جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-27@13:51:01 GMT

الإنصات جوهر القيادة وروح الإبداع

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

الإنصات جوهر القيادة وروح الإبداع

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

في عالم القيادة والأعمال، ينشغل القادة والإداريون بإتقان فنون الحديث والتعبير، ساعين للتأثير وإلهام من حولهم. ومع ذلك، نادرًا ما يدركون أنَّ سر القيادة الحقيقية يكمن في مهارة أكثر عمقًا وتأثيرًا: فن الإنصات. هذه المهارة ليست مجرد أداة للتواصل؛ بل هي الركيزة الأساسية لبناء الثقة وتعزيز التفاهم العميق، مما يمنح القائد رؤية أشمل لاتخاذ قرارات فاعلة وملهمة.

وقد وهبنا الله سبحانه وتعالى أذنين ولسانًا واحدًا، في دلالة بليغة على أن الإنصات هو جوهر القيادة المؤثرة وأداة لتحقيق تواصل مستدام ومثمر.

الإنصات ليس مجرد سماع للمعلومات، بل هو ركيزة جوهرية في القيادة والإبداع، وأداة فعّالة لبناء الفرق وتحفيز الابتكار. وكما أشار كوفي (2004) في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية"، فإنَّ الإنصات الفعّال يتجاوز الكلمات ليصل إلى أعماق المشاعر والدلالات الضمنية، مما يعزز التفاهم ويُثري جودة التواصل بشكل ملحوظ.

يُعد الإنصات روح القيادة وجوهرها؛ حيث يسهم في بناء ثقافة ابتكار نابضة داخل المؤسسات من خلال خلق بيئة عمل تفاعلية تُشجع على التفكير الإبداعي وتعزز التعاون بين الأفراد. إنه أكثر من مجرد مهارة، بل هو أداة لتحفيز الفريق، تمنح أفراده شعورًا بالتقدير والانتماء، مما يرفع الإنتاجية ويُرسخ التماسك المؤسسي.

علاوة على ذلك، فالقائد المنصت يتخذ قرارات دقيقة وشاملة بفضل فهمه العميق لوجهات النظر المتنوعة، مما يُلبي احتياجات الفريق ويحقق الأهداف المؤسسية بتميّز. فهو كالمعلم الحكيم، يعزز النقاش ويصقل الأفكار عبر التركيز الكامل على المتحدث، وتجنب التشتيت، واستخدام لغة الجسد لإظهار الاهتمام. فالإنصات أداة عميقة تُثري التواصل وتُحفز الإبداع والابتكار.

تتعدد تحديات الإنصات في القيادة، أبرزها الانشغال وضيق الوقت؛ حيث يرى بعض القادة أنَّ الإنصات يستهلك وقتًا كبيرًا في خضم الأعمال المتراكمة. إضافةً إلى ذلك، يشكل التحيز الشخصي عقبة أخرى، عندما يميل القائد إلى استنتاجات سريعة دون مراعاة تفاصيل قد تكون حاسمة لفهم أعمق. كما أن إدارة فرق متنوعة بثقافات وخلفيات متعددة يمثل تحديًا معقدًا، إذ يتطلب وعيًا ومرونة لفهم احتياجاتها المختلفة وتحقيق انسجام يدعم التعاون والإبداع. التغلب على هذه التحديات يحتاج إلى قيادة واعية تولي الإنصات اهتمامًا يعزز الثقة ويثري التواصل.

الإنصات الفعّال يظل سمة جوهرية للقادة المؤثرين، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. محليًا، يُعد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نموذجًا للقائد الذي جسّد فن الإنصات من خلال جولاته السلطانية، حيث استمع بعمق لمواطنيه، مما أسهم في بناء عُمان الحديثة على أسس من الترابط والثقة. وعلى خطاه، يواصل السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - تعزيز هذا النهج ضمن رؤية "عُمان 2040"، التي جعلت من الإنصات محورًا لإشراك المواطنين وتحقيق نهضة متجددة قائمة على الابتكار والشراكة المجتمعية.

على الصعيد العالمي، يبرز قادة مثل ساتيا ناديلا، الذي أعاد تشكيل مايكروسوفت بالإنصات لتعزيز الابتكار، وهوارد شولتز، الذي أنقذ ستاربكس بالإصغاء لموظفيه وعملائه، وإندرا نويي، التي قادت بيبسيكو لتطوير منتجات مبتكرة بفهم تطلعات السوق. هؤلاء القادة أثبتوا أن الإنصات ليس مجرد مهارة شخصية، بل استراتيجية قيادية تُحدث فرقًا حقيقيًا. فهي تعزز الثقة، تشجع الابتكار، وتُمهد الطريق لتحولات إيجابية داخل المؤسسات، مما يحقق النجاح المستدام ويؤكد على أهمية الإنصات كعنصر لا غنى عنه في القيادة.

ولتطوير مهارة الإنصات، يمكن اعتماد استراتيجيات فعّالة مثل جلسات العصف الذهني لتعزيز حرية التعبير وتبادل الأفكار، واعتماد التغذية الراجعة كوسيلة لبناء الثقة وتعميق التواصل. بالإضافة إلى ذلك، يُعد تخصيص وقت للاستماع الواعي، مع توظيف لغة الجسد والتواصل البصري لإظهار الاهتمام، خطوة عملية تسهم في ترسيخ هذه المهارة بشكل يومي.

وتتجلى أهمية الإنصات في كونه عنصرًا محوريًا لا غنى عنه في القيادة والإبداع، فهو ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل أداة مؤثرة لإحداث تحولات إيجابية في أداء القيادة، وتعزيز تماسك الفرق، ورفع كفاءة المؤسسات. الإنصات يفتح آفاقًا للتفاهم العميق، ويخلق بيئة عمل ملهمة تدعم الابتكار والتعاون. لذا، ندعو القادة والإداريين إلى تبني مهارات الإنصات كنهج أساسي في قيادتهم، والاستثمار في تطويرها لتصبح جزءًا لا يتجزأ من مسيرتهم نحو تحقيق النجاح والتميّز المستدام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نزوى 121 ... الشعر والتاريخ والفقد في الإبداع الخليجي والعربي

(عمان) في عددها الجديد (121)، تقدم عائشة الدرمكية، رئيسة تحرير مجلة نزوى، افتتاحية تقول: "نزوى.. نص منفتح على عوالم المتغيرات". تفتتح نزوى هذا العدد بملف خاص يتناول ما يمكن وصفه بظاهرة "شعرنة التاريخ في النص الخليجي المعاصر". أعدَّ الملف وقدمه عبدالرحمن المسكري مُنطلِقًا من فهم العلاقة بين الشعري والتاريخي بوصفها مبحثًا أُبستميًّا، واستعرضتْ خلاله ضياء الكعبي تجربة الشاعر البحريني عبد الرحمن الشرقاوي كنموذج لتلك العلاقة/ الجدلية، بينما ناقشت رانية العرضاوي مقولة "الشعر ديوان العرب" في محاولة لمراجعة مدى صوابيتها، ولـ"تخليص" الشاعر المعاصر من عبء الدور التاريخي. في حين توقف مبارك الجابري عند إشكالية الزمن والنص في توظيف التاريخ، ووجدت سعاد العنزي في قراءتها لتجربة الشاعر الكويتي خليفة الوقيان نموذجًا آخر لفهم علاقة الشعر بالتاريخ في النص الخليجي. أما علي كاظم داود فقد استقرأَ فاعليات التاريخ عبر نماذج عدة من الشعر العراقي.

كما احتفت نزوى، في ملف ثانٍ، بتجربة الروائي اللبناني إلياس خوري، الذي كان قد رحل عن عالمنا في سبتمبر العام الماضي. يناقش الملف الذي أعده وقدمه محمد الحجيري عوالم خوري الروائية ودوره الثقافي الذي ظل مشغولًا بكتابة السردية الفلسطينية. شاركت في الملف أمل أبو حنيش بمقالة نقدية عن التناص بين رواية "باب الشمس" للروائي اللبناني ورواية "عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني، بينما قدمت نوال الستيتي قراءة في رواية "سينالكول" بوصفها وثيقة تاريخية عن الحرب الأهلية اللبنانية. كما كتبت ماريان غلاولي مقالة عن فلسطين بوصفها تاريخًا في أدب خوري، ترجمها عبد المنعم الشنتوف. محمد الحجيري كتب بدوره عن بيروت، مدينة خوري كما صورها صاحب "الجبل الصغير". وعن الروائي الراحل بوصفه "الأمهر في محاربة الندم" كتب بلال خبيز. في حين كتب سليمان بختي كتابة سيريَّة تستعيد إلياس خوري تحت عنوان "فلسطين أو حب الحياة". وقدم محمود فرغلي قراءة نقدية في شعرية الشهادة عند إلياس خوري، الشهادة التي "لا تهمش التاريخ ولا تسترجعه بل تعيد إنتاجه" في جدال بين الواقع والمتخيل.

وفي ملف ثالث، احتفت مجلة نزوى بتجربة غائب آخر عن الساحة الأدبية المحلية، وهو الشاعر العماني زاهر الغافري الذي صادف رحيله في سبتمبر ذاته من العام الماضي. أعدَّ الملف وقدمه سالم الرحبي بعنوان ينادي: "الشاعر عائدًا"! افتتح الخطاب المزروعي الملف بحوار مع الفنانة العراقية أثمار عباس، أرملة الشاعر، بينما شارك محمد زروق بمقالة عن مغترب الغافري في القصيدة والمكان. أما أحمد الحوسني فقد توقف عند شعرية العناوين في دواوين الغافري، في حين قدَّم صالح لبريني قراءة في ديوان "في كل أرض بئر تحلم بالحديقة". وفي مختتم الملف كتب أيوب مليجي شهادة صديق في ذكرى الشاعر الراحل.

وفي باب الدراسات، يطالعنا الغالي بنهشوم بدراسة تحت عنوان "في تأويل النص الصوفي". ودراسة بعنوان "ما السيميوطيقا السياسية ولماذا هي مهمة؟" بطرح بيتر سيلغ وأندرياس فينتسيل، بترجمة وديع بكيطة وسعيد هادف. ودراسة أخرى عن "طوفان من الحلوى في معبد الجماجم" لأم الزين بنشيخة، بقلم محمد حمراوي. وعن "جلبة لتحريك الوقت" لعبد الله ثابت، يقدم عبد الرزاق القلسي قراءة نقدية في الديوان. بينما كتب عادل بن ملوك عن الفن والأدب بوصفهما احتجاجًا ثوريًا، وعن "الميتادلالي/ الارتزاق النصي في قصص أحمد بوزفور" دراسة أخيرة يقدمها عزيز أطريمس.

وفي باب السينما، يناقش محمد هاشم عبد السلام السؤال التالي: "هل أفسد الصوت الكوميديا السينمائية؟"، بينما تكتب سعاد زريبي عن الطفولة في السينما الإيرانية. أما في باب المسرح، فنقرأ مسرحية "المتاهة" لفرناندو أرابال، بترجمة خالد الريسوني وتقديمه.

ويُفتتح باب الشعر بقراءة مجموعة مختارة من قصائد ماركو لوكيزي، بتقديم آنا حداد، وترجمة صفاء جبران. ويكتب حسن شهاب الدين عن "شجرة تكتب الهايكو". وبترجمة محمد حلمي الريشة نقرأ "غنائية طويلة إلى فلسطين.. أو التفكير الصعب" لريكي لورينتيس. ونقرأ "أسودان.. أسود لامع وأسود جاف" لمنذر مصري، و"غنيمتي من سينما الصباح والليل" لنبيل منصر. كما نقرأ أيضًا قصائد للشاعرة الفلسطينية أوليفيا إلياس، بترجمة أليس يوسف. ويترجم لنا محسن العوني مختارات شعرية للكندي غاستون ميرون، وأخيرًا قصائد لمحمد اللوزي.

وفي باب النصوص، نقرأ بترجمة سمر مرسي نصًا بعنوان "أبولّو" لشيماماندا نغوزي أديتشي، ويكتب فكري عمر عن "كائن الطين الصلب"، ويكتب هاني القط نصه "أتبع روحي". ونقرأ خطاب أنطوان سانت إكزوبري عام 1932 بترجمة ثناء عباس. كما نقرأ "الأريكة" لفاطمة إبراهيم، و"الفوضى" للسيد شعيب الوافي، و"ضد الأرق" لويلفريدو ماتشادو، بترجمة علي بونوا.

وأخيرًا، في باب المتابعات والرؤى، نقرأ بترجمة أبو بكر العيادي عن "بروست.. وفلسفة الأدب" لديكومب. وتكتب سوسن جميل حسن متابعة عن الذكاء الاصطناعي وصناعة معايير الموضة والجمال. ويكتب أحمد المؤذن عن مجموعة قصصية لشيماء الوطني بعنوان "أهرب من ظله". أما بدر العبري فيقدم متابعة عن المكتبة البارونية في جربة وعلاقتها بعُمان. وعن ديوان "أركض طاويًا العالم تحت إبطي" نقرأ متابعة أحمد الصغير. ويكتب عبده منصور المحمودي عن روايات نادية الكوكباني، وتكتب لمياء شمت عن شعرية كمال الجزولي. وأخيرًا متابعة عن متحف عُمان عبر الزمان بقلم كرم نعمة.

مقالات مشابهة

  • كيز.. «قمة الإبداع» من «مخاوف الفشل»!
  • قومٌ شعارهم: يا مغرِّب خرِّب
  • هل تنهي بطاريات الألمنيوم عهد الليثيوم؟ تعرف على الابتكار الجديد
  • نزوى 121 ... الشعر والتاريخ والفقد في الإبداع الخليجي والعربي
  • إلى أبطال القيادة العامة.. تحرير الخرطوم ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو رمز لصمودكم وإرادتكم
  • تيك توك بين الحرية والتقييد .. هل تتحول المنصة إلى أداة رقابة في الولايات المتحدة؟
  • الجواهري: ترامب سيخسر معركة أسعار النفط وموازنة العراق أداة لسرقة المال
  • مدبولي خلال Gen Z: الابتكار وريادة الأعمال هما مفتاح تقدم الدول
  • إطلاق الهُوية البصرية لملتقى بهلا بوابة الابتكار وريادة الأعمال