أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "زعم بعض الناس أن رحلة الإسراء والمعراج رؤيا منامية، فما ردكم على ذلك؟".

وردت دار الإفتاء موضحة أن رحلة الإسراء والمعراج رحلة إلهية ومعجزة نبوية لا تُقَاس بمقاييس البشر المخلوقين وقوانينهم المحدودة بالزمان والمكان، بل تُقَاس على قدرة مَن أراد لها أن تكون وهو الخالق جل جلاله، فإذا اعتقدنا أن الله قادر مختار لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ سهل علينا الإيمان بأنه لا يمتنع عليه أن يخلق ما شاء على أي كيفية.

وما يستند إليه القائلون بأنها رؤيا منامية من قول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 61]، وأن "الرؤيا" تكون للمنامية، بينما "الرؤية" للبصرية: فمردود بأنَّ ذلك غير لازم في لسان العرب.

يقول المتنبي:

مَضى الليلُ والفضلُ الذي لكَ لا يمضي *** ورؤياكَ أحلى في العيونِ من الغمض

وبما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية -وهو من أئمة اللسان العربي وحجة فيه- قال: "هي رؤية عين أريها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري به".

وزاد سعيد بن منصور في روايته قوله: "وليس رؤيا منام"، فكلام ابن عباس رضي الله عنهما حجة لغوية قاطعة، ثم هو مظنة حجة نقلية؛ إذ كان ابن عباس من أعلم الناس بأحواله صلى الله عليه وآله وسلم وشؤونه، على أنَّ بعض المفسرين صرف الآية عن حادثة الإسراء إلى ما في سورة الفتح من قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].

وقد ذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا إلى أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأنَّ القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1] والعبد لا يُطلَق إلا على الروح والجسد، وكذا قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء: 1] فالبصر من آلات الذات لا الروح.

وممَّا يدل على أنَّ الرحلة كاملة كانت بالروح والجسد معًا أنها لو كانت بالروح فقط لما كان لتكذيب قريش بها معنى؛ وقد قالوا: "كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، ومحمد يزعم أنه أسرى به الليلة وأصبح فينا"، ولو كان ذلك رؤيا منام لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى؛ لأنَّ الإنسان قد يرى في منامه ما هو أشدّ من ذلك ولا يكذبه أحد.

قال الإمام القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 384-385، ط. دار ابن كثير ودار الكلم الطيب): [الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار، ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه. ولو كان منامًا، لما أنكروه ولما افتتن به من افتتن؛ إذ كثيرًا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة، فلا يستبعد ذلك في النوم، وإنما يستبعد في اليقظة] اهـ.

فالظاهر من سياق النصوص أنَّه كان يقظة، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل، ولأنه لو كان منامًا ما كان فيه عجب ولا غرابة، ولا كان فيه مجال للتكذيب به، ولا افتتن به أناس من ضعفاء الإيمان، فارتدوا على أعقابهم كافرين؛ يقول الإمام الطحاوي في كتاب "العقيدة الطحاوية بشرح البابرتي" (ص: 79، ط. وزارة الأوقاف الكويتية): [والمعراج حق، وقد أسري بالنبي عليه السلام وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله تعالى من العلا، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه بما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، فصلى الله عليه في الآخرة والأولى].

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رحلة الإسراء والمعراج المزيد الإسراء والمعراج رؤیا منام

إقرأ أيضاً:

ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟ الإفتاء توضح

ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟، سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية خلال بيانها المعنى الصحيح لقرب النبي عليه الصلاة والسلام من الله تعالى في رحلة المعراج.

المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج

وقالت إن دُنُوُّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلَّم من ربه سبحانه وتعالى في رحلة المِعراج واختراقه الحجب وبلوغه أعلى المنازل والدرجات، إنَّما هو دنُوُّ تشريف وكرامة، وليس انتقالًا أو قطع مسافة؛ قال الإمام القُشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 481، ط. الهيئة العامة): [«فَتَدَلَّى»: تفيد الزيادة في القرب، وأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي دنا من ربّه دنوّ كرامة، وأنّ التدلِّيَ هنا معناها السجود] اهـ.

الرد على من زعم إثبات الجهة لله تعالى مستدلا برحلة المعراج
قد صنَّف العلماء قديمًا وحديثًا في نفي الجهة عن الله سبحانه تعالى، وخصصوا الأبواب والفصول في الرد على من يدَّعي ذلك من الجهمية المُجسمة والمشبهة ومن على شاكلتهم ممن يتعلَّقون بالظواهر التي دلت الأدلة القطعية على أنها غير مرادة على جهة الحقيقة؛ فخصص الإمام البخاري بابًا في "صحيحه" للرد على الجهمية المجسِّمة المتعلقين بظاهر الآيات والأحاديث، فقال: (باب قول الله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، وقوله جل ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وقال أبو جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعثُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء"، وقال مجاهد: "العمل الصالح يرفع الكلم الطيب" يقال: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج: 3]: «الملائكة تعرج إلى الله»).

قال العلّامة ابن بطَّال في "شرح صحيح البخاري" (10 /453، ط. مكتبة الرشد): [غرضُه في هذا الباب: رد شبهة الجهمية المجسمة في تعلقها بظاهر قوله تعالى: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 3-4]، وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، وما تضمنته أحاديث الباب من هذا المعنى، وقد تقدم الكلام في الرد عليهم؛ وهو: أنَّ الدلائل الواضحة قد قامت على أن الباري تعالى ليس بجسمٍ، ولا محتاجًا إلى مكان يحلُّه ويستقر فيه؛ لأنه تعالى قد كان ولا مكان، وهو على ما كان ثم خلق المكان، فمحال كونه غنيًّا عن المكان قبل خلقه إياه، ثم يحتاج إليه بعد خلقه له، هذا مستحيل، فلا حجة لهم في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾؛ لأنه إنما أضاف المعارج إليه إضافة فعل، وقد كان لا فعل له موجود، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ هو بمعنى: العلو والرفعة. وكذلك لا شبهة لهم في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾؛ لأنَّ صعود الكلم إلى الله تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو؛ لأنَّ الباري تعالى لا تحويه جهة؛ إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب صرفُ هذا عن ظاهره وإجراؤه على المجاز؛ لبطلان إجرائه على الحقيقة، فوجب أن يكون تأويلَ قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ رفعتُه واعتلاؤه على خليقته وتنزيهُه عن الكون في جهة؛ لأنَّ في ذلك ما يوجب كونه جسمًا تعالى الله عن ذلك، وأما وصف الكلام بالصعود إليه فمجاز أيضًا واتساع؛ لأن الكلم عَرَضٌ، والعرض لا يصح أن يَفْعَل؛ لأن من شرط الفاعل كونَه حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرفُ الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به] اهـ.

وقال العلَّامة ابن المُنيِّر في "المتواري على تراجم أبواب البخاري" (ص: 424، ط. مكتبة المعلا): [وفهم من قوله: ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ أنَّ العلو الفوقي مضاف إلى الحق على ظاهره، فبيَّن البخاري أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء، والحيز الذي يصدق عليه أنه عرش، كلُّ ذلك مخلوقٌ مربوبٌ محدَث، وقد كان الله ولا مكان ضرورة، وحدثت هذه الأمكنة، وحدوثُها وقِدَمُه جلَّ جلاله يحيل وصفه بالتحيز فيها؛ لأنَّه لو تحيز لاستحال وجوده قبل الحيز، مثل كل متحيز، تعالى الله عن ذلك] اهـ.

وألف الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن جَهْبَل الشافعي رسالة في "نفي الجهة"، قال فيها -فيما نقله عنه الإمام تاج الدين السبكي الشافعي في "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 46-47، ط. هجر)-: [والعروج والصعود شيءٌ واحدٌ، ولا دلالة في الآية على أنَّ العروجَ إلى سماءٍ ولا عرشٍ ولا شيءٍ من الأشياء التي ادَّعاها -يعني: ابن تيمية- بوجه من الوجوه؛ لأنَّ حقيقة العروج المستعملة في لغة العرب في الانتقال في حقِّ الأجسام؛ إذ لا تعرف العرب إلَّا ذلك] اهـ.

وهذا ما تضافر عليه المفسرون عند تعرضهم لبيان النصوص التي يوهم ظاهرها إثبات الجهة؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن"(1/ 430، ط. مؤسسة الرسالة)، في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 29]: [علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقالٍ وزَوال] اهـ.

وقال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 639): [المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الله في مكان، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ من وجهين: الأول: أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج، وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق. والثاني: قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾، فبين أنَّ عروج الملائكة وصعودهم إليه، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق. والجواب: لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة: ثبت أنه لا بُدَّ من التأويل. فأما وصف الله بأنه ذو المعارج: فقد ذكرنا الوجوه فيه. وأما حرف (إلى) في قوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾: فليس المراد منه المكان؛ بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله: ﴿وَإِلَيِهِ يُرْجَعُ الَأمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: 123] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: 99] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها] اهـ.

مقالات مشابهة

  • دار الإفتاء: رحلة الإسراء والمعراج بالجسد والروح والقرآن الكريم أكد ذلك
  • حكم صيام 27 رجب.. «الإفتاء» توضح جوازه واستحباب إحياء ليلة الإسراء والمعراج
  • ما المعنى الصحيح لقرب النبي من الله تعالى في رحلة المعراج؟ الإفتاء توضح
  • معجزة الإسراء والمعراج .. مزاعم المشككين فيها والرد عليها بالأدلة
  • رد قوي من مفتي الجمهورية على المشككين في رحلة الإسراء والمعراج .. ماذا قال؟
  • الإسراء والمعراج .. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حدوثها بالروح أم بالجسد
  • عالم أزهري: رحلة الإسراء والمعراج حدثت يقظة بعد رؤى منامية متعددة
  • الشيخ يسري جبر: رحلة الإسراء والمعراج حدثت خلال رؤى منامية أولا ثم كانت يقظة
  • عالم بالأزهر: رحلة الإسراء والمعراج حدثت يقظة بعد رؤى منامية متعددة