تحديات جديدة.. القيود السورية تضيّق الخناق على مزارعي لبنان
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
من الحرب الإسرائيلية إلى التضييق الجديد، وُضِع مزارعو لبنان أمام مصيرهم، لناحية الإجراءات الجديدة التي فرضتها الإدارة السورية عليهم، إذ علم "لبنان24" أن أزمة خانقة تواجه القطاع الزراعي، خاصة بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا تصدير إنتاجهم إلى سوريا والأردن، عقب سقوط نظام بشار الأسد. المزارعون الذين كانوا يعتمدون على سوريا والاردن كمنفذ أساسي لتصريف منتجاتهم، باتوا اليوم أمام واقع مختلف تمامًا.
القيود الجديدة التي فُرضت على دخول البضائع اللبنانية، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية، أضافت أعباء ثقيلة على كاهل المزارعين الذين يعانون أساسًا من ارتفاع كلفة الإنتاج وضعف البنى التحتية الزراعية في لبنان. وفي ظل هذه الظروف، تواجه البلاد تحديًا مزدوجًا؛ فمن جهة، تفرض الأزمة الاقتصادية في لبنان نفسها على القطاع الزراعي الذي يشكل إحدى ركائز الاقتصاد المحلي لعدد كبير من المواطنين، ومن جهة أخرى، تأتي هذه الإجراءات السورية لتعمّق الجراح، وتهدد استمرارية عمل آلاف الأسر التي تعتمد على هذا القطاع.
وحسب المعلومات، فإنّ أزمات متلاحقة تلقاها هؤلاء منذ بدء الحرب، تجلّت في الدرجة الأولى باستهداف الأراضي الزراعية، بالاضافة إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمزروعات والمواسم الزراعية. وفي هذا الإطار، لفت أحد المزارعين لـ"لبنان24" إلى أنّ عملية البطش الإسرائيلي طالت المزارعين في نطاق النزاع كانت عبارة عن عملية إلحاق ضرر بهم لا أكثر، إذ لم يكن من وراء ضرباتهم أي أهداف عسكرية، مشيرًا إلى تعمد الإسرائيليين في مختلف المناطق استهداف أنظمة الطاقة الشمسية التي كان يستعملها المزارعون لتأمين ري أراضيهم، وأقل خسارة عند أصغر مزارع بخصوص الطاقة الشمسية تبدأ من 7000 دولار، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ إن العدد الأكبر منهم لم يعد لديهم المقدرة على الإصلاح، ما يعني أنهم يواجهون صعوبة كبيرة في ري أراضيهم، خاصة خلال المواسم الحالية.
أما على صعيد الاجراءات الجديدة بالنسبة إلى دخول الشاحنات اللبنانية إلى سوريا، فقد أكّد مصدرٌ أمني لـ"لبنان24" أنّ فحوصات غير عادية تخضع لها الشاحنات اللبنانية، مشيرًا إلى أنّ هناك شبه عرقلة من قبل الجانب السوري لمنع دخول هذه الشاحنات بالبضائع المحملة، إذ تمكث بعض الشاحنات بين 5 و 6 ساعات وهي تخضع للتفتيش أو الانتظار، وحسب المزارعين، فإن هذه الاستراتيجية تهدف في رسالة واضحة إلى دفع المزارع بالعودة إلى لبنان، وهذا ما يؤكّد عليه رئيس تجمع المزارعين والفلاحين ابراهيم ترشيشي، الذي أشار لـ"لبنان24" أنّه خلال الأسبوع الأول من استلام الإدارة الجديدة في سوريا مقاليد الحكم أقدمت على أخذ قرار بإلغاء كافة الضرائب، وكان التعامل معهم أكثر من إيجابيّ، إلا أنّه بعد اسبوع تفاجأنا بمعاودة فرض الضرائب، وباتت عمليات الاستيراد والتصدير صعبة جدًا، لافتًا إلى أنّ هذه الأمور يجب أن يتم البحث بها في أسرع وقت ممكن طالما أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد افتتح الزيارات بين لبنان وسوريا الجديدة.
وأكد رئيس تجمع المزارعين والفلاحين، إبراهيم ترشيشي، أن الأمور بدأت تأخذ منحى إيجابيًا، خاصة مع وصول رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى سدة الحكم. وأضاف ترشيشي أن هناك حاجة ملحة للعمل السريع والآني من قبل الدولة لإعادة بناء جسور الثقة وتعزيز العلاقات مع الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تمثل سوقًا أساسيًا للمنتجات الزراعية اللبنانية. وأشار ترشيشي إلى أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه تتمثل في إعادة فتح الأسواق التي أُغلقت بوجه المزارعين اللبنانيين، نتيجة أزمات سابقة وتوترات سياسية أثّرت على التبادل التجاري بين لبنان ودول الخليج. كما شدّد على أهمية فتح طريق "ترانزيت" من الأردن إلى بقية دول الخليج، وهو الممر الذي يشكل شريانًا رئيسيًا لتصدير المنتجات الزراعية اللبنانية. وأوضح أن هذا الطريق لا يزال مغلقًا منذ 27 نيسان 2021، ما تسبب في زيادة معاناة المزارعين وعطل صادراتهم، الأمر الذي انعكس سلبًا على الدورة الاقتصادية للقطاع الزراعي برمته. بالتوازي، شدّد ترشيشي على أنّ المزارعين في لبنان على استعدادٍ كامل للتعامل مع أي نظام قد يحكم في سوريا، لافتًا إلى أن تشديد أواصر العلاقات من شأنه أن يعطي دفعة لاقتصاد البلدين، خاصة على صعيد قطع يد التهريب في حال كان التنسيق بين الطرفين كما يجب، وعليه كلما ارتفع التركيز على ضبط المعابر فإنّ هذا الأمر يساهم في إدخال فقط البضائع التي يسمح لبنان بإستيرادها، ما يسمح بتصريف الإنتاج اللبناني، مؤكدًا أنّ القوى الأمنية ساهمت في الحدّ في مكان ما من تهريب البضائع إلى الداخل اللبناني، وتعمل على تنظيم المعابر أكثر وأكثر، آملين التمكن من قطع يد التهريب كليا.
على صعيد آخر، يعبر المعنيون في القطاع الزراعي عن استيائهم العميق من التباين الفاضح في الإجراءات المعتمدة بين الجانبين اللبناني والسوري. فبينما يتم تسهيل دخول الشاحنات السورية إلى الأراضي اللبنانية بإجراءات مبسطة وخفيفة، تواجه الشاحنات اللبنانية قيودًا صارمة وتعقيدات متعددة عند عبورها إلى الجانب السوري. ويؤكد المعنيون أن هذه المعاملة غير المتكافئة تؤثر سلبًا على المزارع اللبناني وعلى إنتاجه، الذي يعاني بالفعل من تحديات داخلية وخارجية. ففي ظل غياب أسواق خارجية لتصريف المنتجات اللبنانية، يشكل هذا الوضع عبئًا إضافيًا على المزارعين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين ارتفاع كلفة الإنتاج وصعوبة تصريفه، ما يهدد استمرارية عملهم.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر خبراء في مجال الأمن من أن تغيّر المناخ يمثل تهديدًا أمنيًا متزايدًا، مشددين على ضرورة ألا يُترك ليُصبح "نقطة ضعف استراتيجية"، وأن على الجيوش في العالم أن تتكيف مع التهديدات المتزايدة الناتجة عن الكوارث المناخية. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد القلق من تراجع الأولويات المناخية، خاصة مع تركيز أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها والملف البيئي. حسب ما أوردته شبكة فرانس 24.
تأثيرات مباشرة على الجيوش
وأشار الخبراء إلى أن الجيوش أصبحت بالفعل معرضة لتداعيات تغيّر المناخ، بدءًا من التعامل مع الكوارث الجوية وصولًا إلى المنافسة المتصاعدة في القطب الشمالي، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة. وأكدوا أن هذه التحديات لا يجب أن تتحول إلى "نقطة عمياء" في الاستراتيجيات العسكرية.
احتباس حراري يهدد الأمن القومي
وقد عبّرت عدة جهات دفاعية عن إدراكها المتزايد لهذه التهديدات، معتبرة أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا كبيرًا للأمن القومي، مما يتطلب من القوات المسلحة تكييف استراتيجياتها وعملياتها.
وقالت إيرين سيكورسكي، مديرة مركز المناخ والأمن في واشنطن: "هذا الأمر لا يمكن تجنبه. المناخ لا يعبأ بمن يكون الرئيس أو ما هي أهدافه السياسية الحالية". وأضافت: "التغيرات قادمة لا محالة، ويجب على الجيوش أن تكون جاهزة".
تجاهل أمريكي لقضية المناخ
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بحذفها من المواقع الرسمية، لم يتطرق آخر تقرير استخباراتي إلى التغير المناخي، ما أثار انتقادات حادة من المتخصصين.
وعلقت سيكورسكي على هذا قائلة إن هذه الفجوات الاستراتيجية تزداد خطورة، خاصة في ضوء التنافس مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، والسباق نحو السيطرة على القطب الشمالي مع انحسار الجليد وفتح ممرات الشحن الجديدة والوصول إلى الموارد.
وأضافت: "ما يقلقني، بوصفي عملت طويلًا في مجال الأمن القومي، هو أن هذا الإغفال يشكّل تهديدًا فعليًا للولايات المتحدة".
تهديدات مناخية تُقلق الأمن القومي الأوروبي
وفي أوروبا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى تسريع خطواتها نحو مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن خفض ميزانيات المساعدات الإنمائية مؤخرًا أثار تساؤلات بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تمويل المبادرات المناخية في ظل التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري والتجاري.
وفي ألمانيا، أقرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في وقت سابق من شهر مارس بالوضع الجيوسياسي "بالغ التعقيد"، لكنها شددت على أن العمل المناخي يظل "أولوية عليا في السياسة الأمنية". وأعلنت برلين عن خطط لإنفاق نحو نصف تريليون دولار على التحديث العسكري والبنية التحتية، بالإضافة إلى 100 مليار يورو مخصصة لإجراءات المناخ.
وفي تقييم مشترك صدر في فبراير عن وزارتي الخارجية والدفاع في ألمانيا، ورد أن "أي شخص يفكر في الأمن عليه أن يفكر أيضًا في المناخ، فنحن نعيش بالفعل في أزمة مناخية". وأشار التقييم إلى أن التحديات المناخية بدأت تؤثر على "مجموعة كاملة من المهام العسكرية"، مع تصاعد المخاطر مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وزيادة احتمالات النزاعات وعدم الاستقرار.
وفي بريطانيا، أوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع البريطانية في سبتمبر أن تأثير النشاط البشري على المناخ لا يزال يُحدث تداعيات واسعة النطاق، ويضغط على المجتمعات والاقتصادات، بل ويهدد بقاء بعض الدول.
استدعاء الجيوش في مواجهة الكوارث المناخية
وتشير بيانات مركز المناخ والأمن إلى أن الجيوش استُدعيت أكثر من 500 مرة منذ عام 2022 للاستجابة لحالات طوارئ مناخية حول العالم، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على قدراتها التشغيلية.
وذكرت سيكورسكي أن هناك محاولات من بعض الدول لـ"تسليح" الكوارث المناخية. فعلى سبيل المثال، تسببت الأمطار الغزيرة الناتجة عن العاصفة "بوريس" في فيضانات هائلة ببولندا العام الماضي، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإجلاء السكان. ورغم تدخل الجيش، أفادت الحكومة بارتفاع بنسبة 300% في المعلومات المضللة القادمة من روسيا، والتي استهدفت جهود الإغاثة.
وأضافت سيكورسكي أن الصين استخدمت أساليب مشابهة عقب فيضانات قاتلة ضربت فالنسيا في إسبانيا، حيث تدخلت القوات المسلحة للمساعدة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحترار العالمي يحمل آثارًا مباشرة على العمليات العسكرية، مثل التسبب في مخاطر صحية للجنود أو تقليص القدرة على نقل البضائع بالطائرات نتيجة تغيّر الكثافة الجوية.
غياب الشفافية حول الانبعاثات العسكرية
ولا تُلزم الجيوش حول العالم بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، ما يجعل تقدير تأثيرها الدقيق على التغير المناخي أمرًا صعبًا. ومع ذلك، قدر تقرير للاتحاد الأوروبي في 2024 أن البصمة الكربونية للقوات المسلحة عالميًا قد تصل إلى 5.5% من إجمالي الانبعاثات، في حين أشار التقرير ذاته إلى أن البنتاجون وحده ينتج انبعاثات تفوق تلك الصادرة عن دول بأكملها مثل البرتغال أو الدنمارك.
وأوضح الباحث دونكان ديبليدج من جامعة لوبورو، أن الجيوش كانت مدركة منذ عقود لمخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف بدأت منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. ووفقًا لدراسة تعود لعام 2019، فإن الجندي الأمريكي كان يستهلك خلال الحرب العالمية الثانية نحو جالون وقود يوميًا، فيما ارتفع هذا الرقم إلى 4 جالونات في حرب الخليج، وقفز إلى 16 جالونًا بحلول عام 2006 خلال العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وأكد التقرير الأوروبي أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يُمثل "نقاط ضعف كبيرة" أثناء المعارك، حيث تكون قوافل الوقود أهدافًا سهلة للعبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط نحو نصف القتلى الأمريكيين في العراق وقرابة 40% في أفغانستان.
ورغم إمكانية تقليل هذه المخاطر من خلال الطاقة المتجددة، إلا أن التقرير أقر بأنها "لا تزال غير ملائمة تمامًا لظروف القتال".
وختم ديبليدج بالقول إن التحول العالمي السريع في مجال الطاقة لتفادي "كارثة مناخية" سيشكل تحديات كبرى للجيوش، وسيطرح تساؤلات جدية بشأن استمرار استخدامها للوقود الأحفوري. وأضاف: "أيًا كان المسار الذي سنتخذه، لم يعد لدى الجيوش خيار سوى التأقلم مع واقع عالمي يختلف تمامًا عما عهدته حتى اليوم".