سودانايل:
2025-04-11@03:08:51 GMT

سودانيات مبداعات فيي المنفى

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

سودانيات مبداعات فيي المنفى

كتابات من أرض النزوح واللجوء:
*محمد اخوي*

بقلم
إسراء ام جود
جوبا
١٨ يناير ٢٠٢٥

في مثل اليوم وبالتحديد الثامن عشر من شهر يناير عام 2000 ولد اخي محمد عليه الرحمة والعتق من النار..
(ومن يكون مثل أخي ولكن
"أعزي النفس عنه بالتأسي
فلا والله لا انساك حتي
افارق مهجتي ويشق رمسي
فيا لهفي عليه ولهف امي
أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟!)

نحن الان من النازحين في جوبا.

كنا جالسين تحت ظل شجرة المانجو، نسري عن انفسنا بسرد القصص والذكريات، متناسين كل آلام الحرب في السودان الغالي بفنجان من القهوة والبخور السوداني وطعم وريحة جوبا وحنيننا الدائم للخرطوم. كنا كذلك الى ان اتت الينا من احد اقربائي دعوة لعقد زواج. وكانت تلك الدعوة لزواج خطيبة اخي المتوفي!
وعادت لنا تلك الذكريات بالتخلي والخذلان من تلك الشخصية الباهتة التي تخلت عنه في ظروف مرضه ووجعه وحوجتة اليها لدعمة معنويآ. اخي محمد الذي كان كالظل لها في كل فترة الخطوبة. والله مايستاهل المعاملة ذيك منها. تلك الدعوة المشئومة فتحت الجرح الذي أغلق من توه ووجدت نفسي أستعير (بتصرف) ما قالته الخنساء في رثاء اخيها صخر :
"يذكرني طلوع الشمس (محمدا)
واذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي"

كان اخي محمد في طفولته شقيا ، كثير الحوداث والاحداث كان طفل اصفر اللون بشعر بني يميل للتجعد، وكان جميل الملامح طويل القامة ، ولهذا كان دائمآ يعطى الانطباع ان عمره اكبر من عمره الحقيقي، بهي الطلة صاحب الابتسامة الساحرة جميل اللبس والطلة، ذكي في طفولته وفي شبابه ويعشق كل ما يتحرك ولديه عجلات، حتى انه درس كهرباء السيارات من شدة ولعه وشغفه بها. ذكريات طفولتنا معه لا تخلو من شقاوة الاطفال , لأنني كنت الأخت الاكبر دائما ما كنت احمله واوقعه في الارض دون علم امي والحمد لله لم يحدث ما هو سيء. وكان في صغره يتهرب من المدرسة ويختبئ لكي لا تضيع نومه الصباح. وبعد تفتيش طويل عليك في اركان المنزل نجدة مختبئا ,داخل غرفته تحت السرير او في اخر الرواق في المنزل ، وعنما يغضب من احد في المنزل كان يطلع في راس البيت ويرشقنا بالحجارة جميعاً، وكان لا يخاف لومة لائم , اذكر ذهابه الى كردفان مسقط رأسنا وهو صغيرا في السن, وهو لم يكن يعرف المكان او الناس . مغامرا بحب التعرف والاختلاط بالناس, ويتأقلم مع كل الاشخاص في مختلف البيئات في اسرع وقت.

كان جدي ابوعلي يقول عن محمد محمد اخي هو نفسه وهو خليفته وتكرارا له لانه يحمل كل صفاته وطباعه وجيناته الوراثية.
يختلف حب محمد لكل واحدآ فينا لكن حب أمي لمحمد يختلف كثيرآ كان ومازال المفضل لديها , وهو كان ونيسها وصديقها وحبيبها رغم صغر سنة , يعرف مفاتيح الدخول لقلبها وهو سر سعادتها وابتسامتها وحزنها , وكانت امي دائمآ ما تجد له المبررات والاعذار , وهو يعرف كيف يحتال عليها بكلمة* يمه * وهو رفيقها في كل المشاوير والطلعات الرسمية وغير الرسمية لانه كان يحب قيادة السيارات وخير جليس وونيس..
كان اخي يصغرني بستة اعوام رغم صغر سنه الا انه كان سندي وعضدي ، وحاضراً في كل مشاكلي , كان محب للحياة واثقاً من نفسه , لم يستهويه طيش الشباب ولا رعونته ، لم يدقق في هواتفنا ولا يناقش في محادثاتنا يثق بنا ثقه عمياء , لا يحب المال معطاء , وكل متعه في الحياة تكمن في قيادة السيارة كان كرجل رغم سنه يعتمد عليه..وفي شبابه حدث ما لم نكن نتوقعه، الا وهو إصابته بالحمى الخبيثة والتي تمكنت منه ومكث في المشفي مايقارب نصف عام وتعددت الادوية ليدخل في مشاكل صحية اخرى.

ونحمد الله على مرور المحنه. ويسترد عافيته لتبدا مرحلة الشباب بتقلباتها وصراعاتها واحداثها التي لا تنتهي من مرحلة إثبات الذات والتعلم والنضج ومرحلة التفكير في الزواج وإنشاء أسرة تمت خطبته علي احدى قريباتنا وكان اسعد يوم حياة الكل , يوم مليء بالزغاريت والفرح والمحبة ,اذكر ان قلب امي كان كقلب طفلة حينها , وفي يوم واحد شهر اربعه سنه ثلاث وعشرين , كان عيد ميلاد ابنتي جود التي اكملت عامها الثاني وكان اخر يوم للاحتفالات مع إخوتي في منزل أختي بالمعمورة وقامت هي وزوجها باعداد ليوم الميلاد بإحضارالكيك وكل مستلزمات الميلاد البالونات الملونة والتورته وكان لم شمل عائلي , وكنا نرقص ونغني كاننا نودع الايام السعيدة , ودخل علينا اخي محمد وهو متكي على عصى اخبرنا بان به شد عضلي والم خيف في رجله وسوف يكون بخير , ظننا انه وقع من سواقه الموتر او الدراجة، وذهب به زوج اختي للمشفي ليؤكد لنا ما اصابة شد عضلي خفيف.

في الخامس عشر من ابريل تندلع الحرب اللعينة لتغضي على الاخضر واليابس من فقدان الاموال والرواح ليذهب كل ما جمعناه خلف ادراك الرياح , لاننا كنا ننتقل من منزل لاخر خوفأ من النيران الي المناطق الامنة وسرعان ماتصبح تلك المناطق في جوف الخطر , تستمر اوزار الحرب وتتنوع اشكالها وتزداد الجرائم ضد الانسانية والانسان السوداني , لندخل في حاله كر وفر لكل الشعب السوداني , في تلك اللحظات كان اخي يتصارع مع المرض كا الجندي المجهول الذي لم يشكي او يتألم في تلك الفترة , ويزداد الالم حتى يمنعه من الحركة والمشي , وبالرغم من ذلك لم يستسلم بل كان يقود لنا العربية في ظل الحرب وهو مريض , وحتى عنما نذهب الي الشبكه لإستخدام الإنترنت وكانت تلك الوسيلة الوحيدة للتواصل واستخدام الانترنت كان المشهد مرعباً ونحن في يقين تام بان يتم قتلنا عن طريق مسيارات او طيران اوطلقة طائشه من احد الجنود

عنما جئت من نزوحي الاول من سنار التي سقطت في ايدي الدعم السريع ذهب اخي محمد واختي لاحضاري من نصف المسافه وهو يقود العربية بالرغم من تمكن المرض منه وضعفه الى انه ظل في الطريق يومان من اجل احضاري , وبالرغم من ضرب الطيران للطريق الى اننا الحمدلله تمكنا من عبوره لانه مثل رقعه في قماش بها ثقوب عن يميني وعن شمالي الخزان. الحمدلله الذي نجانا,
وبعد مجيئي باسبوع يكتب الله لمحمد وعمر اخي الصغير وابي السفر للقاهرة استلقي محمد العلاج وسبحان الله الذي سخر لنا هذه لتتم رحلة العلاج والاستشفاء من المرض وبعدها بثلاث اشهر. شاء الله ان تقبض روحة لترجع الي ربها راضية مرضيه.
وقدر الله لنا ان نفترق في هذه الدنيا الفانية ولكن لنا لقاء في الدار الاخرة بإذن الله. واذكر اني اتصلت عليه يوم الاثنين وحينها قال لي ." بخير يا اسراء" وتوفى اليوم التالي مباشرة , كان حامداً شاكراً لله عز وجل ونحن نحمده سبحانه وتعالى ونشكرة على جميع فضله ونعمه التي لا تحصى..
*لنا رفاقا غاب طيفهم ولكن في القلب مسكنهم ومرساهم*..
ربي نسألك الرحمة والمغفرة والعتق من النار لكل السودانين الذين فارقونا في سنوات البؤس والشؤم , والعار والخزي على من اشعل تلك الحرب اللعينه لتضع السودان الحبيب في كف عفريت. من قتل وتشرد ونزوح ودمار للمال والممتلكات والعرض والشرف وتضيع كل الاماني ويضيع السودان..

osmanyousif1@icloud.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اخی محمد

إقرأ أيضاً:

ولد الهدى فالكائنات ضياء

ولد الهدى فالكائنات ضياء
السنباطي وأم كلثوم أم محمد وردي ومحمد الأمين
د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي

أتواصل مع أحد الأصدقاء من أقاربي وإن باعدتنا عقود السنوات المتراكمة تقربنا الوسائط الإلكترونية رغم بعد المسافات واختلاف المناخ جغرافيا ومجتمعيا. قبل يومين وبعدما أسدل الليل أستاره وهدأت الشوارع من الضوضاء وبعد الإستراحة النفسية مستمتعا بصحة كوكب الشرق رحمها الله وهي تنشد من شعر أمير الشعراء شوقي رحمه الله " ولد الهدى فالكائنات ضياء " قمت بإهدائها رغم فرق الزمن لهذا الصديق العزيز لعل نور من السماء ينير جوانحه ويبدد ظلمات نفسه وقد طال زمن غربته قدرا مكتوباً عليه، ثم جاءت الحرب اللعينة فدمرت كل شيء وبعثرت الناس أشتاتا أشتاتا، من ضمنهم أهلي وأهله بل جل مواطني السودان . بعد يوم من إستلام رسالتي كان الآتي تفاعله من غير تصرف
" تحياتي اخي الحبيب د. عبد المنعم
القصيدة لا شك من روائع امير الشعراء احمد شوقي،
لكن السنباطي اضاع القصيدة و اضاع صوت السيدة، بلحن رتيب ممل و جمل موسيقية مكررة تقاصرت عن مستوى الكلمات و صوت ام كلثوم على الرغم من ان القصيدة سهلة التلحين لأن حرف الروي واحد و أرى ان السنباطي عجز ان يضع لها لحنا يناسبها!!! ترى كيف كان لحنها سيكون لو وضعه محمد وردي او محمد الامين
أقول ما قلت و لي اكثر من ٣٥٠ لحنا خاصة بي و اتذوق الألحان بأذن ناقدة و لا ادري هل تتفق معي ام لا؟ "

بعثت له بهذا الشكل:
سلام وأطيب التحيات عطراً يضمخ جوانحك
أولاً سررت بأنك تلحن وتدندن، فأنت إذاً شاعر وفنان ذو مشاعر رقيقة وراقية. تهانينا، لم أكن أعلم كل ذلك
ثانيا تعليقك على تلحين رياض السنباطي هو رأيك الشخصي وأحترمه ، "ولولا إختلاف الأنظار لبارت السلع".
دعني أقول إن التلحين في الإنشاد الديني قد يختلف عن الغنائي وإن صحبته الموسيقى الآلية . إدخال ألحان الأغاني السودانية على أداء المدائح أفسد رونقها وتجليها وعلى أثرها الروحي فتحولت إلى شبه أغنيات راقصة، يرقص على ضربات دفها الشيب والشباب فيفتقدون الغور للتفكر في معانيها ومتعتها الخالصة . السنباطي رحمة الله عليه أستاذ لا يبارى في دنيا التلحين صقلته كذلك موهبة إلهية وتلحين الأطلال بعينه الذي كتب له الله منفرداً الخلود قمة الروعة والجمال وبصمة تاريخية لن تتكرر خاصة توالفه مع أداء كوكب الشرق أم كلثوم رحمها الله. له أيضا من شعر الإنشاد الديني رائعتين أجاد تلحينهما " القلب يعشق كل جميل ورباعيات الخيام، ترجمة أحمد رامي، سمعت صوتا هاتفاً في السحر" لا أمل الإستماع لهما وأسرح مع الكلمات واللحن وصوت أم كلثوم ساعتها تسمو بروحي الأفكار والخواطر والشجون ، تنقلني إلي عوالم فوق تخوم المجرات أسبح فيها وروحي تنشد لقيا وصحبة حبيبنا رسولنا وهادينا وهو على البراق "يا الله من الإعجاز " يغزو بردا وسلاما الفضاء عبر المسافات "ملايين السنوات الضوئية "، من غير خوذة ووقاء ، بل يعبر كل المتاريس ومعضلات تجاوز السموات ومجراتها بإنفجاراتها الكونية الحارقة وثقوبها السوداء التي من جبروتها تبتلع الكواكب والنجوم وإن كبرت ثم يعود سالما من معراجه التأريخي وإعجازي . يا سلام على قدرة وعظمة الله، شيء عظيم وعجيب
أما أم كلثوم في الفردوس يا رب لا أخفيك عشقي للإستماع لها منذ كنت في المدرسة المتوسطة وكنت أتابع حفلاتها الشتوية على الهواء مباشرة من الإذاعات المصرية وأنا في بربر الثانوية صرت أكثر عشقا وتفهما لكلمات وألحان أغانيها الخالدة خاصة على سبيل المثال " فكروني وهذه ليلتي والأطلال " كانت قمة روعة التطريب وإلي يومنا هذا لا أظل مفتونا بهذا التنوع الراقي من ما خلفته كوكب الشرق . عندما شاء الله أن أستقر هونا طالبا في كلية طب بغداد كان يوجد مقهى كوكب الشرق في يمين بداية شارع الرشيد وانت داخلاً متجها شمالا من ناحية ساحة الميدان. المقهى كان فقط للإستماع لأغاني أم كلثوم وشرب الشاي العراقي المشهور بنقاء لونه الأحمر الصافي (القهوة والسندوتشات لم تكن معروفة لدى الجمهور العراقي ذلك الوقت قبل الغزو الأميركي). كان الناس يجلسون للإستماع في هدوء كأن على رؤوسهم الطير. كنت هناك أهوى الاستماع للقلب يعشق كل جميل. وكم هو جميل حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وكم هو قبره لجميل ومدينته جميلة وسيرته أجمل.

رجوعا إلى إختلاف التلحين بطريقة إنشاد أدب المدائح ستلاحظ التنوع والإختلاف في تلحين الأغاني إذا اعتبرت مقارنا لحن وأداء القصيدة المعنية نفسها عندما ينشدها العراقي الشيخ وليد إبراهيم (أرجو أن تستمع له على اليوتيوب".أستاذنا للغة العربية أحمد عبدالجبار كان ينشدها مجيداً على النهج السوداني عندما يقضي وقتا من إجازة المدارس في العاصمة بمنزل »شقيقنا شيخ مجذوب. رحمهما الله

أما محمد وردي والأمين وإن كانا لونان ومدرستان فنيتان معروفتان في أفريقيا وغيرها لا يمكن وضعهما في كفة الميزان مع رياض السنباطي. ليس تقليلاً لمكانتهما على الساحة الفنية وتأثيرهما و بصماتهما الفنية في التأليف الموسيقي لكن لإختلافي معك في ما تفضلت به ، فمثلا محمد وردي حاول كل حياته الفنية تلحين وإنشاد قصيدة واحدة وهي للشاعر المرحوم محمد المكي إبراهيم "مدينتك الهدى والنور، مدينتك القباب ودمعة التقوى ووجه النور" ولم تنتشر . ربنا يرحمهما ويغفر لهما ويسكنهما الفردوس الأعلى .

على كل حال ذلك الجيل من نجوم الشعراء والفنانين لا أعتقد أنه سيتكرر مرة أخرى. وإن كان لكل زمان نجوماً ذات دورات خاصة تظهر فيها ثم تختفي فهناك نجوم ثابتة مثل المريخ وعطارد وزحل وغيرها ثابتة يشع نورها من غير إنقطاع يبدد ظلام السماء الموحش. فوحشية وحشة الحياة التي تخيم على عالمنا اليوم وتأثر سلبياتها على سلوكنا وتعاملنا وعلى حياتنا بمختلف ألوانها نجد السلوى في العلاج بصحبة تلك الأنجم المضيئة التي لا تختفي
تحياتي لقد أطلت عليك فأنا في عطلة يتسع المجال فيها للتأمل والتفكير
شكرا
عبدالمنعم

الشيخ وليد ابراهيم رحمه الله على اليوتيوب " ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء "
https://youtu.be/WWQZjUhfqko?si=Y_Lf3N3DUXytKDl8

aa76@me.com

   

مقالات مشابهة

  • متحدث الزمالك: نعتذر لجماهيرنا.. وكان هناك جدية لتجديد عقد زيزو
  • تشكيل الإسماعيلي لمواجهة الاتحاد السكندري بالدوري
  • أمنستي تتهم الدعم السريع بممارسة الاغتصاب والاستعباد الجنسي ضد سودانيات
  • عبدالرحيم علي يعزي الزميل محمد الدوي في وفاة خاله
  • المجني عليه بمشاجرة المعادي: السائق رفع عليا سيف وكان هيقطع إيدي
  • بلاد لا تشبه الأحلام لبشير البكر.. سيرة المنفى السوري
  • أطفال من غزة يروون قصص نجاتهم من بين فكي الموت
  • ياسر ريان: زيزو لاعب ذكي وكان يستهدف المشاركة في مونديال الأندية مع الأهلي
  • سبّاك وكان مروّح من شغله.. تفاصيل دهـ.ـس ابن الفنان محسن منصور لشاب في أكتوبر
  • ولد الهدى فالكائنات ضياء