عملت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى مدى الأسبوع الأول من دخوله البيت الأبيض على إحداث صدمة للنظام، وسط تساؤلات حول قدرته على حل المشاكل التي يهتم بها الناخبون، مثل التضخم والأمور المتعلقة بالاحتياجات الأساسية.

وجاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن الأسبوع الأول لترامب كان بالنسبة إليه هو كل شيء وعد بتحقيقه: "هجمات متعددة على الوكالات التنفيذية والمهاجرين غير المسجلين والأعداء المفترضين والعقبات الأخرى، ومع ذلك، هذا هو الأسبوع الأول فقط من فترة مدتها أربع سنوات وكان من المبكر جدا بالنسبة له تعليق أي لافتة تعلن عن إنجاز المهمة".



وقال التقرير إن "التوجيهات الأولى تضمنت عشرات الأوامر والإجراءات والتصريحات المصممة لتعطيل الوكالات في جميع أنحاء الحكومة الفيدرالية وخارجها، ولو أخذت معا، فقد أكد أسبوع النشاط على تصميم ترامب على محاولة إحداث تغييرات شاملة أكثر جذرية وعقابية مما حاول في ولايته الأولى".

وأكد أن هذه الإجراءات إعادة تفسير التعديل الرابع عشر من الدستور وإنهاء حق المواطنة بالولادة، ونشر القوات العسكرية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك كجزء من دعوته للترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، وإغلاق مكاتب التنوع والمساواة والإدماج الفيدرالية، وإضعاف أنشطة إنفاذ الحقوق المدنية لوزارة العدل، والمطالبات الواسعة بالسلطة التنفيذية على المحفظة الفيدرالية".

وأوضح أن هذه القرارات "تعبر عن شعور لدى ترامب بأنه لديه حق غير مقيد في إصدار ما يريد من قرارات، مثل قراره العفو عن المتورطين في فتنة 6 كانون الثاني/ يناير 2021 وإلغاء الأحكام الصادرة على زعماء العصابة التي قادت الهجوم على الكابيتال هيل، رغم  الاقتراحات الأخيرة من قبل نائب الرئيس جيه دي فانس وبام بوندي، التي تم ترشيحها لمنصب المدعي العام، بأن العفو عن مرتكبي الجرائم العنيفة لن يحدث".


وبين أنه "لم يكن هناك أمر واحد في أيامه الأولى في منصبه أكثر إثارة للقلق من العفو، وقد كان خصومه قلقين قبل الانتخابات من أن ترامب لن يجد عوائق في ولايته الثانية وأنه سيملأ البيت الأبيض وإدارته بالموالين وينفي أنواع المستشارين الذين ندم على تعيينهم في ولايته الأولى، وكان العفو دليلا على أن ترامب سيتصرف كما يشاء".

وجاء في التقرير أنه خلال رحلته يوم الجمعة إلى نورث كارولينا وكاليفورنيا لتفقد الأضرار الناجمة عن إعصار هيلين في الخريف الماضي وحرائق الغابات الغربية التي لا تزال مشتعلة حول لوس أنجلوس، عبر ترامب عن رغبة في إلغاء وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية والسماح للولايات بالتعامل مع الإغاثة من الكوارث، مع استخدام الأموال الفيدرالية في النهاية بتغطية بعض التكاليف، حيث زعم دون دليل أن هذا سيكون أكثر فعالية وأقل تكلفة.

وأضاف "لقد كان لإغاثة الكوارث، سواء من حيث الأفراد أو الأموال، دورا فيدراليا أساسيا، فهل يصبح هذا الدور الآن مسيسا؟ وأجاب ترامب على هذا السؤال في طريقه إلى كاليفورنيا، مقترحا بأن تكون المساعدات الفيدرالية المستقبلية مشروطة بأن يقدم الناخبون إثباتات الهوية قبل السماح لهم بالإدلاء بأصواتهم".

وذكر أنه "بمجرد وصوله إلى هناك وبعد التحدث مع الحاكم الديمقراطي غافين نيوسوم، الذي كان ينتقده باستمرار، أشار إلى أنه سيسعى إلى التعاون في التنظيف وإعادة البناء، ولم يوقف ترامب الوكالات الفيدرالية، لكن مجموع أفعاله أدى إلى تجميد وظائف أساسية مثل تمويل الأبحاث وعكس وظائف أخرى وأرسل قشعريرة عبر نطاق السلطة التنفيذية".

وأكد التقرير أن "قرار إزالة المفتشين العامين المستقلين من معظم الوكالات كان على مستوى مجلس الوزراء في وقت متأخر من يوم الجمعة، وهي الخطوة التي يبدو أنها غير قانونية، خطوة أخرى نحو إنشاء فرع تنفيذي يتحرك في خطوة واحدة مع أولويات الرئيس وأهوائه. لقد اتخذ ترامب العديد من الإجراءات في العديد من المجالات لدرجة أنه وضع معارضيه الديمقراطيين في الكونغرس وجماعات المصالح المنظمة وغيرها في حال يجعلهم غير قادرين على مواجهته. ويعرف ترامب أنه يواجه حزبا ديمقراطيا ضعيفا لا يزال يترنح من نتائج انتخابات  تشرين الثاني/ نوفمبر 2024".

وأوضح أنه يتعامل مع حزب جمهوري "مذعن"، حيث يتجه أعضاء مجلس الشيوخ نحو تأكيد جميع المرشحين لمجلس الوزراء باستثناء عدد قليل جدا من أكثرهم إثارة للجدل، مضيفا أنه "في ليلة الجمعة، أكد مجلس الشيوخ على بيت هيغسيث، وهو جندي  قديم ليست لديه خبرة إدارية كبيرة والذي واجه اتهامات بسوء السلوك الجنسي، كوزير دفاع جديد. وأدلى فانس بصوته المرجح بعد أن عارض ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ - سوزان كولينز من مين، وليزا موركوفسكي من ألاسكا، وميتش ماكونيل من كنتاكي - هيغسيث، كما فعل كل ديمقراطي".

وأثار قرار ترامب العفو عن الذين هاجموا ضباط الشرطة في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، بعض المعارضة من جانب الجمهوريين في الكونغرس، ولكن ليس التمرد على نطاق واسع، وأكثر من ولايته الأولى، فقد أرهب ترامب المشرعين الجمهوريين الذين يشعرون بالقوة في سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ ويخشون أن ينظر إليهم على أنهم يعارضونه. كما وتحظى العديد من الإجراءات التي اتخذها بدعم واسع النطاق داخل الحزب، وبعضها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين لديهم سجلات إجرامية، يحظى بدعم شعبي. ومع ذلك، فإن جهوده للمطالبة بسلطات تنفيذية استثنائية تهدد استقلال الفرع التشريعي في الكونغرس والضوابط والتوازنات التي وضعها الدستور. فهو يعمل كرئيس وزراء قوي في نظام برلماني.


وبيّن التقرير أن "آخرين ويقولون إنه يحاول التصرف كرجل قوي استبدادي، وسيمارس ترامب هيمنته في العديد من الأشياء التي بدأها، وخاصة بعض الجهود الرامية إلى كبح ما يراه بيروقراطية معادية. ومع ذلك، فهو بعيد كل البعد عن النصر الكامل.. ويواجه ترامب بالفعل مقاومة قانونية، حيث وصف قاضي عين في زمن ولاية رونالد ريغان الجهود الرامية إلى إنهاء حق المواطنة بالولادة بأنها أمر غير دستوري بشكل صارخ".

وفي حالة تنفيذه مطالب مرشحه لمنصب مكتب إدارة الميزانية، راسل فوغت والمتعلق بسلطة الرئيس على الإنفاق، التي  حدد الدستور اختصاصها للكونغرس فسوف يواجه اختبارا قانونيا آخر. وربما واجهت سياساته المتعلقة بالهجرة، اعتمادا على مدى تقدمها، تحديات مماثلة.

وفي مجالات أخرى تتعلق باللوائح الفيدرالية التي تؤثر على سياسات الطاقة والمناخ التي هندستها إدارة بايدن، سيستخدم خصومه المحاكم لمحاولة إحباطه.

وتظل القضية الأكبر بالنسبة لترامب، والتي ستحدد في نهاية المطاف النجاح السياسي والموضوعي لولايته الثانية، هي ما إذا كانت هذه الموجة من النشاط التي تشير إلى تغيير كبير في المسار ستعمل على تحسين حياة الناخبين الذين دعموه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. كما أن التخلص من مكاتب وموظفي "التنوع والمساواة والإندماج"  سيشجع أنصاره الأكثر ولاء ولكنه سيضر بالقوى الفدرالية العاملة في دولة أصبحت أكثر تنوعا عرقيا ولن يساعد بالضرورة  الأسر التي تكافح لدفع الفواتير.

وفي الواقع، قد يؤدي ترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين إلى رفع أسعار المواد الغذائية وزيادة نقص العمالة. إن الإجراءات الأخرى التي يتخذها قد يكون لها تأثير ضئيل على التضخم، وهي القضية التي ساعدته أكثر من أي قضية أخرى على الفوز في الانتخابات.

لقد وعد ترامب بخفض أسعار البنزين في إطار خطته لإطلاق العنان لإنتاج الطاقة، على الرغم من أن الولايات المتحدة تنتج اليوم أكثر من أي وقت مضى. وقد وعد ترامب بخفض أسعار السلع الأخرى على الرغم من أن أداته الاقتصادية الرئيسية تعتمد فرض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، فهو يريد فرض رسوم جمركية على المنتجات القادمة من الصين، وهو ما سيرفع أسعار عدد لا يحصى من المنتجات. كما يريد فرض رسوم جمركية على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا لوقف تدفق الفنتانيل. وقال الأسبوع الماضي إنه سيفرض هذه الرسوم الجمركية في الأول من  شباط/فبراير.

وجاء في المقال ان "هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن ما إذا كان سينفذها وإذا فعل، فما هي البنود التي ستشملها.. وهو  يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، ولكن هل سيكون ذلك بشروط مواتية لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين؟".


وأضاق أنه "بالمحصلة فالإجراءات التي اتخذها ترامب خلال أسبوعه الأول لا تقتصر على الرمزية، وإن كان أحداث صدمة للنظام هو الهدف الواضح والقول إنه سيستمر في تبني القيم الثقافية لحركة لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".

وبشكل جماعي، تشير الإجراءات إلى أنه سيحكم باعتباره "الدخيل" على النظام  و"المخرب" الذي تعهد بأن يكون ممثله. وسيكون هذا كافيا لإرضاء العديد من الذين دعموه، على الأقل لفترة من الوقت.

ولكن الخيارات الأصعب تنتظره، من الوفاء بوعوده الاقتصادية إلى إثبات قدرته على خفض الإنفاق الفيدرالي بشكل لا يطال بعض البرامج الشعبية. إن صدم النظام شيء، وتوفير نتائج ملموسة للناس شيء آخر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ترامب البيت الأبيض الولايات المتحدة الولايات المتحدة واشنطن البيت الأبيض ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدید من

إقرأ أيضاً:

ثمن سياسات القوة التي ينتهجها ترامب

إيفو دالدر ـ جيمس م. ليندسي

انتهى عهد السلام الأمريكي، ونشأ النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة إثر الهجوم الياباني على بيرل هاربور في السابع من ديسمبر 1941، وانتهى مع تولي دونالد ترامب ولايته الثانية، حيث كان الرئيس يؤكد باستمرار أن هذا النظام يضر بالولايات المتحدة، إذ يحملها مسؤولية مراقبة العالم بينما يمنح حلفاءها الفرصة للعب دور الضحية. وأثناء جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ لتأكيد تعيينه، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو قائلًا: «إن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد مجرد نظام قديم، بل تحول إلى سلاح يستخدم ضدنا».

يعكس تشكيك ترامب في دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وتايوان، وسياسته الحمائية القائمة على فرض التعريفات الجمركية، وتهديده باستعادة قناة بنما، واستيعاب كندا، والاستحواذ على جرينلاند، رؤيته لعالم تسوده سياسات القوة ومجالات النفوذ على غرار القرن التاسع عشر، حتى وإن لم يصرّح بذلك صراحة، فقد كانت القوى الكبرى آنذاك تسعى إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، متجاهلة إرادة الشعوب الخاضعة لحكمها، وهي رؤية يتبناها ترامب بوضوح. فهو يرى أن المصالح الأمريكية خارج نصف الكرة الغربي محدودة، ويعتبر التحالفات عبئًا على الخزانة الأمريكية، ويؤمن بضرورة فرض الهيمنة على الجوار الإقليمي. وتعكس رؤيته للعالم نهجًا مستمدًا من فلسفة ثوسيديديس، الذي قال: إن «الأقوياء يفعلون ما بوسعهم، والضعفاء يعانون ما ينبغي عليهم تحمله».

رغم الإنجازات الاستثنائية التي حققها عهد السلام الأمريكي، مثل ردع الشيوعية، وتحقيق ازدهار عالمي، وترسيخ السلام النسبي، فقد زرعت الأخطاء الأمريكية بذور انهياره قبل صعود ترامب بوقت طويل. فقد أدت الغطرسة السياسية إلى حروب باهظة الثمن ومهينة في أفغانستان والعراق، فيما زعزعت الأزمة المالية عام 2008-2009 الثقة في كفاءة الحكومة الأمريكية وسياستها الاقتصادية؛ لذا، ليس من المستغرب أن يشعر بعض الأمريكيين بأن بلادهم قد تحقق نجاحًا أكبر في نظام عالمي مختلف، تحكمه القوة لا القواعد. وبما أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد عالمي، وأقوى جيش، وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، فقد تبدو مؤهلة للنجاح في مثل هذا النظام.

لكن هذا النهج يحمل في طياته نقطة ضعف جوهرية غالبًا ما يغفلونها وهي: قلة الخبرة في ممارسة سياسة القوة العارية. فهذا الأسلوب غريب على الولايات المتحدة، لكنه مألوف لمنافسيها. فقد ظل الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مستاءين من النظام الأمريكي لأنه قيّد طموحاتهما الجيوسياسية، وتعلّما كيفية التنسيق لمواجهة النفوذ الأمريكي، لا سيما في الجنوب العالمي. وعلى عكس ترامب، لا يواجه كلاهما قيودًا داخلية تحد من سلطتهما.

في الواقع، تطلع ترامب إلى كندا وجرينلاند له جذور تاريخية في السياسات الأمريكية، فقد حلم الجيل المؤسس للولايات المتحدة بضم كندا؛ إذ صرح الرئيس السابق توماس جيفرسون في مستهل حرب عام 1812 بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأن «الاستحواذ على كندا هذا العام ... لن يكون أكثر من مجرد مسألة زحف». واستمر هذا الطموح في أربعينيات القرن التاسع عشر من خلال شعار «54-40 أو القتال»، في إشارة إلى خط عرض الحدود الجنوبية لإقليم ألاسكا، الذي كان آنذاك تحت الحكم الروسي، والمطالبة بضم مناطق شاسعة من شمال غرب المحيط الهادي في كندا.

من جهة أخرى، فكّر الرئيس أندرو جونسون في شراء جرينلاند من الدنمارك بالتزامن مع شراء الولايات المتحدة لألاسكا من روسيا عام 1867، فيما أعاد الرئيس هاري ترومان طرح فكرة الشراء سرًا عام 1946، مشيرًا إلى القيمة الاستراتيجية للجزيرة. في الواقع، تستند دعوة ترامب في خطاب تنصيبه إلى «توسيع أراضينا» إلى رؤى مماثلة لأحلام «القدر الواضح». كما أن هدفه بزيادة نفوذ واشنطن في نصف الكرة الغربي يحمل منطقًا استراتيجيًا. فلطالما كانت قناة بنما مسارًا بحريًا أساسيًا للتجارة الأمريكية، حيث يمر عبرها نحو 40% من إجمالي حركة الحاويات في الولايات المتحدة، ويُقدَّر أن ثلاثة أرباع السفن التي تستخدم القناة إما أن تنطلق من الولايات المتحدة أو تتجه إليها. وإذا وقعت القناة تحت سيطرة قوة كبرى أخرى، فقد يتعرض أمن الولايات المتحدة للخطر.

وفي الوقت نفسه، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لجرينلاند مع تفاقم تغير المناخ، وهي الظاهرة التي يسخر ترامب من وجودها رغم تأثيرها الواضح. فمن المتوقع أن يؤدي ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي إلى فتح ممر ملاحي شمالي جديد، مما سيزيد من التحديات العسكرية في شمال أمريكا الشمالية. كما تحتوي جرينلاند على احتياطيات ضخمة من المعادن الحيوية التي تحتاجها الولايات المتحدة لدعم تقنيات الطاقة النظيفة. أما فيما يخص كندا، فإن ضمها كولاية أمريكية سيؤدي نظريًا إلى إزالة الحواجز التجارية بين البلدين، مما قد يعزز الكفاءة الاقتصادية ويحقق فوائد اقتصادية لكلا الجانبين.

ومع ذلك، تمكنت واشنطن من تحقيق العديد من هذه الأهداف الاستراتيجية دون اللجوء إلى التهديدات. فقد نجح رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، في حملته الانتخابية بفضل وعوده بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. وتخضع جرينلاند، باعتبارها إقليمًا تابعًا للدنمارك، للمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، ما يضعها تحت مظلة الحماية الأمنية للحلف. كما تستضيف الجزيرة قاعدة بيتوفيك الفضائية (المعروفة سابقًا باسم قاعدة ثولي الجوية)، وهي منشأة عسكرية أمريكية في الشمال. وأظهر سكان جرينلاند اهتمامهم بجذب الاستثمارات الأمريكية بدلًا من الصينية لدعم اقتصادهم.

أما اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي تفاوض عليها ترامب خلال ولايته الأولى، فقد عززت التكامل الاقتصادي بين الولايات المتحدة وكندا، ومن المقرر مراجعتها عام 2026، مما يتيح فرصة لتعميق هذا التعاون. لكن هذه الأدوات الدبلوماسية، مثل بناء التحالفات، وتعزيز الأمن الجماعي، وإبرام اتفاقيات التجارة، تمثل السمات الأساسية للنظام العالمي الذي تخلّى عنه ترامب الآن.

يسعى ترامب بوضوح إلى محاكاة النهج الذي يتبعه. فهو يرى في بوتين وشي نظيرين له، بينما لا ينظر إلى زعماء الحلفاء مثل شيجيرو إيشيبا في اليابان، أو إيمانويل ماكرون في فرنسا، أو كير ستارمر في المملكة المتحدة بالطريقة ذاتها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن ترامب مستعد للتنازل عن مجالات النفوذ لصالح الصين وروسيا، شريطة أن تردا الجميل. فهو لا يبدي اعتراضًا على إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا، إذ ألقى باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وليس بوتين، في اندلاعها. ويفضل إنهاء الحرب عبر اتفاق يمنح روسيا أجزاء من الأراضي الأوكرانية ويمنع انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي.

يبدو أن ترامب مرتاح لفكرة تقليص التحالفات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تمتد إلى مناطق نفوذ روسية وصينية مفترضة. فقد شكك مرارًا في جدوى حلف شمال الأطلسي، متهمًا توسعه بأنه السبب في استفزاز روسيا لغزو أوكرانيا، كما هدد بسحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية. وبالنسبة له، فإن هذه التحالفات ليست سوى استثمارات فاشلة تُثقل كاهل الولايات المتحدة بتكاليف حماية دول، يرى أنها في الوقت ذاته تسرق وظائف الأمريكيين.

وعلى غرار بوتين وشي، يعتقد ترامب أن القوة الاقتصادية ينبغي أن تُستخدم كأداة ضغط لانتزاع التنازلات من الدول التي لا ترضيه. فكما استغل بوتين النفط والغاز الروسيين لترهيب أوروبا، وكما استخدم شي نفوذ الصين التجاري لإخضاع دول مثل أستراليا واليابان، يعتمد ترامب على التعريفات الجمركية لإجبار الشركات المحلية والأجنبية على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. كما ينظر إلى هذه الرسوم كوسيلة لفرض إرادته على الدول في قضايا أخرى. على سبيل المثال، تواجه المكسيك تهديدًا بزيادة التعريفات الجمركية إن لم تستجب لمطالب ترامب بوقف تدفق المهاجرين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. كما هدد باستخدام «القوة الاقتصادية» لضم كندا، وحذّر الدنمارك من مواجهة رسوم جمركية أعلى إن رفضت بيع جرينلاند.

كان مؤسسو النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية يؤمنون بأن الرسوم الجمركية المرتفعة لا تؤدي إلا إلى تأجيج النزعات القومية الاقتصادية والصراعات الدولية. أما تهديدات ترامب، فهي تنذر بعصر جديد، حيث يحل الترهيب الاقتصادي محل التجارة الحرة والتعاون الدولي كأدوات للهيمنة.

من غير المرجح أن تحقق مقاربة ترامب نجاحًا يُذكر. فقد توافق كندا والمكسيك، على الأقل رمزيًا، على بذل مزيد من الجهود لتأمين حدودهما، كما سيزور زعماء الحلفاء واشنطن لإبداء رغبتهم في العمل مع أمريكا بقيادة ترامب. ومع ذلك، فإن العودة إلى سياسات القوة في القرن التاسع عشر لن تحقق النتائج التي وعد بها.

تعجز الولايات المتحدة عن ممارسة سياسة القوة الصريحة لأن الصين وروسيا تتقنانها بشكل أفضل. فقد استغلت بكين وموسكو الاستياء العالمي من واشنطن، متهمة إياها بالنفاق في دعم أوكرانيا مع تجاهل صراعات أخرى، مثل حرب غزة. ومع اعتماد ترامب على التهديدات لابتزاز الحلفاء، قد يتراجع الدعم الأمريكي دوليًا.

كما أن الصين في موقع قوي لمنافسة النفوذ الأمريكي، مستفيدةً من مبادرة «الحزام والطريق» ونهجها القائم على المنفعة المتبادلة، بينما يطالب ترامب الدول بتقديم تنازلات دون مقابل. ومع انسحاب واشنطن من المؤسسات الدولية، تسرع بكين في ملء الفراغ، ما يعزز مكانتها عالميًا.

على الصعيد الداخلي، يواجه ترامب قيودًا سياسية مقارنةً بنظيريه الصيني والروسي، حيث تفرض بكين وموسكو سيطرة شبه كاملة على شعبيهما، مما يسمح لهما بتنفيذ سياسات قاسية، كما فعل بوتين في أوكرانيا. في المقابل، لا يستطيع ترامب فرض مثل هذه السلطة دون إثارة ردود فعل عنيفة، كما أن المجتمع الأمريكي أكثر عرضة للتأثير الأجنبي. وإذا قوبلت سياساته بمعارضة داخلية قوية، فقد يواجه مصيرًا مشابهًا لجونسون ونيكسون في حرب فيتنام، حين أضعفت الاحتجاجات مصداقية التهديدات الأمريكية، مما شجع الخصوم على الصمود أمامها.

يعتمد موقع الولايات المتحدة في عالم تحكمه سياسة القوة على قرارات القوى الأخرى. فاقتناع بوتين وشي بدورهما القيادي قد يدفعهما إلى ارتكاب أخطاء، مثلما أسهمت سياسات الصين العدوانية وغزو روسيا لأوكرانيا في تعزيز تحالفات واشنطن. ورغم استياء بعض الدول من الولايات المتحدة، إلا أن خوفها من الصين وروسيا يخدم المصالح الأمريكية.

أما حلفاء أمريكا في آسيا وأوروبا، فسيحاولون استرضاء ترامب بالتنازلات، لكنه سيستغل ذلك لتعزيز نهجه القائم على القوة دون تبني دور القيادة العالمية. وللتأثير على سياساته، عليهم إظهار قوتهم، إذ لم يعد «السلام الأمريكي» قائمًا، وعادت سياسة القوة. وإذا وحدوا جهودهم، فقد يحدّون من أسوأ قراراته الخارجية ويمهدون لنظام عالمي أكثر استقرارًا. أما الفشل، فسيؤدي إلى عالم أكثر اضطرابًا وخطورة.

مقالات مشابهة

  • ثمن سياسات القوة التي ينتهجها ترامب
  • بسبب قرارات ترامب.. اسعار النحاس ترتفع في نيويورك
  • نيجيرفان:أمريكا هي التي فرضت على حكومة السوداني باستئناف تصدير النفط وتنفيذ رغبات الإقليم
  • وزير النفط والثروة المعدنية السيد غياث دياب في تصريح لـ سانا: نرحب بقرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن قطاع الطاقة في سوريا، والذي جاء في ظل التطورات التاريخية التي تشهدها سورية بعد سقوط النظام البائد
  • الدوري الأمريكي يُعاقب ميسي وسواريز بعد الجولة الأولى من موسم 2025
  • “حماس”: أي مفاوضات تستند على الخطوط الحمراء التي وضعتها المقاومة
  • مسؤول سابق بالناتو: ستارمر لا يستطيع التأثير على قرارات ترامب بشأن الحرب بأوكرانيا
  • مركز إشعاع.. رفعت فياض: نظام التوكاتسو يعتمد على أعداد أقل في الفصول
  • الأمن القومي الأمريكي: ندعم قرار إسرائيل تأجيل إطلاق سراح أكثر من 600 أسير فلسطيني
  • "الأمن القومي الأمريكي": ندعم قرار إسرائيل تأجيل إطلاق سراح أكثر من 600 أسير فلسطيني