نقد الفكر الغربي المعاصر (1-2)
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
د .عرفات الرميمة
بدأ النقد الجدي للعقل الغربي ولنمط الحضارة الغربية، مع ظهور فلسفة ما بعد الحداثة .
فقد نقد رواد تلك الفلسفة الفكر الغربي ونمط الحياة الغربية، وعملوا على تقويض وهدم أسس الحداثة التي تباهى بها العقل الغربي، وكأنها نهاية التاريخ بالنسبة لهم بحسب تعبير فوكوياما .
فقد أعطت فلسفة الحداثة الغربية قيماً مطلقة لمفهوم الليبرالية ومفهوم العقلانية، وجعلتهما بمثابة الإجابات المطلقة التي تعمل على حل كل مشاكل البشر الحياتية والفكرية، وهذا ما حشر الحداثة في مجال ذهني ضيق، ولم تسمح للثقافات والنظريات الأخرى والشعوب المختلفة بوجود إيجابي فاعل، تلك الحلول المطلقة التي أدعتها الحداثة تكسرت على يد البطالة والإحباط والشح المادي والمعنوي والانسحاب الشعبي والتفكك الاجتماعي الذي ضرب عميقاً في المجتمع الغربي، الذي لم يجد في مقولات الحداثة عن العقلانية والليبرالية والمركزية الثقافية حلولاً لمشاكله، مما جعل الحداثة تقف عاجزة عن الجواب، وكان لا بد لما بعد الحداثة أن تنسف أسس الحداثة وتقوض مفاهيمها، إذا هي أرادت الحياة والاستمرار، وتقديم نفسها بديلاً عن الحداثة .
أكدت فلسفة ما بعد الحداثة: أن التجارب المعاشه أثبتت أن عصر الحداثة بمفاهيمه عن العقل والعلم والحرية والتقدم والنزعة الإنسانية قد انتهى فعلاً ، نظرا لإخفاقاته في الوصول إلى النتائج التي بشر بها، وأن ما بعد الحداثة هي مرحلة تحضير لقيام مجتمع جديد يقوم على أسس جديدة مغايرة لأسس الحداثة. لقد غرقت الحداثة في الأحلام التي لم يتحقق منها شيء، وما بعد الحداثة كما يرى أحد المفكرين ” هي الحداثة الخالية من الأحلام والآمال التي مكنت البشر من احتمال الحداثة . لقد غالت الحداثة بإعلائها من شأن العقل وجعله مركزاً تدور حوله كل الأفكار ، فهو معبود الحداثيين وطريقهم الوحيد الموصل إلى التقدم المادي والمعنوي المنشود” .
هدم العقلانية :
أثبت فلاسفة ما بعد الحداثة أن عقل الحداثة خان دوره ووظيفته الرئيسية وانقلب عليها، فقد كان دور العقل وسيلةً للمعرفة ، لكنه تحوّل ليصبح مجرد أداة تخضع دائماً لمقتضيات وظروف التوازن والنظام وانخرط في سيرورة الإنتاج، وكل ذلك يعني من ضمن ما يعنيه : أن الفكر أصبح خاضعاً لمعايير الصناعة والفهم هو الآخر أصبح خاضعاً ولم يعد فعالية في حد ذاته .
وهذا ما حدث في بدايات القرن العشرين ،من ظهور للفاشية في ايطاليا وبروز للنازية في المانيا ، بالإضافة إلى قيام الحربين العالمتين الأولى و الثانية وما نتج عنهما من قتل وتشريد للملايين من البشر ومن دمار للمباني وللطبيعة جراء استخدام السلاح الذري والكيمائي ، مثّل انتكاسة للحداثة ومقولاتها، وأثبت بما يدع مجالا للشك، بأن التاريخ الإنساني لم يتقدم ـ كما بشّر دعاة الحداثة ـ بل تراجع إلى الوراء وبأن العقل سلاح ذو حدين وبخاصة لمن يسيئون استخدام إنجازاته المذهلة لأغراض تتنافى مع أخلاقيات الإنسان _ بمعناه الحقيقي الإنسان في العالم وليس كما بشرت به الحداثة باعتباره أمام العالم – لقد عمل عقل الحداثة الغربي على هدم الكثير من الأفكار والمقولات التي قامت بها ولها ومن أجلها الحداثة . لقد تم إنزال العقل من على عرشه – الذي شيدته الحداثة – من خلال أعمال مفكرين عِظام استشعروا الخطر المحدق بإنسانية الإنسان ،من جراء الاستخدام غير الإنساني لفتوحات العقل، التي حولت الإنسان عينه إلى مجرد شيء من ضمن الأشياء التي يتعامل معها العقل . وكانت الطامة الكبرى التي اطاحت بالعقل والعقلانية، باكتشاف منطقة اللاشعور من قِبل عالم النفس سيجموند فرويد ( 1856ـ1939م ) لقد عمل ذلك الاكتشاف على هدم التصور الفلسفي التقليدي عن الإنسان باعتباره كائنا عاقلاً ، وتأكيده على أن العقل لا يمثل الا الجزء الظاهر من قمة جبل الجليد وما خفيّ كان أعظم ، فالعقل لا يمثل الإنسان – الا كما تُمثّل أقلية في نظام ديمقراطي – وإنما اللاشعور هو من يفعل ذلك وهو الذي يُعبّر عن نفسه من خلال أحلام الإنسان وفلتات لسانه وزلات قلمه.
إن النقد الذي وجهه مفكرو ما بعد الحداثة للعقلانية لا يرمي إلى مجرد إصلاح للعقل، وليس مجرد ترميم للمشروع التنويري فقط ، وإنما هو نقد للفكر يقوم على تفكيك مشروع العقلانية برّمته لتعرية مقاصده المفخخة بالممارسات المعتمة والأليات اللامعقولة، وبالتالي تم هدم الركن الأول من أركان الحداثة الغربية ( العقلانية ) وسوف نتحدث في المقال القادم عن هدم بقية الأسس ومن أهمها النزعة الإنسانية .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رئيس الحكومة : الذكاء الإصطناعي لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر
زنقة 20 ا الرباط
أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أن إفريقيا لم يعد بإمكانها الاكتفاء بمتابعة التحولات الرقمية العالمية، بل بات من الضروري أن تصبح فاعلة ومبادرة من خلال المشاركة، والتفكير، والابتكار، وذلك خلال افتتاحه الرسمي لفعاليات معرض “جيتكس إفريقيا – المغرب 2025″، اليوم الإثنين بمراكش، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وشدّد رئيس الحكومة على أن هذا الحدث الرقمي البارز أصبح منصة قارية للابتكار وتلاقي الأفكار وتوحيد الجهود، مشيرًا إلى أنه ينعقد في لحظة مفصلية تتسم بتصاعد حضور الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة اليومية، وما يرافقه من تحولات عميقة تطال الاقتصاد، والحكامة، والسيادة، والشغل، والعدالة.
وأوضح رئيس الحكومة، أن هذا المعرض المتميز الذي نجح في أن يصبح القلب النابض للابتكار على صعيد قارتنا الإفريقية، ومنصة لتلاقح الأفكار ورسم الطموحات، والأهم من ذلك، أنه بات منصة لتوحيد الإرادات والجهود في هذا المجال.
وقال رئيس الحكومة، إن هذه النسخة من “جيتكس إفريقيا” تنعقد في سياق لحظة فارقة من تاريخنا المعاصر، والتي يمثلها تنامي حضور الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية.
كما يمثل كذلك، يضيف رئيس الحكومة، تحولا جذريا في جميع مناحي الحياة: في اقتصاداتنا، ومؤسساتنا، ومفاهيمنا الاجتماعية، ويطرح تساؤلات حول السيادة، والحكامة، والشغل، والعدالة، والديمقراطية، وغيرها.
واشار أخنوش إلى المملكة المغربية تنخرط بفعالية كبرى في المنتديات الدولية، للترافع من أجل ذكاء اصطناعي أخلاقي وشمولي ومنظّم، يحترم حقوق الإنسان ويحمي سرية المعلومات والبيانات الشخصية ويخدم الصالح العام، خاصة في ظل تنامي مجموعة من الممارسات المشينة، وعلى رأسها الهجومات السيبيرانية، وهذا ما يدفعنا اليوم للتفكير الجماعي في آليات تعزيز أمننا المعلوماتي، من أجل حماية منظوماتنا من هذه التصرفات غير الأخلاقية.
وخلال قمة العمل الأخيرة حول الذكاء الاصطناعي، أكد أخنوش أن المملكة المغربية عبرت عن موقف واضح، وأكدت أن: إفريقيا لا يمكن أن تظل مجرد حقل تجارب، بل يجب أن تكون فاعلاً ومقرراً ومنتجا.
وتابع أخنوش، أن المغرب اختار الرهان على الرقمنة منذ سنوات، وجعل منها أولوية وطنية بفضل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله. وهي التوجيهات التي شكلت بوصلة لإطلاق الاستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030”.
وهي الاستراتيجية، يشر المتحدث ذاته، التي ترتكز على دعامتين أساسيتين: تتمثل الأولى في خلق إدارة رقمية في خدمة المواطن والمقاولة. بينما تروم الدعامة الثانية خلق اقتصاد رقمي منتج للثروة ومحفز للابتكار وخلق فرص الشغل.
وبالموازاة مع ذلك أطلقت بلادنا عددا من الإصلاحات، يضيف أخنوش على غرار:
إبرام اتفاقيات مع شركات رقمية عالمية لتعزيز الرأس المال البشري الوطني وجذب الاستثمارات إطلاق آليات للتمويل تتلاءم مع الشركات الناشئة، وتعزيز عروض ترحيل الخدمات، خاصة في المجالات ذات القيمة المضافة العالية، ووضع إطار تنظيمي ملائم للابتكار، لاسيما تسهيل ولوج الشركات الناشئة إلى الصفقات العمومية في المستقبل.
وها نحن اليوم نتقدم بخطى واثقة، يشدد أخنوش، مُتسلحين بالتصميم والعزيمة والرؤية الواضحة لجعل التكنولوجيا الرقمية محركا للتحول العميق، ورافعة للقدرة التنافسية، وأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وقال أخنوش، إن إفريقيا لا يمكنها الاكتفاء بمتابعة الحركة العالمية، لكنها مدعوة لتكون فاعلة من خلال المشاركة والتفكير والابتكار، وما نحتاجه في هذا الإطار هو التعاون والاستثمار والاندماج.
وفي هذا الإطار، يشير رئيس الحكومة، على إفريقيا أن تشتغل على تطوير البنيات التحتية الرقمية، وربط العالم القروي بالإنترنيت، وتدريب المواهب في الذكاء الاصطناعي والبيانات.
وشدد بالقول: “هذا هو التوجه الذي ندافع عنه اليوم … لأننا نريد قارة لا تعاني من تأثير الثورات الرقمية، بل تسخرها وتقوم بتوجيهها لخدمة شعوبها.
وقال أخنوش إن “معرض جيتكس إفريقيا يشكل نقطة التقاء بين الحاضر والمستقبل، وأيضا واجهة للطاقات الإفريقية لتبادل الأفكار، وإرساء أسس التعاون في المجال الرقمي”.