سواليف:
2025-01-27@03:39:18 GMT

صندوق الأمل

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

صندوق الأمل

سعيد ذياب سليم

كان حلم البنات ومَخبأ آمالهن، تقتنيه الفتاة المقبلة على الزواج، تضع فيه ما تحتاجه في حياتها المستقبلية.

صندوق خشبي مصنوع من شجر الأرز أو الجوز أو البلوط، مزين غطاؤه بأشكال نباتية وغزلان تقفز وشخصيات أسطورية.

مقالات ذات صلة شمال غزّة منسوف سكنيا 2025/01/24

فإذا فتحته ورفعت غطاءه فاحت رائحة خشبه المميزة، وهمست لك الذكريات حكاياتها، وروت لك كل قطعة قصتها، من أهدى لها ملابسها الحريرية، من حاك منسوجاتها الرقيقة، مفارشها المطرزة يدويًا، أغطية السرير، أقمشة قطنية، أدوات للمطبخ، أطقم السُفرة الفاخرة المزينة بالورود، الأكواب والفناجين والفضيات المنوعة.

كانت الأسر قديمًا تُعِد ما تحتاج له الفتاة في حياتها الزوجية، من بداية سن المراهقة، يقدم لها أفراد أسرتها الكبيرة الهدايا، وربما قامت أمها أو جدتها بتعليمها طرق التطريز ومساعدتها في إتمام منسوجاتها، وهمست لها أمها بأسرار الحياة وآدابها في مجتمع تقليدي محافظ.

ويبقى الصندوق قطعة فنية تفخر بها الفتاة التي أصبحت سيدة البيت، تحفظ فيه عطورها وزينتها، وملابس أطفالها، وأغطيتهم الناعمة.

ليُصْبح كبسولة زمنية يقف أمامه الابن ثم الحفيد، تلمسه يداه ، يعبث بمحتوياته التي اصفرت مع الزمن، يتصور الأم والجدة وجدتها تحيك القطع المطرزة، قطع أثرية، رسائل من زمن مضى.

صندوق الأمل، تجده في مجتمعات وثقافات مختلفة، كان يرافق العرائس في مجتمعاتنا قديمًا، كجزء من مهرهن، يسمى صندوق العروس، و ربما ما يزال يقبع في أحد زوايا غرف جداتنا حتى اليوم، يشاركهن طقوس الذكرى ويحتفظ لهن بزجاجة عطر فيها قطرات من زمن مضى، أوعية بخور وحناء حجازية، ومكحلة مزدانة بحجار كريمة، ومرود كحل.

سفينة الأمل هذه قد تضل طريقها في بحر الحياة المتلاطم، يخرج العريس في سفر بعيد، ولا يعود، تشتعل الحرب وتقتل في طريقها الحب والسلام، وتحتفظ الفتاة بالوعد الذي لم يتحقق. ويصبح صندوقها نبعًا للدمع والألم، تحتفظ به دهرا، ثم إذا انتقل إلى جيل تال أصبح نذير شؤم، وكثيرة هي القصص التي احتفظ لنا بها التاريخ، من هاجر، ومن قُتل ومن غيّبَته الظنون.
تطورت فكرة صندوق الأمل هذا، وكبر طائر الأمل وامتد جناحاه، وأصبح من الصعب أن تحبسه في صندوق، ودفعته الضرورات المعاصرة ليُحَلِّق بعيدًا حاملًا الفتاة على ظهره، فلم تعد تكتفي بمفرش مطرز، ولم تعد ترضى بطقم خزف صيني، وباتت حريصة على حريتها الفكرية ومعتقداتها وحصولها على حقوقها في كل مجالات الحياة.
في عصرنا الحالي، لم تعد فكرة تجهيز العروس تقتصر على الصندوق الخشبي، بل تطورت لتتخذ أشكالًا اجتماعية حديثة، منها ما يسمى “حفلة الزفاف الاستباقية” Wedding Shower،حيث تجتمع الصديقات وأفراد الأسرة المقربون لتقديم أدوات المائدة والهدايا المنزلية للعروس في أجواء احتفالية مبهجة. يمثل هذا التقليد الحديث دعمًا جماعيًا للعروس في بدايتها الجديدة، ويبرز قيمة التعاون والمشاركة الاجتماعية. يمكن النظر إلى هذه الفكرة كنسخة عصرية من “صندوق الأمل”، لكنها تحمل طابعًا اجتماعيًا أكثر انفتاحًا، حيث تسهم الدائرة الاجتماعية للعروس في تجهيز منزلها، مما يخفف الأعباء عنها وعن أسرتها ويضفي لمسة جماعية دافئة على تجهيزاتها.
كتبت كريستين هانا في روايتها النساء تصف بطلتها فرانكي، التي كانت تعمل ممرضة في ميدان القتال، على أطراف الغابة في فيتنام، تعالج الجرحى من الجيش الأمريكي، والمدنيين الفيتناميين. أمسكت يد كثير من الشباب الأمريكي وهم يحتضرون، ووقفت حائرة يعتصرها الألم أمام جثامين النساء والأطفال التي أحرقتها قنابل “النابالم.” عادت لتقف في غرفتها وتصف ما تراه:

في نهاية السرير كان يوجد صندوق أمل، مملوء بمفارش المائدة المطوية والمكوية بشكل مثالي، والبياضات الإيطالية، والأغطية المطرزة. بدأت أمي بملء هذا الصندوق عندما كانت فرانكي في الثامنة من عمرها. في كل عيد ميلاد لها وكريسماس، كانت فرانكي تتلقى شيئًا لصندوق الأمل الخاص بها. وكانت الرسالة آنذاك – والآن – واضحة: الزواج يجعل المرأة كاملة وسعيدة.
مرة أخرى. كان من أجل الفتاة التي غادرت إلى فيتنام، وليس من أجل المرأة التي عادت إلى الوطن، أيًا كانت تلك المرأة، وكيف أصبحت.
لكن فتاتنا ما زالت في مجتمعاتنا العربية، قلب الأسرة، وإحساسها النابض، تؤمّن لها الأسرة أساسيات الحياة وخاصة التعليم وحرية الاختيار، لتبدأ حياتها بثقة.

ما زالت –أيضًا– بعض الأسر في دول الشرق الأوسط، تقتني لبناتها الأجهزة والأدوات المنزلية، منذ سنوات طفولتها الأولى، خاصة في الدول التي تتحمل فيها العروس جزءًا من التجهيز لبيت الزوجية.
لكننا في مجتمعاتنا الشرق أوسطية نواجه تحديات مستمرة، من مشاكل اقتصادية وضغوط دولية، إلى أطماع بثرواتنا الطبيعية وموقعنا الاستراتيجي. ورغم كل ذلك، فإننا نتمسك بحلم بناء مستقبل آمن لأبنائنا وبناتنا. صندوق الأمل لم يعد مجرد قطعة أثرية من الماضي، بل رمزًا لاستمرار الكفاح من أجل حقوق المرأة وحرية اختيارها. علينا أن نوازن بين حماية تقاليدنا والحرص على أن تكون أجيالنا القادمة قادرة على مواجهة العالم بثقة، ليس من خلال السلاح وحده، بل بالعلم والوعي والعمل المشترك من أجل غد أكثر إشراقًا.
ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يبقى التغيير في دور المرأة ضرورة ملحة، ليس فقط لتحررها من قيود التبعية التي جسدها الصندوق يومًا كرمز لحياتها الموجهة نحو الرجل، بل لتحرر المجتمع بأكمله من القيود التي فرضتها تلك التقاليد. فالتحرر لا يعني التخلي عن التكامل، بل إعادة تعريفه ليقوم على المشاركة الحقيقية والانسجام بين الطرفين، حيث تصبح المرأة شريكة متساوية تسهم في بناء مستقبل أكثر عدلًا وانفتاحًا.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: صندوق الأمل من أجل

إقرأ أيضاً:

وزير الإسكان: إجراء القرعة العاشرة على الأراضي التي تم توفيق أوضاعها بمنطقة الأمل بالعبور الجديدة



أعلن المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أنه تم إجراء القرعة العلنية العاشرة لتسكين وتسليم إخطارات تخصيص الأراضي للمواطنين الذين قاموا بسداد المقدمات المطلوبة للأراضي التي تم توفيق أوضاعهم بها حتى يوم الخميس 21 نوفمبر 2024 في نطاق منطقة الأمل "سابقًا" بمدينة العبور الجديدة.

ولفت وزير الإسكان إلى أن هذا الإجراء يُسهم في دفع عجلة التنمية العمرانية وفقًا لرؤية الدولة الهادفة إلى تنظيم الملكيات وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق العمرانية المضافة لعددٍ من المدن الجديدة، حيث تم إجراء القرعة العاشرة بمنطقة الأمل بمدينة العبور الجديدة ضمن شرائح المساحات التي تشمل (209م² - 276م² - 350م² - 400م² - 450م² - 500م²)، وذلك بهدف تعزيز حقوق المواطنين وتحقيق الاستقرار العقاري.

وقد حضر مراسم إجراء القرعة، كل من المحاسب/إيهاب المراكبي، مساعد نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع الشئون العقارية والتجارية، والمستشار/محمد طلعت الصيفي، ممثل مجلس الدولة، والمحاسب/ محمد خيري معروف معاون نائب رئيس الهيئة لقطاع الشئون العقارية والتجارية، والدكتور مهندس أحمد إسماعيل، رئيس جهاز تنمية مدينة العبور الجديدة، وعدد من مسئولي الهيئة والجهاز.

وأشار الدكتور مهندس أحمد إسماعيل، إلى أن ذلك يأتي في إطار تكثيف الجهود وتسريع إجراءات تقنين الأراضي بمدينة العبور الجديدة لحماية حقوق المواطنين وضمان الاستقرار العقاري في المدينة.
وأكد الدكتور مهندس أحمد إسماعيل جبر، أن جهاز المدينة يعمل على تبسيط وتسريع الإجراءات الإدارية لملف التقنين مما يتيح الاستفادة من الممتلكات بشكل قانوني وآمن وزيادة فرص الاستثمار العقاري، مؤكدًا أن القرعة حققت نجاحًا كبيرًا بفضل تعاون المواطنين مع الجهاز، وهذا النجاح يؤكد أهمية الشراكة المجتمعية في تحقيق التنمية.


واختتمت فعاليات القرعة بتسليم 701 إخطار تخصيص للمواطنين الفائزين، بجانب التأكيد على مواصلة الجهود لتحقيق الاستقرار العقاري وتسهيل إجراءات تقنين الأراضي بما يضمن حقوق المواطنين ويعزز مناخ الاستثمار والتنمية.
من جانبهم أعرب المواطنون عن رضاهم عن عملية القرعة مشيدين بالتنظيم الجيد والشفافية وسهولة الإجراءات التي تم بها استلام إخطارات التخصيص في أجواء تملؤها السعادة.

مقالات مشابهة

  • قافلة الأمل.. صندوق تحيا مصر يحمل رسائل التضامن ويد العون إلى غزة
  • ندوات تثقيفية عن التمكين الاقتصادي والزواج العرفى لعضوات نادي الفتاة بالشرقية
  • «العمل»: 2.3 مليار جنيه دعمًا من صندوق إعانات الطوارئ لـ425 ألف عامل
  • وزير العمل يترأس مجلس إدارة صندوق إعانات الطوارئ للعمال
  • صندوق إعانات الطوارئ: 300 ألف جنيه دعمًا لنحو نصف مليون عامل
  • عدلي حسين: قضايا المرأة كانت أولوية طول فترة عملي
  • صندوق التنمية الحضرية يسلم المرحلة الأولى من «دارة» خلال النصف الأول من 2025
  • وزير الإسكان: إجراء القرعة العاشرة على الأراضي التي تم توفيق أوضاعها بمنطقة الأمل بالعبور الجديدة
  • صندوق النقد: الإمارات ستحافظ على نمو اقتصادي قوّي في 2025