جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-27@06:26:27 GMT

الإنصات جوهر القيادة وروح الإبداع

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

الإنصات جوهر القيادة وروح الإبداع

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

في عالم القيادة والأعمال، ينشغل القادة والإداريون بإتقان فنون الحديث والتعبير، ساعين للتأثير وإلهام من حولهم. ومع ذلك، نادرًا ما يدركون أنَّ سر القيادة الحقيقية يكمن في مهارة أكثر عمقًا وتأثيرًا: فن الإنصات. هذه المهارة ليست مجرد أداة للتواصل؛ بل هي الركيزة الأساسية لبناء الثقة وتعزيز التفاهم العميق، مما يمنح القائد رؤية أشمل لاتخاذ قرارات فاعلة وملهمة.

وقد وهبنا الله سبحانه وتعالى أذنين ولسانًا واحدًا، في دلالة بليغة على أن الإنصات هو جوهر القيادة المؤثرة وأداة لتحقيق تواصل مستدام ومثمر.

الإنصات ليس مجرد سماع للمعلومات، بل هو ركيزة جوهرية في القيادة والإبداع، وأداة فعّالة لبناء الفرق وتحفيز الابتكار. وكما أشار كوفي (2004) في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية"، فإنَّ الإنصات الفعّال يتجاوز الكلمات ليصل إلى أعماق المشاعر والدلالات الضمنية، مما يعزز التفاهم ويُثري جودة التواصل بشكل ملحوظ.

يُعد الإنصات روح القيادة وجوهرها؛ حيث يسهم في بناء ثقافة ابتكار نابضة داخل المؤسسات من خلال خلق بيئة عمل تفاعلية تُشجع على التفكير الإبداعي وتعزز التعاون بين الأفراد. إنه أكثر من مجرد مهارة، بل هو أداة لتحفيز الفريق، تمنح أفراده شعورًا بالتقدير والانتماء، مما يرفع الإنتاجية ويُرسخ التماسك المؤسسي.

علاوة على ذلك، فالقائد المنصت يتخذ قرارات دقيقة وشاملة بفضل فهمه العميق لوجهات النظر المتنوعة، مما يُلبي احتياجات الفريق ويحقق الأهداف المؤسسية بتميّز. فهو كالمعلم الحكيم، يعزز النقاش ويصقل الأفكار عبر التركيز الكامل على المتحدث، وتجنب التشتيت، واستخدام لغة الجسد لإظهار الاهتمام. فالإنصات أداة عميقة تُثري التواصل وتُحفز الإبداع والابتكار.

تتعدد تحديات الإنصات في القيادة، أبرزها الانشغال وضيق الوقت؛ حيث يرى بعض القادة أنَّ الإنصات يستهلك وقتًا كبيرًا في خضم الأعمال المتراكمة. إضافةً إلى ذلك، يشكل التحيز الشخصي عقبة أخرى، عندما يميل القائد إلى استنتاجات سريعة دون مراعاة تفاصيل قد تكون حاسمة لفهم أعمق. كما أن إدارة فرق متنوعة بثقافات وخلفيات متعددة يمثل تحديًا معقدًا، إذ يتطلب وعيًا ومرونة لفهم احتياجاتها المختلفة وتحقيق انسجام يدعم التعاون والإبداع. التغلب على هذه التحديات يحتاج إلى قيادة واعية تولي الإنصات اهتمامًا يعزز الثقة ويثري التواصل.

الإنصات الفعّال يظل سمة جوهرية للقادة المؤثرين، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. محليًا، يُعد السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- نموذجًا للقائد الذي جسّد فن الإنصات من خلال جولاته السلطانية، حيث استمع بعمق لمواطنيه، مما أسهم في بناء عُمان الحديثة على أسس من الترابط والثقة. وعلى خطاه، يواصل السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - تعزيز هذا النهج ضمن رؤية "عُمان 2040"، التي جعلت من الإنصات محورًا لإشراك المواطنين وتحقيق نهضة متجددة قائمة على الابتكار والشراكة المجتمعية.

على الصعيد العالمي، يبرز قادة مثل ساتيا ناديلا، الذي أعاد تشكيل مايكروسوفت بالإنصات لتعزيز الابتكار، وهوارد شولتز، الذي أنقذ ستاربكس بالإصغاء لموظفيه وعملائه، وإندرا نويي، التي قادت بيبسيكو لتطوير منتجات مبتكرة بفهم تطلعات السوق. هؤلاء القادة أثبتوا أن الإنصات ليس مجرد مهارة شخصية، بل استراتيجية قيادية تُحدث فرقًا حقيقيًا. فهي تعزز الثقة، تشجع الابتكار، وتُمهد الطريق لتحولات إيجابية داخل المؤسسات، مما يحقق النجاح المستدام ويؤكد على أهمية الإنصات كعنصر لا غنى عنه في القيادة.

ولتطوير مهارة الإنصات، يمكن اعتماد استراتيجيات فعّالة مثل جلسات العصف الذهني لتعزيز حرية التعبير وتبادل الأفكار، واعتماد التغذية الراجعة كوسيلة لبناء الثقة وتعميق التواصل. بالإضافة إلى ذلك، يُعد تخصيص وقت للاستماع الواعي، مع توظيف لغة الجسد والتواصل البصري لإظهار الاهتمام، خطوة عملية تسهم في ترسيخ هذه المهارة بشكل يومي.

وتتجلى أهمية الإنصات في كونه عنصرًا محوريًا لا غنى عنه في القيادة والإبداع، فهو ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل أداة مؤثرة لإحداث تحولات إيجابية في أداء القيادة، وتعزيز تماسك الفرق، ورفع كفاءة المؤسسات. الإنصات يفتح آفاقًا للتفاهم العميق، ويخلق بيئة عمل ملهمة تدعم الابتكار والتعاون. لذا، ندعو القادة والإداريين إلى تبني مهارات الإنصات كنهج أساسي في قيادتهم، والاستثمار في تطويرها لتصبح جزءًا لا يتجزأ من مسيرتهم نحو تحقيق النجاح والتميّز المستدام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هنو: نسعى إلى خلق بيئة ثقافية ديناميكية تُثري الوجدان المصري من خلال دعم الإبداع

اعتمد الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، برنامج أنشطة شهر رمضان المبارك لعام 2025م - 1446هـ، والذي تُنظمه الوزارة من خلال قطاعاتها المتعددة، بالقاهرة والمحافظات والموجهة إلى مختلف الشرائح العمرية والمجتمعية، من خلال عدد كبير من الفعاليات الثقافية والفنية، التي تُنفذ خلال الشهر الكريم، تفعيلًا لأهداف الدولة في بناء الإنسان المصري.

وجّه وزير الثقافة خالص التهنئة إلى الشعب المصري والأمة الإسلامية بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، داعيًا الله أن يعيده على الجميع بالخير واليمن والبركات، وأن يكون شهرًا عامرًا بالقيم الروحية والتلاحم المجتمعي.

وأكد الوزير أن الوزارة أعدّت أجندة ثقافية وفنية ثرية ومتميزة احتفاءً بالشهر الفضيل، تستهدف مختلف الفئات العمرية والاجتماعية في جميع أنحاء مصر، إيمانًا بأهمية الثقافة والفنون في تعزيز روح الشهر الكريم ونشر القيم الإيجابية بين أفراد المجتمع.

وأوضح أن برنامج الفعاليات الرمضانية هذا العام يشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة الإبداعية، تتضمن العروض الفنية والموسيقية، الأمسيات الأدبية والشعرية، المعارض التراثية، والعروض المسرحية، إلى جانب برامج مخصصة للأطفال والشباب لتعريفهم بعراقة التراث المصري والقيم النبيلة التي يحملها هذا الشهر المبارك.

وأشار الوزير إلى أن الوزارة تسعى إلى خلق بيئة ثقافية ديناميكية تُثري الوجدان المصري، وتُسهم في تعزيز الهوية الوطنية، من خلال دعم الإبداع وتشجيع التفاعل بين الفنانين والمثقفين والجمهور، بما يرسخ قيم التسامح والمحبة والتواصل الإنساني التي يتميز بها رمضان.

واختتم وزير الثقافة تصريحه بدعوة جميع المواطنين إلى المشاركة الفاعلة في هذه الفعاليات، والاستمتاع بالأجواء الثقافية والفنية التي تعكس أصالة مصر وثراءها الحضاري، مؤكدًا أن الثقافة والفنون هما الجسر الذي يوحّد القلوب ويُضيء العقول، لا سيما في شهر رمضان الذي يجسد أسمى معاني الروحانية والتآخي.

اقرأ أيضاًقصور الثقافة تعلن قبول 65 موهبة جديدة في اختبارات «ابدأ حلمك» بالإسماعيلية

مصر نائبًا لرئيس المؤتمر الـ13 لوزراء الثقافة في دول العالم الإسلامي بجدة

قصور الثقافة تشارك بمعرض «ديارنا» للحرف التراثية

مقالات مشابهة

  • عمار بن حميد النعيمي: الإنسان جوهر التنمية
  • "فايننشال تايمز": العقوبات الأوروبية على روسيا.. أداة ضغط أم عائق للسلام في أوكرانيا؟.. فشل قمة باريس يكشف عجز أوروبا عن تقديم الدعم لكييف
  • نوران جوهر: الفترة الماضية كانت صعبة بسبب الإصابة.. وتحقيق لقب تكساس مهم
  • شيخ الأزهر: جوهر رسالة الإسلام نشر السلام وإقامته بين الجميع
  • صندوق العراق للتنمية أداة لإصلاح اقتصادي وبوابة لمستقبل مزدهر
  • هزاع أبو الريش لـ24: الإمارات تعزز قيمة الإبداع
  • برلمانية: قانون العمل الجديد أداة مهمة لخلق بيئة جاذبة للاستثمار وضمان حقوق العمال
  • هنو: نسعى إلى خلق بيئة ثقافية ديناميكية تُثري الوجدان المصري من خلال دعم الإبداع
  • الذكاء الاصطناعي يكتشف تشوهات الدماغ غير المرئية
  • السجن المؤبد لشاب تاجر في الحشيش بـ إمبابة