القرش البيضاء لجهة عدد الهجمات على البشر، وفقاً لمتحف فلوريدا.