منشأة اقتصادية ونقطة لوجستية.. ما أهمية سيطرة الجيش على مصفاة الخرطوم؟
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
الخرطوم- بعد معارك استمرت شهورا، أعاد الجيش السوداني اليوم السبت السيطرة على مصفاة الخرطوم لتكرير النفط في شمال العاصمة، في خطوة عدّها خبراء تحولا جديدا في مسار العمليات من شأنه أن يعجّل بإكمال تحرير مناطق الخرطوم بحري وشرق النيل، وعزل قوات الدعم السريع في شريط محدود.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مصفاة الخرطوم للنفط بعد أيام من بدء الحرب، لكن المصفاة ظلت تعمل حتى توقفت عن الإنتاج في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقع المصفاة في منطقة الجيلي على بعد 70 كيلومترا شمالي العاصمة، وأُسّست في عام 1997 وبدأ تشغيلها في عام 2000 بالشراكة بين وزارة الطاقة السودانية والشركة الوطنية للبترول الصينية قبل أن تؤول إلى الوزارة لاحقا، وبلغت كلفة إنشائها أكثر من مليار دولار.
وقال مسؤول عسكري، للجزيرة نت، إن قوات الدعم السريع لم تسيطر على مصفاة الخرطوم بالقتال بل كانت ضمن القوة التي تحرسها، وكان بالمصفاة عدد محدود من الجنود غدرت بهم قوات الدعم السريع.
ويوضح المسؤول العسكري أن منطقة مصفاة الخرطوم، التي تبعد عن ضاحية الجيلي نحو 20 كيلومترا، تقع في مساحة 40 كيلو مترا من المناطق المهمة عسكريا.
وحسب المسؤول، فإن المنطقة المحيطة بالمصفاة تشمل منطقة قري الحرة، والتصنيع الحربي، وقاعدة هيئة العمليات للتدريب التابعة لجهاز المخابرات، ومحطة قري الغازية لتوليد الكهرباء، بجانب تلال جبلية.
خريطة تقريبية للسيطرة على الخرطوم (الجزيرة) قاعدة إمدادويكشف المسؤول العسكري أن المصفاة منحت قوات الدعم السريع ميزة لوجستية، كما استغلت المرافق المحصنة ومخازن للأسلحة وقواعد للإمداد والتموين، وأنشأت منظومة اتصال وسيطرة، ونصبت مرصد مراقبة ومنصة لإطلاق الطائرات المسيرة نحو ولاية نهر النيل المتاخمة لها.
إعلانوتجنب الجيش استخدام الطيران والقصف المدفعي لضمان سلامة المصفاة وبنيتها ومرافقها الفنية، واستخدم تكتيكات متكاملة شملت الحصار وقطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع حتى أضعف قدراتها واستنزفها قبل أن يعيد السيطرة عليها، وفقا للمسؤول العسكري.
وأعلن رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، خلال لقائه تنسيقية أبناء قبيلة الزريقات في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، أن 70% من قوات الدعم السريع المتمركزة في مصفاة الجيلي للنفط بالخرطوم مرتزقة أجانب. وقال إن "التمرد استعان بعدد كبير من المرتزقة من الخارج".
ويكشف مسؤول أمني -للجزيرة نت- أن "المرتزقة في مصفاة الخرطوم من جنسيات تشادية وليبية وسورية وجنسيات أخرى"، وقد استسلم عناصر من قبائل التبو الليبية للجيش يوم الجمعة بعد محاصرتهم في المصفاة.
ويقول المسؤول الأمني إن القوة التي دخلت المصفاة وجدت أسرى ومحتجزين في حالة سيئة، وأغلبهم مدنيون كانت تعتقلهم قوات الدعم السريع.
من جانبه، يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد جمال الشهيد أن سيطرة الجيش على مصفاة الخرطوم انتصار عسكري واقتصادي حيث كانت تستغلها قوات الدعم السريع لإمداد مركباتها القتالية في ولاية الخرطوم ثم ولايتي الجزيرة وسنار، بجانب بيع المحروقات للمواطنين حتى بعد توقفها عن الإنتاج لوجود مستودعات ضخمة كانت معبأة بالمشتقات مما وفر لها موارد مالية كبيرة.
تحول عسكري
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الخبير العسكري إن استعادة المصفاة لا يعني تحرير منشأة اقتصادية، بل تحوّل عسكري يؤمن ولاية نهر النيل المتاخمة للمنطقة من أي تهديد محتمل بعدما كانت قوات الدعم السريع تنتشر في قرى بالولاية في محيط منطقة المصفاة، وتحرمها من نقطة ارتكاز لوجستية مهمة.
ويأتي هذا التحول متزامنًا مع التحام قوات أم درمان مع سلاح الإشارة في الخرطوم بحري ومقر القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم، مما يعجل بتحرير أغلب مناطق العاصمة خلال فترة وجيزة بعد تقطيع أوصال قوات الدعم السريع وعزلها في جيوب صغيرة محاصرة، حسب الخبير العسكري.
إعلانوشهدت مراحل القتال المختلفة احتراق أجزاء من مصفاة الخرطوم ووحداتها ومرافقها، بجانب خسائر لشركات النفط باحتراق مستودعات في خارج المصفاة كانت معبأة بالمشتقات.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم إبراهيم أونور إن كلفة إنشاء المصفاة نحو مليار دولار، وتنتج 100 ألف برميل يوميا، وإذا تأكد دمارها فإن ذلك يعني خسارة السودان صرحا اقتصاديا لا تقتصر أهميته في أصوله الثابتة، بل تمتد تداعياته السلبية إلى توفير المشتقات النفطية للاستهلاك من السوق الخارجية.
خسائر اقتصادية
ويوضح أونور، في منشور له، أن التكلفة الاقتصادية للمصفاة تشمل قيمة الأصول الثابتة بسعر اليوم بالإضافة إلى كلفة استيراد المشتقات التي كانت توفرها المصفاة، بجانب سعر الفائدة في حال الحصول على قرض تجاري لتمويل المشروعات، والفترة الزمنية لإنشاء مصفاة بديلة. وقدر أن خسارة تدمير المصفاة بين 5 و8 مليارات دولار.
ودعا الأستاذ الجامعي الحكومة إلى تشكيل لجان لحصر وتقدير التكاليف الاقتصادية لمنشآت البنية التحتية التي دمّرت خلال الحرب للوصول إلى الكلفة الاقتصادية بدلا من التركيز فقط على الكلفة الإنشائية توطئة لرفع قضايا تعويض في المحاكم الدولية ضد الدول التي تموّل الحرب.
وتعد مصفاة الخرطوم من أكبر المصافي في السودان، وترتبط بخط أنابيب للتصدير بميناء بشائر على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان بطول 1610 كيلومترات.
كذلك ترتبط بآبار النفط في ولايات غرب وجنوب كردفان، لكن قوات الدعم السريع سيطرت على عدد من الحقول في هذه الولايات، بينها حقل بليلة في ولاية غرب كردفان.
وتبلغ طاقة المصفاة اليومية 10 آلاف طن من الغازولين و4500 طن بنزين و8 آلاف طن من غاز الطهو، وتعادل 55% من احتياجات السودان، ويتم سد الفجوة عبر الاستيراد.
ورغم سيطرة قوات الدعم السريع على المصفاة منذ الأيام الأولى للحرب، فإن الإنتاج توقف في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد تراجع إنتاج الخام، وإيقاف القوات ضخ المشتقات عبر الأنابيب إلى ولاية الجزيرة وبورتسودان في ولاية البحر الأحمر باعتبار أن الحكومة هي المستفيدة من ذلك.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات على مصفاة الخرطوم قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت تكشف أسرار فك حصار قيادة الجيش بالخرطوم والسيطرة على المصفاة
حقق الجيش السوداني قفزة كبيرة، أمس الجمعة واليوم السبت، بفكه الحصار المستمر منذ أكثر من عام ونصف العام عن مقر قيادته العامة بالخرطوم، ثم باستيلائه على مصفاة النفط في الجيلي شمالي الخرطوم بحري.
وعدّ خبراء إستراتيجيون هذا التطور لحظة حاسمة في عمر الحرب التي تدور بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ ما يقارب العامين.
تحدّث الزميل عبد الباقي الظافر، المنتج في مكتب الجزيرة بالخرطوم، إلى عدد من العسكريين والخبراء والقريبين من هذه التطورات، ويكشف في التقرير التالي أسرار وتفاصيل هذا التطور العسكري الضخم في مجريات الحرب في السودان.
صور أقمار صناعية تظهر تصاعد ألسنة اللهب والدخان من مصفاة الجيلي بالخرطوم موعد مع التاريخعند الخامسة مساء بتوقيت السودان اكتملت حلقة من التخطيط المحكم من قيادة الجيش السوداني حيث تمكنت الجيوش القادمة من ناحية الشمال والمكونة من 3 قوى عسكرية:
الأولى من قيادة الأسلحة بمنطقة الكدرو بالخرطوم بحري. والثانية القادمة من منطقة وادي سيدنا شمالي أم درمان. والثالثة من سلاح المهندسين بجنوب أم درمان، التقت بقوات سلاح الإشارة في جنوب الخرطوم بحري والمرتبطة من الناحية الجنوبية بالقيادة العامة للجيش السوداني عبر جسر النيل الأزرق.جاء هذا التقدم بعد نحو عام و9 أشهر، ولهذا كان الاحتفاء به كبيرا وبحضور القائد العام للجيش السوداني وكبار القادة العسكريين. ويشير مراقبون إلى أن أهمية هذه الخطوة في أنها تفك حصار قيادة الجيش السوداني حيث يوجد أعضاء هيئة الأركان وكبار القادة منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023.
إعلان الدعم السريع لا يصدقمنذ لحظة خروج تسريبات التحام الجيوش السودانية في مدينة الخرطوم بحري، التزمت قوات الدعم السريع الصمت لبعض الوقت حتى خرجت تغريدة على منصة "إكس" من الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع، والذي وصف الالتحام بانه مجرد أكاذيب من نسج فلول نظام البشير المعزول، فيما كانت قيادات أخرى في الدعم السريع تتحدى في وسائل التواصل الاجتماعي الجيش السوداني بأن يصدر بيانا رسميا يعلن فيه هذا الخبر.
وأصدر الجيش بيانا مقتضبا أعلن فيه التحام الجيوش كواحدة من الخطوات المهمة والمرسومة. وعلّق مصدر عسكري مطّلع في الجيش السوداني على أن بيان الناطق الرسمي المختصر هدف إلى إخلاء مساحات لبيان أوسع وخطاب شامل من المقرر أن يلقيه رئيس مجلس السيادة والقائد العام من مكتبه في القيادة العامة متى ما اكتملت الترتيبات الأمنية.
خريطة تقريبية للسيطرة على الخرطوم (الجزيرة) كيف تم حصار القيادة العامة؟عقب اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، وفي نهار رمضانيّ، ارتفعت فيه درجات الحرارة حتى بحث قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" عن فتوى دينية تبيح لرجاله الإفطار.
في هذا الوقت كانت قوات الدعم السريع تهاجم مقر القيادة العامة للجيش بضراوة باحثة عن رأس القائد العام الجنرال عبد الفتاح البرهان، أو احتلال مقر قيادة الجيش لإعلان ترتيبات سياسية عبر انقلاب خاطف وسريع. لكن ذلك لم يتحقق بفضل استبسال قادة الحرس الجمهوري الذي قُتل عدد من ضباطه في ذلك اليوم.
وهنا يقول ضابط متقاعد للجزيرة نت، إن السور الخرساني الذي شيده البرهان حول مقر الجيش كان عائقا إضافيا منع قوات الدعم السريع من اقتحام القيادة العامة عبر كثافة النيران وكثرة سيارات الدفع الرباعي المزودة بمضادات أرضية وجوية ومدافع متعددة.
لكن منذ ذلك اليوم أطبقت قوات الدعم السريع حصارا محكما حول قيادة الجيش السوداني. ولم يكسر ذلك إلا خروج البرهان نفسه في 24 أغسطس/آب 2023 عبر عملية معقدة تمت في جنح الظلام يرفض الجيش حتى الآن الكشف عن تفاصيلها.
خريطة السودان وأم درمان و الخرطوم بحري (الجزيرة) خيارات فك الحصارطبقا لمصادر عسكرية تحدثت للجزيرة نت، فإن قيادة الجيش السوداني وضعت عددا من الخطط لفك حصار القيادة العامة الذي كان هاجسا مؤرقا لدرجة استخدام الطائرات المسيّرة في توصيل الدواء للمحاصرين. أما الإمداد بالغذاء فكان يتم عبر الإسقاط الجوي.
إعلانهنا يقول اللواء المتقاعد معتصم الحسن، إن ذلك الوضع كان يمثل أيضا ضغطا نفسيا على قيادة الجيش السوداني، كما يصعّب من عمليات استبدال القوات المنهكة، فضلا عن توفير الرعاية الطبية المتكاملة للقوة الكبيرة الموجودة في مقر القيادة العامة للجيش السوداني، والتي كانت تعمل في ظروف بالغة التعقيد.
وفقا لمصدر عسكري آخر تحدث للجزيرة نت، كانت الخطة الأولى أن يتم فك حصار القيادة العامة عبر استخدام جسر شمبات على النيل شمال الخرطوم بحري، وشق أحياء مدينة بحري من الناحية الغربية وصولا لجسر المك نمر على النيل الأزرق، ثم عبور وسط الخرطوم للوصول للقيادة العامة في الناحية الشرقية، وكان ذلك هو أقصر وأفضل الطرق للوصول للقيادة العامة من مدينة بحري.
لكن هذه الخطة تمت تنحيتها عقب تدمير أجزاء من جسر شمبات جعلته غير صالح للعبور بعد عملية عسكرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تبادل الجيش والدعم السريع إنكارها مع إصرار كل طرف على أن الآخر قد فعلها.
وكانت الخطة الثانية أن يتم الوصول إلى القيادة العامة عبر جسر الإنقاذ على النيل الأزرق الرابط بين أم درمان والخرطوم. وبالفعل وصلت طلائع هذه القوة في سبتمبر/أيلول الماضي إلى الجهة الشرقية من الجسر بالخرطوم في عملية أوسع استهدفت الاستحواذ على عدد من الجسور الرئيسة في العاصمة، وكان من بينها جسر الإنقاذ، وتقدمت هذه القوة حتى وصلت لملعب الخرطوم غربي المدينة، ثم انكمشت لتجعل دفاعاتها الأمامية في فندق هيلتون.
هنا يقول مصدر ميداني للجزيرة نت، إن المباني العالية ووجود قناصين للدعم السريع أبطأَ من حركة الجيش وأفسح مساحة للخطة الثالثة التي تستند على الحركة من جسر الحلفاية على النيل الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري بقوة قادمة من قاعدة وادي سيدنا، شمالي أم درمان، تلتحم بقوات سلاح الأسلحة بالكدرو ثم تمضي جنوبا للاقتران بقوات سلاح الإشارة في بحري المرتبطة بالقيادة العامة عبر جسر النيل الأزرق المجاور لجامعة الخرطوم وهو ما حدث مساء السبت.
الدخان يتصاعد فوق الخرطوم أثناء معارك الجيش والدعم السريع (أسوشيتد برس) الترتيبات النهائيةوقف رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على الخطط النهائية لفك الحصار عن القيادة العامة وانخرط في اجتماعات مكثفة مع أركان حربه في "وادي سيدنا"، ثم زار المتحركات العسكرية في منطقة "الكدرو".
إعلانوكان من المفترض أن يبقى طوال الأسبوع الماضي بأم درمان إلا أن مشاغل إدارة الدولة وإجازة الموازنة السنوية جعلته يعود لبورت سودان حيث مقر الحكومة المؤقت.
وطبقا لمصادر مقربة لقائد الجيش، عاد البرهان لأم درمان فجر أمس الجمعة ليؤذن ببداية العملية وظل حاضرا في محيط المنطقة حيث تحرك رفقة عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام الفريق ياسر العطا متفقدا بعض القوات المتقدمة، ثم أدى صلاة الجمعة دون سابق تخطيط ببلدة الشيخ الكباشي في شمال الخرطوم.
ويقول الوزير السابق عثمان الكباشي، سليل الأسرة الصوفية، إن أهل المنطقة فوجئوا بالزيارة وخرج الناس بشكل عفوي لاستقبال القائد العام الذي كان في عجلة حيث غادر البلدة عقب صلاة الجمعة مباشرة.
وأكدت مصادر للجزيرة نت أن البرهان ومساعده الجنرال ياسر العطا زارا الخطوط الأمامية في منطقة الجيلي، التي تقع فيها أكبر مصفاة للنفط في البلاد وكذلك قاعدة الكدرو العسكرية، ثم كان البرهان ومساعده حاضرين حينما تم رسميا إعلان اقتران الجيوش في جنوب الخرطوم بحري.
مفاضلة بين هدفينبحسب مصدرين عسكريين تحدثا للجزيرة نت، فإن القيادة العسكرية كانت تفاضل بين دخول مصفاة الخرطوم وفك الحصار عن القيادة العامة للجيش السوداني في هذا اليوم.
ورجَحت كفة عملية فك حصار القيادة أولا باعتبار أن مردودها العسكري والسياسي أكبر بل ستسهم في تسهيل عملية السيطرة على المصفاة بسبب ارتفاع الروح المعنوية للجيش الذي ظل في حالة انتصارات متتالية منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وفقا للمحل الإستراتيجي الدكتور أسامة عيدروس.
و هو ما تحقّق بالفعل، إذ انسحبت قوات الدعم السريع من المصفاة بعيد الإعلان عن فك حصار القيادة وفقا لمصدر عسكري رفيع تحدث للجزيرة نت، مضيفا أن الجيش كان حذرا أثناء تحرير المصفاة والذي تم بشكل كامل صباح اليوم الجمعة.
إعلان مسارات متعددة وهدف واحدبدأت عملية فك الحصار عن القيادة العامة بعد عبور الجيش السوداني لجسر الحلفاية في سبتمبر/أيلول الماضي. وقال مصدر أمني إنه تم تحديد 3 مسارات:
غربي يسير بموازاة نهر النيل وقد اقترب هذا المسار من الوصول لجسر شمبات من ناحية بحري. ومسار شرقي يشق منطقة كافوري وكوبر للوصول لجسر القوات المسلحة الرابط بين مدينة الخرطوم والخرطوم بحري. فيما المسار الثالث وهو الأوسط يستخدم شارع الشهيد محمد هاشم مطر (الإنقاذ سابقا) ويشق مناطق شمبات والصافية ليصل لسلاح الإشارة في جنوب الخرطوم بحري ومن بعدها يستخدم جسر النيل الأزرق للوصول للقيادة العامة.وحقق المسار الأوسط تقدما أسرع من غيره منذ يوم الثلاثاء الماضي وفقا لمصدر عسكري في الجيش السوداني، حيث إن قوات خاصة من الجيش السوداني استطاعت أن تداهم فجرا 7 ارتكازات لقوات الدعم السريع، وبعد هذه العملية الخاطفة باتت قوات الجيش السوداني القادمة من سلاح الإشارة في الناحية الجنوبية من محطة سكك حديد الخرطوم بحري.
وهنا لابد من الإشارة لجهد كبير قامت به قوات تتبع لجهاز المخابرات، فيما تقدمت القوات القادمة من الناحية الشمالية وتوقفت قبل مساكن إقامة الطالبات المسماة "داخلية إبراهيم مالك" حيث واجهت هنا قوة صلبة من قوات الدعم السريع كانت متحصنة في هذا المبني العالي وفقا لذات المصدر الميداني.
يوم الخميس الماضي، تمكنت قوات الجيش السوداني من السيطرة على مبنى الطالبات وباتت على مقربة من القوى الأخرى المتمركزة في نواحي محطة سكة الحديد.
ما قبل الالتحامباتت المسافة الفاصلة بين قوات الجيش السوداني القادمة من الشمال والجنوب نحو كيلومترين ونصف. وهنا يضيف المصدر الميداني الذي تحدث للجزيرة نت أنه تم ربط الاتصال اللاسلكي بين هذه القوة المتقدمة من أم درمان ومقر سلاح الإشارة، بل كنا نسمع صوت ذخيرتهم حينما يلتحمون مع العدو وفقا لتعبير المصدر.
إعلانتم تحديد ساعة الصفر بعيد صلاة الجمعة، ويشرح يوسف عبد المنان الصحفي المقرب من الجيش السوداني للجزيرة نت هذه اللحظات، حين اختار الجيش طرقا غير رئيسية للوصل بين قواته تفاديا لقناصة الدعم السريع كما استخدم تكتيكات خادعة. وفي نحو الخامسة مساء تم الالتحام وأعلن عنه عبر مصادر عسكرية في الجيش السوداني ثم لاحقا بات خبرا رسميا.
ثم ماذا؟
يقول اللواء معتصم الحسن إن ذلك يعني أن الجيش السوداني بات يملك سلسلة إمداد تبدأ من بورتسودان وتمتد حتى مدينة حلفا بأقصى شمال السودان.
ويشير الحسن إلى أن الالتحام يعني بداية المعركة الأخيرة؛ حيث يتعين على قوات الجيش توسيع مناطق سيطرتها شرقا وغربا داخل مدينة الخرطوم بحري، وهذا يسهم في تمزيق وتفكيك جسد ما تبقى من قوات الدعم السريع التي أصبحت الآن أمام خيارات صعبة في مدينة بحري لا تتجاوز الهلاك أو الاستسلام.
ويربط المقدم طيار متقاعد والصحفي علي ميرغني، هذه الخطوة بنظرية "رأس الجسر"، حيث تبدأ العملية العسكرية بطرد العدو من منطقة صغيرة ثم تتوسع دائرة السيطرة. ويقول ميرغني الآن يكمن التحدي في توسيع هذا الأمر وإدخال قوات إضافية توطئة للسيطرة على كل الخرطوم.
لكن الصحفي حافظ كبير، المقرب من قوات الدعم السريع، ينفي كل ذلك. و يقول إن قوات الدعم السريع موجودة بالخرطوم بحري وستقاتل وفق إستراتيجية عسكرية محددة سلفا.
ويضيف مصدر آخر في الدعم السريع، فضّل حجب اسمه، أن هذه تبدو المعركة الأخيرة وقد حشد الطرفان لها كل ما في وسعهما، لكن لقوات الدعم السريع مفاجآت وصفها بالمؤلمة وفي ولايات ظلت بعيدة عن نار الحرب وفقا لتعبيره.
لكن أسامة عيدروس، المتخصص في الدراسات الإستراتيجية، يقول "بعد فك الحصار تحول المشهد لتجد المليشيا (يقصد الدعم السريع) في الخرطوم نفسها محاصرة في جزر معزولة يسهل القضاء عليها ومن ثم تحرير كامل ولاية الخرطوم مما يعني فعليا تحويل المعركة بكاملها لغرب النيل".
إعلانويضيف أن كل ما يحتاجه الجيش بعدها هو وصل خطوط إمداده إلى مدن الأبيض وبابنوسة في كردفان، ثم إلى الفاشر في دارفور، وبعدها يكون من السهل عليه تطهير بقية مساحات دارفور المحتلة.
هل ثمة صوت غير البندقية؟
كيف سيؤثر تقدم الجيش السوداني وفكه الحصار عن قيادته العامة على مستقبل العملية السياسية في السودان؟ يجيب الدكتور سيف عطا المنان، الباحث والمحلل السياسي، بأن التقدم العسكري لن يجعل الجيش السوداني ميالا لخيارات التفاوض باعتباره متقدما ميدانيا ومدعومًا شعبيا.
أما اللواء معتصم عبد القادر، فيعتقد أن الجيش اختار مبكرا إستراتيجية الحسم العسكري وأن العمليات العسكرية ستمتد لتصل حتى دارفور حيث تقاتل الحركات المسلحة مع الجيش السوداني جنبا بجنب.
هنا يضيف الدكتور أسامة عيدروس أنه من السابق لأوانه الحديث عن عملية سياسية قبل القضاء على "التمرد" وكسر شوكته، ولكن لا يمكن إغفال أن المجلس السيادي ستتعزز سلطته وتتوسع قاعدة الاعتراف الدولي به بعد تحرير الخرطوم.
وبالمقابل، يعتقد حافظ كبير الصحفي المقرب من الدعم السريع، أنه لا مجال قريب لمفاوضات سلمية بعد هذه التطورات العسكرية في الخرطوم والفاشر التي باتت أقرب لسيطرة الدعم السريع، على حد تقديره.
وفقا لكثير من الخبراء ستضع معركة فك الحصار عن القيادة العامة والسيطرة على مصفاة الجيلي بصماتها على العملية العسكرية والسياسية في السودان، إن وصل الجيش السوداني مجددا لوسط الخرطوم إذ من المتوقع أن يحتدم الصراع حول القصر الرئاسي ومعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، حيث كفة الجيش هي الأرجح في هذه المعادلة.