فشل سياسة المنطقة الرمادية لإيران يقوّض أهدافها الاستراتيجية
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
سلط فرزين زاندي، محلل جيوسياسي ومساعد باحث في العلوم السياسية في جامعة كانساس، الضوء على النفوذ المتراجع لإيران في الشرق الأوسط، وعزا ذلك في المقام الأول إلى تآكل استراتيجية المنطقة الرمادية، وهي السمة المميزة للمناورات الجيوسياسية الإيرانية التي اعتمدت على الغموض والإنكار والحرب بالوكالة لإظهار القوة مع تجنب المواجهة المباشرة.
أدت الصعوبات الاقتصادية وسوء الإدارة السياسية إلى تأجيج حالة من السخط
وقال زاندي، وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط وإيران، في مقال بموقع "War On the Rocks" العسكري الأمريكي: "رغم فعالية طموحات إيران الجيوسياسية في الماضي، فإنها تعثرت بسبب الخلل الداخلي وسوء الإدارة الاقتصادية والمشهد الإقليمي المتغير". استراتيجية المنطقة الرماديةوأوضح الباحث أن استراتيجية المنطقة الرمادية الإيرانية نجحت في زمن السلم بين الصراع المفتوح والدبلوماسية. ومن خلال دعم وكلاء مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق وسوريا، سعت إيران إلى توسيع نفوذها الإقليمي وموازنة الخصوم مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والحفاظ على إنكار معقول لأفعالها.
How Iran Lost Before It Lost: The Roll Back of Its Gray Zone Strategy - War On The Rocks https://t.co/Cp3iDzrJQZ
— Nagi N. Najjar (@NagiNajjar) January 25, 2025ونجاح هذه الاستراتيجية يتطلب، وفق الكاتب، موارد سياسية وعسكرية واقتصادية متناغمة، وهو التوازن الذي فشلت إيران بشكل متزايد في الحفاظ عليه.
تقويض الأسس الاقتصاديةأصبح الخلل الاقتصادي بمنزلة نقطة ضعف إيران. ورغم نفوذها الإقليمي، كافح النظام لتحويل المكاسب الجيوسياسية إلى نفوذ اقتصادي مستدام. وتشمل القضايا الرئيسة، أولاً؛ العقوبات الاقتصادية: أدى انسحاب الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة" وحملة "الضغط الأقصى" اللاحقة إلى شل عائدات النفط الإيرانية. وانخفضت صادرات النفط الخام بمقدار 615784 برميلاً يومياً بين 2016 و2024.
ثانياً، الفساد الداخلي: صنفت منظمة الشفافية الدولية إيران في المرتبة 149 من بين 180 دولة على مؤشر الفساد في 2023، ما يعكس الفساد المنهجي وسوء إدارة الموارد.
ثالثاً، انخفاض حصة التجارة العالمية: انخفضت حصة إيران من التجارة العالمية إلى 0.2% بحلول 2020، مع متوسط الاستثمار الأجنبي المباشر 2.4 مليار دولار فقط سنوياً من 2012 إلى 2022.
How Iran Lost Before It Lost: The Roll Back of Its Gray Zone Strategy @WarOnTheRocks https://t.co/70SFsbVFDA
— Nino Brodin (@Orgetorix) January 25, 2025رابعاً، سوء الإدارة: تطغى الأولويات الإيديولوجية على الحكم القائم على الجدارة، مما يمنع الإصلاح الاقتصادي الفعال والتنمية.
وأضاف الكاتب "قوضت هذه التحديات الاقتصادية قدرة إيران على تمويل وكلائها، والحفاظ على خطوط الإمداد، والحفاظ على الدعم المحلي لاستراتيجيتها الإقليمية".
وبين 2011 و2021، حققت إسرائيل والإمارات، والسعودية نمواً كبيراً في الاستثمار الأجنبي المباشر، ما سلط الضوء على المكاسب الاقتصادية للاستقرار.
شكلت هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) نقطة تحول. وأدى دور إيران في التصعيد إلى انتقام أوسع نطاقاً ضد وكلائها، ما أدى فعلياً إلى تفكيك هيكلها الأمني المفضل. وقد تبنت الولايات المتحدة استراتيجية تراجع منخفضة التكلفة، حيث دعمت إسرائيل وكيلاً لها، مع تجنب المواجهة المباشرة.
وكان من النتائج الرئيسة سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وإضعاف حزب الله، وقوات الحشد الشعبي في العراق وضربات مستهدفة على ترسانات الحوثيين في اليمن. التداعيات الأوسع ولفت الكاتب النظر إلى التداعيات الأوسع لإخفاقات إيران وأهمها،
1. فقدان الوجود الإقليمي: لم تسفر استثمارات إيران في سوريا التي تقدر بنحو 20 إلى 30 مليار دولار عن مكاسب استراتيجية دائمة، حيث أدى عدم استقرار نظام الأسد إلى استنزاف الموارد دون تعزيز النفوذ الإيراني.
2. السخط الداخلي: أدت الصعوبات الاقتصادية وسوء الإدارة السياسية إلى تأجيج حالة من السخط على نطاق واسع، مما أدى إلى إضعاف الدعم لطموحات إيران الإقليمية.
3. هجرة رأس المال البشري: تؤدي هجرة الخبراء والمهنيين إلى تفاقم التحديات التي تواجهها إيران، مما يجعل النظام غير مجهز بشكل جيد لمعالجة أزماته الاقتصادية والجيوسياسية. الاختيار بين المقاومة والتنمية وخلص زاندي إلى أن إيران تواجه خياراً صعباً بين مسارين، أولاً؛ مسار المقاومة: فاستمرار موقفها الإقليمي العدواني يهدد بمزيد من العزلة والتدهور الاقتصادي والاضطرابات الداخلية. والخيار الثاني هو مسار التنمية، فإعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي وإصلاح الحكم من شأنه أن يعمل على استقرار إيران داخلياً ورفع مكانتها الدولية.
واختتم الكاتب مقاله بالقول إن التراجع عن استراتيجية المنطقة الرمادية الإيرانية يؤكد الأهمية الحاسمة للقوة الاقتصادية والتماسك السياسي في دعم الطموحات الجيوسياسية. ودون هذه الأسس، قد يظل النفوذ الإقليمي لإيران في تراجع، ما يشير إلى تحول عميق في توازن القوى في الشرق الأوسط.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل إیران فی ما أدى
إقرأ أيضاً:
فاطمة الصمادي: هذا هو سبب إصرار إيران على تصدير ثورتها وتعزيز نفوذها بالمنطقة
ووفقا لما قالته الصمادي خلال مشاركتها في بودكاست "ديوان أثير"، فإن إيران صادقة في دعمها لفلسطين رغم التعقيدات الكثيرة والكبيرة في علاقاتها بالدول العربية.
ورغم اعتقاد الصمادي بأن تصدير الثورة هو جزء أصيل من فكر النظام السياسي الإيراني فإنها أشارت أيضا إلى أن هذا الأمر يتقدم ويتراجع حسب قناعة النخبة به، وقالت إن ثمة العديد من النقاشات التي دارت بشأن "الأولويات الإيرانية".
ولم تنفِ الصمادي صعوبة فهم الدولة الإيرانية التي تضم التناقضات السياسية والاجتماعية والفكرية، لكنها ترى أن طهران قررت الابتعاد عن الحروب الشاملة بعدما رأت نتائجها في العراق وأفغانستان.
ومن هذا المنطلق، فقد قررت إيران خوض المعارك بالوكالة، كما تقول الصمادي التي ترى أن القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني هو من صنع نفوذ بلاده بالمنطقة.
سليماني صانع النفوذ الإيراني
ووفقا للباحثة في مركز الجزيرة للدراسات، فقد نجح سليماني في فهم المنطقة وتعقيداتها، ونجح في التلاعب بهده التعقيدات استنادا إلى الجرأة الكبيرة التي كان يمتلكها.
وبغض النظر عن الإشكاليات الكبيرة التي تفرضها تدخلات طهران في المنطقة إلا أن سليماني كان داعما كبيرا للمقاومة الفلسطينية حتى عندما حدث جفاء سياسي بين حماس وطهران بسبب الثورة السورية، كما تقول الصمادي.
إعلانوللتأكيد على حديثها، قالت الصمادي "إن الخط الساخن بين طهران وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس لم يتوقف أبدا في ظل فترة فتور العلاقات السياسية بسبب إصرار سليماني على مواصلة تقديم الدعم العسكري للجانب الفلسطيني".
وتعتقد الصمادي أن الحديث عن النفوذ الإيراني في المنطقة وما انطوى عليه من إشكاليات لا يمكن التركيز عليه دون الحديث أيضا عن المواقف العربية.
واعتبرت أن النفوذ الإيراني في العراق كان نتيجة للاحتلال الأميركي الذي لم يجد رفضا عربيا، وأن حضور طهران القوي في القضية الفلسطينية "سببه التراجع وربما التواطؤ العربي مع الاحتلال".
وقالت المتحدثة إن بعض الدول العربية زودت الاحتلال بمعلومات استخبارية عن قادة حماس خلال الحرب الحالية.
وأعربت عن اعتقادها بأن زعيم حماس الراحل يحيى السنوار دفع باتجاه المواجهة وفق قراءته للمواقف الدولية والإقليمية، والتي قد يكون مخطئا في بعضها.
ودعت الصمادي إلى فتح الأسئلة الكبرى بشأن كافة الأطراف بدلا من الاكتفاء بإلقاء التهم على طرف دون آخر.
وقالت إن الحديث عن نفوذ إيران في المنطقة يتطلب أيضا الحديث عن نفوذ دول أخرى.
وعلى عكس حزب الله -الذي يتبع إيران عقائديا- فقد حاولت إيران -كما تقول الصمادي- التعاون مع حليف فلسطيني قوي بدءا من الرئيس الراحل ياسر عرفات وصولا إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وعبرت الباحثة في مركز الجزيرة للدراسات عن اعتقادها بأن إيران صادقة في دعمها قضية فلسطين، وقالت إنها دفعت الكثير بسبب ذلك.
وبالرجوع إلى الوراء، ترى الصمادي أن الثورة الإيرانية كان لها دور أساسي في تغيير شكل المنطقة، مشيرة إلى أن الشاه محمد رضا بهلوي -الذي أطاحت به الثورة- كان عراب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
إعلانوتعتقد الصمادي أن الثورة على الشاه -الذي كان حليفا وثيقا لأميركا وإسرائيل- حالت دون اتساع اتفاقية كامب ديفيد إلى كثير من دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن الحالة السياسية في إيران ليست مستقرة كما يعتقد البعض، ولكنها تواجه الكثير من التناقضات والتغيرات، ومن ذلك مثلا أن الرئيس السابق حسن روحاني كان يعتقد أن مصلحة بلاده في التعامل مع الولايات المتحدة والغرب، وهو ما دفعه إلى رفض مقابلة قادة حماس، وفق تعبير الصمادي.
في المقابل، تقول الصمادي إن هناك من يعتقدون أن مصلحة إيران في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، وعلى رأس هؤلاء المرشد الأعلى علي خامنئي الذي لا يثق كثيرا في نوايا الغرب ولا في تعهداته.
26/3/2025