#إضاءة_الزوايا_المعتمة
د. #هاشم_غرايبه
طوال قرن انصرم، أشبعنا العلمانيون العرب لحد التخمة، بمقولاتهم التي تظهر الأوروبيين بغاية الرقي، وانهم يتحلون بالأخلاق الحميدة، فلا يكذبون ولايظلمون، وبأنهم منظمون بطبيعتهم ويحترمون القانون بقناعتهم.
وحقيقة هنالك قدر ما من الصحة في ذلك، لكن بالمقابل إغفال مقصود لكثير من الرذائل والصفات القبيحة الغالبةعلى طباعهم، التي تزيد كثيرا عن المتوسط العام لما يتصف به غيرهم من شعوب العالم.
كان الهدف من وراء ذلك التجميل المبالغ فيه أمران: أولهما الدعوة لاتباع منهج العلمانية على اعتبار أنه الذي انتج كل تلك الفضائل، وأنه هو الذي حقق لهم التقدم الباهر.
وثانيهما الصد عن منهج الله بتحميله وزر ما نحن فيه من تخلف، وتبرئة الغرب من التسلط والنهب والإفساد والإفقار الذي فرضه المستعمرون علينا.
الموضوعية تفترض قول الحقيقة بلا تركيزعلى جانب والتعتيم على آخر، لكني استميح القارئ العذر هنا، لأنني سأسلط الضوء على الجانب المظلم فقط الذي أغفله علمانيونا قصدا، لأنهم يعانون من حَوَلٍ فكري، فلا يرون في تاريخنا المشرق إلا المراحل المؤسفة النادرة، مثل موقعة صفين والجمل وكربلاء.
أنا أدّعي أن الأوروبيين قساة القلوب بطبعهم، وربما أن ما جعلهم كذلك هي ظروف بيئتهم، وتزاحمهم، وغياب الوازع العقدي، وخلو قيمهم من صيغ التراحم والتكافل المجتمعي، وإضافة إلى ذلك فهم منشئو النظام الرأسمالي الحر، الذي يتيح التصارع لأجل تحقيق المكسب، ويعتبر افتراس القوي للضعيف معيار النجاح.
وخير ما يكشف حقيقة قيمهم وروح تراثهم الثقافي… أفلام الغرب الأمريكي (الكاوبوي).
لإثبات ادعائي أقدم الأدلة التالية:
1 – كانت التسلية الممتعة عند الرومان حلبة الموت (الكولسيوم) فتحضر الأسرة بكاملها لمشاهدة الأسود المفترسة التي يتم تجويعها ثم إطلاقها على الأسرى رجالا ونساء وأطفالا فتلتهمهم، أو مشاهدة المبارزات بين العبيد حتى الموت، والإسبان الى اليوم يستمتعون بمصارعة الثيران التي تنتهي بقتلها.
2 – بدأت الحروب الطاحنة بينهم منذ فجر التاريخ، وأذكر منها كأمثلة: ففي الحروب القائمة على أساس الخلاف المذهبي قامت أكثر من عشرين حربا أطولها كانت حرب الثمانين عاما في الأراضي المنخفضة وسط أوروبا، لكن أشهرها حرب الثلاثين عاما بين مناصري الكاثوليكية وعلى رأسهم فرنسا ومناصري البروتستانتية وعلى رأسهم ألمانيا وتسببت بهلاك أحد عشر مليونا، وفقدت ألمانيا ثلث سكانها فجعلوا تعدد الزوجات إجباريا.
وفي الحروب الأهلية كانت هنالك أكثر من أربعين حربا منذ القرن الخامس عشر وحتى التاسع عشر، وفي القرن العشرين، لم يحل التقدم والعلمنة والديمقراطية دون نشوبها، بل كانت أشد ضراوة، فذهب ضحية الحرب الإسبانية عشرات الملايين، والحرب البلشفية في روسيا سبعة ملايين ما عدا عشرات الملايين الذين أعدمهم ستالين فيما بعد.
أما الحروب بين الدول والقوميات الأوروبية فهي الأعنف بين كل الأمم، وأبرزها كانت حروب نابليون وقتل أكثر من ستة ملايين، وفي حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا قتل ما يزيد عن الأربعة عشر مليونا.
في الحرب العالمية الأولى التي بدأت بين النمسا وصربيا قتل ما يزيد عن العشرين مليون إنسان، وفي الحرب العالمية الثانية قتل نحو خمسة وثمانين مليونا عدا عن الدمار الهائل لكل شيء.
3 – خارج قارتهم كانوا أكثر توحشا، فقد اجتاحوا كافة أرجاء العالم القديم: في أفريقيا سلبوها خيراتها واستعبدوا أهلها ولم يتركوها إلا متخلفة جائعة، وفي آسيا نهبوا وقتلوا وعاثوا الفساد في كل بقعة وصلوها، بعكس ادعائهم أنهم جاءوا لنشر الحضارة والتقدم.
كما احتلوا ثلاث قارات جديدة هي الأمريكتين واوستراليا، فاستباحوها وأبادوا سكانها الأصليين، ومحوا ثقافتهم ولغتهم وحضاراتهم العريقة.
4 – ولا يتسع المجال لذكر كل شرورهم في حروبهم الحديثة ضد المسلمين في البوسنة والشيشان وافغانستان والعراق وباقي الأقطار العربية.
لكن أبشع جرائمهم كان أنهم رغم تشدقهم بقيم التحضر والديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد احتلوا فلسطين وشردوا أهلها، والى اليوم يرفضون إعادتهم الى أرضهم أو إحقاق حقهم الإنساني الأولي بالعيش في أمان وكرامة.
بالمقابل فمتبعو منهج الله خاضوا حروبا مع بعضهم ومع غيرهم خلال الفترة نفسها، فكم قتلوا أودمروا!؟.
ودخلوا أقطارا كثيرة لكنهم لم يفسدوا ولم ينهبوا، والدليل أن شعوبها اختاروا البقاء على منهج الله بعد انهزام الدولة الإسلامية، لكنهم بعد خروج المستعمرين الأوروبيين، عادوا الى ثقافتهم ولغتهم الأصلية. مقالات ذات صلة وراء الحدث 2025/01/25
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
نقيب الإعلاميين: الكلمة والصورة من أخطر الحروب المعاصرة ونخوض معركة وعى
أكد الدكتور طارق سعده، نقيب الإعلاميين، أن الشائعات تُعد من أخطر التحديات التي تواجه الدول في العصر الحديث، وأحد أبرز أسلحة الحروب النفسية التي تستهدف التأثير في وعي ومعنويات الشعوب، خاصة في ظل التطور التكنولوجي وانتشار المنصات الرقمية.
وأشار نقيب الإعلاميين خلال توقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الشباب والرياضة للتصدي للحروب الإعلامية التي تستهدف الشباب، إلى أن الكلمة والصورة أصبحتا من أخطر أدوات الحروب المعاصرة، حيث تُستخدم لهدم الروح المعنوية للشعوب، مما يُسهل السيطرة عليها وإضعافها، مؤكدًا أن الوعي بات السلاح الأهم في مواجهة هذه المخاطر.
ولفت سعده إلى أن توقيع البروتوكول مع وزارة الشباب والرياضة يعكس حرص النقابة على خوض معركة الوعي، والتصدي للحروب الإعلامية التي تستهدف الشباب، بما يُحقق التكامل بين مؤسسات الدولة في جهود تعزيز الوعي، ومكافحة الشائعات، وضمان التداول المهني للمعلومات ونشرها بشفافية، خاصة في المجال الإعلامي الرياضي.
كما أكد نقيب الإعلاميين على التزام النقابة والوزارة بمواجهة الشائعات المغرضة التي تُبث بشكل مستمر، والعمل على تقديم المعلومات الصحيحة، انطلاقًا من إيمان الجانبين بأهمية الكلمة الصادقة في بناء وتشكيل وعي المواطن المصري.
واختتم حديثه مؤكدًا أن بناء الوعي هو مشروع وطني متكامل، يستند إلى تضافر أدوات القوة الناعمة في الدولة، مشيرًا إلى أن جنود الحرب الحديثة ليسوا فقط من حاملي السلاح، بل الإعلاميون، والمنتجون، والمخرجون، ومعدو البرامج، ونشطاء السوشيال ميديا، ومواجهتهم تستلزم جيشًا من المثقفين والفنانين والأدباء والمعلمين، تكون مهمته إنارة الطريق، وحماية العقل المصري من محاولات التشويه والتخريب.