لطالما ارتبطَت الكعكة الصفراء بالقذافي، ومشروعه النووي الذي كُشف عنه الستار لأول مرة أوائل الألفية الثالثة، قبل أن يتخلى عنه تحت ضغطٍ أميركي كبير. ولكن لماذا نعيد فتح ملف اليورانيوم اليوم؟

ويكشفُ هذا التقرير -ولأول مرة- عن نسبة اليورانيوم المشعّ في ليبيا بطبقاته السطحية استنادًا إلى أول بحوث حقلية ودراسات نووية ليبية بحثت عن اليورانيوم في ليبيا، ليطرح عديد التساؤلات حول إمكانية أن يشكل اليورانيوم فرصة حقيقية -غير مستغلة- لتعزيز الاقتصاد وإحداث نقلة نوعية بمجال الطاقة.

كلية الهندسة النووية في طرابلس 1985 (عبد الحكيم الطويل) أين يتركز اليورانيوم الليبي؟

اليورانيوم معدن ثقيل جدًا، ويتميز بلونه الفضي عندما يكون نقيًا، لكنه يتحول إلى الأسود عند تعرضه للأكسدة، وهو ينتمي إلى العناصر المشعة ويعد غير مستقر، مما يعني أنه يتحلل بمرور الوقت ليصدر إشعاعات، ويتحول إلى عناصر أخرى، ويوجد بالطبيعة في شكل نظائر، وهي أشكال مختلفة للعنصر نفسه، وأحد هذه النظائر هو اليورانيوم-235، وهو قابل للانشطار، مما يعني أنه يمكن استخدامه في توليد الطاقة النووية.

وفي دراسةٍ بحثية أجرتها الباحثة الجيولوجية وفاء الشريف عام 2004 بجامعة سبها أظهرتْ أنَ نسبة اليورانيوم المكتشفة في ليبيا هي 112 جزءا من المليون، وتتركز في طبقة الحجر الرملي التي توجد بها تراكيز عالية من الحديد، وحدّدت وفاء المنطقة التي جرى قياس تركيزات اليورانيوم فيها عند منطقة العوينات في الجنوب الغربي من البلاد.

إعلان

واستنادًا إلى ذلك، يشير المهندس النووي والكاتب في الشؤون النووية عبد الحكيم الطويل إلى عدم وجود دراسات مُحَدَّثة حول كميات اليورانيوم القابلة للاستخراج بشكل اقتصادي، نتيجة الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها ليبيا على مدار 13 عامًا.

وأوضح الطويل أن اليورانيوم موجود بكميات صغيرة في كل مكان، في التربة والصخور والماء وحتى أجسادنا، ومن المدهش أنه يوجد بكميات كبيرة وإن كانت مخففة في المحيطات، إذ تصل كميته إلى 4 آلاف مليون طن تقريبًا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد شذرات من اليورانيوم على شواطئ مدينة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس، امتدادًا إلى مدينة مصراتة بِحسب دراسة حقلية أجراها قسم الهندسة النووية بكلية الهندسة جامعة طرابلس، إلا أنَ إشعاعه أقل بكثير من متوسط الإشعاع الطبيعي العالمي الآمن -مجرد 4% منه- والمفارقة أن ورقة بحثية عن تربة مدينة غريان الجبلية الطينية التي تُستثمر منذ سنوات في العديد من الفخاريات التقليدية، أثبتت أنَ إشعاع تربة باب العزيزية -في طرابلس- كان أقل بنحو 5 إلى 10 مرات من الإشعاع الطبيعي لهذه الفخاريات.

وردًا على سؤال الجزيرة نت حول أبرز المواقع التي تحوي اليورانيوم، يُجيب الطويل "حدد فريقٌ مكونٌ من جيولوجيين وكيميائيين وفيزيائيين ومهندسين وتقنيين ليبيين وأجانب في دراساتٍ حقلية ومختبرية عديدة طوال سنوات في 5 مناطق رئيسة تحوي شذرات اليورانيوم تزيد عن معدلاتها الطبيعية العالمية".

ويوضح الطويل أن هذه المناطق هي تيبستي (المشترك مع تشاد) جنوب مدينة غدامس (قرب الحدود الغربية مع الجزائر) حوض سرت (على ساحل المتوسط شمالاً) العوينات الشرقية (قرب الحدود الشرقية المصرية السودانية) العوينات الغربية (سردلس قرب الحدود الغربية مع الجزائر).

اليورانيوم الطبيعي من كتاب "الطاقة النووية في بيتك" (عبد الحكيم الطويل) اليورانيوم في ميزان اقتصاد ليبيا

بالحديث عن تكلفة استخراج اليورانيوم، قدّرت وفاء الشريف بحسبِ دراستها أن تكون التكلفة عالية إذا قُورنت بعمليات استخراج معادن أخرى، إذ تتجاوز عملية الاستكشاف فقط حوالي 200 مليون دولار، في حين تبلغ تكلفة الاستخراج والتنقيب ما قيمتهُ 700 مليون دولار كحد أدنى، وفقَ الباحثة.

إعلان

غير أن الطويل أكد عدم إمكانية الفصل في دقة هذه التقديرات إلا بعد حصر مكامن اليورانيوم وتقدير احتياطاته بدقة. ويضيف "وهذا ما لم نصل إليه بعد، ففي حال التأكد من وجود اليورانيوم بكميات اقتصادية مجدية ستكون هناك آفاق جاذبة جداً ليكون من موارد دخلنا خصوصاً في مرحلة نضوب النفط، كما أن أرضنا الشاسعة النائية والقاحلة يمكنها توفير فضاءات دولية آمنة لتكرير اليورانيوم تحت إشراف خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضمائر الوطنيين النوويين مهمة جداً هنا في تكريس أمانها".

بينما اعتبر المحلل الاقتصادي أحمد الخميسي أنَ الاستثمار في اليورانيوم ليس مجرد فرصة لتوليد العوائد المالية المباشرة، بل يمثل أيضًا وسيلة لبناء صناعات مساندة مثل التعدين والطاقة النووية، إذا استطاعت ليبيا استغلال احتياطياتها، مع افتراض وجود كميات كافية ودخولها السوق العالمي، فقد تصل العوائد إلى ما بين 1 و3 مليارات دولار سنويًا، مشيرًا إلى حاجة ليبيا الملحة لتوفير تشريعات تشجع الاستثمارات الأجنبية، والعمل على تخفيف المخاطر السياسية والأمنية.

وحدة التشغيل في مركز تاجوراء للبحوث النووية (عبد الحكيم الطويل) التوجّه نحو الطاقة النووية

اليورانيوم هو العنصر الأساسي المستخدم في محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وبشكل خاص يعد يورانيوم-235 النظير الأكثر أهمية في توليد الطاقة النووية لأنه قابل للانشطار. وعند عند ضرب نواته بجسيم دون ذري يسمى النيوترون، تنقسم تلك النواة إلى عناصر أصغر، مما يطلق طاقة حرارية هائلة ونيوترونات أخرى تستمر في سلسلة من التفاعلات.

وتستخدم الطاقة الناتجة عن الانشطار النووي لتسخين الماء داخل المفاعل، وتحويله إلى بخار عالي الضغط، يستخدم ليدير التوربينات التي تُشغل مولدات كهربائية، مما ينتج الكهرباء.

يقول الطويل إن اليورانيوم مادة إستراتيجية دولية جاذبة لكل الدول العظمى سواء لتعزيز ترسانتها النووية أو لفائدة محطات توليد الكهرباء النووية فيها التي تستخدم اليورانيوم كوقود لها، ولكن عندما يتعلقُ الأمر بليبيا فهناك العديد من التحديات التي تُعيق من الوصول إلى مكامنه المحتملة وتقدير احتياطياتهِ، ولتذليلِ هذه التحديات يجب جذب الشركات الدولية المُختصة في التنقيب والاستكشاف بالتنقيب عن اليورانيوم علنيةً، وإذا وجد بكميات تجارية سيكون اليورانيوم نفطَ ليبيا الجديد الذي تدرّ من وراء تصديره الملايين كما تفعل مع النفط.

إعلان

ومن منطلق مساحة ليبيا الشاسعة وخلو مساحاتٍ كبيرة منها من الأراضي الزراعية والمناطق غير المأهولة بالسُكان من الممكن -بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشراف خبرائها- يقول الطويل إنه يمكن تأسيس محطات لتكرير اليورانيوم آمنة تعتمد معايير الأمان النووي والبيئي بأفضل من تلك المستخدمة في بيئة بعض دول الجوار الفقيرة.

ويضيف "بل إذا حاولنا مشاركة خبرة الشركات الأجنبية المماثلة العاملة في الجارة الجنوبية (النيجر) لنقل خبرتها إلى بلادنا فإننا سنستفيد جداً في تسريع توطين هذه الخبرة لتشابه البيئة وتقارب المسافة، مع توفير فرصة تدريب كفاءات وطنية بالداخل".

ماذا عن الوضع السياسي الراهن؟

اشترط وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة محمد عون عدم الخوضِ في مسألة اليورانيوم والطاقة النووية قبل أن تستقر البلاد وتُشكل حكومة واحدة موحدة تحرص على ثروات البلاد وتنميتها، وعند ذلك الوقت يمكن التوجه نحو استغلال هذا المورد واستكشافه وتطويره ليسهم في تنوع الاقتصاد، موضحًا أنه وبمقارنة ما تنفقه ليبيا على المحروقات الأجدر أن تخصص حجم الإنفاق لدعمِ هذا التحول.

ويتفق مع هذا التوجّه المحلل الاقتصادي أحمد الخميسي الذي أوضحَ أن الانقسام السياسي يحول دون التعويل على الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير في الوقت الراهن، نظرًا لارتفاع درجة المخاطرة، لافتًا إلى الفارق الكبير بين التكلفة العالية المرتبطة باستكشاف واستخراج اليورانيوم وبين العائدات المحتملة، مما يجعل الجدوى الاقتصادية للاستثمار في هذا القطاع مرتبطة بشكل وثيق بتحقيق الاستقرار السياسي وتحسين الأوضاع الأمنية.

وبدورهِ يرى الدكتور عز الدين أبو غالية، وهو مستشار وخبير بمجال النفط والطاقات الجديدة والمتجددةّ، أنَ من أبرز العوائق التي تعترض إمكانية التوجه لاستغلالِ اليورانيوم كمصدرٍ للطاقة هما الوضعان السياسي والأمني المتذبذبان منذ عام 2011، مما يؤثر على حالتي الاستقرار والأمن اللازمتين لاستغلالِ هذا المورد الطبيعي، فضلاً عن افتقار ليبيا للبنية التحتية اللازمة ونقص المؤسسات المحليّة المتخصصة في مجال التنقيب عن اليورانيوم واستغلالهِ عِلاوةً على مخاطره البيئية والصحية.

إعلان أي آثار بيئية مترتبة؟

وعن الآثار البيئية وطبيعة التكوين، يقول الطويل إن اليورانيوم وإن كان معدنا طبيعيا إلا أنه مادة مشعة، وسيتسبب هو ونواتج استخلاصه في تلويث شديد للبيئة ومنابع المياه والهواء، إذا تعامل معه غير المختصين.

ويشير الطويل إلى أنَ الأشعة -وإن كانت خطيرة حقاً- إلا أن خطرها نسبي وليس مطلقا، إذ يختلف كثيراً باختلاف نوع الأشعة ومصدرها وطاقتها وزمن التعرض لها وزمن إشعاعها، وحتى ما إذا كانت محفوظة في حاويات آمنة ذات معايير نووية محكمة أو في حاويات عشوائية ليست مناسبة أم مكومة في الخارج بعيداً عن معايير أمان الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

بدورها أشارت وفاء الشريف إلى ضرورة العمل وفقَ شروط وقوانين منظمة وصارمة لاستخراج اليورانيوم بما يتلاءم مع البيئة وعدم إلحاق الضرر بالمحيط النباتي والبشري، مؤكدةً عدم وجود أي دراسات تُعنى بالبحث في التأثير الصحي على السكان القريبين من تلك المناطق.

اليورانيوم من عبء أمني لمورد اقتصادي

ولتحويل اليورانيوم من عبء أمني ومشكلة بيئية إلى مورد اقتصادي يوصي الطويل بالتالي:

التخلص من فكرة أن اليورانيوم مجرد قنبلة نووية وأشعة حارقة، وتبنيه كمورد اقتصادي، فاستخراج خامته وتصديرها تجارة مربحة تماثل في أهميتها ومكاسبها صناعة وتجارة النفط. التوجّه نحو التطبيقات السلمية للأشعة النووية المستخدمة في مجالات الزراعة والصناعة والطب والبيئة ليس فقط في الدول المتقدمة بل دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. تأسيس خبرة بشرية محلية نووية في مركز بحوثنا النووي وقسم الهندسة النووية الوحيدين حتى الآن في جامعة طرابلس ونشر هذه الدراسة في جامعتي بنغازي وسبها. العمل على وضع كوادر نووية وطنية ذات ضمير في أعلى سلم السلطة النووية المحلية. إنشاء جسم رسمي يحمل اسم المجلس الاستشاري النووي الوطني يتبع مؤسسة الطاقة الذرية الليبية يضم الخبرات النووية التي تقاعدت. إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الطاقة النوویة الیورانیوم فی فی لیبیا نوویة فی التی ت

إقرأ أيضاً:

تقارير صحفية: أكثر من 170 من مرضى الفشل الكلوي في ليبيا توفوا خلال العام الماضي

سلطت تقارير صحفية، الضوء على معاناة مرضى الفشل الكلوى في ليبيا، مؤكدة أنهم يحصلون على أدنى مستويات الرعاية الطبية، كما يواجهون نقصا في الأدوية والإمكانات، مشيرة إلى وفاة أكثر من 170 مريضا خلال العام الماضي.

وقال موقع «العربي الجديد» القطري، في تقرير له: “مرضى الفشل الكلوي في ليبيا يحصلون على أدنى مستويات الرعاية، المرضى يواجهون نقص في الأدوية والإمكانات في مراكز غسل الكلى وزراعة الأعضاء، فالعديد من مراكز غسل الكلى، توقفت فترات طويلة، قبل أن يستأنف بعضها العمل بدعم من جمعيات ومنظمات، تشكلت لدعم هذه الشريحة”.

وأضاف “توفي أكثر من 170 من مرضى الفشل الكلوي خلال العام الماضي، والسلطات لم تقدم ما يكفي لمرضى الكلى، والمصابين بأمراض مزمنة، وأقسام ومراكز أمراض الكلى في عموم البلاد، تشكو من انعدام الإمكانات والأدوية، فأكثر من 6 آلاف مريض ينفذون عمليات لغسل الكلى، في نحو 90 قسمًا ومركزًا في البلاد، ويخضع أكثر من 10 آلاف مريض لمتابعة صحية، وهناك أكثر من 30 ألف مواطن مهددون بالمرض في البلاد”.

وتابع “بعض المراكز الخاصة بغسل الكلى تفتقر إلى أدنى الإمكانات، مثل التحاليل الدورية اللازمة للمرضى، معاناة مرضى الكلى تتضاعف بسبب تنقلهم مسافات للوصول إلى مراكز الغسل في المدن والمناطق الكبرى، واضطرارهم إلى انتظار دورهم وقوفًا”.

الوسومالفشل الكلوي ليبيا نقص الأدوية

مقالات مشابهة

  • تعيين دفعة جديدة من المهندسين والعلميين والكوادر الوظيفية للعمل بهيئة المحطات النووية
  • المحطات النووية تعلن تعيين دفعة جديدة من المهندسين والعلميين والكوادر الوظيفية
  • «المحطات النووية» تعلن تعيين دفعة جديدة من المهندسين والعلميين
  • تقارير صحفية: أكثر من 170 من مرضى الفشل الكلوي في ليبيا توفوا خلال العام الماضي
  • بعد حظرها 40 عاما.. إيطاليا تخطط لاستخدام الطاقة النووية
  • بعد 40 عامًا.. إيطاليا تخطط للعودة إلى استخدام الطاقة النووية
  • من المحركات إلى المفاعلات.. رولز رويس تُحدث ثورة في الطاقة النووية
  • تعيين مبعوثة أممية جديدة في ليبيا بعد شغور طويل
  • هل يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل علاج الأمراض النادرة؟