الجزيرة:
2025-03-29@19:52:56 GMT

إعادة إعمار غزة بين الآمال وتحديات الواقع

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

إعادة إعمار غزة بين الآمال وتحديات الواقع

بعد أن توقّف العدوان الصهيوني على غزة عقب ما يربو على 467 يومًا من القصف اليومي المتواصل، أصبح حديث اليوم هو كيفية إعادة إعمار القطاع المهدم.

ففوق الخسائر البشرية الجسيمة وحرب الإبادة، كانت هناك خسائر مادية طالت المباني السكنية والمؤسسات الحكومية والبنى التحتية في مجالي الصحة والتعليم، حتى إن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ذكر أن 436 ألف بناية قد دُمّرت أو تضرّرت من جراء القصف العشوائي الصهيوني، بما يشكّل، كما يقول المكتب، 92% من مباني القطاع، وليس هذا بمستغرب على حرب تحولت إلى مشروع إبادة جماعية، وكان أغلب ضحاياها من المدنيين، وأسفرت عن استشهاد نحو 47 ألفًا منهم، وإصابة 110 آلاف، إضافة إلى آلاف المفقودين، وذلك من جملة سكان القطاع البالغ 2.

1 مليون نسمة وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني.

بطبيعة الحال، تتركنا تلك الأرقام في حالة ذهول، ثم يصيبنا ذهول مضاعف من المشاهد التي ترصد الحال على الأرض عبر المحطات التلفزيونية، إذ مُسحت أحياء كاملة من الخريطة العمرانية، وسُوِّيت بالأرض مخيمات ومدن، واقتلعت الحياة الزراعية بشكل شبه كامل، ودُمرت الثروة الحيوانية، ناهيك عن كافة الخدمات المتعلقة بالمياه والاتصالات والمشافي والمدارس والمصايد والصرف الصحي والأندية والأسواق والمتاجر ووكالات الإعلام ومخافر الشرطة والمعابر… إلخ.

إعلان

إزاء هذا كله، نحن أمام عدد من التحديات الكبيرة:

1- تحدٍّ نفسي

واحد من أهم التحديات التي تقف في وجه إعادة الإعمار، هو العامل النفسي المرتبط بالخشية من عودة مسلسل الإبادة الصهيوني مرة أخرى، وهو أمر وقتي على أي حال، بمعنى أنه مع مرور الوقت وتثبيت وقف إطلاق النار، سيكون على الأرجح هذا الحاجز النفسي قد رفع. لكن الأمر ليس هينًا، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه ذكر في خطاب توليه مهام منصبه أنه لا يستطيع ضمان سير اتفاق وقف إطلاق النار.

2- كمّ أنقاض مذهل

الركام أو الأنقاض هي أبرز مصاعب إعادة الإعمار، فهناك كمّ هائل يقدر بملايين الأطنان من الكتل الإسمنتية والحديدية والخشبية، يحتاج إلى إزالة. وهو ما يحتاج إلى آلات كثيرة ومتطورة.

وسيمثل هذا الركام مشكلة عند تحديد الأماكن التي سينقل إليها، لأنها ستكون خصمًا من الرقعة الأرضية المحدودة أصلًا في القطاع. البعض يرى إمكانية استخدام 20-40% من الركام في تصنيع خرسانة جديدة أو حجارة للبناء، لكن من غير المؤكد أن تنجح تلك الطريقة بسبب ضعف الإمكانات.

خلال عملية رفع الأنقاض ستكون هناك أيضًا أضرار الأتربة على صحة الإنسان، وهو أمر قد يفضي لأمراض رئوية وتنفسية، ما يتطلب توخي أقصى درجات الحذر.

3- الممولون وتكلفة التمويل

التمويل مشكلة أخرى، والمنتظر أن تشارك فيه جهات متعددة، عربية أو آسيوية أو أوروبية، وكذلك منظمات دولية وإقليمية. وسيكون لبعض الدول دور محوري في تلك القضية، وبالأخص قطر وتركيا ومصر. ولربما تشارك الولايات المتحدة الأميركية في إعادة الإعمار، لكن مشاركتها سترتبط إلى حدٍّ كبير بإرضاء إسرائيل، وبالاتفاق على وضع قطاع غزة من الناحية السياسية والإدارية قبل المشاركة في الإعمار.

يتصل بذلك حجم تكلفة إعادة الإعمار المقدر وفقًا للأمم المتحدة بـ 80 مليار دولار، ومدى زمني يصل إلى عام 2040. هنا نذكر أن وقف إسرائيل نشاط وكالة الأونروا يُعد قيدًا إضافيًا لإعادة الإعمار.

إعلان 4- استقدام طواقم فنية

يرتبط بما سبق استقدام طواقم بشرية من الفنيين والمتخصصين؛ بغرض استكشاف الحاجات المادية، وكذلك البقاء مدة أطول لإعانة أهل القطاع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. هنا سيكون من الضروري إرسال طواقم طبية لإجراء عمليات جراحية، وعلاج المصابين، والعمل على نقل الحالات الحرجة للعلاج في المستشفيات خارج القطاع. كما سيكون من الملائم استقدام فنيين في مجال شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والمعابر والصرف الصحي لإعادة إصلاح المهدم.

عمل الطواقم الفنية سيتطلب الكثير من المواد المساعدة التي تعينهم على أداء مهامهم، فسيارات الإسعاف وأسِرّة علاج المرضى وتجهيز غرف العمليات وغرف العناية المركزة والأدوية والمستلزمات الطبية، كلها من اللوازم الضرورية لعمل الطواقم الفنية الطبية التي سيُطلب منها علاج الجرحى.

بموازاة ذلك ستكون مجسات التربة والأوناش واللوادر وغيرها من آلات الحفر والرفع – وقد بدأ بعضها في الوصول إلى القطاع عبر مصر- محورية في عمل الطواقم الفنية المختلفة.

5- أولويات إعادة الإعمار

ولأن الأبنية والمؤسسات قد تَهدّمت، فإن إعادة الإعمار، لا بدَّ أن تقوم على تخطيط عمراني متكامل يضمن إعادة بناء المؤسسات المجتمعية والإدارية، كالمستشفيات والمدارس بحيث تتوزع بما يناسب احتياجات كل حي.

وسيتوقف النجاح في ذلك على حجم التمويل الذي سيتم جمعه، وسرعة وروده، وكذلك رغبة المانحين الذين قد يُفضل بعضهم إعادة بناء كيان خدمي كامل على مستوى القطاع ككل، أو جزء منه، كالمشافي مثلًا.

6- صيانة القطاع الزراعي

على عكس ما قد يتخيل البعض، فإعادة إعمار القطاع الزراعي لا تقل صعوبة عن إعادة إعمار المباني والمنشآت، وذلك لما قد يتعرض له هذا القطاع تحديدًا من الجور خلال عمليات البناء، وما تحتاج إليه من نقل كميات ضخمة من الركام التي قد تخصم من الأرض الزراعية وتساهم في بوارها.

إعلان

لذلك، من المهم، أملًا في الاكتفاء الذاتي من المحاصيل وعودة الصادرات الزراعية لمحصول الزيتون، ألا يجور التخطيط العمراني على الأرض الزراعية، التي تواجه بالفعل خطر الملوثات التي تعرضت لها خلال التفجيرات الصهيونية.

7- شبكة الأنفاق

ورغم أن المقصود من إعادة الإعمار هو البنايات فوق الأرض، إلا أن حركة حماس ستضع في حسبانها إبان التخطيط للبناء، صيانة الأنفاق الأرضية، وتوسيع الشبكة تحت الأرض لتكون بمثابة هيكل دفاعي حال تكرار الغزو من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، لا سيما أنه قد ثبتت حيوية تلك الأنفاق في الدفاع عن القطاع وتكبيد العدو أثمانًا كبيرة. وعلى أية حال، فإن أمر الأنفاق هو شأن أمني لم ولن يُعلن عنه على الإطلاق خلال إعادة الإعمار.

هل ستكون إسرائيل عائقًا؟

ربما تكون إسرائيل عائقًا أمام إعادة الإعمار من زاويتين:

الأولى، ما تخلف من الدانات والذخائر التي ألقتها على غزة ولم تنفجر، والألغام التي ربما تكون قد تعمدت تركها لتُهلك النسل والحرث. هنا من الضروري توخي الحذر، واستقدام أدوات للكشف عن تلك القنابل الموقوتة، حتى لا تتسبب في المزيد من النكبات. الثانية، الأرجح أن تخضع إسرائيل عملية البناء لرقابتها، فتتحكم في كمّ ونوع أدوات البناء. وذلك نظرًا لقلقها من أن تستولي حماس على تلك المواد وتستخدمها لإعادة بناء بنيتها العسكرية والسياسية والأمنية.

خاتمة:

هكذا، ستكون هناك تحديات لإعادة الإعمار، لكن أكثر ما يفضي إلى إنجاز تلك المهمة الكبيرة، هو الأمل في الحياة، مع زجر إسرائيل حتى لا تعيق هذا العمل الشاق والطويل، وكذلك توفير المال الذي يحتاج عقد مؤتمر دولي عاجل أو أكثر للاكتتاب لإعادة الإعمار.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إعادة الإعمار إعادة إعمار

إقرأ أيضاً:

بعد تحرير الخرطوم: الرياض تفتح كتاب إعادة إعمار السودان

يفتح السودان صفحة جديدة في تاريخه الاقتصادي بعد أن أعلن القائد العام للجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، الخرطوم خالية من مليشيا الدعم السريع المتمردة.

الإعلان يشير إلى ضربة بداية إعادة إعمار ما دمرته الحرب خلال عامين في المناطق التي سيطرت عليها مليشيا الدعم السريع ودمرتها.

ووفقا لأحدث التقديرات فإن الحرب دمرت 20 في المئة من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني والمقدر بنحو 600 مليار دولار، و أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.

وتقدمت المملكة العربية السعودية الدول التي ستساعد السودان في إعادة إعمار ما دمرته الحرب عبر وفد وصل الأراضي السودانية منذ يومين، ويضم الوفد ممثلين لوزارة الخارجية السعودية، مركز الملك سلمان للإغاثة، صندوق التنمية السعودي، وصندوق الاستثمارات السعودية، ويترأسه سفير المملكة بالسودان، علي بن حسن جعفر.

وأعلن السفير السعودي أن الزيارة تجئ إنفاذاً لتوجيهات القيادة السعودية بإجراء تقييم لاحتياجات السودان لإعادة إعمار ما دمرته الحرب ومن ثم توفير الدعم اللازم لإنفاذ المشروعات المطلوبة بالتنسيق مع جهات الاختصاص السودانية.

و قدم السفير السعودي شرحاً للمهام التي كلف بها من قبل القيادة العليا للمملكة العربية السعودية وهي إجراء مسح للمجالات التي يحتاجها السودان في جانب إعادة تأهيل وإعمار البنى التحتية و مشروعات الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والمرافق الصحية والخدمية الأخرى في إطار برنامج اسعافي يمتد العمل فيه لستة أشهر في هذه المرحلة التي تشهد نهاية التمرد وحلول الامن وعودة الحياة لطبيعتها .

وأوضح وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أن المملكة ظلت دوما هي السباقة في الوقوف إلى جانب السودان وشعبه في كل الأزمات التي مر بها، وأن هذا الوفد حقق السبق في الحضور لتقديم الدعم وتزامنت زيارته مع إعلان الخرطوم محررة وخالية من عبث المليشيا المتمردة التي مارست كل أنواع الانتهاكات وخربت البنى التحتية والمرافق العامة والممتلكات الخاصة بلا هوادة.

بدوره كشف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي ، د. جبريل إبراهيم عن أولويات الحكومة العاجلة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

وحدد – خلال ترؤسه الاجتماع الموسع مع لجنة المملكة العربية السعودية برئاسة سفيرها في السودان- أهم القطاعات ذات الأولوية لبدء مسيرة إعادة البناء والإعمار والتنمية لضمان العودة الآمنه للمواطنين إلى مقارهم بالولايات المتأثرة بالحرب.

وتم إستعراض الأولويات – بمشاركة وزراء الوزارات المعنية- بالتركيز على قطاعات الكهرباء ، خدمات الصحة ، المياه ، المدخلات الزراعية وكآفة المشاريع ذات التأثير المباشر على المواطنين.

وأبان سفير السعودية بالسودان أن لجنة المملكة تم تشكيلها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بهدف تلمس الاحتياجات الأساسية للمواطن السوداني خلال الستة أشهر القادمة ومساندة جهود الحكومة لمواجهة ما خلفته الحرب.

ووعد بدراسة المشاريع المقترحة للاحتياجات ورفع تقرير عنها للقيادة السعودية توطئة لبدء تنفيذها.

وتبرز المملكة كإحدى أهم الدول التي تربطها علاقات اقتصادية بالسودان

وأودعت الرياض مبلغ 250 مليون دولار في البنك المركزي السوداني في مايو 2019، لتعزيز سعر صرف العملة المحلية.

و قدمت مساعدات مالية تجاوزت 250 مليون دولار منذ بداية الفترة الانتقالية، للتخفيف من أي أثر سلبي على المواطن السوداني جراء تعويم سعر صرف الجنيه.

وتعهدت المملكة في شهر مارس 2021 باستثمار ثلاثة مليارات دولار في صندوق مشترك للاستثمار في السودان.

وقدم الصندوق السعودي للتنمية قرضين لتمويل مشروعات في قطاعي الصحة والتعليم في السودان للعام 2020م بقيمة 487.5 مليون ريال سعودي بواقع 243.75 مليون ريال لكل قطاع، ويعد هذان القرضان جزءًا من التمويل المقدم من الصندوق لدعم تنفيذ عشرات المشروعات التنموية في السودان.

وشدد الخبير الاقتصادي ، د. هيثم محمد فتحي على أهمية عقد مؤتمر وطني حول مرحلة إعادة الإعمار، لتحديد الأولويات والمنهجية والآليات ومصادر التمويل .

وأشار فتحي إلى أهمية تحديد أولويات إعادة الإعمار. والاتفاق على منهجية المرحلة والشركاء المتوقعين . إضافة إلى تحديد مصادر التمويل المقبولة ، والترويج للاستثمار في شكل فعال.

ودعا في حديثه مع “المحقق” إلى سن قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص لتطوير وبناء المنشأت والمرافق العامة الــ PPP Public private partnership .

وإحداث بنية تنظيمية مناسبة تتصف بالكفاءة والقدرة على العمل من خلال هيئة وطنية قومية لإعادة الإعمار، تضم ممثلي البنوك السودانية وخبراء ومختصين من القطاعين العام والخاص، بالاضافة الى تأسيس صندوق خاص بإعادة الإعمار مع تحديد مشروعات بعينها ذات العائد والاثر السريع سواءا كان في توفير الاحتياجات الاساسية أو توفير العملات الأجنبية أو في دعمها للميزانية العامة للدولة ، خاصة في قطاع المعادن أي أن تكون هنالك أولويات مع إصلاح القوانين وضبط سعر الصرف واصلاح الميزانية. ‏

المحقق – نازك شمام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • القائد العام : درنة تنهض من جديد وتتحول إلى رمز للحياة والأمل
  • بعد تحرير الخرطوم: الرياض تفتح كتاب إعادة إعمار السودان
  • إعادة إعمار غزة..مصير مجهول وسط الدمار والأزمات
  • بعيو يشيد بإعادة إعمار درنة: “تحقق النصر على الألم”
  • جديد الجهود الفرنسيّة لعقد المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار
  • إعادة إعمار منارة جامع الأغوات التاريخي في الموصل بتمويل من محسنين
  • تحديات ما بعد تحرير الخرطوم.. خبراء سودانيون يحذرون من تكرار الأخطاء
  • وزير الخارحية : مصر مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار لبنان
  • مصر تبدي استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار لبنان
  • البنك الدولي يقرض لبنان 250 مليون دولار: استثناء إعمار المساكن وقرى الحافة الأمامية