إعادة إعمار غزة بين الآمال وتحديات الواقع
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
بعد أن توقّف العدوان الصهيوني على غزة عقب ما يربو على 467 يومًا من القصف اليومي المتواصل، أصبح حديث اليوم هو كيفية إعادة إعمار القطاع المهدم.
ففوق الخسائر البشرية الجسيمة وحرب الإبادة، كانت هناك خسائر مادية طالت المباني السكنية والمؤسسات الحكومية والبنى التحتية في مجالي الصحة والتعليم، حتى إن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ذكر أن 436 ألف بناية قد دُمّرت أو تضرّرت من جراء القصف العشوائي الصهيوني، بما يشكّل، كما يقول المكتب، 92% من مباني القطاع، وليس هذا بمستغرب على حرب تحولت إلى مشروع إبادة جماعية، وكان أغلب ضحاياها من المدنيين، وأسفرت عن استشهاد نحو 47 ألفًا منهم، وإصابة 110 آلاف، إضافة إلى آلاف المفقودين، وذلك من جملة سكان القطاع البالغ 2.
بطبيعة الحال، تتركنا تلك الأرقام في حالة ذهول، ثم يصيبنا ذهول مضاعف من المشاهد التي ترصد الحال على الأرض عبر المحطات التلفزيونية، إذ مُسحت أحياء كاملة من الخريطة العمرانية، وسُوِّيت بالأرض مخيمات ومدن، واقتلعت الحياة الزراعية بشكل شبه كامل، ودُمرت الثروة الحيوانية، ناهيك عن كافة الخدمات المتعلقة بالمياه والاتصالات والمشافي والمدارس والمصايد والصرف الصحي والأندية والأسواق والمتاجر ووكالات الإعلام ومخافر الشرطة والمعابر… إلخ.
إعلانإزاء هذا كله، نحن أمام عدد من التحديات الكبيرة:
1- تحدٍّ نفسيواحد من أهم التحديات التي تقف في وجه إعادة الإعمار، هو العامل النفسي المرتبط بالخشية من عودة مسلسل الإبادة الصهيوني مرة أخرى، وهو أمر وقتي على أي حال، بمعنى أنه مع مرور الوقت وتثبيت وقف إطلاق النار، سيكون على الأرجح هذا الحاجز النفسي قد رفع. لكن الأمر ليس هينًا، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه ذكر في خطاب توليه مهام منصبه أنه لا يستطيع ضمان سير اتفاق وقف إطلاق النار.
2- كمّ أنقاض مذهلالركام أو الأنقاض هي أبرز مصاعب إعادة الإعمار، فهناك كمّ هائل يقدر بملايين الأطنان من الكتل الإسمنتية والحديدية والخشبية، يحتاج إلى إزالة. وهو ما يحتاج إلى آلات كثيرة ومتطورة.
وسيمثل هذا الركام مشكلة عند تحديد الأماكن التي سينقل إليها، لأنها ستكون خصمًا من الرقعة الأرضية المحدودة أصلًا في القطاع. البعض يرى إمكانية استخدام 20-40% من الركام في تصنيع خرسانة جديدة أو حجارة للبناء، لكن من غير المؤكد أن تنجح تلك الطريقة بسبب ضعف الإمكانات.
خلال عملية رفع الأنقاض ستكون هناك أيضًا أضرار الأتربة على صحة الإنسان، وهو أمر قد يفضي لأمراض رئوية وتنفسية، ما يتطلب توخي أقصى درجات الحذر.
3- الممولون وتكلفة التمويلالتمويل مشكلة أخرى، والمنتظر أن تشارك فيه جهات متعددة، عربية أو آسيوية أو أوروبية، وكذلك منظمات دولية وإقليمية. وسيكون لبعض الدول دور محوري في تلك القضية، وبالأخص قطر وتركيا ومصر. ولربما تشارك الولايات المتحدة الأميركية في إعادة الإعمار، لكن مشاركتها سترتبط إلى حدٍّ كبير بإرضاء إسرائيل، وبالاتفاق على وضع قطاع غزة من الناحية السياسية والإدارية قبل المشاركة في الإعمار.
يتصل بذلك حجم تكلفة إعادة الإعمار المقدر وفقًا للأمم المتحدة بـ 80 مليار دولار، ومدى زمني يصل إلى عام 2040. هنا نذكر أن وقف إسرائيل نشاط وكالة الأونروا يُعد قيدًا إضافيًا لإعادة الإعمار.
إعلان 4- استقدام طواقم فنيةيرتبط بما سبق استقدام طواقم بشرية من الفنيين والمتخصصين؛ بغرض استكشاف الحاجات المادية، وكذلك البقاء مدة أطول لإعانة أهل القطاع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. هنا سيكون من الضروري إرسال طواقم طبية لإجراء عمليات جراحية، وعلاج المصابين، والعمل على نقل الحالات الحرجة للعلاج في المستشفيات خارج القطاع. كما سيكون من الملائم استقدام فنيين في مجال شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والمعابر والصرف الصحي لإعادة إصلاح المهدم.
عمل الطواقم الفنية سيتطلب الكثير من المواد المساعدة التي تعينهم على أداء مهامهم، فسيارات الإسعاف وأسِرّة علاج المرضى وتجهيز غرف العمليات وغرف العناية المركزة والأدوية والمستلزمات الطبية، كلها من اللوازم الضرورية لعمل الطواقم الفنية الطبية التي سيُطلب منها علاج الجرحى.
بموازاة ذلك ستكون مجسات التربة والأوناش واللوادر وغيرها من آلات الحفر والرفع – وقد بدأ بعضها في الوصول إلى القطاع عبر مصر- محورية في عمل الطواقم الفنية المختلفة.
5- أولويات إعادة الإعمارولأن الأبنية والمؤسسات قد تَهدّمت، فإن إعادة الإعمار، لا بدَّ أن تقوم على تخطيط عمراني متكامل يضمن إعادة بناء المؤسسات المجتمعية والإدارية، كالمستشفيات والمدارس بحيث تتوزع بما يناسب احتياجات كل حي.
وسيتوقف النجاح في ذلك على حجم التمويل الذي سيتم جمعه، وسرعة وروده، وكذلك رغبة المانحين الذين قد يُفضل بعضهم إعادة بناء كيان خدمي كامل على مستوى القطاع ككل، أو جزء منه، كالمشافي مثلًا.
6- صيانة القطاع الزراعيعلى عكس ما قد يتخيل البعض، فإعادة إعمار القطاع الزراعي لا تقل صعوبة عن إعادة إعمار المباني والمنشآت، وذلك لما قد يتعرض له هذا القطاع تحديدًا من الجور خلال عمليات البناء، وما تحتاج إليه من نقل كميات ضخمة من الركام التي قد تخصم من الأرض الزراعية وتساهم في بوارها.
إعلانلذلك، من المهم، أملًا في الاكتفاء الذاتي من المحاصيل وعودة الصادرات الزراعية لمحصول الزيتون، ألا يجور التخطيط العمراني على الأرض الزراعية، التي تواجه بالفعل خطر الملوثات التي تعرضت لها خلال التفجيرات الصهيونية.
7- شبكة الأنفاقورغم أن المقصود من إعادة الإعمار هو البنايات فوق الأرض، إلا أن حركة حماس ستضع في حسبانها إبان التخطيط للبناء، صيانة الأنفاق الأرضية، وتوسيع الشبكة تحت الأرض لتكون بمثابة هيكل دفاعي حال تكرار الغزو من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، لا سيما أنه قد ثبتت حيوية تلك الأنفاق في الدفاع عن القطاع وتكبيد العدو أثمانًا كبيرة. وعلى أية حال، فإن أمر الأنفاق هو شأن أمني لم ولن يُعلن عنه على الإطلاق خلال إعادة الإعمار.
هل ستكون إسرائيل عائقًا؟ربما تكون إسرائيل عائقًا أمام إعادة الإعمار من زاويتين:
الأولى، ما تخلف من الدانات والذخائر التي ألقتها على غزة ولم تنفجر، والألغام التي ربما تكون قد تعمدت تركها لتُهلك النسل والحرث. هنا من الضروري توخي الحذر، واستقدام أدوات للكشف عن تلك القنابل الموقوتة، حتى لا تتسبب في المزيد من النكبات. الثانية، الأرجح أن تخضع إسرائيل عملية البناء لرقابتها، فتتحكم في كمّ ونوع أدوات البناء. وذلك نظرًا لقلقها من أن تستولي حماس على تلك المواد وتستخدمها لإعادة بناء بنيتها العسكرية والسياسية والأمنية.خاتمة:
هكذا، ستكون هناك تحديات لإعادة الإعمار، لكن أكثر ما يفضي إلى إنجاز تلك المهمة الكبيرة، هو الأمل في الحياة، مع زجر إسرائيل حتى لا تعيق هذا العمل الشاق والطويل، وكذلك توفير المال الذي يحتاج عقد مؤتمر دولي عاجل أو أكثر للاكتتاب لإعادة الإعمار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إعادة الإعمار إعادة إعمار
إقرأ أيضاً:
السيسي والبرهان يبحثان الأمن المائي وإعادة إعمار السودان .. جددا رفضهما أي «إجراءات أحادية» تتعلق بنهر النيل
القاهرة: الشرق الاوسط: عززتْ مصر من دعمها للسودان في ضوء ظروف الحرب الداخلية، وناقش الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي يزور القاهرة، «المساهمة المصرية الفعالة في جهود إعادة الإعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب الداخلية».
واستقبل السيسي، البرهان، في القاهرة، يوم الاثنين، وخلال جلسة محادثات مشتركة، شدد الجانبان على «مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحفظ الأمن المائي للبلدين، ورفض الإجراءات الأحادية» بنهر النيل. وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، بأن اللقاء شهد تبادل وجهات النظر والرؤى حول الأوضاع الإقليمية الراهنة، لا سيما في حوض نهر النيل والقرن الأفريقي، حيث تطابقت رؤى البلدين في ظل الارتباط الوثيق بين الأمن القومي لكل من مصر والسودان.
وتم الاتفاق على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحفظ الأمن المائي للدولتين، وإعمال القانون الدولي لتحقيق المنفعة المشتركة للجميع بحوض النيل، وكذلك رفض الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق، الذي ينبع من إثيوبيا ويُعد الرافد الأساسي لنهر النيل.
ويواجه مشروع «سد النهضة»، الذي تقيمه إثيوبيا على رافد حوض النيل الأزرق منذ عام 2011، باعتراضات من دولتي المصب، مصر والسودان، اللتين تطالبان باتفاق قانوني ملزم، ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بحصتيهما المائية.
جهود إعادة الإعمار
تأتي زيارة البرهان إلى القاهرة استجابة لدعوة من الرئيس المصري، تسلمها الأسبوع الماضي، بهدف «دعم التعاون الثنائي، والتأكيد على دعم ومساندة القاهرة للخرطوم، في ظروف الحرب الداخلية الحالية». واستقبل السيسي في مطار القاهرة الفريق البرهان وتوجها إلى قصر الاتحادية، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي، وتم عزف السلامين الوطنيين.
وقالت رئاسة الجمهورية المصرية إن السيسي بحث في اجتماع مع البرهان التطورات الميدانية الأخيرة في السودان والتقدم الذي حققه الجيش باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الجانبين عقدا جلسة مباحثات مغلقة، تلتها جلسة موسعة بمشاركة وفدي البلدين، حيث تم استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي، والمساهمة المصرية في جهود إعادة إعمار وإعادة تأهيل ما أتلفته الحرب في السودان، وذلك بالإضافة إلى مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري.
ويواجه السودان حرباً داخلية، منذ أكثر من عامين، بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وتدعو القاهرة، منذ اندلاع المواجهات المسلحة في منتصف أبريل (نيسان) 2023، إلى ضرورة «وقف إطلاق النار، والحفاظ على وحدة واستقرار السودان، ومؤسساته الوطنية».
وسبق أن رحب السودان بدور للشركات المصرية في ملف إعادة الإعمار، واتفق البلدان في جلسة مشاورات سياسية بالقاهرة، في فبراير (شباط) الماضي، على «تشكيل فريق مشترك من البلدين لدراسة عملية إعادة الإعمار، مع وضع التصور للبدء في عملية إعادة الإعمار والجدول الزمني».
وضمن محادثات السيسي والبرهان، جرت مناقشة مواصلة المشروعات المشتركة في عدد من المجالات الحيوية، مثل الربط الكهربائي، والسكك الحديدية، والتبادل التجاري، والثقافي، والعلمي، والتعاون في مجالات الصحة، والزراعة، والصناعة، والتعدين، بما يحقق هدف التكامل، والاستغلال الأمثل للإمكانات الضخمة بين البلدين، حسب الرئاسة المصرية.
على صعيد تطورات الحرب الداخلية، تناولت مشاورات الرئيس المصري، ورئيس مجلس السيادة السوداني، «التقدم الميداني الأخير الذي حققته القوات المسلحة السودانية، باستعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم». وحسب الرئاسة المصرية، «اتفق الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الدعم والمساعدة اللازمين للسودانيين المقيمين في مناطق الحرب».
وحقق الجيش السوداني أخيراً تقدماً ملحوظاً في الحرب الداخلية باستعادة العاصمة الخرطوم، ومن قبلها مناطق حيوية، مثل ولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم)، إلى جانب الولايات الشرقية التي يسيطر عليها، بينما تزداد حدة المواجهات في مناطق أخرى، مثل مدينة أم درمان، ومدينة الفاشر، في إقليم درافور.
وأكد السفير السوداني في القاهرة، عماد الدين عدوي، «وجود إرادة لدى بلاده لتعميق العلاقات مع مصر»، مضيفاً أن لقاء السيسي والبرهان «عكس عمق ومتانة العلاقات المصرية السودانية، وتطابق الرؤى والمواقف»، كما قال المستشار في السفارة السودانية بالقاهرة، اللواء أمين مجذوب، لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده تقدر الدور الذي تقوم به مصر في تقريب وجهات النظر وجمع القوي السياسية السودانية، بالإضافة إلى لعب أدوار إقليمية بين السودان والدول الأخرى في محاولة لإنهاء الحرب في البلاد.
وكان الرئيس السيسي أعلن رفضه تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» المقرر الإعلان عنها قريباً، وعدها مهددة لوحدة السودان وسيادته.
ويعتقد مساعد وزير الخارجية المصري السابق لشؤون السودان، السفير حسام عيسى، أن «القاهرة تدعم مؤسسات الدولة السودانية، في مقدمتها الجيش»، مشيراً إلى أن زيارة البرهان تأتي ضمن مساعي القاهرة لـ«إنهاء المأساة الإنسانية التي تسببها الحرب».
وتسبب الحرب السودانية في نزوح نحو 14 مليون سوداني داخل وخارج البلاد، حسب تقديرات الأمم المتحدة، بينهم نحو مليون و200 ألف سوداني نزحوا إلى مصر، حسب إحصاءات رسمية.
وقال عيسى، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة البرهان «تأتي في مرحلة مهمة من الحرب، حقق فيها الجيش تقدماً ميدانياً، ما يمهد الطريق أمام جهود إعادة إعمار المدن التي طالتها الحرب، وتهيئة الخرطوم لإعادة الحكومة السودانية إليها مرة أخرى، بدلاً من مدينة بورتسودان».