بلدة بورتوفينو الخفية.. أسرار البطاقة البريدية لإيطاليا
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
بورتوفينو- "روحي تجددت في بورتوفينو وتعلقت بها! من الصعب وصف جاذبية هذه القرية الصغيرة للصيد، المرغوبة للغاية، لكنني أعتقد أن أصالتها الطبيعية واحدة من أسرار ذلك"، تقول لورين وهي المواطنة الإنجليزية، للجزيرة نت، عن تجربتها السياحية، بأحد أشهر الأماكن الإيطالية. هنا من ساحة "ميناء الدلافين"، الترجمة اللاتينية لبورتوفينو، البلدة الصغيرة التي أضحت عنوانا بارزا في البطاقة البريدية لإيطاليا.
الجزيرة نت زارت بورتوفينو في رحلة بحرية، شمال غربي إيطاليا في إقليم ليغوريا، ضمن جولة استطلاعية للمكان وأسراره.
مفتاح الشهرةبعدما كانت قرية فقيرة للصيادين، متوارية عن الأنظار، أضحت بورتوفينو معروفة، قبلة للأغنياء والمشاهير، بفضل ميناءها الطبيعي الصغير، انطلاقا من خمسينيات القرن الماضي، حينما ظهرت خلال مشاهد أفلام أميركية إيطالية بارزة، كـ "لا كونتيسّا سكالتسا" (1954) للمخرج الأميركي جوزيف إلمانكيوتس، ثم مع زيارة أمراء أوروبا لها، كما هو حال أمير موناكو رينيه الثالث رفقة زوجته غريس كيلي في العام 1957.
ثم زاد صيت المنطقة باستجمام نجوم عالميين فيها مع مطلع الستينيات مثل إليزابيث تايلور وريتشار بورتون، الثنائي الشهير في عالم هوليود، بطلي فيلم كليوبترا (للمخرج إلمانكيوتس) الذي صورت بعض مشاهده (عام 1962) في المنحدرات الخلابة لبورتوفينو وبساحل الخليج الممتدة عليه، لتصبح البلدة حديث الصحافة الدولية ومحجا للمشاهير والعامة.
إعلان الطريق للمحميةالوصول إلى بورتوفينو يبدأ من مدينة جنوة عبر القطار أو الحافلة عبر رحلتين: الأولى إلى محطة سانتا مارغريتا ليغوري، ومنها رحلة ثانية بالحافلة أو العبَّارة "التراكيتُّو" نحو البلدة.
بورتوفينو، الواقعة جنوب مدينة جنوة (عاصمة إقليم ليغوريا)، تبدو كميناء طبيعي محمي بين خليجين: باراديزو وتيغوليو، فهي محمية بحرية تضم مروجا وكهوفا بحرية مخفية، تجذب هواة الغوص في مياهها الصافية، وما تكتنزه من تكوينات مرجانية وثروة سمكية متنوعة، أبرزها: السمك المتوسطي النهاش، والقاروص، والبركودا والأخطبوط.
شكل المنطقة هرمي وهي ذات طبيعة خلابة، أغلب أشجارها زيتون وصنوبر: بحري أو حلبي، تتخللها نباتات وأعشاب طبية، أبرزها الزعتر، إكليل الجبل والريحان، كل هذا التنوع النباتي والبحري يقع ضمن "المنتزه الطبيعي الإقليمي بورتوفينو". إنها بلدة معلقة على سفح جبل بولوني الصغير (ارتفاعه 469 متر)، تتعلق بها أفئدة الناس كما هو حال السائحة لورين وآخرين ضمنهم عرب التقتهم "الجزيرة نت".
تبدو جغرافية بوتوفينو، الممتدة على سلسلة جبال أبينِّيني، كطبق عجائن "باستا تروفيي" تغزوه ممرات "البيسطو" (صلصة أساسها الريحان تشتهر بها لغوريا)، مع مرتفعات ومنحدرات حادة مطلة على ساحل مار ليغوري (جزء من البحر الأبيض المتوسط)، تتخلل أراضيها مسارات جبلية تغري المشائين.
رغم المساحة الصغيرة لبورتوفينو (2.53 كلم مربع)، فإن ساحتها المقابلة للميناء تبدو كقلب كبير يحتضن السياح زرافات بالآلاف يوميا، على دفعات بحرا عبر اليخوت والعبارات والبواخر، وبرا عبر السيارات، الدراجات أو مشيا.
معالم وتراثأول ما يقابلك في بورتوفينو، عند الوصول مترجلا من العبارة ساحة صغيرة شهيرة يطلق عليها اسم "لابياتسيطّا"، والتي صنفت جمعية المواقع التاريخية في يوليو/تموز 2012 ضمن المواقع التاريخية في إيطاليا، نظرا لقيمتها التاريخية والثقافية، حيث كانت مركزا لتجمع ساكنة المدينة والسياح، وقبلها كانت امتداد للميناء الطبيعي حيث قوارب الصيادين التقليديين ترسو هناك.
"لابيتسيطا" ستتحول منذ منتصف القرن الماضي إلى مكان تؤثثه كراسي المطاعم، تعرض للزوار أشهى الأطباق المحلية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: طبق تروفيي بالبيسطو الذي تحدثنا عنه ساسقا، والفوكاتشا بالجبن، والأنشوبة المتبلة، تورتا باسكوالينا. وكلها أطباق تتميز بالأصالة والبساطة.
في محيط لابياتسيطّا، والأزقة المتفرعة عنها، تصادف العين محلات فاخرة لماركات عالمية وأخرى تقليدية، تعرض جميل ما صنعت يد الصانع التقليدي البورتوفيني من حرف يدوية محلية أصيلة، نذكر منها "ميرليطُّو"، المعروف عند البعض بـ "الدانتيل"، وهو نسيج شبكي خفيف، مفتوح، مصنوع من خيوط بيضاء في الغالب، يصنع منه الحرفي المحلي فسانين وتنورات طويلة وفسيحة للنساء. ويعتبر اللباس المصنوع من "الدانتيل" في بورتوفينو امتدادا للتقاليد الملكية في إيطاليا.
ومما يشد الانتباه في جولة عبر أزقة بورتوفينو هو حسن تواصل القاطنين بها، وقدرتهم على حسن الاستماع لضيوفهم واستقبالهم بابتسامات، تفتح شهية المرء على التقرب منهم والتعرف على ثقافتهم المحلية.
في هذه الأرض، الناس تمتح ثقافتها من وحي الطبيعة، كما هو شأن "المكرامية"، الذي يحرص بعض السكان المحليين على استمرار صناعته يدويا واستعماله كحمال للمزهريات.
والمكرمية عند البورتوفينيين هي من صلب ثقافتهم البحرية، إنه نسيج يتم صنعه وفقا لتقنية بحرية قديمة بخيوط متشابكة ومعقودة معا، لكن دون استخدام الإبر أو الخطافات، وهو نفس المكرمية المنتشر في عديد من دول البحر الأبيض المتوسط.
من قلب الساحة الصغيرة، تبهرك المنازل الملونة المحيطة بها، وهي مستلقية في الميناء، وصفاء المياه المنعكسة على الجدران، كأنك أمام لوحة انطباعية من توقيع الرسام الفرنسي كلود مونيه.
إعلانميناء بورتوفينو المحدود السعة، جميل المنظر، وإن بدا صغيرا جدا، وهو أشبه بنصف دائرة طبيعية، تحتضنه القرية كطفل صغير، ترسوا به أفخم وأضخم يخوت العالم.
هناك تقليد يقوم به الزائرون لأول مرة لبورتوفينو، حيث يمشون داخل شبه الجزيرة طولا نحو المنارة والتي تسمى ألفارو (الجنوب الشرقي)، عبر ممر مرتفع سان جورجو (يرتفع بنحو 1.5 كلم)، لمدة نصف الساعة.
قلعة براونلا يمكن زيارة بورتوفينو دون المرور من القلعة التاريخية "براون" التي بدأ تشيد نواتها الأولى كبرج للمراقبة في القرن الثاني بعد الميلاد، خلال عهد الرومان، ثم استكمل بناء القلعة في القرن العاشر، والتي تعرضت لهجمات بشكل متكرر من لدن "القراصنة المسلمين" للسيطرة عليها، كما توضح ذلك بلدية القرية في لوحة تعريفية بالقلعة.
ولعشاق الفنون المعمارية، ينصح بالاطلاع على العمارة العتيقة في كل من كنيسة ديفو مارتينو (يعود تاريخ إنشائها إلى 986)، وكنيسة سان جورجيو (1154).
"هنا يمكنك الاستمتاع بالمعالم العمرانية والطبيعية عبر مزيج من الأنشطة، خاصة السباحة في هذه المياه الصافية والشفافة"، يقول للجزيرة نت السائح المغربي امحمد. كما أن السباحة وركوب الدراجات الهوائية والمشي أنشطة تميز المنطقة، التي تعرف تنظيم ترياثلون عالمي سنويا بالمنتزه الطبيعي والبحري.
لذلك ينصح برحلة الإياب مشيا من بورتوفينو لاكتشاف غاباتها من خلال الممرات الجبلية في اتجاه بلدتي سنتا مرغاريتا ليغوري شمالا، أو كاموليي غربا.
الزيارة باليوروالرحلة إلى بورتوفينو ذهابا وإيابا، بالنسبة للفرد، قد تتراوح تكلفتها في الحد المتوسط خلال يوم واحد، ما بين 300 إلى 800 أورو، وتشمل مصاريف التنقل، الإقامة والطعام لثلاث وجبات.
إعلانوأما بالنسبة لعائلة مكونة من أربعة أفراد، فقد تتراوح تكاليف الإقامة ما بين 700 و1200 أورو لليوم الواحد. ويستحسن توفرك على الأورو نقدا لأن بعض المحلات لا تتعامل ببطاقة الائتمان.
وينصح بزيارة المنطقة في الصيف أو الربيع (من مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول)، حيث يكون الطقس معتدلًا ودافئًا.
وأما خارج موسم الذروة (من أكتوبر/تشرين الأول إلى أبريل/نيسان)، فإن هذه الفترة أقل ازدحاما وأسعار الإقامة أقل تكلفة، لكن المنطقة قد تكون باردة بعض الشيء، ومفتقرة لخدمات سياحية لا تتوفر سوى مع الجو الصحو، كالتنزه عبر اليخوت، والألواح المائية التي تبقى تجربة فريدة (كما عاينا ذلك في رحلتنا) لأنها واحدة من أسرار شهرة بورتوفينو المعروفة بمياهها الشفافة التي تعانقها الدلافين، خاصة مع قرب غروب الشمس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
جيف دوناس يكشف أسرار تصوير شخصيات شهيرة بـ «إكسبوجر»
الشارقة (الاتحاد)
أخبار ذات صلةألقى المصور العالمي جيف دوناس خطاباً ملهماً ضمن فعاليات المهرجان الدولي للتصوير «إكسبوجر 2025»، تحت عنوان «رحلة عبر عقود من التصوير الفوتوغرافي»، حيث استعرض خلاله مسيرته المهنية التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في عالم التصوير.
وأوضح دوناس أن التصوير رحلة فنية وإنسانية معاً، وأشار إلى أن العديد من صوره ترافقها الموسيقى، مما يعزز تأثيرها ويعطيها أبعاداً إضافية.
بدأ دوناس مسيرته في التصوير منذ سن السابعة عشرة، بتصوير الحفلات في لوس أنجلوس قبل أن يوقع عقوداً مع أكبر المجلات في السبعينيات، كما التقط صوراً لعدد من الشخصيات الشهيرة عالمياً من مطربين وممثلين، وذكر أنه كان حلمه الأول أن يصبح مصوراً لمجلات الموضة.
وتطرق دوناس إلى تجربته الأدبية، حيث ألّف 21 كتاباً حول فن التصوير بالتعاون مع مؤلفين آخرين، وأصبح ناشراً لمجلات متخصصة في هذا المجال، كما أشار إلى تطلعه لإصدار ألبوم فوتوغرافي مترجم إلى عدة لغات، وهو ما تحقق له من خلال مشاريعه السابقة.
وأخذ دوناس الحضور إلى ذكرياته في باريس، حيث صور عروض الأزياء الشهيرة، كما استعاد عمله أثناء وقوع زلزال لوس أنجلوس عام 1997، الذي دمر المنزل الذي كان يعمل فيه، كما وثّق مشاهد فريدة في إيطاليا ودول أخرى خلال التسعينيات، بالتعاون مع مصممي أزياء عالميين.
وأشار دوناس إلى أن التصوير عبر المراحل العمرية المختلفة، يعكس عمق الثقافات ويعطي للمصور فرصة لتوثيق التجارب الإنسانية الفريدة، كما عرض للحضور مجموعة من الصور التي التقطها للسكان الأصليين في أميركا، معتبراً إياها من أبرز أعماله.
من بين الشخصيات التي التقط لها صوراً، ذكر دوناس أسماء بارزة مثل سلمى حايك، مورغان فريمان، إيما واتسون، جولي أندرسون، فينسنت كاسيل، جيت لي، نستاسيا، وفيني جونز، مشيراً إلى أنه يفضل استخدام أقل عدد من العناصر المؤثرة في صوره، مع التركيز على إبراز الروح الحقيقية للشخصيات.
بهذه الرحلة الغنية، يواصل جيف دوناس تقديم أعماله الفوتوغرافية التي تنبض بالحياة، مستمراً في إثراء عالم التصوير بفن يجسد شغفه العميق بالتصوير والإنسانية.